تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ياسمين المصري: في 'سكر بنات' دخلنا منطقة المحرّمات

ظهورها الأول على الشاشة الفضيّة بدور نسرين في فيلم «سكر بنات» للمخرجة نادين لبكي، أوصلها إلى «كان»، ومشاركتها في فيلم «ميرال» للمخرج الأميركي جوليان شنابل أتاح لها السير على سجادة مهرجان البندقية الحمراء. تمثّل لأنها تريد أن تخرج كم الصراخ الكبير في داخلها. رغم أنها تقول إنها مواطنة عالمية فإنها تشدّد على هويتها الفلسطينية. إنها الممثلة ياسمين المصري. إلتقتها «لها» وكان هذا الحوار.


- والدك فلسطيني وأمك مصرية ومولودة في لبنان. كيف تحدّدين هويتك؟

أعتقد أن كل إنسان اليوم لديه مشكلة تحديد هوّيته، فالحدود الجغرافية تتلاشى أمامنا، وتكنولوجيا الاتصالات جعلت العالم قرية واحدة. لذا أشعر بأنه من الصعب على أي إنسان اليوم أن يحدّد هوّيته. والدي فلسطيني ووالدتي مصرية ولدت ونشأت في لبنان، وأنهيت دراستي الجامعية في فرنسا، أي كوّنت شخصيتي كإمرأة في فرنسا، وأعيش اليوم في أميركا مع زوجي هاني. يمكن القول إنني مواطنة عالمية. ولكن رغم ذلك أشدد على هويتي الفلسطينية، ربما لو لم تكن فلسطين محتلة لما كنت أشدد على أن أعرّف عن نفسي بأنني فلسطينية.

- بين هذه الثقافات الأربع إلى أي واحدة تشعرين بالإنتماء وأيها كان لها التأثير الأعمق في شخصيتك؟
يمكن القول إنني أجرّب أن أنتمي كل يوم إلى مكان معين، خصوصًا أن ظروف عملي تتطلب مني السفر الدائم. ولكن أكثر ثقافة أثرت بي هي الثقافة الفلسطينية لأنني تربيت مع أهل والدي وهم فلسطينيون. فأنا مثل أي فلسطيني يعيش في أي جزء من الكرة الأرضية أشعر بفلسطين في داخلي وهي القطعة التي تؤلمني أكثر. لذا أشعر بأنه علي أن أكون سفيرة لهذا الجزء من داخلي الطاغي على بقية الأجزاء.

- درست الفنون الجميلة في باريس. ما كان رد فعل أهلك خصوصًا أننا في العالم العربي نرى أن الدراسة في الخارج مرتبطة بمفهوم اختصاص علمي؟
عندما نلت شهادة الثانوية العامة انتسبت إلى كليّة الحقوق في بيروت، كان هدفي أن أصبح محامية أدافع عن حقوق أبناء بلدي، ولكن للأسف لا يحق لنا نحن الفلسطينيين أن نعمل في هذا المجال، حتى مدير الجامعة قال لي: «يا ابنتي أنصحك ألا تدرسي الحقوق لأنك لن تعملي فيها». تركت لبنان وسافرت إلى فرنسا، وانتسبت إلى كلية الفنون الجميلة قسم أداء حي وتكنولوجيا. وأهلي تفهّموا شغفي ولم يعترضوا على دراستي.

- نادرًا ما نسمع عن ممثلات فلسطينيات في العالم العربي، ما عدا ناديا لطفي من الجيل القديم. ما التحدي الذي تعيشينه؟ 
أن تكوني عربية وتنجحي في هوليويود، وتشاركي في أفلام في أوروبا تناقش المواضيع العربية. هذا النوع من السينما صعب جدًا لأنه قليل وحصته صغيرة في الإنتاج وليس تجاريًا يحصد مردودًا ماديًا وافرًا، لأنه يناقش مواضيع إنسانية عميقة لا ترفيهية.

