"الديسلكسيا" اضطراب غامض ينتشر بين الطلاب على الأهل ملاحظته
ربما لم يمرّ على بعض الأهالي مصطلح Dyslexia الشائع جداً والمنتشر على نحو واسع بين الطلاب حول العالم، ليراقبوا أطفالهم خلال العام الدراسي ويتنبّهوا له لمعالجته سريعاً. و"الديسلكسيا" نوع من الاضطرابات يؤثر بشكل أساسي في الأعصاب، ويتسبّب في صعوبة التعلّم والتهجئة، وفي معظم الأحيان يكون نتيجة صلة وراثية. أن تكون أيام طفلكم في المدرسة محبطة ليس بالشعور الجميل، وأن يكون منبوذاً ويظل في الصفوف الخلفية بين رفاقه ليس بالمسألة البسيطة، لذلك يتحمّل الأهل مسؤولية كبيرة في ملاحظة أي مشاكل في النطق، القراءة، الكتابة والتعبير لدى أطفالهم، ومراقبة ما إذا كانوا يعانون من عُسر في القراءة أو كتابة الحروف بالمقلوب والإسراع في استشارة المختصين للبدء بالرحلة العلاجية المناسبة لحالتهم، خصوصاً أنه لا يمكن التخلص من هذا الاضطراب نهائياً. لكن مع الدعم الصحيح والمراقبة والتدريب، يمكن من يعانون عُسراً في القراءة أن يصبحوا طلاباً ناجحين وفاعلين في المجتمع.
ما هو عُسر القراءة "الديسلكسيا"؟
في هذا السياق، شرحت المعالِجة المختصة مايا حسن جهمي هذا الاضطراب بأنه "صعوبة في القراءة يعانيها الطفل في مرحلة عمرية مبكرة، وتكون خلالها قدرته على القراءة أقل من عمره العقلي، وغالباً ما يترافق ذلك مع عُسر في الكتابة، لأن الطفل يقرأ الكلمات بالمقلوب فيكتبها حكماً كذلك".
وأكدت جهمي أن "الأشخاص المصابين بعُسر القراءة يواجهون صعوبة في مطابقة الأحرف التي يرونها على الصفحة مع الأصوات التي تصنعها تلك الحروف ومجموعات الحروف، ويمكن ملاحظة هذا الأمر وتحديده في عمر 8 سنوات، لأن الطفل يصبح قادراً على التهجئة والقراءة وكتابة ما يسمعه. لكن هذا الأمر ليس محسوماً بشكل نهائي، بل يتفاوت من طفل إلى آخر بحسب ذكائه وقدراته العقلية ومدى متابعة الأهل له لملاحظة أي تأخر لديه".
وقد تظهر أعراض "الديسلكسيا" في مرحلة الطفولة المبكرة، عند السنة الرابعة حين يبدأ الطفل في جمع الكلمات، وينسى أسماء الأشياء المعروفة ويواجه مشاكل في تعلّم الكلام. وقد يجد الطفل أيضاً صعوبة في ارتداء ملابسه أو انتعال الحذاء في القَدم الصحيحة.
"الديسلكسيا" لا تؤثر في درجة ذكاء الطفل
وأشارت مايا جهمي إلى أن "المعالجين لا يعتبرون "الديسلكسيا" مرضاً، بل يصنفونه نوعاً من الاضطراب، فهو لا يَنتج من مشكلة في البصر أو ضعف في السمع، ولا يكون نتيجة خلل في العقل، كما أنه لا يظهر بسبب ضعف مستوى المدرسة والمدرّسين أو المشاكل العائلية، وبالتالي ليس هناك سبب معروف له، ولكن يُعتقد أن مرجعه وراثي. ولذلك لا رابط بين صعوبة القراءة والكتابة ودرجة ذكاء الطفل، وغالباً ما يكون الأطفال والبالغون المصابون بـ"الديسلكسيا" أذكياء وموهوبين".
ولفتت جهمي إلى أن هناك 3 أنواع من عُسر القراءة: الأول يُعرف بالفونولوجي، ويكون فيه الطفل قادراً على حفظ مجموعة من الكلمات فيقرأها بسرعة كباقي أترابه، أما الكلمات الجديدة فلا يجيد قراءتها ويضطر الى تقسيمها ويقرأها أكثر من مرة ليحفظها في دماغه ويقرأها بسرعة. والنوع الثاني هو البصري السطحي، حيث يكون الطفل قادراً على قراءة الكلمات ولكن بعد تهجئتها، لذلك يقرأ ببطء شديد ويحتاج إلى وقت طويل لإنهاء النص، ما قد يعرّضه للسخرية والتنمّر من زملائه ويؤثر فيه نفسياً. أما النوع الثالث فهو المزدوج، حيث يعاني الطفل من المشكلتين معاً، ولكن واحدة تتغلب على الثانية وتؤثر فيه أكثر.
أعراض عُسر القراءة والكتابة وأسبابه
تشخّص المعالِجة الاختصاصية "الديسلكسيا" بظهور بعض الأعراض عند الطفل، من بينها خلط الحروف أو الكلمات عند القراءة، وكذلك صعوبة في إعادة نطق ما قيل له أو معرفة اتجاه اليمين واليسار مثلاً، وكذلك عدم القدرة على رسم الخطوط والأشكال البسيطة. ويمكن ملاحظة الطفل المصاب حين يعكس الكلمات أو الحروف عند تهجئة الكلمات الشفوية، ويعاني صعوبة في طرح أفكاره على الورق. وأكدت مايا أن "الأطفال لا يعانون من هذه الصعوبات، لأن لديهم مشاكل بصرية أو سمعية، أو لأنهم أغبياء كما يصفهم البعض، بل لأن أدمغتهم غير قادرة على معالجة اللغة والتعامل معها بصورة طبيعية كالأسوياء".
