تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

السائقة السعودية ريما الجفالي تتحدث عن رحلتها بعالم السباقات

ريما الجفالي

ريما الجفالي

ريما الجفالي

ريما الجفالي

بثقة وإصرار قرّرت الشابة ريما الجفالي أن تسلك طريقاً مختلفاً وتنطلق في رحلة شاقة من أجل تحقيق شغفها في عالم سباق السيارات، حيث تمكنت في عام 2018 من تحقيق حلمها، وأصبحت أول سائقة سباقات سعودية، ثم سجّلت العديد من الإنجازات في هذا المجال، ومن ضمنها إحراز المركز الرابع في بطولة "الفورمولا 2" البريطانية العام الماضي، والفوز بالمركز الثاني في سباق التحمّل لـ 24 ساعة في دبي لهذا العام. كذلك اختيرت الجفالي لتكون السفير الرسمي في النسخة الأولى من سباق الجائزة الكبرى لـ"الفورمولا 1" في جدّة بالمملكة العربية السعودية، لتشكّل نموذجاً للسيدات يحتذين به. وتعبّر الجفالي عن شغفها بعالم المحرّكات منذ نعومة أظفارها، لدرجة أن تخلّت عن وظيفتها لتُنافس على حلبات السباقات. والجفالي هي أول سعودية حاصلة على رخصة قيادة لسباقات السيارات، حيث شاركت بعد تدريب لسنوات ومثابرة وإصرار في بطولة "الفورمولا 4" في إنكلترا، وبطولة "MRF" عام 2019 في الهند. كما حصلت على المركزين الثاني والثالث في بطولتَي كأس "تي آر دي 86"، اللتين أقيمتا في أبو ظبي، لتدخل بعدها مرحلة الاحتراف في عالم قيادة السيارات، وتنجح في أن تكون المثال والحافز للكثير من النساء السعوديات والعربيات للمضي قُدماً نحو أحلامهن التي يراها البعض مستحيلة.


- من هي ريما الجفالي، وما هو مجال دراستك؟

ريما، بنت سعودية من جدّة، انتقلت بعد انتهاء مرحلة التعليم الثانوي إلى الولايات المتحدة الأميركية وتخصّصت في العلاقات الدولية في جامعة "نورث إيسترن" في بوسطن. وبعد التخرّج بدأتُ التدرّب في مجال الاقتصاد بين نيويورك ولندن، ووجدتُ أن هذا المجال واسع وفيه الكثير من الآفاق، وهو ما شكّل شغفي بالاقتصاد، فتلقيت دورات تدريبية في هذا المجال لنحو ثلاث سنوات، عدت بعدها إلى وطني الأم وخطّطت لتأسيس شركتي الخاصة، وبالفعل وجدت فرصاً كثيرة في المملكة، لكنني اكتشفت أن الشغف بالسيارات والسباقات لا يزال موجوداً في داخلي، وجذبني هذا العالم، فقررت أن أتعلّم المزيد عنه وأحقق حلمي.


- حدّثينا عن رحلة وصولك الى قيادة السيارات السريعة؟

قراري التوقّف عن العمل والانتقال إلى تحقيق حلمي في سباق السيارات، تزامن مع القرار الذي صدر عام 2018 بالسماح للسعوديات بقيادة السيارة في المملكة، فوجدت أن الأبواب تُفتح أمامي وبدأت التدرّب من الصفر لمدة شهرين ونصف الشهر، وتعلُّم كل شيء عن السباقات في دبي وأبو ظبي، وكنت في غاية السعادة على الحلبة، وشاركت في أول سباق لي أواخر عام 2018 في أبو ظبي، وهكذا تمكّنت من تحقيق حلمي بدخول عالم السباق، فاستمررت في التعلّم والتدرّب بإشراف مدربين محترفين في هذا المجال، ولكن لم يخطر في بالي أنني سأكون السعودية الأولى أو أن يخطّ شغفي تاريخي، بل كان هدفي هو معرفة المزيد عن السباقات وكيف يمكنني المشاركة فيها، ولكن بعد منافستي في السباق الأول بدأت أستوعب أهمية الموضوع وأدركت أن الأمر بات أكبر مني ومن شغفي، وبتُّ أمام مسؤولية كبيرة، فأنا أفتح الباب للشعب السعودي ومعظم شعوب الدول العربية ليس فقط في مجال السباقات، إنما التأكيد أيضاً أن في مقدور أي شخص تحقيق أحلامه مهما كانت مستحيلة. لذا قرّرت أن أتابع دراستي في مجال السباق، فسافرت إلى بريطانيا وتعلّمت في أحسن مكان هناك وشاركت لمدة سنتين في أهم بطولات "الفورمولا 4"، ثم انتقلت الى "الفورمولا 3" السنة الماضية، لأعرف المزيد عن القوانين والمعايير المطلوبة في مجال السيارات.