- لديك شغف بالرقص، إلى أي مدى لديك جرأة خصوصًا أنك فلسطينية والمجتمع الفلسطيني تغيرت صورته إلى مجتمع أكثر محافظة؟
المجتمع الفلسطيني تغير كثيراً بعدما فقدنا الأرض تمسكنا ببعض، وأحببنا بعضنا إلى درجة كتمنا على أنفاس بعضنا، وهذا سببه الخوف من خسارة أنفسنا. الفلسطيني اليوم ليس لديه سوى العائلة ليتمسك بها، أنا نشأت في هذه العائلة التي تخاف من الخسارة. ولكن لا أظن أنني نموذج للبنت الفلسطينية التقليدية، شخصيتي فيها الكثير من الثورة. وأن أرقص وأتابع دروس الباليه منذ سن الخامسة فهذا ترف بالنسبة إلى الفلسطيني، ولكن حبي للرقص كان ولا يزال شغفًا، كنت دائمًا أرقص في أي مناسبة في غرفتي وحدي، إلى أن اشترى والدي ناديًا رياضيًا، وأقنعته بإعطاء دروس في الرقص، وقال لي طالما تعطين دروسًا للبنات فلا مشكلة. وعندما وصلت إلى فرنسا، أول شيء قمت به هو أنني تسجلت في صف رقص. المشكلة نظرة المجتمع العربي، وليس الفلسطيني فقط، إلى الرقص إما باعتباره فولكلوراً أو فنًا معيبًا، لم يدرك الناس بعد أنه فن قائم بحد ذاته، وأعتقد هذه النظرة السلبية سببها الفنانون لأنهم لم يطوّروه بعد، ولم يعد هناك من يكتب للسينما كما أيام تحية كاريوكاو وسامية جمال. للأسف الانحطاط الأدبي  والفني والفكري يؤثر كثيرًا في النظرة إلى الرقص وفي حياة الفنان بعامة.

- كيف تمّ ترشيحك للعب دور نسرين في فيلم «سكر بنات» لنادين لبكي؟
نادين كانت جارتي في باريس. عرّفني إليها صديقي توفيق أبو وائل، قال لي وقتها «أريد أن أُعرفك إلى نادين، بنت لبنانية لطيفة جدًا، وهي مخرجة وستحبينها كثيرًا». وبالفعل صرنا صديقتين وكنا نجتمع وبقية الفنانين العرب الذين يسكنون في المجمع السكني نفسه تقريبًا كل يوم ونتبادل الآراء ونحلم بتغيير العالم. ومن ثم أفاجأ بنادين تعرض علي دورًا في الفيلم.

 - الفيلم فيه كثير من الجرأة في طرح المواضيع. وفي دورك تتناولين مشكلة الفتاة التي فقدت عذريتها قبل الزواج. أي دخلت في منطقة  التابو. من اختار الدور؟
ألم تخشي منه خصوصًا أنه أول دور تقدمينه على الشاشة الفضّية؟ عندما أرسلت لي نادين النص لأقرأه، كنت أعرفها وأثق بها فهي صديقتي، لذا كان التعاون أسهل لأنه مبني على ثقة. وعندما قرأت السكريبت صرت أضحك، «سكر بنات» أضحكني منذ أن كان على الورق، وقلت أخيرًا بدأنا نضع التابو أو المحرمات على طاولة النقاش، ونكف عن النفاق والخبث والادعاء أننا مجتمع مثالي وأن ليس لدينا مشكلات. فإذا لم نتكلم على مشكلاتنا بطريقة محترمة لن نتطور. نادين تكلمت على مشاكل صعبة بالنسبة إلى جيل أهلنا فهم ليسوا جاهزين بعد ليروا مشهد السكر والشمع على الشاشة بهذا الوضوح، وشابة تكذب عما يتعلق بعذريتها. كما أنه فيلم ناقش للمرة الأولى في تاريخ السينما العربية دخول المرأة في مرحلة المينوبوز (سن اليأس) وكأننا في العالم العربي ليس لدينا نساء يدخلن في هذه المرحلة، وفتاة تغرم برجل متزوج، وهذه مواضيع نعيشها، وهي من صميم واقعنا.

- ألم تخشي رد فعل المشاهد الجنوبي لعكس صورة الشابة الجنوبية على هذا النحو في الفيلم؟
ضحكت عندما ذكرت الصحافة أنها من الجنوب، في الفيلم لم نحدد مذهب الشابة أو منطقتها ولكن الناس فسّروا على طريقتهم. كان همنا في الكلام الوارد في نص الشخصية ألا يقلل من احترام الدين الإسلامي، اجتمعت نادين وفريق عملها أكثر من مرة ليتأكدوا أن النص لا يحتوي على ما يثير أي نعرة دينية أو إهانة لمعتقدات المجتمع الإسلامي. و ما يحزنني أن هذا الفيلم صور في 2006، وآخر يوم من تصوير «سكر بنات» إسرائل شنت حربًا على لبنان.

