تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

تامر حسني: أعذر من هاجموني...

يقول إنه تعرض لتضليل إعلامي عندما كان خارج مصر، وينفي أن يكون قد تعرض لأي ضغوط سياسية ليتحدث الى التلفزيون المصري وقت الثورة ويدافع عن الرئيس المصري السابق، ويكشف لنا تفاصيل وأسرار كل ما حدث منذ أن كان في هولندا وقت اندلاع الثورة وحتى نزوله الى ميدان التحرير ليشارك فيها. إنه النجم تامر حسني الذي يبدي دهشته ممن انتقدوا بكاءه ويتساءل: ألست لحماً ودماً؟ كما يكشف للمرة الأولى عن رفضه الغناء لحسني مبارك، ويوجه رسالة الى الجميع من خلال حوارنا معه.


- كنت خارج مصر وتحديداً في هولندا قبل بداية الثورة لارتباطك بحفلات هناك. لماذا لم تلغ الجولة وتعدْ إلى مصر فوراً؟
كنت موجوداً بالفعل خارج مصر قبل بداية الأحداث، وكنت أتخيل في البداية أنها تظاهرات عادية، وذلك لأننا لم نمر بمثل هذه الأحداث منذ وقت طويل. وحينما ازداد الموقف تأزماً ألغيت سبع حفلات بعدما فشلت تماماً في تكوين صورة واضحة للموقف في مصر، سواء عن طريق اتصالاتي الهاتفية بوالدتي أو حتى أصدقائي.
وبناء عليه سددت الشرط الجزائي لبعض منظمي الحفلات، أما البعض الآخر فقد أدرك الموقف. لذا أتعجب ممن يتهمني بتعمد إطالة فترة إقامتي في الخارج، لأن هذا ليس صحيحاً، فقد كان أحد أسباب تأخري هو توقف جميع رحلات مصر للطيران إلى القاهرة، وما إن أُعلن عن عودة الخطوط إلى العمل حزمت حقائبي وعدت إلى مصر فوراً.

وفي اليوم نفسه وتأكيداً لمشاعري تجاه إخوتي في التحرير قررت الذهاب إليهم بمفردي كي أشرح حقيقة الموقف والتضليل الإعلامي الذي تعرضت له بسبب وجودي خارج مصر. وبعد تفهمي لأبعاد الموقف، وتحديداً تفاصيل 'موقعة الخيول والجمال'، تحدثت هاتفياً إلى أحد البرامج الحوارية، وشرحت تفصيلياً ما حدث معي منذ البداية. لكنني أعذر كل من هاجموني، لأنني أقدر تماماً قسوة ما شاهدوه من ظلم وتعذيب وقوع شهداء أمام أعينهم.
وأتمنى ألا يشكك أحد في وطنيتي، فقد نصحني البعض بالبقاء في الخارج حتى يعود الهدوء إلى شوارع مصر، لكنني رفضت ذلك بشدة، وهاجمت كل من نصحوني بهذه النصيحة، لأن مصر كانت تمر بظروف قاسية تستوجب عودتي، لذا صممت على موقفي كي أشعر بما يمر به إخوتي.

- ذكرت أنك فشلت في تكوين صورة كاملة عن الموقف والأحداث ورغم ذلك دافعت عن الرئيس السابق حسني مبارك في اتصال هاتفي مع التلفزيون المصري!
أولاً، ما وصلني من معلومات أثناء وجودي في الخارج كان يدل على أن هناك أيادي أجنبية وأحزاباً سياسية تسيطر على الأحداث داخل الميدان بالكامل، بل وتقوم هذه الجهات بأعمال تخريبية، مثل فتح السجون وحرق البلد واغتصاب فتيات.
لكنني كنت متأكداً أن هذه الأفعال لا تخرج من شبابنا الطاهر، فأجريت اتصالاً هاتفياً بالتلفزيون لأطلب من الشباب العودة إلى المنازل حرصاً على سلامتهم وعلى عدم تعرض أحدهم للقتل، وقد كان حبي لهم وخوفي عليهم هو دافعي الأول والوحيد للمكالمة، بالإضافة إلى عدم إهانة رمز الدولة، خاصة في ظل وجود أجانب وأحزاب تسيطر على الموقف.

