تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

ليلى عجم: تغيّر وجه سرطان الثدي عند النساء بإرادتها وحبّها للحياة

ليلى عجم

ليلى عجم

ليلى عجم

ليلى عجم

ليلى عجم

ليلى عجم

قبل أكثر من 15 عاماً، اكتشفت السيدة ليلى عجم بالصدفة إصابتها بالسرطان في ثديها الأيمن، وأحدث هذا صدمة كبيرة لها ولأفراد أسرتها لأنها لم تكن من وجهة نظرها عُرضة للمرض، فهي تمارس الرياضة باستمرار وتشارك في العديد من فعاليات الماراثون في العالم، كما أنها كانت تتبع نظاماً غذائياً يرتكز على الأطعمة العضوية، ولكنها لم تستسلم، بل حاربت بقوة وبدأت تجربتها الصعبة ورحلتها المضنية في العلاج لتتمكن من الانتصار على المرض الخبيث وتتحول حكايتها وجرأتها في الحديث عن مرضها إلى رسالة صادقة تساعد كل من يقع في هذه التجربة، وباتت قدوة للكثير من السيدات لترشدهنّ وتمنحهنّ القوة للمضي قُدماً وتخطّي تلك المرحلة الصعبة بأقل ضرر ممكن. عاشت المحارِبة ليلى البالغة من العمر 62 عاماً تجربة المرض في عزّ شبابها، ولكنها تخطّتها بروحها المرحة وحبّها للحياة وإصرارها على أن دورها في هذه الحياة لم ينتهِ بعد، لتصطدم هذا العام بنتائج الفحوص الطبية الروتينية التي بيّنت عودة المرض إليها وظهوره مجدداً على الخلايا الميتة، فقررت استئصال الثديين واستكمال حربها الصعبة لتنتصر عليه مجدداً بعزم وقوة إرادة، ومحبّة ودعم المقربين منها.


- كيف اكتشفتِ أنكِ مصابة بسرطان الثدي، وفي أي مرحلة كان؟

في الحقيقة، لم أكن أتوقع أنني قد أُصاب في يوم من الأيام بمرض السرطان، فأنا أمارس الرياضة باستمرار وأشارك في فعاليات ماراثونية في مختلف دول العالم، وأعتمد على الأطعمة العضوية. كما لم تُسجّل حالات سرطان ثدي في عائلتي. ولطالما اهتممت بصحتي وحرصت على إجراء الفحوص الروتينية اللازمة، وعندما كنت في العام 2006 أُجري الصورة الشعاعية السنوية للثدي Mammography، تبيّن أن ثمة ورماً سرطانياً في الثدي الأيمن، وأن المرض بات في مرحلته الثالثة، رغم أنني كنت نشِطة ولا أشعر بأي ألم أو تعب.

- ما أصعب مرحلة تمر بها المُصابة بهذا المرض؟

الصعوبة تبدأ عند تلقّي الخبر، ففي الفترة الأولى كنت أشعر بأنني في حلم. كنت متوترة وحزينة طوال الوقت ولم أتقبّل الحقيقة، وأسأل نفسي بمَ أخطأت لأعاقَب بهذه الطريقة؟! لكن كان لا بدّ لي من أن أستيقظ وأتقبّل هذا الواقع المرير. ومن ثم تترافق مع بعض مراحل العلاج الصعبة، "الوشوشة" ونظرات الشفقة من الناس. كانت فعلاً مزعجة ولم أتقبّلها، خاصة أن في الفترة السابقة، أي قبل أكثر من 15 عاماً، كان الحديث عن السرطان أمراً صعباً ومن "التابوات"، لكني أصررت على المواجهة ولم أخفِ شيئاً أو اختبئ، لأن المرض ليس مدعاةً للخجل.

إضافة إلى كل ذلك، تعاني المُصابة بالسرطان خلال فترة العلاج من انتفاخ الجسم نتيجة كمية الكورتيزون التي تتناولها، فيصبح الجسم ثقيلاً ومنتفخاً ومرهَقاً، وهذه كانت من أصعب المراحل التي مررت بها.