- ما كان رد فعل أهلك عندما رأوك على الشاشة؟
فرحوا كثيرًا.

- أخذت دور فتاة لبنانية وتكلمت باللهجة اللبنانية، ألم تجدي صعوبة في ذلك؟
 هذه قصة ثانية. أنا كنت في داخل البيت أتكلم اللهجة الفلسطينية وفي خارجه أتكلم اللهجة اللبنانية. ولكن بعدما تخرّجت من المدرسة كنت جالسة مع والدتي وصديقتي ووجدت أنني أتكلم اللهجتين في الوقت نفسه، خفت وقررت أنني شخص واحد وليس إثنين وصرت أتكلم لهجتي، وعندما عدت إلى بيروت بعد ست سنوات تمرنت على اللهجة من جديد مدة شهر، وكنت أقع في مطب اللهجة أثناء التصوير ولكن الجميع كانوا يصححون لي.

- كيف تصفين الوقوف على السجادة الحمراء في كان، بعد أول فيلم تمثلين فيه؟
 أن تكوني في هذا المكان وسط نجوم عالميين، تجربة رائعة. أعتقد أنني محظوظة لأن أول فيلم مثلته بالصدفة أوصلني إلى كان لأقف وسط المشاهير وبقربي براد بيت وأنجلينا جولي. هذا العالم الذي أشاهده على التلفزيون صرت جزءاً من  مشهديته.

- هل أنت على تواصل مع نادين لبكي؟
علاقتي بنادين إنسانية بعيدة كل البعد عن العمل. رغم أنها هي التي فتحت لي أبواب السينما، فلو لم ألتقها كنت اليوم أعمل في مجال تصميم الأزياء. نادين كانت في زفافي موجودة معي كأختي، وكنا نضحك كأننا نعيش لحظة من لحظات «سكر بنات».

- ذكرت لي أنك كنت تنوين إطلاق مجموعة سراويل جينز. لماذا لم تنفذي المشروع؟
في سنة التخرج، كنت قد صمّمت  مجموعة من الجينزات وكنت أحضّر نفسي للسفر إلى الهند لتنفيذ المجموعة، ولكن جاءني عرض فيلم «سكر بنات». هذا المشروع في الانتظار، واسم المجموعة «فلافل» لأن الإسرائيليين أخذوا منا «الفلافل»، التصميم له علاقة بالكوفية الفلسطينية.

- صوّرت فيلم «المر والرمان» الفلسطيني في فلسطين. كيف تصفين لقاءك الأول ببلدك الأم؟
 كانت المرة الأولى التي أرجع فيها إلى فلسطين منذ ثلاثة أجيال علمًا أن أحداً من عائلتي لم يزرها قبلي. آخر شخص كان جدي. عندما ذهبت كنت محمّلة بكل أفراد عائلتي وأجيالها الثلاثة، أحلامهم وآمالهم وخيبات ظنهم وكل مشاعرهم. لم أكن أمثّل نفسي، لم أشعر لنفسي بل لمجموعة، شعرت بأنني كل لاجئ فلسطيني في العالم مثلي كبر في الهجرة ويتخيل شجرة برتقال وصيادا على شاطئ يافا، وفلسطينية ترتدي عباءة فلسطينية حمراء. الإسرائيلي يضيّع عليك أجمل لحظة لأنك لن تعرفي أين تبدأ خريطة بلدك بسبب نقاط التفتيش الكثيرة. عندما بدأنا نمر على نقاط التفتيش الإسرائيلية، كنت خائفة جدًا رغم أن جواز سفري فرنسي، وهذه إهانة لأنني أدخل إلى بلدي بجنسية غير جنسيتي الحقيقية. وطوال مرحلة تجاوزنا نقاط التفتيش كنت أغلي في داخلي وأردت أن أنفجر، لم يكن في مقدوري أن أبكي أو أضحك. لم يكن في مقدوري أن أعلن هويتي. في اللحظة التي أعود فيها إلى بلدي مفروض أن أكذب، لأنهم لو عرفوا بهويتي ربما لن يسمحوا لي بالدخول، كنت أنتظر أن أشم حبة تراب فلسطينية، فطوال الوقت كنت أسأل نجوى هل وصلنا؟ لم أكن أريد أن أفوّت لحظة وطوء قدمي أول شبر من تراب فلسطين. عندما وصلت بكيت بشدة، وحبست هذه الأحاسيس ونمت.

