محمد عبده: أشكر الله على وجود فيروز في زمننا
هي ليست المرة الأولى التي أُحاور فيها فنان العرب، ولكن في كلّ مرة أحار ماذا سأسأل. فإن سألتَ عن القيمة الفنية الكبيرة، هو تاريخ وحاضر. وإن تحدثتَ عن انتقاداته لبعض الفنانين، تعرف مُسبقاً أن ذكاءه المتوقّد كفيل بإخراجه من أي إحراج. وإن حاولت الاستفسار عن أي شيء لا يريد الافصاح عنه، فإن شخصيته «الحاضرة» دون أدنى شك ستأخذك إلى البحر وتردّك عطشاً. لهذا، فإن الأنسب أو الأسلم دائماً أن تبدأ بأي سؤال، أما المؤكّد فهو إنكَ لن تعرف أبداً إلى أين ستصل. هذه هي غالباً أجواء حوارات «فنان العرب» محمد عبده الذي وصف في لقائه الأخير مع «لها» وللمرة الأولى وديع الصافي بالكبير، أما فيروز فقال إنه يشكر الله على وجودها في زمننا هذا. مع محمد عبده كان هذا الحوار...
- الجمهور العربي على موعد مع ألبوم جديد لك؟
بالتأكيد، وبإذن الله سيكون جاهزاً للإصدار خلال موسم الصيف المقبل.
- هل لنا أن نتعرّف على أبرز ملامحه؟
لا أريد كشف الكثير ولكن أبرز ملامحه هو أن عنوانه سيكون «يا راحلة» وهي أغنية رائعة من كلمات الشاعر ساري.
- غالباً ما تكون لك تصريحات مستفزّة عن الفنانين، إلاّ أنك تتراجع عنها لاحقاً وتقول «لم أكن أقصد». هل هذه سياسة مقصودة منك لتسليتنا نحن الصحافيين مثلاً؟
(يضحك) «حلوة هذه المناوشات التي تحصل من حين إلى آخر»، حتى بالنسبة إلى الفنانين أنفسهم الذين أتحدثّث عنهم. نتحدث أحياناً عن أمور معينة في الكواليس أو في بعض المجالس، فتصل إلى الإعلام، وتصبح بالتالي عاملاً مشتركاً يجمع بين الفنانين والجمهور وأيضاً الصحافة التي غالباً ما تكون العنصر البارز. ولكن صدقيني أنا لا أقصد التقليل من شأن أحد وكل ذلك حقيقة يكون بنيّة صافية وصادقة، وليس فيها أي شيء أو احتمال بسيط لخبث أو لؤم كما يعتقد البعض.
- نحن لم نقل ذلك لا سمح الله. لكنك ذكرت كاظم الساهر مرة ثم قلت إنك لم تقصد، وأيضاً عبد المجيد عبدالله وصفته بأوصاف معينة ثم غنّيت معه ديو؟
عندما ينشأ الفنان ويكون لديه عناصر فنية جيدة، يجب أن ننتقده ونتناوله بحدّة وبشدّة كي يُستفّز، فيكون ذلك حافزاً مهماً لديه كي يقدّم أفضل ما عنده. عبد المجيد عبدالله مثلاً عندما بدأ مسيرته، قلت إنه كالعصفور. وليس في هذا الوصف إساءة ولا للتقليل من شأنه وعدم إعطائه حقّه بل على العكس، لأن العصفور هو كائن مُغرّد أي شيء جميل. ولكن هذا الكلام نفسه، إن أراد شخص ما تفسيره بسوء نية سيكون المعنى سيئاً. فاعتبروا حينها أني أقصد القول إنه «صغير» ولن يصبح نجماً أو أنه لن يحقق شيئاً وغيرها من التفسيرات. ربما تضايق من هذا الكلام سابقاً، لكني متأكد أنه عندما يتذكر ذلك اليوم سيفرح بينه وبين نفسه. أنا شخصياً رُميت بأوصاف وانتقادات عديدة في بداياتي، وذلك من جانب أساتذتي الذين سبقوني وكانوا نجوماً كبار عندما بدأت.
- أمثال من؟
كثر، منهم طلال مداح على سبيل المثال وطارق عبد الحكيم وغيرهما.
- ماذا كان يقول طلال مداح؟
«حاجات كثيرة لا أذكرها»، نسيتها بصراحة وأصبحت من الماضي. لكن هذه الأمور فعلاً إذا أُخذت بنية طيبة تكون حافزاً للفنان كي يظلّ ثابتاً ومستمراً في التطوّر والتقدّم.
- أي تريد منّا أن نُطمئن الفنانين أن أيّ نقد قد يطالهم مستقبلاً هو ضمن هذا الإطار وعليهم ألاّ يزعلوا؟
(يضحك) كل فنان «عندو شي يقدّمه للناس» سيثبت، أما الفنان الخاوي أو الفارغ، فلن يستمر. الفنان القوي لن تهزّه أي من هذه المصادمات أو التعليقات.
