العودة إلى المدرسة... خوف طبيعي من المجهول وسُبل مواجهة التنمّر والطفل المتذمّر
مع انتهاء العطلة الصيفية واقتراب موعد العودة الى المدرسة، يجب تحضير الطفل لتقبّل هذا التغيير في حياته، خاصة إذا كان ينضم إلى المدرسة للمرة الأولى، فلا بدّ من تهيئته نفسياً وجسدياً ليتمكّن من قبول فكرة الاستيقاظ مبكراً والالتزام بالقواعد والواجبات المدرسية، وبالتالي فإن تحضير الطفل لدخول المدرسة من الأمور التي يجب عدم إغفالها من جانب الوالدين، إذ يحتاج الطلاب بعد فترة الانقطاع الطويلة عن الدراسة إلى الدعم المعنوي لاستقبال العام الدراسي في جوّ من الطمأنينة والراحة، خاصّة أن الكثير من الأهل يُبالغون في إظهار قلقهم ويصارعون من أجل تأمين حاجات المدرسة ودفع الأقساط ويتجاهلون حالة الطفل النفسية.
يتطلب الاستعداد للدخول إلى المدرسة الكثير من الجهد العقلي والجسدي من جهة الطالب والوالدين، لا سيما أن الأطفال يرفضون دائماً الذهاب إلى المدرسة، خصوصاً بعد أشهُر من اللعب وعدم الانضباط خلال العطلة الصيفية، لذلك من المهم تحضير الطفل للبدء في مرحلة جديدة من حياته، وفي مقدّمها التحدّث معه بلغته وبقدرة استيعابه لهذا الموضوع من خلال إعطائه بعض التلميحات الإيجابية عن المدرسة وتشجيعه على قبول هذا التغيير الكبير الذي يطرأ على حياته.
- ما هي الاستعدادات المطلوبة لعودة الطلاب إلى المدارس؟
في هذا السياق، تنصح الأخصائية والمعالِجة النفسية ضحى الحلو "بألاّ تكون الأمّ عدائية فتجبر أطفالها على الذهاب إلى المدرسة، خاصة في مرحلة الروضة، فليس كل طفل مستعداً لخوض هذه التجربة والجلوس على مقاعد الدراسة والالتزام بالضوابط المفروضة، بل يحتاج بعضهم إلى مزيد من الوقت لتقبّل ذلك، وعلى الأهل إدراك هذا الأمر جيداً"، لافتةً إلى أن "على الأهل التحدّث مع أطفالهم وإعدادهم عقلياً ونفسياً وتفسير معنى المدرسة وما المتوقع أن يجدوه داخل أسوارها لتبديد خوفهم من المجهول. فالأمر سيكون صعباً في البداية، لكنه سيصبح اعتيادياً مع الوقت"، وتضيف: "على الأهل أيضاً أن يبدأوا قبل أسبوعين على الأقل من موعد عودة أبنائهم إلى المدرسة بتحضيرهم بهدوء من خلال ضبط أوقات نومهم في المساء وتذكيرهم بالدروس، فهذا يعيد الطفل إلى جوّ الدراسة ويسهّل عودته إلى المدرسة".
هكذا تتعاملين مع ذهاب طفلك للمرة الأولى إلى المدرسة
أما بالنسبة الى الأمهات اللواتي يواجهن ذهاب أطفالهن للمرة الأولى إلى المدرسة، فهي من التجارب الصعبة التي يمر بها الطفل، لأنه يذهب إلى مكان جديد بمفرده ويرى وجوهاً غريبة ويتعامل مع محيط غير مألوف، وعليه أيضاً تقبّل الأسوار العالية والقوانين المدرسية الملزم بتطبيقها. وفي المقلب الآخر، تعتبر هذه التجربة صعبة أيضاً على الأهل إذ يشعرون بالقلق إزاء قدرة الطفل على التأقلم مع محيطه الجديد، لا سيما إذا كان هذا الطفل رافضاً للمدرسة ويعبّر عن رفضه بالبكاء والصراخ. وتنصح المعالِجة النفسية الأهل "بزيارة المدرسة قبل بدء العام الدراسي، والتجوّل مع الطفل في أروقتها وتعريفه على أقسامها، فذلك يخفّف من قلقه وخوفه ويساعده على الشعور بالإلفة والمحبّة. ومن المفيد أيضاً اصطحاب الطفل إلى السوق ليختار اللوازم المدرسية بنفسه ويشتري ما يحلو له من حقيبة وزجاجة مياه وقرطاسية وألوان... على أن يتمّ ذلك بمرح وحماسة وضمن الميزانية المحدّدة له، فكل هذه الأمور تخفّف من توتره وتشجّعه بالتالي على الذهاب إلى المدرسة".
