صراع على أفضل أغاني الثورة
عندما شارك كل من عبد الحليم حافظ ونجاح سلام وصباح وشادية ووردة وفادية كامل في غناء أوبريت «الوطن الأكبر»، لم يحاول أي منهم أن ينسب نجاح الأوبريت له، حتى أن محمد عبد الوهاب الذي لحن هذا الأوبريت عام 1960 كنوع من الاحتفاء بالوحدة بين مصر وسورية، لم ينسب إلى نفسه هذا النجاح وهو موسيقار الأجيال.
لكن هذا لا ينفي وجود بعض التنافس المشروع والضغائن الصغيرة بين أهل الفن منذ القِدم، وهو ما ظهر واضحاً في هذا الأوبريت تحديداً، بعد انسحاب الراحلة الكبيرة فايزة أحمد لاعتراضها على تأخير غنائها للكوبليه الخاص بها بعد أكثر من مطربة ممن ذكرنا أسماءهن، إلا أن احترامها لنفسها ومكانتها، واحترام الآخرين لأنفسهم ومكانتهم أيضاً، جعلاهم يتعاملون مع انسحاب فايزة أحمد من الأوبريت باعتباره سراً حربياً لا يخرج إلى العلن. وشتان بين ما يحدث قديماً وما يحدث حالياً، وقد لا نكون منصفين إذا حاولنا المقارنة بين عقليات فناني القرن الماضي وفناني هذا العصر، فالنجاح أصبح صعباً وسط كل هذا الكم من المطربين، وكل هذا العدد من القنوات، وهو السبب نفسه الذي جعل من طريق النجومية حلماً يسعى إليه كل مطرب مستخدماً كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة.
وقد تكون مشكلة أغنية «يا بلادي» التي تحولت إلى نشيد وطني جديد في مصر بعد الثورة، والتي تغنى بها كل من الملحن والمطرب رامي جمال، والشاعر والملحن عزيز الشافعي، أصدق دليل على السطور السابقة. والمثير أن نجاح الأغنية لم يتوقعه كل منهما، لأنهما ببساطة لم يخططا لأن يتغنيا بها، وقد يشعر الجميع بالحزن أكثر عندما نعرف أن زيارة عادية من الملحن والمطرب رامي جمال لمكتب الموزع وسام عبد المنعم، كانت سبباً لأن يقترح عزيز الشافعي، صاحب الكلمات والألحان والموجود في مكتب وسام أيضاً، أن يستغل وجود رامي ليقوم الأخير بغناء الأغنية، حتى يستطيع عزيز تسويقها لأي مطرب يبحث عن أغنية وطنية تتناسب مع الأحداث السياسية الجارية في ذلك الوقت في مصر.
وبعدما أدى رامي الأغنية لمعت أعين الثلاثة، وسام ورامي وعزيز نفسه، خاصة بعدما نجح رامي في إجادة الغناء، وهو ما دفعهم إلى اقتراح فكرة اشتراك عزيز ورامي في غنائها، فوافق الاثنان بعدما استعان عزيز بمقدمة لحن الموسيقار الكبير بليغ حمدي في أغنية فيلم «العمر لحظة» الذي قامت ببطولته ماجدة الصباحي. وعندما خرجت الأغنية إلى النور نجحت في فرض وجودها على أذن المستمع المصري، حتى أن بعض القنوات الفضائية تعاملت معها كفواصل موسيقية بين نشرات الأخبار والبرامج، وهو ما ساعد في انتشارها أكثر.
نقطة الخلاف
وما إن نجحت الأغنية وبدأت كل القنوات في عرضها، حتى فوجئ الجميع بقيام قناة «مزيكا» بعرضها باسم رامي جمال فقط دون كتابة اسم عزيز الشافعي، وهو ما أثار حفيظة الأخير، فبدأ إطلاق بعض التصريحات الواضحة عن إقدام شركة «مزيكا» على خداعه لصالح رامي جمال المتعاقد معها منذ فترة. وعندما ازدادت سخونة تصريحات عزيز عدّلت «مزيكا» الأسماء وكتبت اسمي رامي وعزيز على تيتر الأغنية.
وتوقع البعض أن ينتهي الخلاف عند هذا الحد، لكن استمرار عزيز في الهجوم على رامي أثار حفيظة الأخير، فراح يصرح للمقربين منه أن عزيز تنازل عن كل حقوق الملكية الفكرية والمادية للأغنية لمصلحة شركة «مزيكا»، وبهذا لا يملك أي سبب للغضب من عدم وجود اسمه. بل فجَّر رامي مفاجأة عندما قال إن السبب الحقيقي لحذف اسم عزيز من الأغنية كان رداً على بيعه حقوق الأغنية إلى إحدى شركات الـ Ring Tone، وقيامها بتسويق الأغنية في كل المحطات الفضائية لمصلحته، وهو ما اعتبرته شركة «مزيكا» خرقاً للاتفاق المنصوص عليه بينها وبين عزيز الشافعي.
بعدما وصلت الأمور إلى هذا الحد، توقع البعض بداية انفراج لأزمة أفضل أغنية للثورة حتى الآن، خاصة بعد محاولة المصلحين التدخل للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، غير أن شركة «مزيكا» أقامت دعوى على عزيز الشافعي، مبررة ذلك باستخدامه صوت رامي جمال المتعاقد معها دون تصريح منها بذلك، وهي الدعوى التي ستنظر فيها المحاكم قريباً... ولا أحد يعرف حتى هذه اللحظة من هو الضحية ومن هو الجلاد؟ لكن الأمر الوحيد المعروف أن تفاصيل هذه الأغنية منذ لحظة الولادة، مروراً بنجاحها، وانتهاءً بتحولها إلى نشيد وطني، أثبت دون مجال للشك أن للفشل أباً واحداً، أما النجاح فله أكثر من مئة أب.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024