أسباب منع فلة من دخول مصر
ثماني ساعات من المفاوضات والاتصالات الهاتفية والفاكسات في مكتب أحد قادة شرطة مطار القاهرة، وضعت المطربة الجزائرية فلة في حالة من الغضب الشديد... قبل أيام جاءتها أخبار تؤكد أن أزمتها انتهت، وقرار منعها من دخول مصر الذي أصدرته وزارة الداخلية ألغي. وبناء على هذه المعلومات حضرت إلى القاهرة لحضور مهرجان الموسيقى العربية، ولكنها اكتشفت أنها ما زالت ممنوعة من دخول الأراضي المصرية على ذمة قضية آداب تعود إلى عام 1996. "لها" رصدت تفاصيل ما حدث في المطار، بداية من وصول فلة وانتهاءً بتسفيرها إلى بلادها.
تابع رجال شرطة مطار القاهرة ركاب الطائرة رقم 846 الآتية من الجزائر، وبدأت رحلة معاينة أوراق الركاب. وتوقف الضابط أمام أوراق المطربة فلة مواليد 1961، وتحمل جواز سفر جزائرياً رقم 2043449. ظهر الانفعال على وجهها وهي تؤكد للضابط أنها مطربة معروفة وأوراقها سليمة، فهي تحمل تأشيرة دخول من القنصلية المصرية في الجزائر، ولديها دعوة من وزارة الثقافة المصرية للمشاركة في مهرجان الموسيقى العربية.
كانت ترافقها ميرة بهلول التي تتولى شؤون ملابسها. لكن ضابط جوازات مطار القاهرة استأذن المطربة بأدب وطلب منها أن تنتظره لدقائق، وأسرع الضابط الخطى متجهاً إلى مكتب رئيسه، وبدأ يضغط أزرار الكمبيوتر ليتبيّن موقف المطربة الجزائرية. وتوقفت عيناه عند صفحة خاصة بفلة تحت عنوان "ممنوعة من دخول البلاد". عندها طبع مضمون الصفحة الذي يتضمن سابقة اتهام فلة في القضية رقم 4275 جنح مدينة نصر، وصدر الحكم ضدها حضورياً بالسجن ثلاث سنوات بتهمة مخلة بالآداب العامة، وصدر قرار وزير الداخلية بترحيلها إلى خارج البلاد.
وفي 20 حزيران/يونيو 1996 صدر قرار وزاري بمنع فلة الجزائرية من دخول البلاد أو الغناء فيها، وأدرج اسمها في كل المطارات والموانئ، وعلى الفور أبلغ ضابط المطار رؤساءه الذين طلبوا منه تنفيذ هذه التعليمات.
تعليمات عامة
عاد الضابط إلى المطربة الجزائرية، واعتذر لها عن عدم السماح بدخول الأراضي المصرية على ذمة القرار السابق... جن جنون فلة التي ارتفع صوتها لتؤكد أنها كانت مظلومة وضحية لقضية آداب ملفقة تعتمد على تسجيلات محادثات هاتفية لا تؤكد إتيانها بأي فعل سيِّئ. طلب منها الضابط أن تهدأ، وأكد لها أنه ليس طرفاً في هذه المشكلة، فأخبرته بأنها لم تأت من تلقاء نفسها، بل تلقت دعوة من دار الأوبرا ووزارة الثقافة المصرية للمشاركة في الدورة الحادية عشرة من مهرجان الموسيقى العربية. وأضافت أن المسؤولين أكدوا لها أن مشكلة منعها من دخول مصر انتهت. والتزم الضابط الصمت انتظاراً لانتهاء ثورة فلة، وكرر أنه ينفذ تعليمات وزارة الداخلية.