إلى ذلك، تؤكد منظّمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن نحو 2 في المئة من الأطفال في المرحلة الابتدائية يعانون حالةَ رفضٍ للمدرسة ويشعرون بضيق شديد من فكرة العودة إلى مقاعد الدراسة بعد فترة غياب طويلة، مؤكدين أن مشكلة رفض المدرسة تنشأ عادة عقب فترة من الغياب عنها بسبب العطلات أو حدوث تغيّر كبير كالبدء في الذهاب إلى مدرسة جديدة أو الانتقال من مرحلة الدراسة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة أو الثانوية.
وتشير المنظمة في تقريرها هذا العام الى أن "الطفل لا يُلام على رفضه الذهاب إلى المدرسة، لأن ما يعاني منه مؤقت، وهو نتاج تفاعل معقّد لعوامل متعدّدة تشمل الخوف من النظام والمربّي والقلق من الفشل والتنمّر وغيرها من الأمور التي تدفع الطفل إلى التذمّر ورفض الدراسة". وبالتالي إذا كان الطفل متذمّراً ويأبى العودة إلى المدرسة بعد الإجازة الصيفية، يُنصح بالتدخل بهدوء وعلاج هذا الرفض السلوكي من خلال دعمه وتشجيعه على الاسترخاء، وتحدّي الأفكار المُقلقة التي تسيطر على عقله من خلال مناقشة هذه المخاوف والتدخّل لطرد الشعور بالضيق وعدم الراحة.
طريقة التعامل مع الطفل المتذمّر
وفي هذا السياق، تؤكد الأخصائية أن "في حال تذمّر الطفل الشديد وصراخه المستمر خوفاً من المدرسة، يتوجب على الأهل دعمه بالتحدّث معه ومساعدته ليعبّر عن مشاعره بصدق وحرية وليتمكن من شرح التحدّيات التي يشعر بها، ليصار إلى تطوير خطة فعالة لإدارة مشكلة الطفل وحلّها بطريقة عاطفية سلسة، وكذلك يمكن الأهل طلب المساعدة من اختصاصي قبل أن تتفاقم المشكلة ويصبح التعامل معها صعباً".
وتضيف: "من المهم أن يُظهر الوالدان بعض التعاطف مع تذمّر الطفل من خلال الاستماع إلى أفكاره ومخاوفه، ومنحه لحظات من العاطفة الجسدية كاحتضانه وتقبيله وتقبّل رفضه للمدرسة ومواساته من خلال تشجيعه على الخطوة الجديدة في حياته، ومن المهم أيضاً تعزيز استقلاليته وثقته بنفسه. ولا بدّ للوالدين من أن يكونا لطيفين مع الطفل الرافض الذهاب إلى المدرسة لمعالجة سبب رفضه".