- في هذا الفيلم قمت بدور راقصة في فرقة شعبية. ما هي الرسالة التي أردت إيصالها؟
القصة واضحة، تعرض حياة واقع الفلسطينيات وأزواجهن في السجن. بالطبع ثمة لمسات درامية ولكنه صورة عن واقع معاش في فلسطين.

- إلى أي مدى إندمجت بالشخصية خصوصًا أنك لم تعيشي يومًا في فلسطين وبالتالي لم تخوضي التجربة الحقيقية لواقع المرأة الفلسطينية في فلسطين؟
 نجوى كانت صلة التواصل بيني وبين ما علي أن أعيشه، أمضيت معها الكثير من الوقت لأتعرف أكثر على الحياة في أرض فلسطين، مكثت في رام الله ثلاثة أشهر لتصوير الفيلم وكنا نتمرن مع فرقة الفنون الشعبية ست ساعات في اليوم. شعرت بأنني صرت منهم، وشعرت بأنني ولدت ونشأت في رام الله. مشكلتي أني أتقمص الدور خارج الأستوديو ليصبح أسلوب حياتي العادية.

- أليس هذا خطرًا عليك؟
 بلى، ويحتاج مني الى وقت حتى أخرج من الشخصية. لذا بعد التصوير أحاول دومًا أن أعود إلى لبنان وأكون مع أهلي، لأعود إلى شخصيتي.

- كيف كانت لحظة الفراق عن رام الله؟
 لحظة وداعي رام الله كانت صعبة جدًا، لأنه في كل مرة تدخلين إليها تظنين أنها آخر مرة وعندما تخرجين تفكرين أنها ستكون آخر مرة. أي لاجئ فلسطيني لديه جواز سفر غربي يعرف هذه اللحظات وأظن أنه يشعر بها. نحن خاضعون لمزاج مراهقين إسرائيليين، فالجنود الإسرائيليون جلّهم من المراهقين، تخيّلي مزاجهم يسيّر كل شعبي، فهذا مذل ومهين، أي إنسان عنده كرامة لا يمكنه أن يتحمل هذا. لدي أصدقاء فلسطينيون لديهم جواز سفر غربي ويمكنهم السفر إلى فلسطين لكنهم لا يتحملون هذه الإهانة لذا يفضلون أن يحلموا بفلسطين على أن يعيشوا واقع الذل الذي يمارسه الإسرائيلي.

- «ميرال» فيلم حمل اسم شخصية البطلة الفتاة المراهقة والممثلة كانت فريدا بنتو الهندية التي شاركت في فيلم slumdog millionaire وقمت بدور والدتها. والإخراج للأميركي جوليان شنابل، والقصة للكاتبة الإيطالية الفلسطينية رلى جبريل وعُرض في مهرجان البندقية. ماذا تقولين عن هذه التجربة؟
 «ميرال» خطوة إلى الأمام نحو المستقبل، كممثلة وكفنانة. التجربة رائعة لأنه أول فيلم عالمي يضم نخبة من الممثلين العرب والغربيين، والتقنيين أيضًا، وصوّر أيضًا في فلسطين. تعرّض الفيلم لحرب إعلامية من الصحافة الأميركية لا سيّما اليهودية، فجوليان شنابل مخرج أميركي- يهودي قرر أن يتحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني، مما شكّل صفعة للإسرائيليين إلى درجة أن جريدة «هآرتس»، ذكرت إن أخطر أمر حدث لإسرائيل بعد الانتفاضة الثانية هو فيلم «ميرال». حاربوا الفيلم نظرًا إلى النوعية الموجودة فيه، فهو يروي قصص أربع نساء، قصة السيدة التي ربتها هند الحسيني التي حولت بيتها إلى دار للأيتام، وأم رلى التي هي بنت فلسطينية اغتصبها زوج أمها. الفيلم يعرض مشكلة الإغتصاب وما يفعله بالمرأة وليس الاحتلال فقط.

