المخرج باسل الخطيب: الدراما السورية تراجعت...
هو من الرواد الأوائل في الدراما السورية والعربية. في تاريخه الفني مجموعة كبيرة من أهم ما قدم في الدراما والسينما العربية، يمتلك حساً وطنياً وقومياً عالياً، يجعله يقدم أعمالا قد يصنفها البعض بأعمال النخبة، إنما هي أعمال تحمل هما وطنيا وإنسانيا عربيا خالصا.
هو المخرج باسل الخطيب الذي كان من أوائل المخرجين السوريين الذين خاضوا عالم الدراما وساهموا في انتشارها على مستوى العالم العربي. وهو من أوائل المخرجين الذين تعاملوا مع الدراما العربية إن كان في مصر أو الخليج.
وفي لقائنا يحدثنا المخرج الخطيب عن عمله الجديد، وهو عمل يتناول قصةً أحداثها وممثلوها وإنتاجها في لبنان. كما يحدثنا عن أعماله السابقة، وعن سبب قلة عرض بعضها وسر جماهيريتها، وعن تجارب المخرجين الجدد ونجوم سورية وغير ذلك...
«الغالبون» جديد في إطار الحدث والزمن لم يسبق لأحد أن قدمه
- نبدأ من «الغالبون». ما المقصود من عنوان العمل؟
العمل يتناول تاريخ المنطقة المعاصر. وتبدأ الأحداث من عام 1982 بالاجتياح الإسرائيلي للبنان ومجازر صبرا وشاتيلا ويستمر حتى عام 1985 تاريخ الانسحاب الإسرائيلي وبداية تشكل جذور المقاومة التي أخذت الصفة التي نعرفها الآن «الغالبون».
العمل يتحدث عن هؤلاء الأشخاص الذين ينتمون إلى البسطاء الذين يملكون حسا عاليا بالوطنية والكرامة ورفضهم للاحتلال والتنازلات والذل اليومي، فاختاروا المجابهة والمقاومة، وكانوا يقاومون في ذلك الوقت بوسائل بسيطة وأحياناً بدائية ولكن السلاح الأكبر هو الإحساس العالي بالوطنية وحب الوطن.
- أعمال كثيرة تناولت في الفترة الأخيرة مراحل من تاريخ لبنان وبالأخص الاجتياح الإسرائيلي، ما الذي يميز هذا العمل عن سواه من الأعمال المشابهة؟
بهذه الصيغة التي نقدمها ومن الناحية الإنتاجية الضخمة. والعمل جديد بكل معنى للكلمة وإطار الحدث والزمن مختلف ولم يسبق لأحد أن قدمه.
- هل مشروع هذا العمل هو من فكرتك، وهل تعتبره من ضمن مشاريعك الخاصة؟
هو مشروع كتبه الكاتب عبد الله عمر وهو كاتب سوري معروف والعمل من إنتاج تلفزيون «المنار». عرضوا علي المشروع، وأنا في هذه الفترة عندي حماس شديد للعمل في هذه القضايا الوطنية وخاصة أننا في حاجة الى هذه الأعمال والأحداث التي تمر بها المنطقة في حاجة إلى هذه الأعمال. قرأت النص وكان لي بعض الملاحظات التي تم استدراكها وبدأنا الموضوع.
- سبق أن قدمت مشروعا مشابها هو «رسائل الحب والحرب» الذي يتناول تلك المرحلة أيضاً، ما الاختلاف؟ ولمَ التركيز على تلك الحقبة؟
بالتأكيد هناك اختلاف لأن المرحلة اللبنانية التي قدمناها في رسائل الحب والحرب كانت خطاً من خطوط العمل الكثيرة لان العمل كان يتناول الكثير من الخطوط. بالتأكيد هذا العمل مختلف كلياً.
- تلك الفترة مليئة بالخبايا وبالأمور التي قد تسبب حساسية في المنطقة، كيف ستتجاوز هذه الصعوبة من خلال عملك؟
إذا ألقيت نظرة سريعة على كل ما قدمته في الفترة الأخيرة تجدين اختلافا جذريا بين أعمالي. مثلاً، قدمت «أسد الجزيرة» عن الشيخ مبارك الصباح مؤسس دولة الكويت، وقدمت «جمال عبد الناصر» بدون أن أُحسب على جهة من الجهات.