أما عن أسبابه، فلفتت إلى أنها "قد تكون عصبية إذ بيّنت دراسات علمية أن مَن يعاني "الديسلكسيا" يكون حجما الجزءين في دماغه متساويين، على عكس الشخص السوي الذي يرى الأشياء معكوسة، لكن دماغه قادر على قلبها لتصبح واضحة، والمصاب بهذا الاضطراب لا يمتلك هذه الميزة".
دور الأهل يبدأ في المراقبة وتقوية شخصية المصاب
يبدأ دور الأهل بمراقبة أعراض "الديسلكسيا" على أطفالهم من خلال متابعة الدروس المنزلية لتشخيص الحالة ومعالجتها بسرعة. وتكون خطوات العلاج الأولى في تشجيع الطفل المصاب ومدّه بالثقة بالنفس، خصوصاً إذا كان في مدرسة عادية وليست مختصة بالحالات الشبيهة له، كي لا يشعر بالضعف ولا يعاني أي نقص عندما يقرأ ويشعر بأنه دون زملائه الأسوياء. وعلى الأهل "مساعدة الأساتذة في المدرسة من خلال إعادة تدريس الطفل الأحرف والكلمات التي اكتسبها ليحفظها جيداً وتصبح مسألة سهلة عنده كلما قرأ كلمة ليتذكّرها بشكل مباشر في المستقبل".
وتنصح المعالِجة الأهل بتشجيع أطفالهم على قراءة "الجمل والعبارات قراءة صامتة لمساعدتهم على تهجئة الحروف بعيونهم فقط كي لا يخجلوا وليتعلّموا كلمات إضافية، ومع الوقت يصبح الطفل المصاب قادراً على القراءة كالأسوياء".
الخطط العلاجية لمساعدة المصابين بعُسر القراءة
بعد تشخيص الحالة بدقّة، يضع المعالِج أو الأستاذ خطة علاجية مناسبة تتلاءم مع مستوى الإصابة بـ"الديسلكسيا" باستخدام مناهج متخصصة وأدوات وبرامج خاصة تم إعدادها من جانب خبراء عالميين ويُجرى تطبيقها على المصابين من مختلف الفئات العمرية في كل دول العالم.
وتركّز البرامج العلاجية التي يستخدمها المعالِج على مجموعة من النقاط التي تعتمد على الرسوم والأشكال الهندسية، وتبدأ مرحلة المتابعة "بتعليم المصاب تهجئة الأحرف وكل حرف على حدة، ويستغرق هذا ما لا يقل عن 3 أسابيع، ويعمد الأستاذ المختص إلى كتابة الحرف بحجم كبير، ثم يُصار إلى تصغير الخط رويداً رويداً الى أن يتمكن من حفظ الحرف وكتابته بين السطرين بشكل صحيح. وبعد اكتسابه كل الأحرف مع الأصوات الطويلة والصغيرة، يتم دمج كل الأحرف لتكوين كلمة، وذلك أيضاً بأحرف كبيرة، ويُصار إلى تصغيرها مع الوقت. وينتقل المختص بعدها الى مساعدة الطفل في فهم المفردات والجمل البسيطة، ومنها الى جمل أطول أو فقرات، وكل ذلك يحتاج إلى وقت طويل وتركيز وصبر".
إلى ذلك يكون من مهمات الأستاذ أو المعالِج المختص "تحسين مهارات التواصل لدى المصاب بـ"الديسلكسيا" ومساعدته على تقبّل حالته من خلال تعزيز ثقته بنفسه، وكذلك تحسين ذاكرته من خلال التكرار لتعليمه أكبر عدد ممكن من الأحرف والعبارات التي تسهّل عليه القراءة على المدى البعيد".
ماذا يرى المصاب بـ"الديسلكسيا" عندما يقرأ؟
يؤكد الخبراء أنه لا يوجد نمط معيّن لتحديد ما يراه المصاب بعُسر القراءة، ولكن منهم من يرى بعض الأحرف بطريقة معكوسة، ويمكن أن يرى النص كأنه يقفز أمامه في أرجاء الصفحة. وفي أغلب الحالات يجد المصاب صعوبة في تحديد الفارق بين الأحرف المتشابهة في الشكل مثل (ف، ق). ويمكن أيضاً أن يرى الأحرف والكلمات متجمّعةً مع بعضها البعض، أو يرى أحرف بعض الكلمات مقلوبة (معكوسة) تماماً.
في المحصّلة، "الديسلكسيا" تصيب الأطفال بطُرق مختلفة، وعلى الأهل مسؤولية كبيرة في ملاحظة أعراضها في سنّ مبكرة. ومن المهم ألا نقلق إذا كان هناك واحد أو أكثر من الأعراض المذكورة سابقاً، فهذا لا يعني أن الطفل مصاب بعُسر القراءة، بل يجب مع بداية العام الدراسي مناقشة هذه المسألة مع الطبيب المختص أو مدرّس الطفل لمراقبته عن كثب وتشخيص الحالة لمساعدته في التغلب على صعوبات القراءة والكتابة، علماً أن هناك مجموعة من المشاهير الذين عانوا "الديسلكسيا" ثم نبغوا، من بينهم: وينستون تشرشل، الفنان بابلو بيكاسو، العالم ألبرت آينشتاين، الملاكم محمد علي كلاي، والفنان ليوناردو دافنشي.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة