جو بو عيد: "زهرة" تشبه الى حد كبير شخصية نادين نسيب نجيم الحقيقية
"صالون زهرة" هو أول عمل للمخرج جو بو عيد في عالم دراما المنصات، بعد مسيرة حافلة وناجحة في إخراج الأغنيات المصوّرة والأفلام، ولا سيما فيلم "تنورة ماكسي" الذي حقق نجاحاً باهراً عام 2012 وحصد بو عيد على أثره أكثر من جائزة بينها جائزة أفضل مخرج في "مهرجان موناكو السينمائي"، وجائزة لجنة التحكيم لأفضل مخرج في "مهرجان القاهرة السينمائي". عمل جو أيضاً كمخرج رئيس لحملة حقوق الأطفال مع منظمة اليونيسيف وسفراء النوايا الحسنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في هذا الحوار، نتعرّف إلى جو بو عيد الإنسان والمخرج العاشق لمهنته، ونتطرق إلى تحديات المهنة وصعوباتها، ومصادر الإلهام التي يستمدّ منها جو أفكاره وإبداعاته...
- "صالون زهرة" هو أول تجربة درامية لك. أخبرنا عن هذه التجربة والتحديات التي واجهتها؟
المخرج بصرف النظر عن نوع العمل، إذا عَرَفَ كيف يداري مشروعه من كل جوانبه لا يمكن إلّا أن يَخرُجَ رابحاً...
صحيح أنه أول عمل درامي لي وأفتخر بأنني بدأت بعمل كهذا قريب من الناس مع "شركة الصبّاح" التي أكنّ لها كل الاحترام والتقدير، ومع ممثلين مبدعين ومحبوبين في كل الوطن العربي، لكنني أعتبر أن الدراما قد لا تختلف مع السينما أو مع أنواع وتجارب إخراجية أخرى... فالمخرج إذا كان حسّاساً وشغوفاً بعمله ويعرف كيف يدير مواقع تصويره ويتعامل بذكاء مع الناس وفريق عمله، لا خوف عليه مهما اختلف شكل العمل ومضمونه...
من هنا لم تكن هناك تحديات كبيرة باستثناء الوقت، لأن الوقت المتاح في الدراما هو غير الوقت المتاح في عالم السينما أو التصوير الدعائي أو الأغاني المصوّرة… كما أن جمع الممثلين والإبقاء على الإحساس والتتابع الدرامي طوال أشهر عدة يتطلبان مجهوداً لا نراه إجمالاً في أنواع إخراجية أخرى...
- ما الجديد الذي يحمله الإخراج والتصوير في "صالون زهرة؟"
الجديد هو أولاً الأداء وبنية الشخصيات القريبة من الواقع على الرغم من تلوّنها وغرابتها والمبالغة فيها أحياناً. تجانس الألوان ولغة الصورة وإحساس المشاهد أنه شخصية من شخصيات هذا الحي أو هذا الصالون، هي بالنسبة إليّ الجديد والمختلف، وهي ما يجعل "صالون زهرة" يغرّد خارج السرب...
- ماذا عن كواليس العمل والمواقف الطريفة التي حصلت معكم أثناء التصوير؟
حدّث ولا حرج عن المواقف الطريفة وحالات الضحك التي لم يكن في وسعنا السيطرة عليها أثناء التصوير… فهناك مثلاً مشهد نادين نسيب نجيم في الصالون عندما كانت تتحدث مع الصبايا عن مواضيع معينة ورغبن في إخفائها عن إحدى الزبونات. وهناك مشهد شروع البنات الأربع في فك دواليب سيارة فادي أو في العديد من مشاهد معتصم وعلي سكر، لا سيما أن "أنس" و"سمير" شكّلا معاً ثنائية غريبة عجيبة، وقد أبدع معتصم في مساحة الكوميديا تماماً كما فعلت نادين بمعجمها الخاص ومواقفها…
- في هذا المسلسل، تظهر نادين نسيب نجيم بشخصية مختلفة وتخوض ملعباً درامياً جديداً. هل واجهتَ صعوبة في إقناع نادين بأداء بعض مشاهد الدور؟
لم تكن هناك صعوبة في إقناع نادين بخوض هذه الشخصية، لأن قبل الدخول في مرحلة التصوير كنّا قد أجرينا جلسات عدة حيث تم العمل على تطوير شخصية "زهرة"… احتجنا إلى بضعة أيام في بداية التصوير لكي نصل الى مستوى عالٍ من التجانس لرسم هذه الشخصية بأبهى الطرق. وأودّ الإشارة هنا إلى أن شخصية "زهرة" تشبه الى حد كبير شخصية نادين الحقيقية، مما زاد من جمالية هذا الدور وميّزه وجعله يلمع أكثر وأكثر...
- هل الإخراج السينمائي مختلف عن إخراج المسلسل الدرامي؟
هناك طبعاً اختلاف من حيث اللغة والسرعة والأحداث والإحساس وطرق التصوير. لكن كما ذكرت سابقاً، يمكن أن نرى نقاط تشابه كثيرة، خصوصاً إذا كان لدى المخرج النيّة في تقريب عالم الدراما من عالم الإخراج السينمائي…
- هل أنتَ من المخرجين المتطلبين أم المتساهلين في أعمالهم؟
أنا وللأسف من أكثر المخرجين تطلّباً …لن أكذب وأقول عكس ذلك، فمَن تعاون معي لمس هذا الشيء، ولكن في الوقت عينه لمس أيضاً كيف يترجم كل هذا المجهود الذي أبذله وأطلب من المحيطين بي بذله بشكل واضح في كل صورة وكلّ لقطة وكل مشهد...
