بعد النبرة الهادئة محمد منير...
حظي الفنان المصري محمد منير باستقبال خاص في دبي على مستويات عدة، فالفندق الذي لم يمض على افتتاحه سوى وقت قصير، استشعر شهرة منير الذي وفد للغناء في دبي للمرة الأولى، حتى قبل عقد لقاء موسع مع ممثلي وسائل الإعلام المختلفة، وهو اللقاء الذي كان من الممكن أن يتحول إلى كارثة لولا أن الجميع تفهموا تأخر منير لنحو ساعتين ونصف ساعة عن الموعد المحدد، لظرف صحي طارئ ألم به، وجعله يلجأ إلى مسكنات للوفاء بالموعد.
وبعد يومين كان اللقاء الجماهيري الذي غنى خلاله منير 100 دقيقة أمام 10 آلاف شخص استمتعوا بحفلة أقيمت بجوار برج خليفة المصنف أعلى برج في العالم.
منير الذي يعد بكل المقاييس أحد أكثر الفنانين المصريين الذين حققوا مكاسب من ثورة «25 يناير» المصرية، تحدث إلى«لها» بقلب مفتوح، مازجاً شعوره الفني بالسياسي، وبالاجتماعي أيضاً، وحينما قاده سؤال للإجابة عن سر بقائه حتى هذه السن التي يقترب فيها من الستين دون تجربة زواج وحيدة، أكد أنه فشل في العثور على من ترضى أن تكون شريكة لحياته، قبل أن يحول الأمر إلى مداعبة، بقوله: «إذا كانت النساء يعتقدن فعلاً أنني وهبت حياتي للفن، فالكرة في ملعبهن، وأتوقع أن يكون لديهن مبادرات كرد فعل على إقدامي على ذلك».
وحول علاقة الفن بالسياسة والسلطة، وما إذا كانت تلك العلاقة عاملاً يمثل خطورة على مسيرة الفنان، قال: «الفن عموماً، والطرب والموسيقى خصوصاً، نشأت جميعها مرتبطة بقصور وبلاط الملوك والرؤساء، ودائماً حافظ كل منها على اقترابه من هذه الأجواء، لأن الفقر والإفلاس لا يصنعان فناً. ولكن على الفنان صاحب الرسالة أن يكون أميناً في هذا القرب، وأن يسعى برهافة حسه لاستشراف المستقبل من خلال تلك الصداقة الإجبارية، دون أن ينشغل بتزيين الواقع وتزييفه».
رغم تلك الرؤية يبدو منير دائماً منحازاً الى الجمهور العام، وليس الى النخبة، كما توحي إجابته، ويضيف: «أسعد حفلاتي تلك التي أشعر بأن بمقدور الجميع أن يقصدها، فأنا على استعداد لأن أغني بـ10 جنيهات فقط ، عندما لا يكون هناك سبيل أمام الشباب سوى ذلك المقابل للحضور، وأغني بمئة يورو في أوروبا في حفلات يكلّف حضورها أضعاف ذلك، وخصوصاً في المانيا التي سبق أن أحييت فيها 26 حفلة في أماكن مختلفة قادتني إلى 26 فندقاً في شهر واحد. لذلك فإن المقابل في ذلك ليس مادياً، لن أغيب عن لقاء الجمهور لأسباب مادية».
وانتقد منير بشدة الواقع الغنائي العربي في ما يتعلّق بالألبومات الغنائية، مضيفاً: «هناك ألبومات تصدر كل يوم دون أن نسمع عنها، وأنا شخصياً، أستطيع أن أقدم كل يوم ألبوم من هذا النوع، دون أن أحتاج إلى نشاط زائد، لكن هذا لن يرضي جمهوري ولن يرضيني، لذلك أفضل دائماً أن تتأخر الإطلالة على أن أكون مشاركاً في هذا الواقع الغنائي المأزوم».