أنا إنسان عربي مع المقاومة بمفهومها الشعبي والوطني، ونحن كشعب فلسطيني نعرف أن الحل الوحيد هو المقاومة وكل ما يحدث خارج هذا الإطار لا يجدي نفعاً.
وبالتالي وبعد انتصار المقاومة في حرب 2006 كل الناس وجزء كبير من المسؤولين وقفوا مع المقاومة وأيدوها ومدوا المقاومة بدعم معنوي ومادي كبير دون أن يحسَب أحد على أحد. أنا في النهاية مخرج عندي حس وطني وقومي وأعتقد أن هذه الأعمال تشرف كل مخرج عربي لأن هذا الموضوع يخصنا جميعاً.
- ماذا عن الممثلين المشاركين في العمل، هل هناك توليفة عربية، أم أنهم ممثلون لبنانيون فقط؟
كلا هم لبنانيون فقط وأنا كنت حريصاً على ذلك لأسباب عدة. أولاً هم عاشوا هذه اللحظات في الواقع وهي فرصة للفنان اللبناني للظهور بأدوار بطولة، فقد أخذوا فرصهم إن كان في الأعمال المصرية أو السورية، لذلك اخترنا الفنانين من لبنان واثبت العمل صحة الاختيار.
- تمر المنطقة العربية بأحداث متتالية وسريعة تغير تركيبتها، وما يحدث يعتبر فرصة كبيرة للمنتجين للتفكير في أعمال تحكي عن هذه المرحلة. هل تفكر في مشروع كهذا للموسم المقبل؟
لا أحب أن أتقيد بهذه النوعية. مثلا أحضّر الآن عملاً اجتماعياً يتحدث عن الواقع في سورية. اعتقد أن هذه الحوادث التي وقعت ستجعل الكثير من الكتاب يكتبون عن تلك الأحداث، وذلك سيخرج الدراما من ورطة كبيرة وهي التكرار والمواضيع غير الجدية.
سيكون هناك مواضيع جديدة وحساسة، لكن لا نتفاءل كثيراً لان هناك الكثير من المحطات العربية ولها المكانة الأولى عند الناس تبقى متحفظة عن عرض هذه الأعمال.
- قدمت العام الماضي مشروعك - الحلم مسلسل «أنا القدس»، هل تعتبر أن العمل نجح جماهيرياً، أم بقي ضمن نطاق النخبة؟
المشكلة أن هذا العمل كان يستحق عرضاً أفضل لكن وبعد الحديث مع مسؤولي معظم المحطات العربية ومجرد سماع كلمة القدس للأسف تصيبهم رجفة فيبتعدون عن العمل، مع العلم أن القدس هي قضيتنا جميعاً.
ومع أن القضية الفلسطينية فيها أحداث سياسية فإن العمل كان متجها نحو الإنسانية فهو يتكلم عن الناس في القدس وكيف انعكست الظروف على حياتهم، والعمل يحمل الصبغة الإنسانية الخالصة وقلنا هذا للمعنيين، و لكن للأسف لا احد يسمع. في أي حال هذا العمل يحتفظ بقيمته لسنوات مقبلة.
لا أعيش بوهم أن كل عمل يجب أن يكون تحفة فنية
- كذلك قدمت مسلسل «أدهم الشرقاوي» الذي يقول بعض النقاد انه لم يلق نجاحاً كما كان متوقعاً. هل السبب أن الشخصية ليست منتشرة على الصعيد الجماهيري بشكل كبير، أم ماذا؟
أيضاً هذا العمل كان يستحق فرصة عرض أفضل رغم أننا بذلنا جهداً كبيراً. وهو حكاية مشوقة عن بطل شعبي ولكن نصيب العمل لم يكن جيداً ربما بخيارات بعض الممثلين والعرض.
أنا كمخرج لا أعيش بوهم انه كل عمل أقدمه يجب أن يكون تحفة فنية ويحقق نجاحا جماهيريا، فهناك أعمال تصل الى الجمهور وأعمال لا تصل.
- ما سبب اعتذارك عن مسلسل «معاوية بن أبي سفيان»، هل هي مشكلات إنتاجية، أم ماذا؟
مشكلتان الحقيقة. أول مشكلة هي فكرية وهي أننا نتحدث عن مؤسس دولة بني أمية وهذا رجل كان له إسهامات حضارية كبيرة لكن العمل لم ينصفه ولم يقدمه بمركزه التاريخي، بل بالعكس أساء الى هذه الشخصية والى الشخصيات التي تدور في فلكها.