- مَن شجّعك لاستكمال الرحلة بنجاح ومَن عارضك؟

في البداية، حين راودتني فكرة الدخول الى عالم السباقات والتعرّف على هذه الرياضة عن قرب، لم أكن مقتنعة بها ولا أعرف كيف أبدأ هذه الخطوة. وكان أهلي وأصدقائي يعلمون أنني شغوفة بسباق السيارات، ولكنهم لم يتوقعوا أن أدخل هذا المجال. وكل ذلك لعدم اقتناعي التام بالخطوات، لا سيما أنني كنت يومها في السعودية، ولم يكن مسموحاً للمرأة بقيادة السيارة، فكيف لها بالمشاركة في سباق الفورمولا؟ وبعد تخرّجي في الجامعة بدأتُ العمل، وفي الأثناء سُمح للمرأة السعودية بالقيادة، فأُتيحت لي الفرصة كي أحقق الحلم الذي أحبّه. كان هناك عدد قليل من الأشخاص الذين عارضوا خطوتي هذه، لكنني لم أُعرهم اهتماماً ولم يؤثروا فيّ، لأن غالبية المحيطين بي كانوا يدعمونني ويشجّعونني، وفرحين برحلتي ويسعون لتعلّم المزيد عن هذا المجال.

- كيف وصلتِ إلى الاحتراف، ومَن ساعدك في ذلك؟

حين قرّرتُ تعلّم سباق السيارات، انتقلت إلى إنكلترا، وكنت أدخل إلى حلبات السباق وأتعلّم من تلقاء نفسي بإشراف مدرّبين مختصين مهمتهم توجيه الأشخاص وتعليمهم أصول القيادة، وكل ذلك بدعم وتشجيع من أهلي. وخلال تلك الفترة، كنت قد أنهيت دراستي الجامعية وأردت أن أتعلّم شيئاً جديداً، والصدفة لعبت دوراً مهماً في حياتي بحيث صدر في العام 2018 قرار السماح للمرأة السعودية بالقيادة، وهو ما حفّزني لأُكمل في مجال سباق السيارات، ليس كهاوية بل كمحترفة، وكل ذلك بتشجيع من أهلي وبدعم من الشركات السعودية إلى أن نجحت في الوصول إلى ما أنا عليه اليوم.

- ما هي الصعوبات التي واجهت مشوارك في سباق السيارات؟

واجهتُ بعض الصعوبات في البداية لعدم توافر حلبات سباق في المملكة حينذاك، ولكن العائق الأساسي بيني وبين حلمي هو أنني لم أكن أعرف أي متسابق أو شخص يعمل في هذا المجال، فكان لا بدّ من أن أبدأ من الصفر فأتدرّب وأتعرّف إلى ناس جدد وأضع نفسي في مواقف جديدة وتحديات كثيرة معهم وأخوض التجارب وأتعلّم من أخطائي في الحلبة. ومن التحديات التي واجهتني أيضاً، أن كل المتسابقين كانوا حينها أصغر مني سنّاً، وتتراوح أعمارهم بين 8 و9 سنوات، بينما كنت أنا بعمر الـ26 عاماً، وأرغب مثلهم في تعلّم سباق السيارات. ولكن في المجمل، أكبر عائق أمامي كان أن أخطو الخطوة الأولى في هذا المجال.