- آخر من طالتهم هذه التعليقات الفنانة نجوى كرم، إذ قلت إنك لم توافق على غناء الديو معها لأن كلمات الأغنية التي كتبتها هي لم تعجبك؟
صحيح.
- لكن مصادر صحافية نفت هذا الكلام وذكرت أن الديو كان مقرراً ولكنك أنت من بدّل رأيه لأسباب غير معروفة؟
أبداً هذا غير صحيح، وإلاّ لماذا اجتمعنا مرة واثنتين وثلاثا... كان مشروعاً جميلاً وفكرة جيدة لديو، ولكن للأسف لم تتوافر له عوامل النجاح، أي العناصر الجيدة. الكلمات «لازم تكون ميّة ميّة»، كذلك اللحن والتوزيع والخ... أقول إن العوامل والأدوات لتنفيذ ديو ناجح لم تتوافر لهذه الأغنية مع نجوى كرم، وأبرزها الكلام.
- هذه المصادر ذكرت أن الديو كان مقرراً لحلقة تلفزيونية لكنها أُلغيت؟
هذا صحيح، كان هناك مشروع حلقة عني على شاشة «ال بي سي» ضمن برنامج «مشوار العمر» (على ما أذكر أن هذا كان اسم البرنامج) وكنا سنقدم الديو للمرة الأولى في هذه الحلقة.
- ماذا الذي حصل؟
بدأنا التحضيرات وحصلت اجتماعات عديدة مع القيّمين على البرنامج، حتى أن المعدّين حضروا إلى السعودية وقاموا بإعداد رائع للحلقة وصوّروا ريبورتاجات كثيرة عن مسيرتي، والأماكن التي عشت فيها وأصدقائي في النشء، كذلك أصدقائي في الوسط الفني عندما أصبحت فناناً. هو بالفعل إعداد مميز ويصلح ليكون أرشيفاً كاملاً عن حياتي وكأنه «سي في» يلخّص مسيرتي، غير أنه بقي حبيس الأشرطة التي سُجّل عليها. لكني قد أسعى لاستغلاله يوماً إن شاء الله.
- لماذا أُلغيت الحلقة؟
هي لم تُلغ بل أرجئت بسبب ظروف معينة مرتبطة بأحداث حصلت. لكن لم تحصل اتصالات لاحقة لتحديد مواعيد جديدة.
- لو توافرت العناصر الجيدة للديو، هل كنت استمريت في تقديمه حتى لو كان ذلك خارج إطار الحلقة؟
لا شي يمنع، لكن الديو كان مقرراً للحلقة، وأنا صراحة عندما سمعت الديو الذي قدّمته مع «معلّمنا وكبيرنا» الأستاذ وديع الصافي، تحمّست لتقديم ديو معها.
- غنّيت أيضاً مع الفنانة الكويتية شمس؟
صحيح وكان ذلك لأغنية وطنية خاصة بدولة الكويت.
- لماذا تقول إن شمس لم تأخذ حقّها إعلامياً؟
لا أذكر أني أدليت بتصريح مماثل، لأن شمس «ماخذة حقّها» وليست مظلومة إعلامياً.
- هل من ديو نسائي جديد بصدد التحضير؟
حالياً كلا، آخر ديو لي كان مع الفنان عبد المجيد عبدالله بعنوان «مرّت سنة» (كلمات الشيخ حمدان وألحان فايز السعيد)، وصوّرناها كليباً ولكنها «عُرضت من ورايا».
- كيف ذلك؟
(يضحك) هو كليب جميل، ولكن هناك بعض المناظر التي وضعوها دون استشارتي فيها، ولو فعلوا ذلك لما وافقت عليها.
- لماذا لم توقفه مثلاً؟ أما يُفترض ان توافق عليه قبل العرض؟
«خلاص ما في مشكلة»، الموضوع لا يعبّر عن أزمة.
- شاهدك الجمهور العربي من خلال الصور الفوتوغرافية في زفاف شربل ضومط مدير أعمالك في روتانا، في صورة جديدة لم نألفها عنك؟
(يُجيب بسؤال) ماذا تقصدين؟
- أقصد لناحية تفاعلك مع الحضور والمناسبة بحدّ ذاتها...
هذا طبيعي لأنها مناسبة خاصة وجميلة وتحمل فرحاً كبيراً، فمن الطبيعي أن نستقبلها بفرحها وبطابعها في ما يخصّ مشاركتنا فيها. أنا شخصياً أحبّ الأفراح، وعندما ألتقي أصدقاء لي وأناسا قريبين مني في مناسبات كهذه، أكون مرتاحاً كثيراً فتجدينني على سجيتي وطبيعتي.
- البعض استغرب حضورك أساساً كواحد من المدعوّين؟
ولماذا يستغربون؟ شربل شخص عزيز وأنا زوّجت أكثر من نصف أهل السعودية... حقيقة أنا أحب كثيراً هذه المناسبات التي تحمل فرحاً، خصوصاً الزواج لأنه أمر مبارك من الله. وأشعر بأن الأغنيات التي تُقدّم في الأفراح هي فعلاً أصدق الأغاني «وطالعة من القلب». يقولون أعذب الشعر أكذبه، إلاّ في هذه المناسبات، إذ كل كلمة تُقال يجب أن تكون في محلّها.