- ماذا عن وضعك الصحي اليوم؟

رغم شفائي التام قبل سنوات طويلة من ورم نادر كان يعيش في شرايين الثدي من دون أن يكون ملموساً، وذلك بعد تلقيّ علاجاً لأكثر من سنتين، هو عبارة عن ثماني جلسات من العلاج الكيماوي و36 جلسة من العلاج بالأشعة، صُدمت في بداية هذا العام حين اكتشفت أن الأورام الخبيثة عادت إلى الثدي نفسه مجدداً، ما اضطرني للخضوع لجراحة في نيسان (أبريل) الماضي، لاستئصال الثدي الأيمن بالكامل. وتجنّباً لعدم تكرار معاناتي مع المرض، اتفقت مع الطبيب المعالِج على استئصال الصدر الأيسر أيضاً، حيث تبيّن خلال الجراحة وجود بعض الخلايا السرطانية التي بدأت تتشكّل بالفعل. وأنا الآن في مرحلة متابعة العلاج بالأدوية، وسأسافر قريباً إلى لوس أنجلوس لاستكمال العلاج ومعرفة ما إذا كنت سأتناول الدواء لفترة محددة أو مدى الحياة.


- كيف استطعتِ التغلّب على سرطان الثدي في المرة الأولى؟

لم أستسلم يوماً ولم أفكر بأنني قد أموت، بل اعتبرت أن وجودي ضروري في هذه الحياة ولي دور يجب أن أقوم به تجاه أولادي وزوجي وجمعيتي التي تقدّم المساعدات لمئات الطلاب لاستكمال تعليمهم. كنت أرى في نفسي رسالة للعالم ودخلت بيوت الناس في أصعب مراحل علاجي لأساعد كل امرأة تعيش تجربة مماثلة. إضافة إلى أنني شخصية متفائلة وتحب الحياة، لذلك كافحت المرض وانتصرت عليه. وما ساعدني أكثر في التغلّب على السرطان قبل 15 عاماً، هو دعم عائلتي ووقوفهم بجانبي إذ كانوا يعاملونني وكأنني لم أكن مريضة فيحرصون على أن أعتمد على نفسي لتكون ثقتي قوية في نفسي.

- ماذا تفعلين لتحسين نفسيتك وتحويل السرطان الى مرض عادي يمكن التغلب عليه؟

كما قلت سابقاً، أنا أحب الحياة وأرى أن دوري فيها لم ينتهِ بعد، فأنا أستمر في العيش بشكل طبيعي وأخطّط لرحلاتي ونشاطاتي المقبلة من دون أن أفكر بتعبي أو حاجتي الى العلاج، كما أن أولادي وزوجي يمدّونني بالقوة لمكافحة هذا المرض مجدداً. في المرة الأولى، كان زوجي متفرّغاً لدعمي ومساعدتي بحيث كان يحلق شعري بنفسه ويتناول الطعام الصحي الذي أتناوله، ويحرص دائماً على مراقبة حرارتي ولون بشرتي وتعب جسمي... كان يحفظ قائمة أدويتي عن ظهر قلب، ويتابع وضعي الصحي مع الطبيب المعالِج، وكل هذا كان يرفع من معنوياتي ويُحسّن نفسيتي ويدفعني لمحاربة السرطان بكل قواي.

- ما هي الحمية الغذائية التي تعتمدينها في حياتك؟

لطالما اعتمدت على المنتوجات العضوية في نظامي الغذائي، كما أعمل دائماً بنصائح الأطباء وأطبّق إرشاداتهم إن كان في لبنان أو في أميركا. خلال فترة العلاج، كنت أتّبع حمية خاصة ترتكز على الأطعمة الصحية وفي الوقت نفسه خالية من اللحوم النيئة أو السوشي، كما توقفت عن تناول الحلويات والسكريات والمنتوجات الغنية بالقشدة، وامتنعت عن التدخين والكحول والمشروبات "الدايت" وكل ما هو مصنّع وغنيّ بالسكّرين، فالسكر واللحم النيّئ يحفّزان السرطان.