والمشكلة الثانية إنتاجية لان الجهة التي كانت ستقف وراء هذا العمل لم تكون مؤهلة للخوض في عمل بهذا الحجم.
- يعتبر مسلسل نزار قباني من أهم أعمال السيرة الذاتية التي قدمتها، ولعل هذا العمل فتح الأعين على أعمال السيرة الذاتية. ما سر نجاح العمل؟ هل كونه الأول من ناحية السيرة الذاتية، أم أن الشخصية بحد ذاتها كانت مشهورة أكثر من غيرها؟
هناك أسباب عدة أهمها أن شخصية نزار قباني شخصية محبوبة وموجودة في ذاكرة الناس.
وفي الوقت نفسه يلف شخصيته غموض يريد الناس معرفة تفاصيله. والنقطة الثانية هي تيم حسن الذي قدم الشخصية بأداء عالي الجودة استحوذ على إعجاب الناس. وأيضا أنا تعاملت مع هذا العمل ليس كمسلسل تلفزيوني بل كقصيدة جميلة لها نفس شاعري ورومانسي جذب الناس.
- كذلك عدت لتقدم سيرة ذاتية أخرى وهي «بلقيس»، لكنه لم ينجح كما نجح نزار قباني، ما السبب؟
ربما لو توافرت فرصة عرض جيدة لنال النجاح أكثر.
- ما رأيك في ما تلا من أعمال السيرة الذاتية، الملك فاروق، أسمهان، ليلى مراد، وغيرها؟
الملك فاروق مسلسل ممتاز وحقق جماهيرية كبيرة وكان واضحا جداً الجهد المبذول عليه، وأسمهان أيضاً مسلسل جميل جداً وشوقي الماجري كان من المخرجين المتميزين وسلاف فواخرجي أدت الدور بشكل جميل.
أما مسلسل ليلى مراد لم أتابعه كثيراً بسبب انشغالي لكن لم يكن له صدى كما يجب وخاصة انه جاء بعد عمل أسمهان وكانت هذه الشخصية لا تزال في ذاكرة الناس.
- سمعنا الكثير عن مشكلتك مع مسلسل «سقوط الخلافة»، هل أنت نادم على هذا العمل، وهل خرج العمل بالشكل المناسب؟
أنا لا أندم على شيء وعندما آخذ قراراتي أعرف لماذا آخذها ويكون وراءها أسباب منطقية، فقد اختلفت مع الجهة المنتجة لأنهم يريدون تصوير عمل عن حقبة تاريخية مهمة وعن شخصية السلطان عبد الحميد في مكان مغلق بالاستديو، مما يفقد العمل قيمته الجمالية، وأنا لست مضطراً لأن أحشر عملا كاملا داخل أربعة حيطان مغلقة وأصور شخصيات فقط تتكلم ليكون بذلك مسلسلاً إذاعياً.
كنت أحب أن يصور العمل في سورية وتركيا ومصر فكان الاختلاف فنياً واعتذرت عن العمل.
- هل هي المرة الأولى التي تنشأ بينك وبين جهة منتجة خلافات من هذا النوع؟
دائماً أحب أن يكون العمل الذي أقدمه على أكمل وجه، وتقع الخلافات أحياناً ولا نستطيع تجاوزها، وفي هذه الحالة أفضل الانسحاب. لكن بالنسبة الى «سقوط الخلافة» كان العمل الأول لهذه الشركة التي كانت تنقصها الخبرة التلفزيونية.
وأنا لا أحب الخلافات وأرى أن المنتج والمخرج يجب أن يعملا في خندق واحد.
- قدمت فيلم «موكب الإباء» الذي يروي رحلة أسر السيدة زينب رضي الله عنها، كيف تتعامل مع الأعمال التي تتناول شخصيات ومراحل حساسة كهذه؟
العمل كان 17 حلقة، وتم في ما بعد إعداد فيلم مدته ساعتان عن المسلسل. أثار هذا العمل وقتها حساسية، لكن بالنسبة إلي لا يمكن على الإطلاق أن اقبل على مشروع من هذا النوع اذا لم أكن أعرف الرسالة الأخيرة، وهي أن العمل يدعو إلى نبذ كل الصراعات والخلافات والعودة بالإسلام إلى وحدته.
فنحن في هذه الفترة كمسلمين يجب أن ننسى كل هذه الخلافات لأننا كأمة عربية مهددون في مصيرنا ووجودنا ومستقبلنا. يجب أن نفتح أفقا جديدا يجمعنا كلنا، هذه هي الرسالة التي يرسلها الفيلم وهذا ما قمنا عليه أنا والجهة المنتجة.
