المخرج والمنتج التلفزيوني اللبناني وسام شاهين
على عكس الانطباع السائد عند المخرجين في العالم العربي، يرى المخرج وسام شاهين أن الدراما والبرامج التلفزيونية العربية يمكنها الوصول إلى العالمية. هذا التفاؤل ليس مجرّد حلم عند شاهين بل ناتج عن انتسابه إلى عضوية الأكاديمية الدولية لفنون وعلوم التلفزيون وتجربة مشاركته عضوًا في لجنة التحكيم لجوائز الإيمي آووردز Emmy Awards للأعمال التلفزيونية. فضلاً عن تجربته الطويلة في العمل التلفزيوني مخرجًا ومنتجًا.
«لها» التقت المخرج والمنتج التلفزيوني اللبناني وسام شاهين وكان هذا الحوار.
- ما هو عمل الأكاديمية الدولية لفنون وعلوم التلفزيون The International Academy of television arts & Science وما وظيفتكم كأعضاء فيها؟
تعمل الأكاديمية على رفع مستوى الإنتاج في عالم البث التلفزيوني حول العالم، وإيجاد ثقافة تلفزيونية على درجة عالية من الاحتراف، وتبادل الأفكار بين الأعضاء المحترفين حول العالم من خلال لقاءات منظمة تجري خلالها مناقشات حول طرق الإنتاج والأفكار الإبداعية، وابتكار الحلول وتقديم النصح والمشورة للعاملين في الإنتاج التلفزيوني.
وكل هذا بهدف رفع مستوى العمل التلفزيوني لمصلحة المشاهد بالدرجة الأولى وجعل الناس يتوجهون إلى ما ينبغي أن يشاهدوه وليس بالضرورة إلى ما يميلون ويحبون أن يشاهدوه، وهي مظلّة لرعاية المشاهد والعاملين في البث التلفزيوني والإنتاج التلفزيوني وحمايتهم. كما لها دور في حماية الحقوق الفكرية، وإيجاد قواسم مشتركة ولغة بصرية، وزيادة عدد المستثمرين في الإنتاج التلفزيوني.
- هل هناك مشاركة عربية فاعلة في النشاطات التي تنظّمها الأكاديمية، خصوصًا أن المؤسسات الإعلامية التلفزيونية العربية أصبح عددها كبيرًا جدًا؟
المشاركة العربية على مستوى مالكي المؤسسات التلفزيونية أو ممثلي المؤسسات الحكومية والتلفزيونات العامة، موجودة. ولكن المطلوب جذب عدد أكبر من المبدعين العرب، والأهم مشاركة عربية في التقدّم إلى مسابقات الجوائز.
هناك مثلاً مشاركة عربية وازنة في معرض MIP TV السنوي الذي يقام في مدينة «كان» الفرنسية باعتباره سوقًا تجاريًا أيضًا لترويج الإنتاجات التلفزيونية، وتسويق برامج الـ Formats مثل ستار أكاديمي وتنظيم حقوق بثها وخلافه. والأكاديمية الدولية والإيمي حاضرة في المعرض، وتنظّم في إطاره مهرجان Emmy لجوائز البث الرقمي Digital Awards. وفي كل الأحوال الحضور العربي الحقيقي يكمن في نوعية الإنتاج العربي المشارك في المسابقات وحجمه، وهذا ما نعمل على تشجيعه.
- المشاركة في التحكيم وحضور احتفال توزيع الجوائز يقدمان فرصة التواصل المباشر مع عدد كبير من المشاهير والمحترفين في ميادينهم. ماذا تذكر من هذه التجربة؟
التقيت في الاحتفال نجوم هوليوود الممثلين أليك بالدوين وإيلي والاش والممثل الكوميدي ومقدّم البرامج جيمي فالون، والثلاثة زملاء أعضاء في الأكاديمية. وكانت تجربة جميلة وغنية، ولاحظت الحرفية العالية التي يتمتع بها هؤلاء النجوم وغيرهم من الحكّام. فأثناء غربلة الأعمال التلفزيونية ننظر في مضمون العمل من حيث النص والصورة والإخراج، ونستند إلى الحس الجمالي الموجود لدى كل واحد منا، بغض النظر عن الجهة المنتجة لهذا العمل أو ذاك.
- ماذا عن جوائز الـ Emmy للتلفزيون في المهرجان الـ 38؟ ولمن منحت جوائزكم كأعضاء في لجنة التحكيم؟
توزّعت الجوائز على عشر فئات: أفضل أداء كممثل، أفضل أداء كممثلة، برامج الفنون، برامج الأطفال والشباب، الكوميديا، الوثائقي، برامج الترفيه، المسلسلات الدرامية، تيلي نوفيلا Telenovela والفيلم أو السهرة التلفزيونية.
