تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

الكبير الذي يبقى كبيراً...

يوماً بعد يوم، تتأكّد لي حقيقة أن الفنان الذي يصل إلى قمة النجومية والشهرة والتألق وإلى درجة يصبح فيها معشوق الجماهير، لا يصل عن عبث ولا في غفلة من الزمن ولا بالصدفة... ولسنا هنا بصدد الحديث عن الصوت ولا الشكل ولا الكاريزما ولا إدارة الأعمال الناجحة أو التسويق الجيد، بل موضوع الكلام هو الفنان نفسه وعن أخلاقه التي تقابلها طريقة تعاط غريبة جداً من جانب "النجوم الجدد"، على الأقل معنا نحن أهل الإعلام والصحافة، والذين يمكن أن نسميهم حقيقة "محدثي نعمة". وما نقوله لا يعبّر عن حالة أو اثنتين، ولا عن واقعة معينة بل نتيجة سنوات وسنوات من التعاطي مع الفنانين، النجوم منهم والجدد.


الفنان محمد عبده مثلاً، هذا الهرم الفني الكبير الذي اشتهر بكلاسيكيته في الغناء، قد لا يعرف كثيرون من خارج الوسط الفني كم أنه شخص ودود ومحب للنكتة ومتواضع ويتذكّر الناس خصوصاً الذين يتركون أثراً طيباً في نفسه. يمكن لك أن تلتقيه في بهو فندق ما خلال استضافته في مهرجان معين، أو حتى في المطعم الخاص في الفندق مع الناس العاديين، دون صعوبات ودون حواجز الحراس و"البهرجة الكاذبة".

تطلب منه لقاء فيقول لك "أهلا وسهلاً" ولا ينسى أن يسلّم عليك وحتى أن يشكرك إن التقيته مرة أخرى ولو بعد سنتين... هو أبسط بكثير مما يتخيّل البعض وهو في الوقت ذاته "فنان العرب" واللغز الفني الكبير الذي بقي محافظاً على المرتبة الأولى على مدى أكثر من ستين عاماً. في مقابل هذا الهرم، يمكن لك إن كنت صحافياً أن تتصل بفنان بدأ مسيرته قبل يومين ولم يصدر سوى أغنية واحدة سمعها هو وبعض من جيرانه، فيردّ عليك عشرة من مدراء أعماله وربما اكثر من 12 سكرتيراً ليقولوا لك بعد عناء: "الأستاذ نايم...".

أما زياد الرحباني مثلاً، هذا العبقري الفذّ الذي سبق عصره وصار مدرسة قائمة بحدّ ذاتها، تتصل به فلا يسأل من أنت بل ببساطة يجيب "نعم أنا زياد"، وطبعا الحال ذاته ينطبيق على الكبيرين وديع الصافي وصباح. بينما إن اتصلت بأحد محدثي النعمة، حتى وإن كان الاتصال على جواله الخاص وتنازل وردّ هو شخصياً، يقول لك: "لحظة تشوف إذا الاستاذ هون".

أما الفنان ماجد المهندس، فحدّث ولا حرج عن أخلاقه وثقافته واحترامه لذاته وللآخرين وقربه من الناس وتواضعه ورقيّه في التعاطي مع الكل من الكبير وحتى الصغير. نحن كصحافيين نشعر حقيقة أننا نتحدث إلى أخ أو إلى صديق عزيز حتى لو لم نلتقه سوى في المناسبات. ومن يعرف المهندس مثلاً قبل عشر سنوات، يدرك تماماً أنه هو الشخص ذاته الذي لم يكن قد أصبح نجماً بعد، وهو ذاته الشخص الذي وصل اليوم إلى قمة النجومية، وهو الشخص الذي لم ينس فضل أي إنسان عليه بسيطاً كان أم كبيراً، حتى لو كان هذا الفضل مجرد خبر كتبته.

فهل لنا أن نسأل بعد كيف ولماذا وصل إلى ما هو عليه اليوم! وفي مقابل ذلك، يمكن لك أن تتعرف إلى فنانة ناشئة فتطلب منك أن تساعدها إما في نشر أخبار أو التعرف إلى ملحن أو شاعر ، لأنها حسبما تدّعي تريد أن تصل في شكل صحيح بعيداً من استغلال شركات الإنتاج والمنتجين، خصوصاً أنها جميلة ومسكينة ومظلومة "والكل طمعان فيها"... ثم تدور الأيام وقد تكون هذه الناشئة حققت جزءاً بسيطاً من الشهرة التي صارت أصلاً موضوعاً سهلاً في عصر الإنترنت والفضائيات والفايس بوك واليوتيوب. هذه الناشئة، إن التقت بك في مناسبة قد تتصرف وكأنها لا تعرفك ثم تقول: "شايفتك بس ما عم بتذكّر وين"...

