تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

مغنية أوبرا سعودية تتحدث عن الصعوبات التي تواجهها

مغنية أوبرا سعودية تتحدث عن الصعوبات التي تواجهها

عبير محمد

يُعتبر فن "الأوبرا" من أكثر الفنون الدرامية عمقاً واختلافاً من خلال تقديم صور تراجيدية متنوعة للكثير من القصص الحزينة عبر الأوتار الصوتية التي تكون مختلفة ونعمة من الخالق. وقد يبدو فن الأوبرا بعيداً عن جو الألحان والأغاني السائدة في مختلف دول الوطن العربي، ولكن في الآونة الأخيرة بدأ حضوره يزداد بين الشباب، خاصة في المملكة العربية السعودية، بحيث باتوا يبدون اهتماماً بالغاً بهذا النوع من الفن ويسعون لاحترافه وإتقانه، ومن بينهم الشابة عبير محمد. ولعبت الصدفة لعبتها الجميلة مع عبير التي انبهرت بصوت طفلة مشارِكة في برنامج America’s Got Talentعام 2009، فتأثرت بها وتشجّعت لخوض هذه التجربة، واختارت تقليدها وتطوير موهبتها ليصبح الغناء الأوبرالي مساحتها الخاصة للتعبير عن نفسها ولتحقق مع الوقت نجاحاً مُبهراً في المملكة، على أمل أن تقترب من حلمها للوصول إلى العالمية.


- كيف بدأتِ مشوارك كمغنية أوبرا في المملكة العربية سعودية؟ 

وُلدت ونشأت في بيت ليس فيه تنوّع ثقافي أوبرالي بالتحديد، فالمتعارَف عليه عند عائلتي والمجتمع ككل هو الغناء العربي بشكل عام إن كان باللهجة الخليجية أو الشرقية، أما فن الأوبرا فلم يكن له أي وجود أبداً. بدأتُ مشواري في هذا المجال بعد استماعي لغناء طفلة تُدعى جاكي إيفانكو، كانت حينها مشارِكة في أحد برامج المواهب الأميركية، وعندما استمعتُ إلى صوتها العذب أصابني الذهول وبدأتْ أسئلة كثيرة تدور في عقلي، ومن بينها كيف يصدر من هذه الطفلة صوت استثنائي بحجم سيدة كبيرة في السنّ؟ وبعدها تملّكني الفضول لمعرفة كيف تأتي هذه القدرة، وكيف تُخرج هذا الصوت الممتع، فحاولتُ في بدايتي تقليدها ثم تغيّر الأمر ليصبح لي مشواري وصوتي الخاص في عالم الأوبرا.

- كيف اكتشفتِ موهبتك، ومَن ساعدك في تطويرها؟ 

في الحقيقة، جاء اكتشافي لموهبتي بالصدفة ومن دافع الفضول الذي اجتاحني عندما سمعتُ الطفلة جاكي. وعند تقليدي لها، اكتشفتُ أن صوتي يتوافق مع فن الأوبرا كمساحة صوتية وعملتُ مع الوقت على تطوير هذه الموهبة وتحسين قدراتي.

كانت أختي الصغرى الداعم الأول لي وواثقة بصوتي منذ بدايتي، خاصة أنني في البداية واجهتُ رفضاً قاطعاً من بقية أفراد أسرتي، لذلك كنت أسعى إلى تطوير نفسي بنفسي في المجال الأوبرالي، وبعدها التقيتُ بمغنّية الأوبرا السعودية سوسن البهيتي، وهي تُعدّ الأولى في مجالها الفني، وقد شجّعتني كثيراً على مواصلة الغناء وقدّمتْ لي بعض الحصص الصوتية التي ساعدتني أكثر في صقل موهبتي، ثم أكملتُ التدريبات وما زلتُ أتمرّن بمفردي من طريق دروس الصوت الموجودة على "يوتيوب"... وتمكّنت من إقناع عائلتي بقدراتي وحصلت على دعمهم الكامل.

- ماذا تخبريننا عن أول ظهور رسمي لكِ كفنانة؟

ربما أحتاج الى تنهيدة طويلة قبل الكلام. لقد كان حفل مجلس القناصل الفخريين في جدّة أشبه بالحلم الذي لا أريد الاستيقاظ منه، وكانت مشاركتي بترشيح من عازفة البيانو السعودية عبير بالبيد حيث طُلب مني المشاركة بأغنية واحدة في البداية، ولكن بعد أن استمع المنظّمون لصوتي طلبوا منّي أن أغنّي ثلاث أغانٍ، وعلى الرغم من السعادة التي غمرتني في ذلك اليوم، إلاّ أن الخوف تملّكني لأنني سأغني ولأول مرة أمام شخصيات معروفة ولديها إلمام كبير بفن الأوبرا، لذلك لم يكن لديّ أي مجال للأخطاء حينها. كنت سعيدة حقاً بنظرات الذهول والانبهار وكلمات التشجيع والمديح التي تلقيتها من الحاضرين في ذلك اليوم.

- اذكري لنا أهم الأعمال التي شاركتِ فيها وحققت نجاحاً واسعاً.

كل الأعمال التي أطرحها تلاقي نجاحاً كبيراً لدى الناس، خاصة أولئك الذين يؤمنون بموهبتي وبأنني مغنية أوبرا لا يُستهان بها.

ومن أهم الأعمال التي لاقت تفاعلاً كبيراً هي أغنية فيلم The Godfather والتي كانت بمشاركة عازف البيانو ومؤلّف مقطوعات أوركسترا السعودي منصور مفتي.