- من هم الفنانون الذين التقيتهم في الزفاف وسُعدت بهم؟
شيرين عبد الوهاب كانت موجودة والتقيتها للمرة الاولى على صعيد شخصي لكني مُعجب بصوتها منذ بداياتها، كما التقيت للمرة الأولى هذا الشاب اللي يغني دبكة، إيش إسمو؟ ملحم؟
(فقلنا له) كلا، بل هو فارس كرم...
قال: أيوا أيوا فارس كرم، ظريف جداً وأعجبني أسلوبه في الدبكة اللبنانية. كما أني أعجبت كثيراً بالفنان باسم فغالي الذي يقلّد الفنانين ببراعة، لا بل يتقمّص شخصياتهم بأسلوب «بياخد العقل»، وأستطيع القول إن مستواه حقيقة عالمي ولا يقلّ أبداً عن الفنانين الكوميديين العالميين الذين أشاهد حفلاتهم في الخارج.
- بالحديث عن الحفلات، هناك أقاويل كثيرة في الصحافة عن الحفلات التي تُنظّمها شركة روتانا واعتبار أن هذه الحفلات أثّرت على كبار النجوم الخليجيين ومنهم أنت؟
هذا غير صحيح، كيف أثرت عليهم؟
- يقولون إن ذلك بسبب كثرة الحفلات؟
كثرة الحفلات أمر جيد ومنشّط للسياحة في لبنان، كما أن جمهورنا الخليجي يجد في هذه الحفلات فرصة مهمة جداً ليسمعنا ويلتقينا، خصوصاً أن هذا غير متوافر في بلدنا، لهذا إن حفلات بيروت هي الفرصة الوحيدة لهم. «هذه الحفلات تنشّط السياحة، إنتوا ليش زعلانين».
- «نحن مش زعلانين»، لكن يُقال إن الخليجيين لا يحضرون أخيراً بشكل مكثّف إلى بيروت كما في السابق بسبب عدم الاستقرار السياسي؟
أبداً، مختلف الخليجيين يحبّون لبنان ويزورونه باستمرار، وقد اعتادوا أساساً كما اللبنانيين على الظروف الجيدة والسيئة معاً وهم لم يعكفوا عن الحضور حتى في أحلك الظروف. عندما مددوا إجازة عيد الأضحى المبارك في السعودية، بدأ الخليجيون بالتوافد إلى لبنان، فقررنا إقامة حفلة في فندق الفينيسيا.
- هل تابعت أصداء حفلة السيدة فيروز في لبنان؟
طبعاً تابعتها، وأنا حقيقة أحمد الله على أن فيروز موجودة بيننا ومعنا في هذا الوقت بالذات لأنها قيمة فينة كبيرة. وأتمنى أن أتمكن من متابعة الحفلة على شاشة التلفزيون، إذ سمعت أنهم صوّروها وقد تصدر على «دي في دي» أيضاً لا أعرف.
- هل سمعت ألبومها الأخير «إيه في أمل» الذي حمل توقيع نجلها زياد الرحباني بالكامل؟
كلا، لم يتسنَّ لي ذلك بعد.
- هل ترى أن فيروز مع زياد الرحباني، حالة فنية منفصلة عن حالة فيروز مع الأخوين؟
فيروز حالة وظاهرة في كل الحالات أصلاً. هي طبعاً خرجت من جلباب عاصي الرحباني بداية، ثم قدمت مع زياد أغنيات جميلة جداً منها «ع هدير البوسطة». هذه الأغنيات رائعة جداً جداً جداً وإلى أبعد حدّ، وقد طمأنتنا أيضاً إلى ان عاصي لا يزال موجوداً من خلال زياد.
- أي تعتبر أن زياد امتداد لعاصي؟
صحيح ولكن في ثوب جديد. بعد ذلك أصبح الطابع غربياً أكثر، وهو شكل آخر لم تشتهر به الأغنية الفيروزية.
- أي لست مع هذا التوجّه؟
أنا مع فيروز في اللون الطربي الحديث والتوزيع الجميل. هذا رأيي طبعاً الذي قد لا يُلزم كثيرين ولا أقصد من خلاله التقليل من شأن ما قُدّم.
- ما رأيك في موضوع خلافها مع ورثة الراحل منصور الرحباني وقضية منعها من الغناء؟
بصراحة كوّنت تفسيراً معيناً لما حصل، ورأيي هذا قد يكون صحيحاً وقد لا يكون، لكني مقتنع به. أعتقد أن ما حصل كان دعاية تمهيدية للحفلتين اللتين أحيتهما.
- هل يُعقل أن تكون فيروز معنية بأمر كهذا؟
لا أعرف. قد يكون هناك خلاف مع ورثة منصور ولكن كان يُمكن حلّه ضمن إطار العائلة وعدم إيصاله إلى الإعلام. أقصد القول إنهم ربما تقصّدوا تفعيله وتضخيمه تمهيداً لما سيلي، أي الحفلتين، وذلك من باب البروباغندا.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024