- تتعاون في هذا المسلسل مع "شركة الصبّاح" التي حصدت نجاحاً واسعاً مع مسلسل "2020" الرمضاني من بطولة نادين نسيب نجيم وإخراج فيليب أسمر. هل أشعرك ذلك بشيء من الخوف أو القلق لأن التحدّي بات أكبر؟
أعشق التحديات… والأسوأ أنني أنافس ذاتي قبل أن أنافس أحداً… وأعتبر أن من الصعب جداً أن أرضي نفسي قبل أن أرضي أي جمهور أو حكم أو مشاهِد… لذا، لا أشعر بالقلق من أي عمل ناجح، بل على العكس أعتبره حافزاً ومؤشّراً على تحسّن جماعي في صناعة الدراما لبنانياً وعربياً… ورغم نجاح مسلسل "٢٠٢٠" فإنه لا يمتّ الى مسلسل "صالون زهرة" بِصلة، أكان من حيث الشكل أم المضمون… من هنا ليس من صالح الشركة المنتجة ولا بطلة العمل نادين نجيم أن يتنافسوا مع أنفسهم، بل أن يغرّدوا في سرب مستقل فيه الكثير من الحرية والألوان والشغف وإرادة التحليق بعيداً...
- يُقال إنك تحب عملك حد الشغف. هل هذا صحيح؟
الحمد لله… وأعتبر أن هذا من مقومات نجاحي… أؤمن بأن كل عمل في الحياة ليكون ناجحاً، علينا أن نحبّه بشغف… لدي شغف بالحياة وهذا ما أترجمه في عملي… لا أحب الفتور… إذا أحببنا فلنحب من كل قلبنا وعقلنا، وإذا لم نحب فلنعبّر بصراحة عن عدم رضانا… كم هو جميل أن نأكل بشغف، ونتحدث بشغف، ونكتشف بشغف، ونعطي بشغف... أشعر أحياناً أن الله سبحانه وتعالى يرى ويقدّر هذا الشغف…
- هل يسرقك العمل من حياتك الشخصية؟
كثيراً… لدرجة أنه يمكن أن أنسى ما حولي عندما أكون منغمساً في عملي… أتعلّق بمشاريعي فأحبّها وتصبح جزءاً من حياتي الشخصية… لكن لا أنكر أنني رغم كل شيء أبحث عن لحظات فصل… وأشعر أن الإنسان بحاجة الى الراحة ولأن يعيش حياته الخاصة. من هنا الحاجة إلى لقاء عائلي أو جلسة مع الأصدقاء المقرّبين أو الهروب إلى الطبيعة رغم التعب أو الانغماس في العمل.
- هل تقتصر مهمة المخرج على إدارة الممثلين فقط؟ أم أنه يتدخل في تفاصيل أخرى؟
المخرج هو قائد الأوركسترا… والقائد الجيد لا يمكنه إلّا أن يتدخل في كل تفصيل من أصغره إلى أكبره… هو المرهف الذي يتلقى كل مشاعر الناس ويحلّلها ليُخرج منها الأجمل...
- هل أنت راضٍ عمّا قدمته لغاية الآن، أم أنك نادم على عمل ما؟
الحمد لله أنا راضٍ عن كل عمل قدّمته لغاية الآن وبذلت فيه كل جهدي. وأؤمن شخصياً بأن الندم لا ينفع، لا بل إن كل تجربة في الحياة تغنينا وتجعلنا أكثر نضجاً.
- مَن ينافسك اليوم في عالم الإخراج؟
كل من لديه إحساس عالٍ وقلب كبير وخيال واسع وفكر ناضج وذوق رفيع وأخلاق حميدة...
- من هو المخرج الذي يلهمك؟
لطالما أحببتُ السينما الإيطالية وروّادها، وعلى رأسهم المخرجان ميشال أنجلو أنطونيوني وفريديريكو فيلّيني… كما يلفتني الكثير من المخرجين المعاصرين وأتابع أعمالهم بشغف.
ولكن قبل أي مخرج أو كاتب أو فنّان، فإن الحياة بحد ذاتها هي التي تلهمني... بناسها، ووجوه الذين ألتقي بهم، ورائحة الأرض وعطر الشخص الواقف بقربي، والصوت الذي أسمعه أو الصمت المطبَق في دور العبادة، أو لون الأشجار في أواخر أيلول (سبتمبر)، أو عبارة معينة، أو وجع معين، أو ابتسامة عابرة…. كل هذه الأشياء تلهمني وتغنيني وتجعل منّي فرداً ينتمي الى هذا العالم قبل أن أكون مخرجاً ينتمي الى مدرسة معينة.
- ما هي مشاريعك المستقبلية؟
في الوقت الحالي نحضّر لمشروع جديد مع "شركة الصبّاح" التي بدأتُ معها مسيرتي في عالم الدراما وباتت عائلتي بعد مسلسل "صالون زهرة". كما يُحتمل أن يكون لي مشروع في مصر في أواخر هذا العام.
- حكمتك في الحياة...
أحبّوا وأحبّوا وأحبّوا من دون حدود… فالحب يرتدّ أضعافاً وأضعافاً… أحبّوا كل شيء حولكم… الناس، عملكم، نبتة في زاوية بيتكم، وطنكم، غربتكم، جيرانكم، ربّ عملكم أو خادمكم، موظف خدمة الزبائن عبر التلفون، من تعرفونهم وحتى من لا تعرفونهم، من يتشابهون معكم في الأفكار أو يختلفون...
العالم بحاجة إلى ثقافة الحب… لعلّها تقضي على موجات الكره والحروب والتنمّر والرفض والتباعد الذي يشهده عالمنا اليوم.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024