كورونا وتراجع رغبة الأطفال بالدراسة
من المعروف أن مدارس ما بعد جائحة كورونا لم تعُد كالسابق، فالوباء تسبب في تراجع رغبة الأطفال بالدراسة بسبب إقفال المدارس المتكرر لفترات طويلة واستبدالها بالتعليم عن بُعد من المنازل، وهو ما أدى إلى اعتياد الكثير منهم على إهمال الدراسة وعدم الالتزام بالواجبات المدرسية وبوجود والديهم إلى جانبهم بدلاً من المدرّس خلال فترة الدرس. لذلك ينصح الخبراء الأهالي بمساعدة الطفل على التكيّف مع الظروف الجديدة بعد فتح الحضانات والمدارس أبوابها بشكل طبيعي، وذلك من خلال خلق روتين يومي يساعد الطفل على العودة بسلاسة إلى المدرسة، والإنصات إلى المخاوف التي تنتابه وأخذها على محمل الجدّ والتحدث إليه بهدوء من أجل استعداده العقلي والبدني. ومن الضروري أيضاً فرض نظام على الأولاد في المنزل، يبدأ بإيقاظهم في الوقت نفسه صباح كل يوم مع ترك ما يكفي من الوقت للاستعداد للذهاب إلى المدرسة، وأن يُصار إلى وضع نهج يومي واضح وروتين فعال لأيام الدراسة وللإجازة لتشجيع الطفل على الالتحاق بالمدرسة، كما يُنصح بالحدّ من مشاهدة التلفاز واللهو بالهاتف والإنترنت خلال الدوام المدرسي، وكذلك تقليل الأنشطة خارج المنزل.
رفض العودة إلى المدرسة بسبب التنمّر!
في السنوات الأخيرة، يتعرّض الكثير من الأطفال للشتائم والتنمّر في المدرسة، وهو ما يُضعف ثقتهم بنفسهم ويشتّت تفكيرهم ويزيد من عدم رغبتهم بالذهاب إلى المدرسة، لذا تشدّد الحلو على ضرورة الشرح للطفل بأن التنمّر أمر خاطئ في كل الحالات، وتشجيعه على إبلاغ شخص راشد يثق به عن التنمّر أو السخرية التي يتعرّض لها من رفاقه أو المدرّسين في المدرسة. وتقول: "إذا كان طفلك قلقاً بشأن التنمّر ويرفض الذهاب إلى المدرسة لهذا السبب، فمن الضروري الانتباه لأي سلوك لديه ينمّ عن القلق أو العدائية ومخاطبته بصراحة حول هذه الأمور وتقوية شخصيته وحضّه على الاطمئنان بأن كل الأمور بخير وبأن أهله إلى جانبه في كل الظروف. ومن المهم أيضاً أن يكون الأهل على علم بإجراءات المدرسة المفروضة وسياساتها إزاء التنمّر للمحافظة على سلامة الأطفال.
وتضيف: "عندما يتعرّض الأطفال للتنمّر وللضغوط النفسية القاسية يصابون بصدمة تؤدي إلى كرههم للمدرسة، وقد يظهر هذا الرفض على شكل مخاوف وميول عدوانية مزعجة، إضافة إلى اضطرابات في النوم، وعدم القدرة على التركيز خلال الدراسة، وهو ما يؤدي مع الوقت إلى تراجع تحصيلهم العلمي".
إلى ذلك تطمئِن منظمة "اليونيسيف" الأهالي بأن التغييرات التي يعيشها الأطفال بالتزامن مع العودة إلى المدارس طبيعية، ولا تشكّل أي قلق عليهم، فهي تحدث بعد قضائهم لعطلة تزيد عن شهرين يتغيّر من خلالها العديد من الأمور. فإذا كان الأمر يتعلق بالسنة الأولى للطفل فعلى الأهل أن يبرهنوا عن قدرتهم على احتضان قلق أطفالهم والتعامل مع الأمر بقوة ولين، في حين يختلف هذا الأمر ويكون أقل حدةً بالنسبة الى الأطفال في المرحلة الابتدائية وإلى المراهقين الذين باتوا معتادين على المدرسة، وبالتالي رفضهم يكون فقط في البداية لرغبتهم في الاستمرار باللعب والتسلية، وللهرب من قوانين المدرسة والواجبات المدرسية اليومية.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة