منى زكي: شاركت في الثورة من أجل ابنتي
لم تتردد هي وزوجها الفنان أحمد حلمي في النزول إلى ميدان التحرير والمشاركة في الثورة، وعندما سألناها: ألم يراودك خوف على مستقبلك الفني في ظل احتمال بقاء النظام القديم؟ أجابت: 'نسيت أنني فنانة'. إنها منى زكي التي طلبنا منها أن تصف لنا أحاسيسها في ميدان التحرير فقالت: 'هي أحاسيس تُعاش ولا تُحكَى'. وتكلمت بكل صراحة عن أسباب قرارها المشاركة في الثورة، ورأيها في الفنانين الذين أيدوا النظام السابق، وما حدث مع تامر حسني. كما تكلمت عن مشاركتها في لقاء مع الرئيس السابق حسني مبارك، وحقيقة تجسيدها حياة إحدى الشهيدات في فيلم سينمائي، ومصير فيلمها 'أسوار القمر'.
- ما الذي دفعك الى التفاعل مع الأحداث السياسية خلال ثورة '25 يناير'؟
لا يمكن أن يطلق على الأحداث الأخيرة التي وقعت في مصر إنها أحداث سياسية، فهذه المرة لا يمكن أن نطلق عليها المصطلحات القديمة والمجهزة مسبقاً، لأن هذه الأحداث اسمها الوحيد هو ثورة الشعب التي فجرها الشباب وجهزوا لها وحملوها في قلوبهم وعقولهم وقبلوا كل التحديات ونجحوا فيها لإيمانهم بها وبمبادئها.
لا يمكن أن أعتبر ما حدث دخولاً من جانبي في السياسة، فما حصل كان نابعاً من صدق وقائماً على صدق وحب. أما عن سبب تفاعلي فلا يمكنني أن أقول إنني لم أكن مهتمة بمصر بلدي وظروفها والأحداث التي تمر بها، فأنا مواطنة مصرية، طوال الوقت مهمومة بحال البلد، ومتفاعلة مع كل شيء فيه، ولكن من الممكن أن أقول إنني كنت هذه المرة أكثر إيجابية.
- وما السر وراء هذه الإيجابية؟
لأنني أحب هذا البلد، وأشعر بالانتماء الحقيقي اليه في كل لحظة، ووجدت أن هذا هو الوقت المناسب الذي لابد أن يدعم فيه بعضنا بعضاً، ونتماسك من أجل مستقبل هذا البلد، حتى وإن كان هذا التغيير والتطوير من خلال ثورة شعبية، فبالرغم من أنني لا أعاني من كل الظروف الصعبة التي يعاني منها الكثيرون، من فقر وبطالة وظروف اقتصادية قاسية، كنت دائماً أشعر بمعاناة الناس.
وأتمنى أن يتحسن الوضع من أجل مستقبل أفضل ومن أجل أهل مصر الذين لابد أن ينعموا بخيرها، ولأن هناك مطالب يشترك فيها المجتمع بكل فئاته، وهي العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية... لهذا نجحت الثورة.
- لكن البعض اندهش من نزولك الى الشارع للتظاهر مع كثير من المطحونين، رغم كونك فنانة من مستوى مادي أعلى!
هذه الثورة تحتاج الى دراسات وكتب من البحث والتحليل، لأنها ثورة عظيمة بمعنى الكلمة، فهي من كل فئات وطبقات وشرائح ومحافظات وقرى المجتمع المصري جميعاً، نتحد في المطالب والأمنيات. وكان لدينا يقين حقيقي أننا سوف ننجح، وبالفعل نجحنا، وذلك لأننا لم نفكر للمرة الأولى في أنفسنا، بل جميعنا كنا نفكر في البلد والمستقبل الذي ينتظره وكان لدينا حلم، وبالصدق والتضحية نجحنا.
- وهل أقنعت زوجك الفنان أحمد حلمي بالنزول الى الشارع للتظاهر معك؟
في هذه الحالة لم أبذل مجهوداً لأقنع أحمد حلمي لينضم الى الثورة، لأننا اتفقنا منذ اللحظة الأولى على أن هؤلاء الشباب يطالبون بحقوق مشروعة، ويحلمون بما هو أفضل. لذلك وجدت أحمد حلمي يتابع الأمور وينفعل جداً ويتفاعل معها، وكان قرارنا واحداً في النزول الى الشارع، لأننا لا نقل وطنية وحباً لهذا البلد عن هؤلاء الشباب والبشر الذين شاركوا في الثورة، وفارقنا منهم الكثيرون الذين أصبحوا شهداء وضحوا بحياتهم من أجل مصر.
- البعض كان يحسبك على النظام السابق خاصة أنك كنت ضمن وفد الفنانين الذين التقوا الرئيس السابق حسني مبارك؟
لم أكن محسوبة على النظام السابق، ولم أكن من ضمن مؤيدي الرئيس السابق حسني مبارك، ولا يمكن أن يكون الفنان محسوباً على نظام بعينه. والقصة يعرفها الجميع، وهي أن الرئيس السابق التقى بي أنا ومجموعة من الفنانين، وتحدثنا وقتها عن حال الفن والبلد وهموم الناس، ولم يكن لقاء تأييد، وإنما كان لقاء مطالب لنا كفنانين.
ولا أرى أن هذا اللقاء يمكن اعتباره تهمة، وعندما وجدت فرصة يمكن أن أكون فيها مؤثرة أستطيع تقديم شيء لبلدي لم أتردد لحظة، ونزلت الى الشارع ونزل زوجي، ووقفنا مثلنا مثل كل مصري يحب هذا البلد ويعترف بفضله ويريده أفضل وأجمل.
- وكيف كان شعورك وأنت وسط الميدان مع الثوَّار في ظل الأخطار التي تحيط بك؟
في الحقيقة هي مشاعر مختلطة ليس من السهل وصفها، لأنه من الصعب على الآخرين أن يشعروا بها. هي أحاسيس تعاش ولا تحكى. ولكني كنت سعيدة وفخورة لأنني مصرية، واطمأن قلبي أن أهل هذا البلد مازالوا مصريين يحتفظون بصفات الكرامة والأصالة والرجولة والحرية والشجاعة.
ومع أن هذه الثورة كانت سلمية وتعد أفضل وأرقى ثورات العالم، إلا أنها كانت صعبة وتعرضنا جميعاً لأخطار حقيقية، وكنت أنهار من الحزن عندما يسقط أحد الشهداء من الشباب الذين لم يرتكبوا أي ذنب سوى أنهم يطالبون بحقوق مشروعة وهي الحرية والعدالة والديمقراطية والقضاء على الفساد، وكل شيء من شأنه أن يسيء الى مكانة مصر.
- ما رأيك في الفنانين الذين تعرضوا للرفض من الشباب المصري بل وتعرض بعضهم للضرب مثل تامر حسني؟
كانت مواقف صعبة للغاية، ولكن أجد أنه من الصعب أن أقوم بتقويم تامر حسني أو معرفة الأسباب الحقيقية لرفض شباب الثورة له. في النهاية لابد أن نفكر بهدوء، لأننا قد لا نعرف الأسباب والمبررات الحقيقية التي دفعت البعض الى اتخاذ قرارات أو تبني وجهات نظر مسبقة، ولا بد أن نعطي مساحة للحوار والنقاش لكل الأطراف، ولا نتسرع في إصدار الأحكام على الآخرين.
- وكيف وجدت حالة الجدل والانشقاق التي انتابت الفنانين في ظل هذه الأحداث، فبعضهم كان مؤيداً للنظام والبعض الآخر كان مؤيداً للثورة مثلك؟
أجد أن هذا الوضع كان طبيعياً، وأقصد فكرة اختلاف الآراء والجدل والنقاش. ولكني كنت أرفض ومازلت رافضة لفكرة التخوين، أو أن يتهم أي طرف الآخر بأسوأ التهم، فكل واحد له الحرية في تبني فكرة معينة واتخاذ قرار يناسب رؤيته، يناصر الثورة أو يناصر النظام.