أضيفت هذه السنة أيضًا ومن خارج الفئات جائز السير بيتر أوستينوف للكتابة الدرامية التي نالها الأوسترالي الشاب جايسن سبنسر، كما أضيفت جائزة المؤسسين في الـ Emmy ونالها هذه السنة الحكم الشهير في برامج الهواة سايمون بويل.
- الانطباع السائد أن المشاركة في هذه المسابقات لا تجدي لأن هناك حكمًا مسبقًا باستحالة فوز عمل درامي عربي بجائزة عالمية. استنادًا إلى مشاهداتك في المهرجان ومشاركتك في جلسات التحكيم، هل ترى ثمة فرصة للأعمال العربية لنيل الجوائز؟
بالتأكيد وفي أكثر من فئة. هناك منابر ومحترفون عرب أثبتوا قدراتهم في ميادين معيّنة ومتميّزة. فالإمكانات العربية في التغطية الميدانية الإخبارية وفي التحقيقات الصحافية جيدة جدًا وسمعة المحطات العربية الإخبارية في الطليعة. وفي عالم الترفيه والمنوّعات القدرات اللبنانية ممتازة. وفي مجال الأعمال الوثائقية هناك جيل من المحترفين الشباب من أصحاب المواهب، فضلاً عن وجود تجارب واعدة لمخرجين شباب في عالم الدراما والأفلام القصيرة. أما على صعيد الدراما التلفزيونية، فالدراما السورية والدراما المصرية في إمكانهما المنافسة.
ليس صعبًا أن ينال إنتاج تلفزيوني عربي جائزة الإيمي للتلفزيون، قد لا يكون لدينا الكمية ولكن لدينا النوعية. فأنا لا أتكلم على الانتاجات الضخمة ذات الميزانية المرتفعة، وإنما أعمال بميزانية معقولة، ولكنها جميلة وفيها الكثير من اللمسات الفنية الرائعة والأفكار المبتكرة ونضج المعالجة عند الكاتب والمخرج، وليس بالضرورة أن كل عمل ناجح يتوجب ميزانية مرتفعة. هناك حد أدنى تتوافر فيه شروط لنعطي عملاً جيدًا على مستوى الصناعة التلفزيونية. وهذا ما لاحظته في الأعمال الفائزة بجائزة الإيمي التي كان من بينها من الأرجنتين وكوريا.
- كمخرج تلفزيوني، هل توافق الرأي السائد عند المشاهد العربي في أن الانتاجات العربية في الدراما نسخ مكررة إن كان على مستوى المسلسلات والبرامج؟
صحيح أن ليس كل ما يلمع ذهبًا، ولكن على الأقل يوجد من بين الأعمال المنتجة كل سنة أعمال جميلة وراقية ونشاهدها ونستمتع بمواضيعها. أظن أنه يجب أن يحدث نوع من المصالحة بين المشاهد وتلك الأعمال. أن نمتلك النية الطيبة، ونعطي الفرصة. مرات كثيرة ننتقد ونرفض الأعمال العربية بصورة مسبقة، حتى على مستوى السينما، المشاهد والناقد العربيان يحكمان عليها بالفشل حتى قبل أن يشاهداها، وحجّتهما أنهما لا يريدان أن يضيّعا وقتهما على هذه التجارب.
كنت أسمع كثيرًا بجمال سينما الأسود والأبيض وأن السينما الحديثة في غالبتها أفلام مقاولات. صرت أتعمد مشاهدة أفلام تُعرف بسينما الشباب المصرية، ولاحظت أن في الكثير مما يُعرض لونًا ودمًا جديدين ومعالجة راقية وجميلة تستحق المشاهدة. هذا على صعيد السينما. أما على صعيد التلفزيون فأجد أن الدراما العربية الجديدة والشابة تقدّم أعمالاً عصرية وتاريخية جميلة جدًا وتتوافر فيها كل عوامل النجاح.
فهناك جيل من الممثلين والمخرجين والمنتجين والكتّاب الشباب يعملون باحتراف عالي المستوى، ويضاهون أقرانهم في العالم الغربي ويجب إعطاؤهم الفرصة، وتشجيعهم على المشاركة في جوائز عالمية مثل الإيمي. علينا أن نشجع على الإنتاج بكثرة ليصبح هناك صناعة تلفزيونية نشطة ومن داخل الإنتاج يولد التحسين والإبداع. علينا أن نتفاءل وننفتح ونمنح الدراما التلفزيونية العربية فرصًا.
- هل تلوم المنتجين؟
ألوم المؤسسات الكبرى التي تصرف ميزانيات ضخمة على الأغاني المصوّرة أكثر مما تنفق على الدراما. لسنا ضد تحسين صناعة الأغنية المصوّرة، ولكن بالكرم نفسه يمكن أن ندعم الانتاجات التلفزيونية الأخرى. وإذا نظرنا إلى الناحية المادية، الربح في الأعمال التلفزيونية كالمسلسلات والبرامج يكون أكثر على المدى الطويل لأن المشاهد العربي يتابع البرنامج أو المسلسل مرّات عدة مما يسمح بتمويل أعمال جديدة. والحمد لله نحن في العالم العربي بلاد غنية لدينا إمكانات وأصحاب الثروات يشجعون الثقافة والفنون وينظّمون المؤتمرات والمهرجانات ولديهم رغبة في رفع الشأن الثقافي والفني في العالم العربي.
