المرأة في السياسة - النائب بولا يعقوبيان الكوتا هي تصحيح لخطأ تاريخي بحقّ المرأة
النائب بولا يعقوبيان، تجربة فريدة في عالم السياسة في لبنان. امرأة صلبة، قويّة، مثابرة، تعرّضت لهجومات شخصيّة عدّة لإجبارها على الانسحاب من الساحة السياسية. فقاومت، وكافحت، وردّت الهجوم بهجوم، ولم تنكفئ. سرّ هذه المرأة المعارضة والمناضلة في عالم السياسة، في هذا الحوار.
فيديو: سيرج أبي عقل
- بولا يعقوبيان، من الإعلام الى السياسة، ما الجامع بينهما؟ وماذا اكتشفت في عالم السياسة؟
(تضحك) اكتشفت الكثير… وصدمت بالكثير. اكتشفت خفايا اللعبة السياسية في لبنان وتناوب الأدوار بين الأحزاب والأطراف المختلفة، وتواطؤ الجميع على الشعب في لعبة هي أشبه بمسرحية، توزّع فيها الأدوار بهدف الحفاظ على مصالح هؤلاء على حساب المصلحة العامّة ومصلحة الوطن. بعد سنوات من العمل في مجال الإعلام، كنت خلالها أعتقد انني أعرف عالم السياسة عن ظهر قلب، اكتشفت أنني لا أعرف شيئاً. وها أنا أكتشف كلّ يوم جديداً مؤلماً فيه.
- هل صدمك عالم السياسة بعدما صرت جزءاً منه؟
نعم، لقد صدمني. صدمني تواطؤ الأحزاب مع بعضها البعض، وتوزيعها الصفقات على بعضها البعض، وكيف تتفق في ما بينها على حدود الخلاف والأهمّ من كلّ هذا كيف تتنصّل من المسؤولية، كي يظلّ كلّ طرف منها مسؤولاً عن شارعه وممسكاً به. وهكذا يرجعون كلّهم الى البرلمان بأحجامهم الحالية: «كلن يعني كلن». مع الأسف، بعد وصول البلاد الى الحضيض، ما تزال اللعبة المافيوية هي هي.
- كيف تستقبل المرأة في عالم السياسة الذكوري؟
المرأة والرجل اللذان ينتميان الى المعارضة الحقيقية أيّ انهما من خارج التركيبة الحاكمة، لا مكان لهما في الساحة السياسية في لبنان… لكن لا شكّ في ان الهجوم على المرأة يكون ذكورياً وتحارب في حياتها الشخصيّة. أتحدّث في السياسة، فيردّ عليّ في المجال الشخصي.
{تعرّضت لحملات تجريحية لا تنال فقط من أدائك المهني بل من شخصك وحياتك الشخصية، وتصدّيت لها برباطة جأش. والغريب ان هذه الحملات تعرّضت لها كلّ امرأة في مركز سياسي مهمّ، أكانت في الموالاة أم في المعارضة. هل هناك توافق ذكوري على ممارسة ضغوط شخصية على المرأة للنيل من عزيمتها؟
في المجال السياسي كما في المجالات الأخرى، يتمّ القنص على المرأة في مراكز المسؤولية ومهاجمتها في الشخصي وليس المهني أو السياسي، كي تخاف وترضخ وتنسحب. إنه إرهاب منظّم ضد النساء باسم الشرف وباسم الموروثات الذكورية، يهدف الى إجبار النساء على الإنسحاب من الحياة الإجتماعية والسياسية والمهنيّة وغيرها، ونحن لن نرضخ لهذا الإرهاب المنظّم. وأدعو النساء الى المقاومة والاستمرار في المواجهة رغم كلّ ما يتعرّضن له. وهنا يكمن دور التوعية على حقوق المرأة ومحاربة التمييز بين الرجل والمرأة. المرأة هي حلم الإصلاح في هذا الوطن الذي وصل الى الهاوية، ويجب دعم وصولها إلى سدّة الحكم، لأن في ذلك إمكانية لتغيير الذهنيات والعقليات القديمة التي أدّت الى هذا الخراب الكبير.
- هل صادفت خلال مسيرتك كنائب في البرلمان من قال لكِ: تنحّي! السياسة للرجال؟
الحرب التي تشنّ عليّ اليوم، هي رسالة واضحة مفادها ان «تنحّي! نحن أقوى منك وقادرين على كسرك!»، لكنني لن أتنحى. ومستمرّة في عملي السياسي المعارض لكلّ هذه المنظومة المتآلفة والمافيا المنظّمة.
- ما هي القضايا النسائية الي تحملينها الى المجلس النيابي؟
قضايا المرأة هي نفسها قضايا الرجل في لبنان… اليوم، المرأة والرجل يعانيان من الظلم نفسه والمعارضة في لبنان هي دفاع عن النفس لا بدّ منه. أحمل الى المجلس النيابي القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي من شأنها أن تنصف المرأة والرجل في آن واحد.
- هل تدعمين إقرار الكوتا النسائية، وهي الطريق الوحيد حالياً لحفظ حقّ المرأة في الحياة السياسية؟
أدعم الكوتا منذ اليوم الأول لعملي في مجال السياسة. وهي الطريق الوحيد لتمكين المرأة في لبنان وفرض مشاركتها في الحياة السياسية. الكوتا هي تصحيح لخطأ تاريخي، عندما كانت النساء محرومات من العلم والعمل والثقافة، ومنذورات للمطبخ والغسيل والكيّ والشرف وانتظار العريس، في وقت كان المجتمع يحلّل ويبيح للرجل كلّ علم ومغامرة. اليوم ستوفّر الكوتا في حال إقرارها مشاركة بين 30 و35 في المئة من النساء في الحياة السياسية والبرلمانية، وهي أقلّ نسبة يمكن إعطاؤها للمرأة في مجتمع نصفه من النساء.