المهم أن نحترم بعضنا، فأنا رغم انضمامي الى صفوف الشباب منذ اللحظة الأولى لم أكن مؤيدة، ولو للحظة، لفكرة التطاول أو سب الرئيس السابق، فلنا الحق المشروع في أن نطالب بحقوقنا ونتظاهر ونثور، ولكن دون السب والإساءة. وكذلك الفريق الذي كان يؤيد النظام لم أقبل ما كانوا يرددونه من تخوين وتشويه للثورة ومحاولة التشكيك في وطنية الثوار.
- هل ترين أن ثورة '25 يناير' نجحت في تحقيق أهدافها؟
نجحت الثورة، بل وأبهرت العالم كله. ولكن أرى أنه مازال أمامنا الكثير... المهمة كانت في البداية شبه مستحيلة، إلا أننا نجحنا وبدأناها سلمية وانتهت أيضاً وهي مازالت متمسكة بسلميتها، وما زلت أرى أنه أمامنا الكثير حتى نطمئن إلى هذه الثورة، ولا بد أن نحافظ على مكتسباتها، لا بد أن نبدأ بتغيير أنفسنا ونكون أكثر إيجابية، ونحارب الفساد في كل مكان، ونجتهد في العمل لنبني بلدنا مثلما نريده، فإزالة النظام ليست النهاية بل هي البداية.
- هل تنوين المشاركة في أحزاب الشباب التي ستقام بعد '25 يناير'؟
لا أفكر في السياسة، فأنا فنانة أحب فني جداً بل أعشقه، وتمنيت في طفولتي أن أصبح طبيبة أو مهندسة ديكور، ولكني في النهاية ذهبت وراء الشيء الذي أحبه وأجيده وهو التمثيل.
لا أريد أن أكون عضواً في حزب، ولم أنزل الى الشارع لكي يعتبرني البعض مناضلة سياسية، ولكنه كان موقفاً صادقاً من أجل مستقبل بلدي، ولأنني أردت أن تعيش ابنتي حياة أفضل بعيداً عن الظلم والقمع والقهر في مناخ حر يليق بمصر وبمكانتها.
- وهل ستختلف اختياراتك الفنية بعد الثورة؟
أصبحت متفائلة بتحسن الأوضاع على كل الصعد وفي كل المجالات ومن بينها حال الفن، وأتمنى أن يرتقي مستوى الأعمال والسيناريوهات.
ولكن منذ بدايتي حرصت على اختيار نوعية الأعمال التي تهم الناس وتعبر عنهم قدر الإمكان. أنا قررت التمرد وفتح الملفات التي تهم الناس، وهذا ما سوف أستمر عليه في الفترة المقبلة.
- وهل تغيرت علاقتك بصديقاتك في الوسط الفني بعد هذه الأحداث؟
ليس لديّ صديقات من الوسط الفني بما تحمله الكلمة من معانٍ، وهذه طبيعتي منذ بدايتي في هذا الوسط، ولكن الحمد لله لديّ علاقات جيدة وحميمة مع كل زميلاتي وزملائي في الوسط، فأنا أتعامل مع زميلاتي بكل الود والاحترام، أطمئن إليهن وأتمنى لهن السعادة والنجاح، ولكن لا يمكن اعتبارهن صديقاتي، لأن صداقاتي دائماً من خارج الوسط الفني، وأغلبهن صديقات الطفولة منذ أن كان عمري ست أو سبع سنوات.
الى جانب ذلك أنا أحترم حرية الأخريات ولا أتعارض معهن، ومن بين المقربات لي في الوسط الفنانة حنان ترك فكثيراً ما نطمئن إلى بعضنا.
- ما حقيقة نيتك تقديم فيلم عن الثورة؟
هذه الثورة تستحق عشرات الأعمال الفنية الكبيرة لتقوم بتوثيقها وتخليدها، والحمد لله العالم كله لن ينساها. وبالفعل بدأ البعض توثيقها بأشكال مختلفة.
أما فكرة تقديم عمل فني أو فيلم عن الثورة فهذه أمنية، وأتمنى أن يكتمل هذا المشروع وأجد العمل الجاد الحقيقي الذي يليق بهذه الثورة، لتبقى محفورة في أذهان الأجيال القادمة، ولكني لست متعجلة وأنتظر حتى تستقر الأوضاع وتظهر الرؤى والأعمال الجيدة.