- كيف تمكنتِ من إحراز المركز الرابع على حلبة "سيلفرستون"؟

شاركت لأكثر من ثلاثة مواسم في سباقات عدة في بريطانيا، وفي الموسمين الأول والثاني كنت أعتبرها فترة تحضيرية وتدريبية لي، وكنت أحصل حينها على المراكز الأخيرة في السباقات، وأعلم جيداً أن هذا الأمر طبيعي وواقعي، فهدفي الأساس أن أتعلّم وأتدرّب، ولا بد لي من عبور المراحل كي أحقق حلمي.

في الحقيقة، السنوات الأولى كانت في غاية الصعوبة، ورغم أنني لم أكن أهتم بالنتائج، كان يزعجني الحلول في المراكز الأخيرة في السباقات، ولكن مع المثابرة والإصرار تمكنت من الفوز بالمركز الرابع في حلبة "سيلفرستون"، وسُررتُ كثيراً بالنجاح وتحقيق نتيجة جيدة بعد سنوات من التعب والجهد. كنت أثق بقدراتي وبإمكانياتي فجاء هذا الفوز ليحقق الاتصال الأول بيني وبين السيارة، ومن ثم أكملت في هذا المجال بحافز كبير وثقة أكبر بأنني لم أضيّع وقتي هباءً، بل تعلّمت وأتعلم دائماً لإنجاح حلمي.


- ما هو سرّ نجاحك؟

سرّ نجاحي يكمن في شغفي المصحوب بالثقة، والعمل الجادّ والالتزام والتفاني والإصرار والصبر. كنت أستيقظ من الصباح الباكر وأبقى حتى المساء خارج المنزل، وهذا الأمر لم يكن سهلاً أو رفاهية، فهدفي هو الوصول الى هدفي، ولذلك لا بد لي من أبذل مجهوداً كبيراً.

- هل حفّزك النجاح على المتابعة لتحقيق المزيد؟

طبعاً، فمن سباق الى سباق كنت أتعلّم شيئاً جديداً، بحيث أراقب وأتدارك أخطائي وأسعى دائماً لتصحيحها لأكون جاهزة في السباق التالي. لديّ القدرة على التعلّم وأحرص دائماً على التعلّم من المتسابقين، وأحاول الاطّلاع على كل البيانات والخطوات لتحسين أدائي خلال السباقات.

- ما هو تحديدك للشجاعة والإقدام؟

أظن أن الشجاعة تأتي بالفطرة، فأنا من صغري أحب المغامرة والاكتشاف وتعلّم أشياء جديدة، وما زلت إلى اليوم أرغب في اكتشاف كل ما هو مختلف. أقضي فترات طويلة من وقتي في التعلّم على الحلبات، وأمارس التمارين الرياضية لأحافظ على لياقتي البدنية، ولكن كل هذا لا يكفيني فأمارس هوايات أخرى كالرسم لأتمكّن من تطوير قدراتي الجسدية والعقلية.

- تتابعين برنامجاً تدريبياً يتضمن التمارين الرياضية الشاقّة والمشي والتسلّق... ما الهدف منها؟

التمارين والمشي والتسلّق في مختلف دول العالم من الهوايات التي أمارسها باستمرار، ليس فقط لتعزيز لياقتي البدنية بل أيضاً لتحسين قدراتي العقلية والفكرية، حيث تساعد التحديات والمواقف الصعبة التي قد تعترضني خلال التسلّق في إكسابي المزيد من الخبرات والتصدّي لأي مشكلة قد تواجهني في الحلبة أو في حياتي.

