تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

احتفالات اليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث الثانية في بريطانيا

اتّجهت الأنظار في الثاني من حزيران (يونيو) إلى شرفة قصر باكينغهام مع إطلاق الملكة إليزابيث الثانية احتفالات اليوبيل البلاتيني في ذكرى مرور سبعين عاماً على اعتلائها العرش، وهي مدة قياسية في مرحلة انتقالية للعائلة الملكية البريطانية. وعُلّقت الأعلام والصور العملاقة في كل شوارع المملكة المتحدة فيما نصب عشّاق العائلة الملكية الخيم في لندن ليكونوا في الصفوف الأمامية للاحتفالات باليوبيل البلاتيني لأشهَر ملكة في العالم، التي باتت صحّتها تتراجع وهي في سنّ السادسة والتسعين.


تعتلي الملكة إليزابيث الثانية العرش منذ 70 عاماً، وهي ثالث أطول مدة جلوس على عرش دولة ذات سيادة في العالم. وأصبحت إليزابيث ملكة بعد وفاة والدها الملك جورج السادس في 6 شباط (فبراير) من عام 1952.

الاحتفالات باليوبيل البلاتيني، وهي الأولى لأحد الملوك في التاريخ البريطاني، امتدّت على 4 أيام متواصلة وشهدت استعراضات ومواكب عسكرية وحفلات موسيقية في القصور الملكية وفي الشوارع. وقد شارك أكثر من 12 مليون شخص في الاحتفالات في مختلف أنحاء بريطانيا، وهذا رقم قياسي جديد مقارنةً باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث البالغة من العمر 96 عاماً.

ولهذه المناسبة، توجّهت الملكة برسالة خطّية قالت فيها: "شكراً لكل من شارك في عقد تجمّعات، وللأسر والجيران والأصدقاء للاحتفال بيوبيلي البلاتيني، سواء في المملكة المتحدة أو في أنحاء الكومنولث. أتمنى أن تكون الأيام المقبلة فرصة للتفكير في ما أُنجز خلال الأعوام السبعين مع التطلّع إلى المستقبل بثقة وحماسة".


سبعون عاماً من العطاء

لم يسبق لأي عاهل بريطاني أن جلس على العرش لهذه الفترة الطويلة. ومن غير المرجّح أن يحقق أي ملك آخر ذلك. فالأمير تشارلز وريث العرش يبلغ من العمر 73 عاماً، فيما نجله وليام سيحتفل بعيده الأربعين قريباً.

انطلقت الاحتفالات وتخلّلتها عروض ومسيرات وحفلة موسيقية كبيرة، بعرض عسكري سنوي يُعرف باسم "تروبينغ ذي كولور" بمشاركة الأمير تشارلز على صهوة حصان على غرار ما كانت تفعل والدته، فيما حلّقت طائرات في الأجواء.

وخرجت الملكة إلى شرفة قصر باكينغهام، إحدى أشهر الشرفات في العالم حيث تحتفل العائلة الملكية بالأحداث المهمة منذ القرن التاسع عشر. علماً أن مشاركة الملكة، البالغة من العمر 96 عاماً، في مناسبات عامة باتت قليلة في الفترة الأخيرة، لأن صحتها لم تعُد على ما يرام، وقد أُدخلت المستشفى في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حيث أمضت ليلة وألغت كل مشاركاتها تقريباً في المناسبات الرسمية ليحلّ مكانها الأمير تشارلز.

تألقت الملكة بزيّ أزرق اللون واستندت إلى عصا، ووقف إلى جانبها الأفراد الرئيسيون في العائلة وأطفالهم. ولم يكن بينهم الأمير هاري وزوجته ميغان، إذ تابعا العرض من مبنى آخر. وغاب أيضاً الأمير آندرو، نجل الملكة الذي دفع ملايين الدولارات لحفظ شكوى ضده بارتكاب اعتداء جنسي. وللمرة الأولى، تلقّت الملكة إليزابيث التحية من 1500 جندي وضابط من شرفة قصر باكينغهام. وحلّقت طائرات بريطانية فوق القصر ضمن الاحتفالات المهيبة.

وبعد الظهور على شرفة قصر باكينغهام، شاركت الملكة مساءً في مراسم إضاءة مصابيح من قصر ويندسور غرب لندن، وفي دول الكومنولث البالغ عددها 54.

يوم الجمعة 3 حزيران (يونيو)، أقيم قدّاس شكر في كاتدرائية القديس بولس في لندن بمشاركة كل أفراد العائلة، بمن فيهم هاري وزوجته ميغان. إلا أن الملكة تغيّبت عن ذلك القداس بسبب إحساسها "ببعض الضيق" ومعاناتها من صعوبة في المشي، فانتفت بذلك فرص اجتماع كل أفراد العائلة في مناسبة واحدة.

تغيّب أيضاً عن القدّاس الابن الثاني للملكة، الأمير أندرو إثر إصابته بـ"كوفيد 19"، علماً أنه جُرّد من مهامه الرسمية على خلفية علاقات له بشخصين مُدانَين بإساءات جنسية.