وعاودت المطربة الجزائرية الاتصال بمسؤولي دار الأوبرا الذين أرسلوا إليها مندوب العلاقات العامة في مطار القاهرة في محاولة لاحتواء مشكلتها، لكن ضباط شرطة المطار رفضوا التزحزح عن موقفهم، وأكدوا لمندوب الأوبرا أن قرار منعها من الدخول يرتبط بتعليمات عامة تنطبق على أشخاص عدة، وأن الأمر ليس موقفاً شخصياً من المطربة الجزائرية. وأجرى أحد مسؤولي وزارة الثقافة اتصالات بقيادات شرطة المطار في محاولة لحل المشكلة، خصوصاً في ضوء ما تردد مسبقاً بأن اسم فلة رفع من قوائم الممنوعين من دخول البلاد. وتدخل أحد مسؤولي أمن المطار، وطلب من رجاله استقبال المطربة الجزائرية ومساعدتها في مكتب الانتظار.
بدأ الضابط الكبير اتصالاته بوزارة الداخلية لاستطلاع الأمر، وتم إخطار جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) بمضمون مشكلة فلة ومنعها من الدخول، فأكد مسؤولو الجهاز أن قضيتها جزائية في المقام الأول. وبدأت اتصالات أخرى بقطاع الأمن العام، فأكد مدير الإدارة العامة لمباحث وزارة الداخلية أن فلة اتُّهمت عام 1996 في قضية آداب تحمل رقم 4275 مع آخرين، وحُكم عليها حضورياً بالسجن ثلاث سنوات بعد ثبوت تسجيلات تدينها، وصدر قرار وزارة الداخلية بترحيلها خارج البلاد.
أكد مدير مباحث وزارة الداخلية أن الحكم سقط ولم تعد مطلوبة للعدالة، وأضاف أن الأمر لم يعد يخص جهاز الأمن العام، فسارع نائب مدير شرطة المطار إلى الاتصال مرة أخرى بجهاز الأمن الوطني لعرض هذه المعلومات التي أكدت أن فلة ليست مطلوبة بعد سقوط الحكم الصادر ضدها بمضي الفترة القانونية.
أجرى مسؤولو الأمن الوطني بدورهم اتصالات واسعة مع مسؤولي وزارة الداخلية في ساعة متقدمة من الليل، وبعد ساعات صدر القرار لأمن مطار القاهرة بالاستمرار في منع فلة من دخول البلاد، على أساس أنها لم تحصل على البراءة، لكن الحكم سقط بمرور المدة، ولأجهزة الأمن الحق في تطبيق محاذير المنع من دخول البلاد لأشخاص معيّنين مدانين في قضايا مخلة بالشرف. وأبلغ نائب مدير شرطة المطار المطربة الجزائرية بهذا القرار النهائي، وطلب منها الاستعداد للعودة إلى الجزائر، وفشلت محاولات فلة في الوصول لأي صيغة توافقية.
مفاوضات
في صباح اليوم التالي حجزت تذكرتان لفلة ومساعدتها في الطائرة رقم 845 المتجهة من القاهرة إلى الجزائر، وعادت المطربة الجزائرية أدراجها بعد ساعات من المفاوضات التي لم تسفر عن شيء، وقبل مغادرتها أكدت أنها تلقت اتصالات من شخص معروف في الوسط الفني أخبرها أنه أجرى اتصالاته وتأكد من رفع اسمها من القوائم السوداء. والجدير بالذكر أن هذه المحاولة هي الثانية للمطربة الجزائرية لدخول مصر، فقد حاولت قبل أعوام بوساطة من المطربة السورية أصالة وزوجها المخرج طارق العريان، لكن أجهزة الأمن رفضت السماح لها بالدخول وأعيدت يوم وصولها.
وأكد مصدر أمني لـ"لها" بأن القوائم السوداء ليس لها علاقة مباشرة بصدور أحكام قضائية، بل تتعلق بأشخاص ليس من المستحب دخولهم البلاد لأسباب تتعلق باتهامهم في قضايا مخلة بالشرف، ولهذا لم يتم القبض على فلة التي خرجت من البلاد قبل صدور الحكم بحبسها بشكل نهائي، وبعدها صدر قرار بمنعها من دخول البلاد. ويسري هذا القرار حتى مع سقوط الحكم القضائي الصادر بحقها، وهذا حق لوزارة الداخلية لا تسقطه سوى الأحكام القضائية ضد القرار المعني.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024