تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الناقد الفني طارق الشناوي: فنانون يلوثون البئر ويشربون منها!

«لا تبصق في بئر تشرب منها»، حكمة قديمة لكن مع الأسف، كثيراً ما شرب الفنانون من آبار كانوا هم أول من لوثها. المصري القديم كان من وصاياه ألا نلوث ماء النيل، لأنه شريان الحياة، بديهي أن من يعيش في وطن لا يسبُّه، ومن يعيش أيضاً في وسط لا يسبُّه أو يشهِّر به، لكنني كثيراً ما دُهشت وأنا أقرأ قبل أيام تصريحات للمطرب اللبناني فضل شاكر، صاحب الصوت الدافئ، وهو يحيل صوته إلى سوط عذاب يلهب به كل من يعمل في الوسط الفني، اكتفى فضل في بداية هجومه بالوسط اللبناني، ولم يمتد إلى باقي العالم العربي، حيث وصفه بـ«الوسخ»، نعم بلا أي مواربة قال: «الوسط الفني اللبناني وسخ»!

بالتأكيد هذا الوصف عندما يعلنه فنان، في ظل إحساس عام للعديد من قطاعات الشعب بالرفض للكثير من ممارسات الوسط الفني، خاصة مع تنامي سطوة تيار محافظ في عالمنا العربي، يجعل أي محاولة للدفاع عن الفنانين مقضياً عليها تماماً، وغير مُصدَّقة، سوف يقولون لك: «شهد شاهد من أهلها».

الحقيقة أن الوسط الفني، وطوال التاريخ، نجد فيه تلك المشاعر الغاضبة والموجهة ضد دائرة الفن، تعلن عن نفسها بين الحين والآخر، مثلاً الفنان رشدي أباظة هتف مرة تحت قبة مجلس الشعب في مصر، الذي كان اسمه في تلك السنوات «مجلس الأمة» في نهاية الستينيات، صرخ رشدي قائلاً: «السينما همبكة»، وهو تعبير كان ذائعاً في مصر في تلك السنوات، بعد أن أطلقه توفيق الدقن، وهو يعني أن السينما بلا أخلاق، وهي شيء أقرب لممارسة الموبقات. كان الفنانون المصريون عقب هزيمة 67، خاصة في مجال السينما، قد واجهوا توقفاً إنتاجياً، وسافر قسط وافر منهم إلى بيروت بحثاً عن الرزق لتصوير الأفلام هناك، وكان لابد أن تتدخل الدولة، ولهذا عقد مجلس الأمة هذا الاجتماع، لكن انفلتت كلمات البعض خارج النص.

أتذكر مثلاً عندما ظهر الحجاب فوق رؤوس عدد من الفنانات، كانت تخرج من بعضهن كلمات تؤكد أنهن قد اهتدين للطريق المستقيم، وأنهن نادمات على تلك السنوات. ومثلاً نشرت شمس البارودي في أكثر من جريدة نداءً طالبت فيه بحرق كل أفلامها، وطلبت من منتجي هذه الأفلام أن يساعدوها على تحقيق ذلك. حسن يوسف أغلق مكتبه الإنتاجي وبدأ يتوجه إلى ممارسة مهن أخرى في التجارة  بعيدة عن الفن، إلا أنه بعد بضع سنوات عاد ليمثل فقط في المسلسلات الدينية، وبعد ذلك شاهدناه يؤدي دور أحد أزواج «زهرة» الخمسة، وبدأ ابنه عمرو يمارس التمثيل، وفوجئنا بأن شمس تظهر في أحد البرامج وهي تشيد به وبتمثيله، وكانت منقبة فاكتفت بالحجاب طبقاً لنصيحة الشيخ يوسف القرضاوي، وتغيرت علاقتها بالفن من رفض مطلق يصل في التحريم إلى درجة المطالبة بحرق نسخ أفلامها، إلى تشجيع مطلق للابن لاستكمال الطريق. صحيح أنها ترفض، وأظنها سوف تواصل الرفض، العودة لممارسة الفن، لكنها لم تمانع تشجيع ابنها وزوجها على استكمال الطريق.

سهير البابلي وسهير رمزي عادتا للفن بعد أن اعتزلتا وندمتا ثم مارستا التمثيل، حتى ولو كان بالحجاب لكنه لا يزال تمثيلاً. أغلب الفنانين المصريين عندما تسألهم عن مهنة الفن يقول إنها مشقة، ويتمنى أن أبناءه لا يتورطون في ممارستها. الغريب أن مصر حققت أعلى معدلات في توريث المهنة، أغلب أبناء الممثلين صاروا ممثلين وأغلب أبناء المطربين صاروا مطربين، ولم يتبق إلا نسبة ضئيلة صارت هي الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وهي سيطرة عائلات على مقدرات الفن الدرامي والغنائي في مصر.

مثلاً عادل إمام وقف مؤازراً لابنه محمد ودفع به للمقدمة، لكنه عندما سُئل عن ابنته هل يوافق على أن تمثل أجابهم: «أعترض بشدة، لأنني أرفض أن يقبلها أحد في العمل الفني». الغريب أن عادل إمام اختصر التمثيل في مجرد قبلة، كان من الممكن أن يقول إن ابنته لا تمتلك الموهبة ولهذا لم تتجه للتمثيل، خاصة أن عادل إمام يتناقض مع نفسه، فهو أكثر نجم انهال بالقبلات على العديد من نجمات مصر، سعاد حسني وشمس البارودي ويسرا ولبلبة وميرفت أمين وليلى علوي وإلهام شاهين وميسرة وشيرين وشريهان وشيرين سيف النصر ومعالي زايد ونورا وسهير رمزي، وصولاً إلى داليا البحيري وغيرهن، ورغم ذلك اعتبر أن القبلات حلال عليه وعلى ابنه محمد، لكنه حرَّمها على ابنته واعتبرها خادشة للحياء والرجولة، ولهذا لن يسمح لابنته بالتمثيل حتى لا يقبلها ممثل. نظرة قاصرة لا تليق بفنان، فما هو رأي عادل الحقيقي في كل النجمات اللاتي قبلهن؟!

الحقيقة أن كل ذلك يهون أمام قسوة الكلمات التي وجهت للوسط الفني، بالقياس لتلك التي أطلقها مؤخراً فضل شاكر قائلاً إن الوسط الفني في لبنان وسخ، ما الذي من الممكن أن يقوله المتطرفون دينياً لو أرادوا تحريم الفن أكثر من ذلك؟!

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078