حفل غنائي ضخم

يوم السبت 4 حزيران (يونيو)، غابت الملكة إليزابيث عن سباقات "دربي إبسوم" للخيول، التي تلتها حفلة موسيقية كبيرة التزاماً بنصيحة الأطباء، لكنها افتتحت الاحتفال بمقطع هزلي سُجّل سرّاً لها مع "دب بادنغتون"، وهو شخصية خيالية محبّبة من أدب الأطفال. في هذا المقطع، شرب الاثنان شاياً بالكريمة في قصر باكينغهام في مشهد تعمّه الفوضى، حيث يشرب الدبّ الشهير الشاي مباشرةً من الإبريق ويرشّ، من غير قصد شيئاً من الكريمة على الخادم. ثم يكشف الدبّ لاحقاً أنه يحمل دائماً مخزون طوارئ من وجبته المفضّلة وهي شطيرة من مربّى البرتقال. تردّ عليه الملكة وهي تبتسم قائلة "وأنا كذلك"، قبل أن تفتح حقيبتها وتقول: "أحتفظ بشطيرتي هنا".

وأعاد هذا المقطع للجمهور ذكريات لقاء الملكة مع جايمس بوند في حفل افتتاح الألعاب الأوليمبية في لندن عام 2012، عندما بدا وكأن الملكة تنقضّ على الاستاد من السماء مع العميل السرّي.

شهد الحفل الذي شارك فيه عدد كبير من النجوم حضور 22 ألف شخص احتشدوا في شارع "ذي مول" لمشاهدة العروض التي قدّمتها طائفة متنوعة من الفنانين الموسيقيين، بالإضافة إلى نجوم المسرح والشاشتين الصغيرة والكبيرة ومشاهير في عالم الرياضة.

تخلّلت الحفل أغنيات للسير إلتون جون وجورج إزرا وكريغ ديفيد ودوران دوران وأليشيا كيز والفائز بالمركز الثاني في مسابقة "يوروفيجن" سام رايدر، بينما جعل أداء السير رود ستيوارت لأغنية "كارولاين الجميلة" الأمير ويليام وأفراد عائلته يتمايلون في مقاعدهم انسجاماً مع الأغنية. واختتمت الحفل المغنية دايانا روس، في أول أداء مباشر لها في بريطانيا منذ 15 عاماً.


تعبير عن الامتنان

خلال هذا الحفل، اعتلى الأمير تشارلز المسرح وعلّق على ما وصفه "بفيض مشاعر الدفء والمحبّة خلال عطلة نهاية الأسبوع الخاصة باحتفالات اليوبيل".

وقال تشارلز موجّهاً كلامه لوالدته: "أردت أن أعبّر، بالأصالة عنا جميعاً، عن مشاعر الامتنان لخدمتك المتفانية طوال حياتك... كان والدي سيستمتع بهذا الحفل وينضم إلينا بإخلاص للاحتفال بكل ما تواصلين فعله من أجل بلادك وشعبك". وتابع تشارلز قائلاً إن الملكة واصلت صنع التاريخ وجعلت من الكومنولث قوة مهمة للخير. وأضاف: "مع ذلك، كان هناك متسع من الوقت للمرح في خضم العمل. ضحكتِ وبكيتِ معنا، والأهم من ذلك أنك كنتِ موجودة من أجلنا، خلال هذه السبعين عاماً". وأكد تشارلز أن خدمة الشعب هي التي كانت "توقظ والدتي من النوم في الصباح"، وشكرها نيابةً عن العالم.

كما تحدّث الأمير ويليام خلال الحفل، حيث ركّز على سجّل عائلته في إثارة الانتباه الى المخاطر التي تتربّص بالكوكب، مؤكداً تفاؤله باتحاد الناس من أجل حمايته.

اختتام مهيب للاحتفالات

يوم الأحد 5 حزيران (يونيو)، اليوم الأخير من الاحتفالات باليوبيل البلاتيني لجلوس الملكة على العرش، اختُتم بموكب ضخم بالقرب من قصر باكينغهام. وقد صوّر موكب اليوبيل البلاتيني، وهو موكب كرنفالي أُقيم في شارع "ذي مول"، الذي يربط قصر باكينغهام بميدان "ترافلغار"، لحظات أساسية من العقود السبعة التي أمضتها الملكة على العرش. كما تضمنت فعاليات الموكب مشاركات لعدد من النجوم، وعرضاً لدمى ضخمة. وأُقيمت حفلات الشوارع في كل ربوع المملكة المتحدة.


عربة ملكية مذهّبة

من الصعب تجاهل العربة الملكية المذهّبة خلال الاحتفالات باليوبيل البلاتيني لجلوس الملكة إليزابيث الثانية على العرش. فهذه العربة، المعروفة بأنها غير مريحة، كانت محور الاحتفالات في ذروتها، ومرّت في طريق التتويج من كنيسة وستمنستر أبي إلى قصر باكينغهام يوم الأحد 5 حزيران (يونيو).

هذه العربة، البالغة من العمر 250 عاماً، وزنها أربعة أطنان، وهي منحوتة بشكل مزخرف ومذهّبة بطريقة فاخرة، وتذكّر بالثروات والمجد الذي طال أمده، وبهيمنة بريطانيا على قارات ومحيطات.

وقد ركبتها الملكة في حفل زفافها، وخلال تتويجها، ولحضور عشرات المراسم الافتتاحية الرسمية للبرلمان، ومواكب اليوبيل الفضي والذهبي. ولكن العربة كانت في هذا اليوبيل فارغة.

تقود العربة ثمانية خيول من نوع "وندسور غراي"، وأكثر ما يميزها هو منحوتاتها الرائعة.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079