- هل تعتبر أن الدراما السورية وصلت الى حالة من الجمود؟ وكيف تنعكس تلك الحالة عليكم أنتم أهل الدراما؟
أتمنى أن نكون قد استفدنا من دروس السنوات الماضية، لأن الدراما السورية تراجعت إنتاجياً ونوعياً، وهناك دخلاء على المهنة أساؤوا إليها، وعندما يكون الإنسان مخرجاً هذا يعني أن يكون متاحاً أمامه منبر لملايين الأشخاص فلا يجوز أن يعتلي هذا المنبر أناس عديمو الثقافة.
أتمنى في الأعمال والأيام المقبلة أن تتدارك الدراما كل الأخطاء السابقة ونقف وقفة تقويم لما سيقدم.
- ما هي مهمتكم أنتم الرواد الأوائل في رفد الدراما السورية وإخراجها من حالتها هذه؟
كل ما نقوم به لا يتعدى الجهود الفردية لان هناك أشخاصا هم أصحاب قرار يدخل الكلام عندهم من أذن و يخرج من أخرى، وهناك مجموعة من الأشخاص عندهم الخبرة والتجربة ولديهم إشباع مادي فلماذا لا نستقطب هؤلاء ونستفيد من خبراتهم في سبيل خدمة الدراما؟
- أعمال كثيرة برزت في الفترة الأخيرة، وأكثرها الأعمال الاجتماعية التي راحت تناقش كل شيء وبهامش واسع من الحرية. هل الحرية مطلوبة أم أنها سلاح ذو حدين؟
يجب أن نفرق بين الحرية والفوضى لان الحرية تحمّل صاحب العمل مسؤولية كبرى. هناك أعمال كانت تستخدم ألفاظا نابية غير مقبولة، ويجب ألا ننسى أن التلفزيون هو للأسرة لذلك يجب التزام معايير محددة تحترم المشاهدين.
كما أن الجرأة في الألفاظ والحرمات لا تخدم سياق الدراما وليست إلا رغبة صناع العمل بأن يقوموا بذلك. الجرأة الحقيقية هي طرح القضايا والمواضيع بشكلها الواقعي.
- ما هي المحرمات التي يجب أن يتوقف عندها العمل الدرامي؟ وهل أصبح هامش الحرية هو السباق المحموم بين المخرجين؟
هناك ضوابط، وهذا لا يعني أني ضد حرية الإبداع، أنا أكثر الناس مع الإبداع ولكن هناك ضوابط ومعايير.
- هل أنت مع تجارب المخرجين الشباب، وهل جمعيها تجارب جيدة؟
هناك تجارب تستحق أن نحترمها و تجارب رديئة بكل معنى الكلمة... الدراما ساحة تتسع للجميع وأنا متفائل بالشباب المنفتح المتابع بشكل جيد والخبير في التكنولوجيا ولديه طموح.
- قال البعض إن الدراما السورية أصبحت مأساوية أكثر من نشرات الأخبار، مما جعل الناس تهرب الى الأعمال البيئية والكوميدية لترى ما يبهجها، هل هذا ما نريده فعلاً؟
المشكلة أن الموسم الرمضاني أساء الى الدراما، فرمضان هو شهر عبادة وسهر واسترخاء، وهذا الجو يحتاج الى أعمال خفيفة، وأنا اغلب أعمالي استقطبت مشاهديها بعد رمضان، لذلك يجب أن يكون هناك موسم عرض أعمال خارج شهر رمضان.
- لماذا أنت بعيد تماماً عن الكوميديا، وهل تعتبر نفسك مخرجا لأعمال النخبة فقط؟
كان لي في البداية تجربتان كوميديتان، مسلسل «يوم بيوم» ومسلسل «هوى بحري»، وفي النهاية كل مخرج له الحق في أن يختار أي نوع من الدراما ويستقر على النوع الذي يحب ويكون قريبا منه.
- من هو نجم سورية الأول ونجمة سورية الأولى؟ وهل انتهى عهد البطولة الجماعية أم ماذا؟
أنا أحب عمل كاريس بشار، ريم علي، سلاف فواخرجي، ومن القدامى صباح الجزائري، تيم حسن، أيمن زيدان، غسان مسعود، وعابد فهد، والأستاذ اسعد فضة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024