- لماذا اختيرت بطلة الفيلم ممثلة هندية لا عربية؟
  تعرض الفيلم لانتقادات من الصحافة العربية لماذا أحضر هندية بدلا من عربية! هذه نظرة محدودة، فريدا ممثلة عالمية اختيرت ليس لأن ملامحها عربية بل لانعكاس البراءة على وجهها.

- قمت بدور والدة ميرال البنت المراهقة، أليس صعبًا أن تقومي بهذا الدور وسنك صغيرة؟
 هذا أصعب دور في حياتي، ولكن رلى وجوليان  كانا معي طوال الوقت، خصوصًا رلى كانت دائمًا في موقع التصوير، وكنت أستشيرها طوال الوقت وكل مشهد كنت أسألها عن الأحداث بالتفصيل ومشاعر ناديا، كنت أستلهم منها إحساسي كأم وماذا تشعر به ابنتي. فضلاً عن أن مكوثي في يافا التي جذوري منها جعلني أتقمص الشخصية بكل أبعادها الإنسانية والوطنية. كل بيت في يافا هو بيتي. كل صباح كنت أسير في شوارعها وأرى الإسرائيليين ساكنين في بلدي، أرى أناسًا جاؤوا من كل الكرة الأرضية ليسكنوا ويحتلوا يافا فقط لأنهم يهود وليسوا لأنهم أبناء البلد.

- كيف تم الاتصال  بجوليان شنابل؟
وكيلي في باريس اتصل بي وقال إن لدي تجربة أداء في محترف المصمم عز الدين عاليا فهو صديق جوليان الذي ينزل عنده كلما أتى إلى باريس. التقيت رجلاً ضخمًا يضع نظارتين صفراوين ويلقي عليّ تحية السلام عليكم، انبهرت وشعرت بالأمان في الوقت نفسه. في اليوم الثاني على لقائنا الأول التقيته في متحف لبيكاسو ومن ثم دعاني إلى غداء مع أصدقائه. ولا أخفيك أن أعصابي كانت متوترة وكنت أريد ان أعرف ما إذا كان سيأخذني للدور أم لا.

- كيف تصفين مشاركة «ميرال» في مهرجان البندقية؟
 أنا محظوظة فعلاً وأشكر الله على هذه النعمة. الفيلم الثالث الذي أمّثّل فيه يشارك في أهم مهرجان عالمي، كانت التجربة رائعة، وأذكر أنه عند نهاية آخر مشهد في الفيلم وقف الجميع واستمر التصفيق 15 دقيقة. كان المشهد مؤثرًا فعلاً. 

- زوجك ممثل ومنتج فلسطيني. ألا تشعرين بأن هناك تنافساً بينكما، وهل يتدخل في اختياراتك؟
قبل أن نكون زوجين كنا صديقين، اعتدنا على الصراحة بيننا، وكنا نتبادل الآراء. هو عاش تجربة هوليوود وأنا عشت تجربة أوروبا، خبراتنا تكمل بعضها. هاني يحب أن ينتج، أنا أحب الإخراج إضافة إلى التمثيل. الأمور التي نحاول تطويرها ليست متناقضة وإنما متكاملة، أنا أحب أن أكتب بينما هاني ماهر كمنتج. طبعًا نتجادل فهو من نابلس، وأنا جدي صعيدي فكلانا يتميّز بالعناد، أنما هناك احترام عميق بيننا.

- إلى أي مدى ساعدك الرقص في التعبير الجسدي في التمثيل؟
 من الأسباب التي تدفعني إلى التمثيل هو أنني فلسطينية. لو كنت سويسرية ربما كنت خبازة. أنا أمثل لأنني أريد أن أصرخ، أن أفجّر ما في داخلي. «ميرال» جزء من كم الصراخ الموجود في داخلي. وللسينما دور كبير في التأثير في المجتمع، خصوصًا أن نوع السينما الذي أنتمي إليه بعيد عن سينما البوب كورن. والرقص ساعدني كثيرًا في التعبير. فجسدي هو مصدر طاقتي ومحرك الإلهام لدي، هو لغتي وروحي والمكان الذي يشعرني بالحرية المطلقة حيث لا يحق لأي كان أن يفرض آراءه.