- هل تنتخب المرأة المرأة، أم أن الرجل يؤثر في قرارها؟
من خبرتي أستطيع أن أؤكد ان المرأة تنتخب المرأة، وهو ما لمسته في الدورة الماضية من الإنتخابات النيابية. النساء يساندن النساء، كذلك يفعل الرجال المتنوّرين الذين يدعمون وصول المرأة الى أعلى المراكز بفضل ثقافتهم وانفتاحهم على الحياة.
- أيّ رسالة توجهين اليوم للمرأة؟
أدعو المرأة الى تربية أولادها على المساواة والحرّية والإنعتاق من الماضي والموروثات والأفكار المسبقة التي توهمهم بأنهم غير قادرين على تحقيق أحلامهم.
- تقول الوزيرة الأميركية السابقة مادلين أولبرايت: «هناك مكان في جهنم للنساء اللواتي لا يساعدن النساء». ما رأيك؟
(تضحك) هذا القول هو من أجمل أقوال وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت وأفضلها. هؤلاء النساء أو الرجال الذين يحدّدون المرأة، ويعيقون تقدّمها يجب أن يعزلوا في الحياة الدنيا كما في الحياة الآخرة، لأنهم يحولون دون تقدّم مجتمعاتنا، ويتغاضون عن الحقّ. فمشاركة المرأة في كافة مجالات المجتمع هي حقّ، والصامت عن الحقّ شيطان أخرس.
- ثمّة من يقول ان الرجل يصنع الحرب، والمرأة تدفع الثمن. هل تؤمنين اليوم، ونحن على أبواب حرب عالمية ثالثة، ان السلام صناعة نسائية، لا ذكورية؟
قد يكون العالم أكثر سلاماً وازدهاراً، إذا تسلّمت النساء زمام الحكم في أكثر من دولة. فالمرأة أكثر دبلوماسية وهي تفكّر كأمّ تخاف على أولادها وتخشى عليهم من الحروب والصراعات العسكرية، وتريد لهم مستقبلاً أكثر أماناً واستقراراً وازدهاراً. وهي تسعى كمسؤولة الى تحقيق عالم مسالم ومزدهر وإرساء قواعده وترسيخ أسسه. عندي أمل بعالم أفضل
- من هي الشخصية النسائية التي يعجبك بأدائها؟
أقدّر كثيراً أنجيلا ميركل وما حققته لبلادها. إنها امرأة جبّارة. كذلك تأثّرت بنوال السعداوي التي عاشت كلّ عمرها تقاتل نظاماً ذكورياً بطريركياً وقد ساهمت في تحرير النساء من الختان في مصر. أعتقد أن نضالها النسوي لم يأخذ حقّه مع الأسف.
- هل تحبّين لابنك الوحيد أن يأخذ عنك وعن والده الإعلامي موفّق حرب الإعلام أم أن يتابع مسيرتك السياسية؟
ابني (17 عاماً) ثائر ومناضل لكنه لن يأخذ لا الإعلام عن والده ولا السياسة عنّي. له حرية الاختيار، واذا اختار يوماً ان ينخرط في عالم السياسة أو الإعلام عن ايمان منه انه سيحدث تغييراً معيّناً ويترك بصمة شبابية خاصّة به، سأدعمه بلا شكّ.
- تواكبين النهضة النسوية الخليجية، ماذا عنها؟
سعيدة وفخورة بما حققته المرأة الخليجية. إنّ وعي الحكام وأصحاب القرار في دول الخليج أدى الى إعطاء المرأة حقّها بلا نضال ولا كفاح، إيماناً من هؤلاء بقدرات المرأة وأهميّة مشاركتها في الحياة السياسية. وهذه لفتة جميلة لا مثيل لها في العالم.
- ثلاث أمنيات تتمنّين أن يحقّقها الفانوس السحري للنساء في لبنان…
أتمنّى للمرأة اللبنانية أن تتوقّف عن وداع أولادها في المطار بدمعة فرح لأنهم وجدوا عملاً أو جامعة تحضن طموحاتهم في الخارج، ودمعة حزن لأنهم سُلخوا عن قلبها ومن حضنها. وأتمنى لها أن تستمرّ في حبّ هذا الوطن رغم الأوجاع والآلام التي تعيشها.وأخيراً أتمنى لها أن توجّه عائلتها ليس الى الكسب السريع، بل الى اختيار الأفضل لبناء هذا الوطن وتحقيق التغيير الحقيقي.
- ما زلت تؤمنين بالتغيير؟
التغيير هو مصيرنا، لأن البقاء على القديم هو العقم في حدّ ذاته. لا يمكن التقدّم والتطوّر، إلا من خلال التغيير. الشعوب التي لا تحاسب مسؤوليها، تبقى في البؤرة حيث هي. علينا أن نتعلّم أن نحاسب الطبقة الموجودة والأحزاب القائمة في صندوق الإقتراع. كلّ مرّة تتمكن هذه الطبقة البالية أن تعود الى البرلمان عبر المكر والعهر الإعلامي أو عبر المال، يفقد هذا الوطن شيئاً من استمراريته ويلفظ نفساً من أنفاسه الأخيرة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024