وضمن إطار النجوم الكبار الذين يبقون دائماً كباراً، لا بد من الحديث عن الفنان الرائع عبدالله الرويشد الذي حظينا كصحافيين بفرصة لقائه أكثر من مرة كونه يتردد كثيراً إلى بيروت، إضافة إلى لقاءاتنا به في كبرى المهرجانات العربية. الرويشد مثلاً، هذا الفنان الذي أسر بصوته الملايين في الخليج والعالم العربي، واستحق بجدارة لقب سفير الأغنية الكويتية وتخطّاه بأشواط لما له من محبين كثر، تجده في الكواليس إنساناً مرحاً يضحك ويمزح "ولا يكشّر" إن اقترب منه صحافي أو يطلب مثلاً من المرافقين منع أحد من الدخول إلى غرفته، لا بل يقدّر جهود الصحافيين وتعبهم ويصفهم بالـ "كادحين".

لا يبدي انزعاجه حتى وإن انزعج، بل تجده منذ لحظة وصوله مع وجهه البشوش والمريح، يسلم على الكل فرداً فرداً ودائماً من الكبير إلى الصغير دون تزلّف ولا كلفة، بل كأنه حقيقة واحد من فريق العمل. وفي مقابل هذا النموذج لفنان أكثر من رائع، تجد واحداً من حديثي النعمة وممن "كبرت الخسة في رؤوسهم" من أبناء الجيل الجديد، لا يخرجون من بيوتهم إلا بمرافقة عشر سيارات وعشرين حارساً مهمتهم الأساسية إبعاد أي شخص يحاول الاقتراب من "النجم" لالتقاط صورة حتى ولو كان اللقاء الصدفة في مطعم أو مكان عام... "طيب أذا كتير مزعوج لماذا يخرج بين الناس أصلاً"؟

أما راغب علامة، "السوبر ستار" منذ ثلاثين عاماً، تجده جالساً بين الناس في مقاهي بيروت بعيداً عن ضجيج "البروباغندا"، فهو أبعد ما يكون عن بهرجة ما يسمى الـ "فيديتاريا" (أي النجومية) رغم أنه نجم كبير. يسلم على الكل بوجهه الباسم، ولا يرفض التقاط صورة مع أحد ولا يصرخ في وجوه الناس "إنو الاستاذ معصّب أو مزعوج". وهو أيضاً يملك أسلوباً مميزاً في التعاطي مع الصحافيين، إذ قد يكون واحداً من النادرين في هذا الوسط الذين لا يضعون "فيتو" على صحافي انتقدهم مرة، بل يحترم حرية الرأي ولا يأخذ موقفاً من أي أحد.

في مقابل هذا النموذج، ترى عدداً من اللواتي بدأن مسيرتهن قبل أيام، لا يرفعن سماعة الهاتف للاتصال بصحافي إلا بهدف توبيخه وتأنيبه لأنه تجرأ وانتقد وكأنه موظف في بلاطهنّ، أو أخريات مثلاً تكون قد كتبت عنهن عشرات المقالات المشجّعة فلا يقلن شكراً، بل يتذكرن فقط كلمة نقد بسيط.

محمد عبده وزياد الرحباني وماجد المهندس وعبدالله الرويشد أو راغب علامة ليسوا الوحيدين طبعاً، بل هناك أمثلة كثيرة وعديدة من النجوم الذين يملكون شخصيات رائعة، ومنهم نبيل شعيل وخالد عبد الرحمن وحسين الجسمي وكاظم الساهر وجورج وسوف ووليد توفيق ونوال الزغبي وشيرين عبد الوهاب ونانسي عجرم وغيرهم، ولو أردنا استعراض مواقف الكلّ لاستلزمنا ذلك مقالات ومقالات. هي كانت مجرد امثلة بسيطة للتمييز بين النجوم الحقيقيين و"محدثي النعمة" لعلّنا نفهم لماذا يبقى الكبير كبيراً، والفرق بينه وبين "الأستاذ اللي بيضلّ نايم"....

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077