- هل عُرضت عليك مشاركات في أفلام مصرية؟
زرت مصر خلال عرض فيلم «سكر بنات» وعرض عليّ العمل هناك، ولكن لم أقبل هذه العروض. الذي أزعجني في مصر ليس الأدوار التي عرضت علي، وإنما طريقة العمل المختلفة، فأنا معتادة على إيقاع لم أجده في مصر وهذا أخافني. هم يعملون في الليل وينامون في النهار المفروض أن يرسلوا إليك السكريبت قبل أن يعرضوا عليك المشاركة والمفاوضة تكون مع مدير أعمالك.

- هل أنت من الممثلين الذين يخضعون لرؤية المخرج؟
أجل. لأنني لا أعمل سوى مع المخرج الذي أحترمه وأثق به، وهذا ما حدث في «سكر بنات» وكذلك في «المر والرمان» و«ميرال».

- رأست لجنة تحكيم مهرجان «أمل» في أسبانيا رغم صغر سنّك وخبرتك القصيرة. كيف تم اختيارك؟
 بصراحة خفت كثيرًا حين اختارني غالب جابر ابراهيم رئيس مهرجان «أمل» في أسبانيا الذي تعرض خلاله أفلام عربية ترجمت إلى الأسبانية. وضعت في موقع المسؤولية، ولكن أؤمن بأن الإنسان في أي مكان وجد فهو مسؤول بغض النظر عن الموقع الذي يشغله.

- شارك «ميرال» في مهرجان الدوحة السينمائي، ومهرجان أبوظبي، ومهرجان دبي السينمائي. كيف تصفين تجربة المشاركة في هذه المهرجانات العربية العالمية؟
 صراحة خاب ظني كثيرًا، لأن عندما نسافر إلى البندقية ولندن وباريس نلتقي الصحافة الأوروبية، فيما في أبو ظبي  لم ألتقِ صحافة عربية. صحيح أننا كرمنا ونزلنا في أفخم الفنادق ونلنا اهتمام المعنيين ولكن الصحافة كانت غائبة، لم يبذلوا جهدًا ليشاهد الصحافي العربي الفيلم ويساعد الجمهور ليشاهده. الفيلم من دون صحافة لا يصل إلى الناس. وكذلك الأمر في مهرجاني الدوحة ودبي. بعامة مهرجانات الخليج خيّبت ظني من حيث التغطية الإعلامية، فمعظم الصحافيين الذين التقيتهم لم يروا الفيلم وجاؤوا فقط ليهاجموه من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء مشاهدته ويعرفوا الرسالة التي حملها. كان لديهم حكم مسبق ولا يعرفون عما يتحدثون. وأعتقد أن القائمين على هذه المهرجانات أوروبيون وأميركيون ولا يعرفون الثقافة العربية، فلا يدركون مثلاً أهمية عادل إمام أو يسرا، بل يحضرون معهم شلتهم ويدعون نجوم هوليوود ويصورنهم ويقولون هذا مهرجان عالمي.

- ربما لأنه أشيع أنه إنتاج مشترك فرنسي - إسرائيلي؟
هذا ليس صحيحًا. هناك أشخاص يريدون طمس أهمية الفيلم ويشيعون هذا الأمر.  الشركة المنتجة هي باتيه لجيروم سيدو الذي أنتج كل أفلام جوليان شنابل. وهي أهم شركة إنتاج في فرنسا، والشخص الثاني فيها هو التونسي طارق بن عمار. ولكن لأن الفيلم صورت أجزاء منه في يافا والقدس، أي نحن في الأراضي المحتلة تحت الاحتلال الإسرائيلي كنا مضطرين للتعامل معهم، هناك شركة إنتاج إسرائيلية قبلت توظيف تقنيين وليعطونا إذن التصوير في الأراضي المحتلة وضع اسم شركة الإنتاج لنصوّر الفيلم في فلسطين، ولكن هذا لا علاقة له لا بهوية الفيلم أو بتمويله. كثر يحاربون «ميرال» وهذه إحدى الطرق. كان من واجب الإعلام العربي أن يحضن «ميرال» خصوصًا أن مخرجه يهودي لديه المصداقية والجرأة ليقف ويجاهر في نيويورك ويقول نحن ما نفعله في فلسطين خطأ ولا يحق لنا احتلالها وتشريد أهلها.