لكن بمعرفتي بتفاصيل موقعة 'الجمال والخيول' اكتملت الصورة لدي، تماماً مثلما اكتملت في أذهان جميع المصريين، وتأكدت من حقيقة الموقف، سواء الظلم الذي تعرض له أولادنا، أو تضليل الإعلام للكثير منا، ومن هنا قررت الذهاب بمفردي، ولم أذهب لأبحث عن شهرة مثلما اتهمني البعض، فالجميع يعرف مشوار حياتي الذي بدأته من تحت الصفر، والنجاحات التي حققتها. ذهبت إليهم وقلبي ملهوف لمشاركتهم.
وللعلم عند ذهابي كان الرئيس مبارك لايزال في السلطة، لكنني نويت الاستمرار معهم، حتى لو هجم البلطجية والشرطة علينا، كنت سأظل بينهم، حتى لو أدى ذلك إلى نهاية حياتي.

- هل هناك ضغوط سياسية مورست عليك لتتصل بالتلفزيون وتدافع عن الرئيس السابق؟
لم ولن يحدث أبداً، وأرفض دائماً أن يساومني أحد أو يفرض عليَّ ما يجب أن فعله. وسوف أكشف موقفاً، لم أكن أرغب في التحدث عنه لكنني مضطر لذلك الآن حتى أوضح حقيقة موقفي من أي ضغوط.
فقد اتصل بي أحد الوزراء السابقين بعد عودة الرئيس مبارك من رحلته العلاجية لأقوم بتلحين وغناء أغنية له لأهنئه فيها على سلامة الوصول، لكنني رفضت ذلك في المكالمة نفسها مع هذا الشخص رغم أهميته الشديدة في النظام السابق، وقلت له بالحرف الواحد 'أنا آسف يا فندم، بس أنا ممكن أعمل أغنية عن مصر بشكل عام'، وهو ما رفضه هذا المسؤول، الى درجة أنني كنت أتوقع الغدر منه في أي لحظة لكن للأمانه لم يفعل شيئاً، وكلف آخرين بعملها.

- كيف تفسر رفضك الغناء للرئيس بعد عودته من رحلة العلاج في ألمانيا ودفاعك الصريح عنه عبر التلفزيون؟
أولاً، تعاطفي مع الرئيس جاء مع تعاطف ملايين المصريين، خاصة بعد أن رأينا هذا الرمز الكبير مكسوراً أثناء خطاب إعلانه عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، فهذا شعور اشترك فيه ملايين. ثانياً، ازداد تعاطفي معه عندما قالوا لي إن الرئيس سيرحل بأيادٍ أجنبية وأنها ليست رغبة أولادنا.
أكررها مرة أخرى، فقد دافعت عن الرمز وليس الشخص، ودعنا نتفق على أن هناك أسراراً كثيرة لم نكن نعرفها من قبل تخص النظام الفاسد، وبعد الإعلان عنها اتفق الجميع على رأي واحد واتضحت لنا الصورة كاملة.

ثالثاُ: دعنا نبتعد عن أسماء أصحاب التجارب الغنائية السياسية في الفترة الماضية، لأننا بذلك نكون كمن يريد لف حبل حول رقاب أبرياء، والأفضل أن نقدم لهم الأعذار ونبحث عنها قبل أي شيء. ومن المعروف أن لكل مرحلة سياسية مفرداتها وأساليبها، وبحكم عملي في الموسيقى والسينما أكاد أجزم بأن هناك الكثير من الفنانين تعرضوا لضغوط كبيرة من أجل غناء أغنية معينة أو حتى تمثيل دور في فيلم بعينه، دون رغبته في ذلك.

- ما رأيك في الفنانين الذين هاجموا الثورة مع بداية الأحداث؟
أستطيع أن أؤكد لك أن كل من هاجم الثورة لم يستوعب الأمر منذ البداية نتيجة المعلومات الخاطئة، لكن يكفي أنهم اعتذروا عن ذلك، وقدموا توضيحاً لما بدر منهم. وكما ذكرت لا يمكن أن نشكك في وطنية أي مصري إذا كانت المنافسة بيننا في حب مصر، فهل يعقل مثلاً أن يكون هناك فنان أو فنانة لا يتمنى أن تكون مصر من أجمل دول العالم وأكثرها حضارة وديموقراطية؟ بالطبع لا، لكن هناك بالتأكيد من تعرض لضغط بشكل أو بآخر، أو من تحدث من منطلق خوفه على البلد واستقراره، ومنهم من اختار مبدأ 'اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش'.
أما في حال استمرار تركنا بناء البلد وتفرغنا لإلقاء الاتهامات بيننا، فأنا أعتقد أن مصر لن تنهض مرة أخرى، ولن تتحول في أحد الأيام إلى تركيا، أو ماليزيا مثلاً، فالفترة المقبلة تحتاج إلى بناء اقتصاد قوي، ليؤهلنا في المستقبل لأن نكون إحدى الدول ذات الشأن السياسي المهم في العالم كله، نظراً لارتباط الاقتصاد والسياسة بمدى ضعف الدولة أو قوتها.