- هل تفكرين في المشاركة بأحد البرامج التلفزيونية لاكتشاف المواهب؟

حتى الآن لم أشارك، ولكن لو أُتيحت لي فرصة المشاركة في أحد تلك البرامج فبالتأكيد لن أتردّد في ذلك، خاصةً أننا نسعى دائماً إلى مساعدة أنفسنا والسعي لتسليط الضوء علينا كمغنّي أوبرا في السعودية خاصةً والعالم العربي بشكل عام، خصوصاً أن المملكة تمضي قُدماً في السنوات الأخيرة في طريق النهضة والتنوّع الثقافي الذي يرسمه سمو الأمير محمد بن سلمان والذي تتحقق به رؤية 2030، وكل ذلك بمشاركة من الحراك الترفيهي الذي تقوم به "هيئة الترفيه" ممثلةً بمعالي المستشار تركي آل الشيخ، والحراك الثقافي الذي تقوم به وزارة الثقافة ممثلةً بسمو الأمير بدر بن فرحان.


- ما الذي ينقصكِ كي تصبحي من مغنيات الصف الأول في الوطن العربي؟ 

ينقصنا كمغنّي أوبرا في البداية المزيد من الاهتمام للحصول على قبول شريحة أوسع من الجمهور في السعودية والوطن العربي وانجذابهم للاستماع الى هذا الفن الراقي. ولكن يجب ألاّ ننكر أننا أصبحنا نحظى إلى حدّ كبير بهذا القبول والحبّ، غير أن الطريق لا يزال طويلاً أمامنا ليصبح لفن الأوبرا أعداد كبيرة من المستمتعين والمتذوّقين لهذا النوع المميّز والاستثنائي من الغناء. كذلك تنقصنا المعاهد المزوّدة بكوادر مؤهّلة للتدريب ولتعليم أصول وأساسيات غناء الأوبرا حتى نتمكن من صقل المواهب الشبابية بإشراف خبراء في مجال التدريب الصوتي والأوبرالي.

- ما هي الصعوبات التي تواجهينها كمغنية أوبرا؟ 

الصعوبة الوحيدة التي تواجهني في مسيرتي الفنية، هي ضعف الدعم الإعلامي الذي يسمح بتسليط الضوء عليّ كموهبة غنائية عربية تستحق أن تكون معروفة عبر كل وسائل الإعلام المقروءة كالمجلات والصحف، والمرئية كالقنوات الفضائية، وإتاحة الفرصة لها للمشاركة في المحافل المحلية أولاً ثم الدولية لأنني أحتاج الى هذه الفرص كثيراً.

- هل تطاولك انتقادات لكونك فتاة محجّبة تغني سوبرانو؟

لا أنكر أنني واجهتُ بعض التعليقات السلبية، ولكن بشكل عام لم أواجه انتقادات كثيرة على غنائي سوبرانو بالحجاب، بل على العكس تماماً، فكلمات الحب والمديح التي أجدها بين المستمعين لغنائي تشجّعني وتجعلني أُكمل في مجال الأوبرا وأنا أرتدي حجابي، إذ يمكننا بهذه الطريقة أن نثبت للعالم بأكمله أن المرأة المحجّبة لا ينقصها أي شيء لتبلغ النجاح في شتى المجالات.

ولكن في المجمل، التعليقات السلبية لا تؤثّر فيّ وأفضّل دائماً عدم الردّ عليها، فأنا أعلم أنّ من يسعى للنجاح والشهرة وتحقيق حلمه لن يجد القبول من جميع البشر، ولا بدّ من أن يكون له بعض الحاقدين والكارهين.

- برأيك، ما هي الوسائل التي تساعد في دعم الغناء الأوبرالي في الوطن العربي ليصبح مسموعاً بشكل أكبر؟

إن تحقيق هذه الخطوة يحتاج إلى زيادة الثقافة الموسيقية في المجتمعات من خلال البرامج التعريفية بهذا الفن، وذكر أهم الأسماء في عالم الأوبرا قديماً وحديثاً وتعريف الجمهور أيضاً على أسماء الفنانين الصاعدين في هذا المجال، وكذلك من الضروري تنظيم العديد من الحفلات الأوبرالية بأسعار في متناول الجميع حتى يستطيع أكبر عدد من الراغبين بالاستماع، الحضور وتعزيز معرفته الثقافية بهذا الفن. ومن المهم أيضاً إتاحة المجال لكل المواهب الجديدة الراغبة بالانضمام إلى الفِرق الأوبرالية كممارسين وفنانين غنائيين أوبراليين. وكذلك عرض العديد من الأغاني والمسرحيات الأوبرالية في كل وسائل الإعلام. ويترافق كل ذلك مع كتابة مسرحيات أوبرالية باللغة العربية الفصحى حتى تكون مفهومة ومحبّبة لدى المجتمع العربي بمختلف لهجاته، فهي لا تزال حتى الآن تُغنّى في الغالب بالإيطالية أو الألمانية، وهذا ما يجعل البعض يرفض الاستماع إليها لكونها بلغة غير مفهومة أو شائعة لديهم كاللغتين العربية والإنكليزية.

- ما هو طموحك، وما هي خططك للمستقبل؟

طموحي هو أن أصل إلى العالمية بالفن الأوبرالي، وأن أكون اسماً لامعاً في الأوبرا محلياً وعالمياً، فالمملكة العربية السعودية لا ينقصها شيء لتنافس العالم في كل المجالات، ونحن قادرون على تمثيلها تمثيلاً مشرّفاً في المحافل الدوليّة.

لا تزال الخطط المستقبلية غير واضحة كون عالم الأوبرا لا يزال في بدايته، ولكنني سجّلتُ العديد من الأغاني ونشرتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلاّ أنني متفائلة بأن العصر الذهبي الأوبرالي آتٍ قريباً في السعودية.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079