- بمَ تنصحين المُصابات بسرطان الثدي والمحيطين بهنّ؟

في البداية، يجب أن تعلم السيدات أن الفحص المنزلي القائم على لمس الثديين لا يكفي، بل عليهنّ الخضوع إلى فحص الـ Mammography بشكل سنوي لأنها الطريقة الوحيدة التي تكشف واقع المرأة الصحي. فكلما اكتُشفت الإصابة بسرطان الثدي مبكراً كانت نتائج العلاج أفضل. أما المُصابات بالسرطان فعليهن أولاً أن يؤمنّ بأن ربّ العالمين سيساعدهن على تخطي تلك المرحلة الصعبة، وأن يلتزمن بتعليمات الطبيب، لناحية الأكل والشرب والتدخين والأدوية، فعدم تطبيقهن لتلك الإرشادات يشبه الانتحار البطيء.


- كيف يمكن المصابة بالسرطان تقبّل مظهرها الجديد خلال فترة العلاج؟

خلال مرحلة العلاج الكيماوي، كنت أحرص دائماً على الحفاظ على مظهري وطلّتي. وبعد تساقط شعري بالكامل، حاولت الاعتماد على الشعر المستعار ولكنني لم أتقبّله، فوضعت وشاحاً بأسلوب جذّاب ولافت، وكنت أختار تصاميم مختلفة وألواناً تتناسب مع ملابسي. ومع تساقط شعر حاجبيّ أيضاً، حرصت على تطبيق المكياج بلمسات ناعمة، حتى يبدو وجهي مرتاحاً. لذا، على كل مُصابة بالسرطان أن تدرك أنها فترة وستنتهي، ويجب أن تتحمل وتتقبّل شكلها وتتحايل على التغييرات الحاصلة باستخدام الشعر المستعار أو "الفولارد" أو أي من الأكسسوارات المتاحة لها كي تخرج من المحنة منتصرةً.

وأنا اليوم بعد استئصال الثديين، أحاول التعايش مع شكلي الجديد، وأُغطّي منطقة الصدر بـ"الإيشاربات" كي لا يبدو مظهر ثديي مزعجاً ونافراً، خاصة إذا كنت أرتدي ملابس ضيقة وزاهية الألوان، وسأستمر بهذه الطريقة حتى أسافر إلى لوس أنجلوس وأرى إذا كانت هناك حلول بديلة، وبالتالي على كل مريضة أن تجد لنفسها مخرَجاً يساعدها في تقبّل شكلها المؤقت كي لا يؤثر سلباً في نفسيتها.

- ما رأيك في عمل الجمعيات التي تُعنى بهذا المرض في الدول العربية؟

منذ فترة طويلة وأنا أساعد كل الجمعيات في لبنان، خاصة أنها وُلدت من معاناة النساء، فأغلب العاملات في هذه الجمعيات كنّ مصابات بسرطان الثدي أو توقّفن عن تلقّي العلاج. لكن في الحقيقة، رغم الإمكانيات المحدودة والظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان حالياً من حيث فقدان أغلب الأدوية وتوقف الدولة عن تأمين الدواء لمرضى السرطان، تكافح هذه الجمعيات وتواصل عملها بصعوية بهدف توعية الفتيات والسيدات بضرورة إجراء الصورة الشعاعية بشكل دوري، كما تؤمّن الأدوية والفحوص الطبية للكثيرات منهن بدون مقابل مادي. وبما أن لها شبكة اتصالات واسعة مع مجموعة من الأطباء والمستشفيات، فهي تساعد بعض المصابات بالسرطان على إجراء العمليات الجراحية مجاناً. وهذا مجهود جبّار يُحسب لتلك الجمعيات.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080