- تردد أنك تنوين تجسيد حياة الشهيدة سالي زهران، فهل هذا صحيح؟
رغم أنه يشرفني تجسيد حياة أي شهيدة، لا يوجد سيناريو محدد حتى الآن، والمهم ألا يكون هناك تعجل في تنفيذ أي عمل عن الثورة.
- لماذا تأخر تصوير فيلمك 'أسوار القمر' كل هذه الفترة؟
فيلم 'أسوار القمر' ذو طبيعة خاصة، ويرجع طول الفترة التي استغرقها التصوير الى أمور كثيرة، أهمها أن طبيعة المخرج طارق العريان خاصة بعض الشيء، فهو من المخرجين الذين يحبون العمل بهدوء وتأنٍ، فيصوّر عدداً من المشاهد ثم يتوقف ليجهز باقي التفاصيل والمشاهد المقبلة والأماكن والديكورات.
- ولكن متى سيُعرض الفيلم؟
بمجرد أن ينتهي المخرج من التجهيزات الأخيرة والميكساج والمونتاج والتفاصيل الخاصة بالشكل النهائي. هذا ما يمكن أن أقوله لانني في الحقيقة لا أعرف موعد عرضه النهائي حتى الآن وهذا الأمر ليس بيدي، ولا أستطيع التدخل فيه.
- ولماذا تعتبرين هذا الفيلم ذا طبيعة خاصة؟
موضوع الفيلم مختلف، ولم أقُم من قبل بدور يشبه شخصية 'زينة' التي أقدمها خلال الأحداث. ويشارك في بطولته آسر ياسين وعمرو سعد وعدد من الفنانين، وأتمنى أن يشاهده الجمهور بتمعن، لأنه يضم نظرة عميقة الى أمور كثيرة في حياتنا.
- ما هي طبيعة دورك في الفيلم؟
من الصعب أن أكشف تفاصيل دوري، ولكن موضوع الفيلم يحمل معاني راقية جداً تتطلب الكثير من العمق والتفكير. وتقول قصته إن هناك أشخاصاً من الممكن أن يكونوا مفتوحي العيون، يستمتعون بنعمة البصر، ويرون أشياء يظنون أنها الأفضل على الإطلاق، ولكن بمجرد أن يخسروا هذه النعمة ويصابوا بالعمى يضطرون لأن يستخدموا البصيرة، ليكتشفوا أن النظرة السابقة التي اعتمدوا فيها على عيونهم كانت خاطئة تماماً، لأن نعمة البصيرة هي أعمق وأصدق.
- لكن ألا تشعرين بالقلق بسبب الكساد الذي تمر به السينما حالياً؟
البلد كله يعيش فترة خاصة وظروفاً غير طبيعية، ومن الطبيعي أن تتأثر السينما بوجه خاص. ولكن بمجرد أن يعود الاستقرار سيتحسن الحال. وأشعر بتفاؤل بأن الآتي سيكون أفضل إذا استمر تماسكنا وطبقنا المبادئ التي نسعى من أجلها. والفن سوف يتحرر وينتقل الى مرحلة أكثر انفتاحاً ورقياً.
- ألم تفكري في مدى الخطر الذي كان سيطال مستقبلك الفني لو فشلت الثورة واستمر النظام القديم؟
كان لديَّ يقين شديد أن هذه الثورة سوف تنجح، ولم أفكر في نفسي، ونسيت أنني فنانة ولم أتذكر سوى أنني مواطنة مصرية عشت في هذا البلد وأحبه بالفعل، وأخشى عليه من تفاقم الظلم والفساد.
وكان ما يدور في داخلي هو أن هذا البلد لابد أن يعيش في أحسن حال، وهؤلاء الشباب لابد أن يستردوا بلدهم وقوتهم وكرامتهم التي لا تنفصل عن هذا البلد. فالفن هو مثل كل شيء في مصر لن 'ينصلح' حاله إلا إذا 'انصلح' حالها، ولا أستطيع أن أقدم فناً حقيقياً ورائعاً إلا إذا كانت الأمور في بلدي على ما يرام.
والحقيقة أن الواقع كان عكس ذلك، وكان لابد أن نقوم بثورة على الفساد حتى نتمكن من أن نطهر الفن هو الآخر من الفساد.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024