وأنا أدعوهم إلى أن يهتموا أيضًا بالصناعة التلفزيونية وأن يضعوا نصب أعينهم الإنتاج التلفزيوني ويشجعوا المبدعين الشباب في هذا المجال لأن الفائدة تكون للجانبين، والاستثمار في هذا المجال يدرّ أرباحًا على المدى البعيد. فعندما تصدر الأعمال التلفزيونية يكون مردودها المادي جيدًا ومن خلال هذا المردود نطوّر الإنتاج التلفزيوني.
- ماذا يمكن لجائزة الإيمي أن تضيف إلى عمل درامي عربي؟
التبادل الثقافي والحضاري يمهّد لعلاقات تجارية، وبالتالي إيجاد أسواق أوسع أمام الإنتاج التلفزيوني العربي، وبالتالي فرص عمل جديدة للعاملين في الصناعة التلفزيونية العربية. ومن على منبر الأكاديمية قلت للزملاء، وكان من بينهم مشاهير، إننا في هذه المنطقة من الشرق الساحر محظوظون بالتاريخ والجغرافيا والزمن، حيث لدينا تحت كل حجر حكاية، لدينا سحر الشرق وشمسه الذهبية، لدينا الأستوديو المفتوح في الطبيعة وهذا الغموض الجميل.
الشرق العربي يثير اهتمام المشاهدين في الغرب والشرق الأقصى، فأحداث العالم العربي السياسية الصعبة والمعقدة رغم سلبياتها لها مفاعيل أخرى، فمنذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر صار الشرق الأوسط محط أنظار الغربيين بكل فئاتهم الاجتماعية، يظهر ذلك في الإقبال الكبير على تعلّم اللغة العربية. هناك فرص أكيدة للدراما العربية والبرامج التلفزيونية باختلاف مجالاتها.
- لماذا إذًا المؤسسات مترددة؟ هل السبب الخوف من الفشل؟
أظن أنه عندما تكون في سوق دائرته مغلقة ونشطة في الوقت نفسه، يخف الاهتمام باختراق سوق جديد، ودائمًا يُرددون يكفينا نجاحنا في العالم العربي في سوق فيها 350 مليون نسمة. وهذه طموحات متواضعة وواقعية عند البعض.
أنا أقول ليكن هناك خطان إقليمي ودولي، خصوصًا أن الكثير من الجهد والوقت يبذلان في الإنتاج. ولابد من الإشارة إلى تجربة نجوم الغناء العربي في مشاركتهم في الجوائز الموسيقية العالمية. فشركات الإنتاج تنبهت إلى السوق العالمي ورفعت رصيدها من المبيعات. علينا أن نفكر في أن العالم اليوم أصبح قرية كبيرة بعد التطور الثوري الذي حدث في الاتصالات عبر الإنترنت والابتكار الذي يولد يوميًا.
علينا التطلع إلى السنوات المقبلة وما تجلبه من تطور في مجال الإعلام والتواصل. المستقبل إلى المزيد من الإنجازات في ثورة الاتصالات والبث وأعتقد أن هناك ميادين جديدة للبث، أجهزة الجوّال والـ I Pod و الـ I Pad... يجب أن نستعد للعصر المقبل لمواكبة الانجازات العلمية المقبلة.
من هو وسام شاهين
للمخرج والمنتج وسام شاهين رصيد تلفزيوني يعود إلى أكثر من 20 عامًا في لبنان والعالم العربي ويتضمن أكثر من 900 ساعة بث تلفزيوني لبرامج مختلفة، بينها الوثائقي، والترفيه والمنوّعات والتسجيلي والإخباري نذكر منها: «سهرة غير شكل»، «أيام وناس» و«شي تاني»، وهي برامج عرضت لسنوات على «تلفزيون لبنان»، و«الليل المفتوح» و«وبعد سهار» على شاشة «المستقبل».
خلال إعداد للدراسات العليا في جامعة نورث وسترن في أميركا، تسنى لشاهين العمل في البرنامج الوثائقي الأميركي العالمي Front line وفي المحطات التفلزيونية wbbh في بوسطن، و KQED سان فرانسيسكو و ABC7 شيكاغو. كان شاهين في عداد الفريق النواة لشبكة قنوات أوربيت وطوّر برامج مثل «عيون بيروت» و«القاهرة اليوم» و«من الرياض» و«ملفات الشاشة» و«جار القمر» وغيرها. وهو يتولى حاليًا إعداد وإبداع البرامج في أوربيت بيروت، فضلاً عن أنه عضو في الأكاديمية الدولية لفنون وعلوم التلفزيون.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024