 

- كيف كان رد فعلك عندما هاجمك بعض الشباب؟
تداركت الموقف، وتلمست أعذارهم نتيجة ما شاهدوه من أحداث، وأريد أن أؤكد أنه لو الزمن عاد بي فسأذهب إلى الميدان مرة أخرى، ولن أسمح لأي شيء بأن يفرق بيني وبين إخوتي مهما حدث، فهم سبب نجاحي، وكبرنا معاً كجيل واحد.

- هل هجوم بعض الشباب عليك هو ما أدى إلى دخولك في مشهد بكاء هستيري بشكل عنيف حتى أن أحد الأشخاص هناك صوّرك؟
بداية أود أن أسجل ملاحظة. لقد اندهشت عندما وجدت أكثر من صديق يتعجب من بكائي، بل وصل الموضوع مع البعض الى درجة سؤالي عن السبب الذي منعني من تمالك نفسي. وفي الحقيقة أنا مازلت مندهشاً حتى هذه اللحظة من هذا الاستفسار، فأنا في النهاية إنسان من لحم ودم، لدي مشاعر وأحاسيس مثل أي شخص آخر، تأثرت بالفعل وبكيت وصعبت عليَّ نفسي، هذا بالإضافة إلى ما حدث لأخي الكبير وبعض الحاضرين من إصابات بسبب وقوع المنصة التي كنت أقف عليها.

ولا أعرف لماذا يتعامل البعض مع الفنانين باعتبارهم معدومي الإحساس أو فاقدي الشعور، فمن المفترض أننا نعيش لكي نعبر عن آراء وأفكار أجيال مجتمعنا. وبالمناسبة لقد كنت أتوقع حدوث ثورة منذ خمسة أعوام، وهو ما قدمته في فيلم 'سيد العاطفي' الذي كتبه السيناريست بلال فضل، ومن خلال أحداثه قدمت نموذجاً لشقيق والدي الذي كان وزيراً فاسداً ينهب حق الشعب، وفي نهاية الفيلم قامت ثورة ضده وسرقت أمواله، وتم تدمير منزله وكل ما لديه، وهذه نهاية كل ظالم، وهو ما حدث بالفعل في هذه الثورة الشريفة.

- ألم تتوقع حالة الغضب التي وجدتها في ميدان التحرير بسبب موقفك في البداية؟
توقعت لكنني كنت أراهن على تقبل الشباب لموقفي وإدراكهم أنني لم أكن مستوعباً لما يحدث بالكامل، وهو ما حدث بالفعل. فعندما نزلت الى ميدان التحرير التقيت مجموعة من شباب الثورة الذين كانوا عاتبين عليَّ لموقفي، لكنني اعتذرت لهم وشرحت حقيقة موقفي وأنني لم أكن على دراية بكل الحقائق، وقلت لهم إنني واحد منهم ويشرّفني الوجود في ميدان التحرير والغناء للثورة والمشاركة فيها.

وبالفعل تقبلوا موقفي واعتذاري، وعندما قررت الصعود الى المسرح لأقول كلمة لكل الموجودين في الميدان، كانت هناك مجموعة أخرى من الشباب لم يعرفوا أنني قدمت اعتذاراً وشرحت موقفي، وهؤلاء ربما شعروا أنني جئت لأغير موقفي، فطلبوا مني النزول واستجبت بسرعة، وقلت إن هؤلاء الذين هتفوا بنزولي من المسرح لديهم حق، لأنهم لا يعرفون حقيقة موقفي، وإنهم عندما يعلمون سيغيرون رأيهم فيّ وسيتقبلونني مثلما تقبلني الذين شرحت لهم الموقف كله.