ووجه صاحب «علي صوتك بالغنا» انتقادات لاذعة للإعلام الفني عموماً، سائلا: «إلى متى سنظل نهتم بتفاصيل بعيدة عن حقيقة الحراك الفني، ونصل إلى نوع من التسطيح الذي لا يمكن أن ننجو منه سوى بوقفة تطهير، يعود فيها هذا النوع من الإعلام إلى الأولويات، وينفتح أيضاً بشكل أكبر على العالمية أسوة بما تحقق على سبيل المثال في الإعلام الرياضي العربي؟».
ورفض المطرب المصري فكرة أن الفنانين المصريين الشباب فشلوا في مواكبة الأحداث الجديدة، وأنه من بعد جيل عبد الحليم وشادية لم يفلح أحد في الغناء للثورة، مضيفاً: «هناك فارق كبير بين الغناء للثورة والغناء أثناء حالة حرب، كتلك التي غنى لها حليم وشادية، ففيها يصل الإبداع بشكل تلقائي إلى ذروته، عبر ردة فعل فطرية سواء للشعراء أو الملحنين أو المطربين، لذلك فإن أغاني تلك الأجيال التي عاشت معنا حتى يومنا هذا كانت أغاني حالة حرب استلهمت منها أحلاماً للمستقبل».
وكشف منير أن أغنية «أزاي» التي تم التعامل معها وكأنها الأغنية الرسمية لتطور الأحداث في مصر كُتبت كلماتها قبل تلك الأحداث بشهور، رافضاً فكرة الصدفة في هذا المجال، ومضيفاً: «الكثير من أعمالي كانت على تلك الشاكلة، لكن الأمر تغير في الآونة الأخيرة، فبعدما كنت أتحدث بنبرة هادئة مثل «يا عروس النيل»، «ما نرضاش نخاصم القمر»، «علي صوتك بالغنا»، عليت صوتي بالفعل في الغناء، واضطررت لاستخدام لهجة أعلى نبرة وأكثر سخرية في «أزاي» التي كانت صدي لأغانٍ ارددها منذ العام 1978، لكنها لم تُسمع باستيعاب سوى في 25 كانون الثاني/يناير2011 ».
الحفلة
تجدر الإشارة إلى أن حضور حفلة دبي كان متنوعاً، فجمهور الفئة التي تنتمي إلى سن المراهقة كان حاضراً، دون أن تكون له الغلبة العددية، وجمهور الفئة الشبابية الأعلى أيضاً كان حاضراً بكثافة، والأمر نفسه ينطبق على حضور من فئات سنية أعلى. وفي مقابل حضور طاغ للجالية المصرية التي زينت المكان بأعلام بلدها، كان هناك حضور لافت أيضاً لمختلف الجاليات العربية التي كانت لها مطالبها الخاصة أيضاً في أغاني منير.
وتمكن منير من الحفاظ على انشغال جمهوره به وحالته الخاصة التي كانت تترقب بشغف دائم الأغنية المقبلة، وراح يربط أحياناً بين بعض تلك الأغاني وبين الأحداث السياسية المعاصرة في مصر- ولو تلميحاً - إلى الدرجة التي جعلت الجمهور في ختام إحداها يردد «ارفع راسك أنت مصري» وهي العبارة الشهيرة التي صاحبت أحداث الثورة المصرية ، فيما مهد لأغنيته «حدوتة مصرية» بقوله «دعونا نتحدث معاً، دعوني أقص عليكم حكاية، سأقول لكم حدوتة» ليجد كثيراً من جمهوره في ختامها في حالة بكاء انفعالاً بأدائه وبكلمات الأغنية المؤثرة.
وفي محاولة لتلبية بعض رغبات الجمهور التي تباينت كثيراً، راح الفنان الأسمر يتنقل بسلاسة بين قديمه وجديده، وبين العاطفي والوطني، دون أن يستجيب لهتافات في مختلف الصفوف التي تراصت وقوفاً أمام المسرح المكشوف، غير مكترثة لارتفاع درجة الحرارة والرطوبة معاً، تتمنى أن يغني «ازاي»، التي جعلها آخر أغانيه، بعد أن سبقها بأغنية «أمجاد يا عرب» .
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024