- هل شقّ نجاحك الطريق أمام نساء سعوديات أخريات لم يتجرّأن على خوض هذا المجال الذكوري بامتياز؟

في بداياتي، كنت أهتم بنفسي وكيف أطوّر قدراتي لأتقدّم في مجال سباق السيارات، واكتشفت في ما بعد أن الموضوع بات أكبر مني، وأنني قادرة على مساعدة الآخرين ليس فقط في مجال قيادة السيارات السريعة بل أيضاً في فتح أبواب جديدة لهم في مجالات مختلفة، على اعتبار أنهم قادرون أن يحلموا ويحققوا أحلامهم مهما كانت مستحيلة. ومع الوقت استوعبت أن صوتي وقصتي وما أعيشه يمكن أن تكون مصدر إلهام للآخرين، كما أنها الدوافع الأساسية لأن أحترف سباق السيارات وأُكمل في هذا المجال. يشرّفني أن أساعد الشبان والشابات على الدخول في مجالات صعبة ومستحيلة، لأن لا شيء مستحيلاً، وكل ما نحتاج إليه هو تحديد الهدف وتحدّي أنفسنا وحبّ المغامرة للوصول الى الهدف الذي رسمناه.

- ماذا يعني لكِ تعيينك السفيرة الرسمية لأول سباق "فورمولا 1" في السعودية؟

هذا القرار هو مدعاة فخر لي، لأنه حين اتُّخذ كنت جديدة على عالم سباق السيارات، أي سنتين أو ثلاث سنوات لا أكثر، وعندما تم تعييني سفيرةً لسباق "الفورمولا 1" في المملكة، شعرت بأن من واجباتي أن أدفع الناس للتعلّم من رحلتي ومن أخطائي، وفي الوقت نفسه أن أكون واجهة للسعوديين وللدول العربية، وأن أكشف للإعلاميين حول العالم أن هناك سعوديين قادرون على الدخول الى هذا المجال، وبالتالي أغيّر الصورة المطبوعة في أذهانهم عن بلدنا، وبالفعل تمكنت من خلال "الفورمولا 1" من تغيير انطباع الكثير من الإعلاميين في الخارج، وأسعى دائماً الى مساعدة السعوديين والسعوديات الذين يفكرون بخوض مجالات صعبة وإقناعهم بأن ذلك من الممكن أن يتحقق مع المثابرة والشغف.


- وفقاً لتجربتك، ما هي نصيحتك للشابات والشبان؟

أعتقد أن أهم نصيحة يمكن أن أقدّمها للجميع هي الثقة بالنفس، وأن يعطي كل شخص نفسه الفرصة ويجرّب الأشياء الجديدة، ويختبر قدراته في مواقف مختلفة وبعيدة عن أفكاره ويكتشف شغفه في الحياة ويسعى باستمرار لتحقيق أحلامه بكل حماسة.

- ما هي هواياتك الأخرى إلى جانب قيادة السيارات؟

أحبّ الطبيعة، وأمارس رياضة المشي والتسلّق والتخييم وألعب أيضاً التنس. وفي المجمل، أي نشاط له علاقة بالرياضة واللياقة البدنية هو من أساسيات حياتي، وأحاول طوال الوقت اكتشاف هوايات جديدة.

- ما هي أحلامك اليوم؟

بدأت التفكير بالسباقات في العام 2012 وحصلت على رخصة القيادة في العام 2017، وطوال تلك الفترة كنت أتعلّم وأجهّز نفسي لدخول هذا المجال. وأكثر ما حمّسني للانضمام الى عالم سباق السيارات هو رؤيتي لسباق التحمّل ) 24 du Mans heure)، وبات حلمي المشاركة في هذا السباق والتمكن من الوصول إلى المراتب الأولى. ولكن هدفي ليس المشاركة في سباق التحمّل فقط، بل مساعدة كل من يرغب في دخول هذا المجال من أبناء بلدي.

- كيف تنظرين الى المستقبل؟

حالياً، أنا في صدد التحضير لمشروع مختلف ورسم خطة جديدة لهذه السنة. سيكون مشروعاً حماسياً وتحدياً من نوع آخر لي سأعلن عنه قريباً.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079