- هل توقف الأمر عند هتافات تطالبك بالنزول من المسرح أم تطور إلى محاولة للاعتداء عليك؟
فوجئت بكم من الشائعات حول ما حدث معي في ميدان التحرير لم أقابله طوال حياتي، فلم يحدث أبداً أن تعرضت للضرب أو الاعتداء، وتدخُل بعض أفراد من الجيش لحمايتي أمر طبيعي وتلقائي، ولم يكن رد فعل لأي محاولة اعتداء عليّ، وحتى الشباب الذين طلبوا نزولي من المسرح كانوا متحضرين ولم يحاول أي منهم ضربي كما تردد.

- لكنك ظهرت على الشاشة منهاراً وباكياً فهل كان هذا لمجرد الهتاف ضدك؟
انهياري وبكائي سببهما الحقيقي حزني، لأنني كنت مضللاً في البداية ولم أفهم مطالب الشباب ولم تتح لي الفرصة لأشارك في تلك الثورة الرائعة.
حزنت لأن هناك من لم يتقبل اعتذاري ولم يتفهم موقفي، لكن صدقوني حزني الأكبر منبعه أنني لم أكن موجوداً مع الثورة منذ البداية.

- بعد شرح وجهة نظرك، ما الذي قدمه تامر حسني لثورة '25 يناير' حتى الآن؟
وفقني الله بالتكفل ببعض الحالات المستعصية لإخوتي مصابي الثورة في المركز التأهيلي بالعجوزة، كما شاركت في حملة تنظيم وتجميل مصر مع مجموعة من شباب الثورة المشرِّف، بالإضافة إلى حملة تبرع بالدم مع جمهوري لصالح بنك الدم، ومشروع خاص بالشهداء أتحفظ عن التحدث عنه.

- كيف ترى مستقبل بلدك؟
أعتقد أن ما يحدث حالياً من تغيرات سياسية يبشّر بأمور مهمة أولها دخول مصر إلى مصاف الدول الديموقراطية بشكل حقيقي في مرحلة تاريخية مهمة، خاصة أننا نقف على مشارف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وثانيها خروج الشباب بهذه الطريقة المنظمة إلى ميدان التحرير وإصرارهم على موقفهم، رغم كل ما تعرضوا له من قمع وضرب واستشهاد، مما ينبئ بظهور جيل جديد واعٍ ملم بكل ما يجري حوله من تفاصيل لم يستوعبها الكثيرون منا.

وأعتقد أن هذه ظاهرة صحية سياسياً، خاصة أننا افتقدنا مشاركة أجيال كثيرة من الشباب في الحياة السياسية بسبب الخوف من تبعات ذلك عليهم وعلى مستقبلهم، وأعتقد أن أي مواطن مصري يلمس هذه النقاط نفسها. وفي النهاية أرى أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق كل منا في هذ المرحلة، وهي إعادة إعمار مصر اقتصادياً وسياحياً وأمنياً، وحتمية العودة إلى العمل، مع سرعة عودة جهاز الشرطة لمباشرة عمله.

- إذا قرر تامر حسني أن يوجه رسالة بعد كل هذه الأحداث إلى من توجهه رسالتك وما المحتوى الذي ستتضمنه؟
ستكون الرسالة إلى مصر بالطبع، وسأقول فيها: إن شاء الله هاترجعي أحسن من الأول يا مصر، بأولادك، وبشعبك. لكن يجب ألا نبدأ عصراً جديداً بالانقسام، فقد نادينا بالديموقراطية وعلينا أن نعمل بها الآن، ولا بد من عودة روح العمل إلينا جميعاً، ويجب أن تنزل الشرطة إلى الشارع لإعادة الأمن الى أولادنا وحياتنا، وعلينا أن نهتم بأسر الشهداء ونتكفل بالمصابين، فهم يعانون إصابات قد تؤدي إلى ضياع حياتهم، ومن هذا المنطلق أدعو إخوتي الفنانين الكبار القادرين أن يهتموا بهذا الأمر.
وسأختم الرسالة بالشكر من كل قلبي إلى من ساندني وتفهم موقفي، فأنا في النهاية شاب مثل كل شباب مصر الذين يطمحون دائماً إلى رفع اسمها عالياً.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077