- تنتقدون دائمًا الأفلام التجارية وتقولون إنها أفلام البوب كورن ولكن هوليوود استطاعت أن تغسل أدمغة الناس من خلالها، وتسوّق لأميركا الحلم. كيف تحققون هدفكم إذا لم تستطيعوا إيصال رسالتكم إلى المجتمع بمختلف شرائحه ويبقى هذا النوع من الأفلام ضمن دائرة محددة وهي المهرجانات؟
صحيح، صعب أن تحققي سينما تضمن لك الاكتفاء الفكري وتصل إلى الجماهير البسيطة. أعتقد أن «سكر بنات» هو الفيلم الوحيد الذي حقق هذه المعادلة. و«ميرال» من هذا النوع ولكن للأسف وضعوه في خانة سينما المهرجانات والنخبة. المجتمع لم يعد غبياً، ولم يعد الناس مأخوذين بأفلام المقاولات ويريدون الأفلام الجدية التي تطرح مشكلاتهم من دون تسخيفها، وصاروا يبحثون عن الأفلام التي لا تعرض في صالات السينما، عبر الإنترنت والفضائيات.

- لماذا لم يعرض «ميرال» في مهرجان بيروت للسينما؟
لا أعرف، ممكن التوقيت لم يكن مناسبًا. كان من المفروض أن يعرض في صالات العرض اللبنانية لكنه لم يعرض.

- تعرفت إلى المجتمع الفلسطيني وأنت شابة. هل أصبت بالصدمة الواقعية أي هل تغيرت صورة فلسطين التي رسمت وخزنت في ذاكرتك من خلال أهلك، عن فلسطين التي رأيتها في الواقع؟
طبعًا كان قلبي يتقطع أثناء التصوير ما مثلته كان من مشاعر الحقيقة الواقعية.

- هل هذا يعني أنك لاحظت  تغيرًا في شخصية المجتمع الفلسطيني؟
 للأسف أجل، رأيت شبابًا في يافا تجار مخدرات وشبابًا في السجون وآخرين متعلمين لا يستطيعون العمل بشهاداتهم، جزء لا يعرف هويته، مجتمع مشرذم. عندما نجتمع وأصدقائي الفلسطينيين لا نقول ماذا نفعل لنتخلص من الإحتلال بل نفكر في ما علينا فعله بعد الاحتلال، كيف يمكن إنقاذ مجتمع العلاقات الأسرية فيه تأثرت بشكل سلبي جدًا.

- هل منحك المجتمع الأوروبي عدالة أكثر من العالم العربي؟
 طبعًا في اليوم الأوّل لوصولي إلى فرنسا تلقيت رسالة ذُكرت فيها حقوقي في الطبابة مجانًا من علاج ودواء. لذا كل ما يقال عن حرماننا من حقوقنا في العالم العربي لا سيما في لبنان سببه الخوف من التوطين، وضياع حق الفلسطيني بالعودة كذب، لأنه ليس هناك مبرر في العالم يحرم الطفل الفلسطيني حقه الذهاب إلى مدرسة، أو يحرم سيدة عجوزاً حقها بالعلاج والطبابة.

- هل لك صداقات مع سينمائيين فلسطينيين؟
نعم خصوصًا الذين يعيشون في فلسطين. فالشباب الفلسطيني الذي يعيش في  الداخل يعاني كثيراً، فهم لا يريدون الرحيل، والعالم العربي للأسف يقاطعهم بسبب جنسيتهم الإسرائيلية. وضعهم صعب وبرأيي هم أهم جزء من الشعب الفلسطيني لأنهم يرفضون التخلي عن فلسطين ويجلسون على قلوب الإسرائيليين.

- هل يمكن أن تري نفسك في هوليوود؟
 لم لا. قد لا أقدّم عملاً عن فلسطين، ولكن قد أقدم عملاً يريهم نجاح الفنان العربي وقدرته على المنافسة.

- ما هي التجربة التي تتمنين خوضها؟
أتمنى أن أكون أمًا. التجربة الأنثوية لا تكتمل إلا حين تصبحين أمًا. بعد «ميرال» شعرت بأنني كبرت عشر سنوات وفي الوقت نفسه صغرت، عشت مرحلة المراهقة وانتحلت شخصية أم لابنة مراهقة.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079