تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

وليد حسين الخطيب يكشف أسرار لغة الجسد

وليد حسين الخطيب

وليد حسين الخطيب

وليد حسين الخطيب

وليد حسين الخطيب

يوقّع وليد حسين الخطيب كتاباته باسم "الوليد". أكاديمي وصحافي قريباً. وهو محرّر في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات. أصدر في عام 2000 ديوانه الأوّل "ورد وأرض"، ويحضّر لديوانه الثاني "كلمات حبّ وصفحات عزّ", يجيد وليد عالم تحليل لغة الجسد، ويخبرنا في هذه السطور عن أهميتها وتقنياتها وأساليبها.


- بدايةً، ما هي لغة الجسد؟

لغة الجسد حركات تُصدرها أجسادنا من خلال اللاوعي. واللاوعي تحكمه العاطفة لا المنطق. وهذه الحركات لاإرادية ولا نستطيع التحكم فيها. وهي تصدر عند تواصلنا مع مَن حولنا.


- كونك خبيراً في لغة الجسد، هل تُحدّثنا عن تقنيات هذه اللغة؟

أنا لست خبيراً في لغة الجسد، بمعنى أنّني لم أتخصّص فيها، لكنّني قرأت كتباً كثيرة عنها، لذا، يمكنك أن تعتبرني محلّلاً، قد أخطئ في تحليلي أو أُصيب.

يجب أن نعرف بدايةً أنّ الجسد مقسوم إلى ثلاثة أقسام، هي: الرأس، الجذع مع اليدين، والخاصرتان مع الرجلين والقدمين. وخلال التواصل بين الناس، نظريّاً أو كلاميّاً يُبرِز الجسد بين أربع إشارات وستّ، منها ثلاث مكبّرة وثلاث مصغّرة. الأولى تصدر من أقسام الجسد الثلاثة، فتوضع في ترتيب صحيح لنعرف القصد منها. أمّا المصغّرة التي تجسّدها المشاعر من خلال الوجه ونبرة الصوت فتُكتَسب بالمِران والتدرّب، لأنّها تظهر وتختفي في أجزاء من الثانية.

- ما هامش الخطأ في قراءة لغة الجسد؟

بالنسبة إلى مَن؟ إلى عامّة الناس، إلى المبتدئين، أم إلى الراسخين في هذا العِلم؟ وهنا الأمر نسبي، فبالنسبة إلى العامّة، هامش الخطأ كبير جدّاً، وهذا أمر بدهي، فليس الناس جميعاً مطّلعين على هذه اللغة، أو قد يعرفها بعضهم لِماماً. أمّا المبتدئون فقد يخطئون وقد يصيبون، لأنّ كثراً منهم أو الذين يدّعون معرفتها، لا يقرأونها قراءة صحيحة، بل يكتفون بإشارة واحدة أو بجزء واحد من الأقسام الثلاثة. فمثلاً إذا رأى أحدهم شخصاً متكتّفاً، يحكم عليه مباشرة بأنّه دفاعي، أو رأى شخصاً يحكّ أنفه، يحكم عليه بأنّه كاذب، من دون اعتبار لأن تكون هذه الحركة أو تلك عادة سيّئة عنده، ولا يلتفت إلى حركات القسمين الأعلى والأسفل في جسم هذا الشخص. فالإشارة الواحدة ككلمة واحدة نقولها من غير أن نضعها في جملة، فلا تؤدّي المعنى المطلوب. أمّا المتمكّنون في هذا العِلم، فيلاحظون كل الإشارات التي يُصدرها الجسد، ويعرفون أنّ الحركات التي تصدرها أجسادنا تتغيّر معانيها بحسب الظروف التي نعيشها أو المواقف التي تواجهنا.

- كيف نميّز العادة السيئة ممّا تعنيه كلّ حركة في لغة الجسد؟

ذكرت سابقاً أنّ عند قراءة لغة الجسد، لا بدّ من النظر إلى الأقسام الثلاثة في الجسم، لا إلى قسم واحد وحسب. نحن ندرك الكلمات التي نستخدمها ومعانيها، ويمكننا أن نسيطر عليها ونرتّبها وننمّقها بالطريقة التي نريد لتصوير أفكارنا وعواطفنا في أيّ لحظة، على الرغم من أنّها قد لا تكون صحيحة، ويمكن أن نستخدمها للكذب. أمّا في معاني لغة الجسد فلا يمكننا الكذب أبداً. من هنا، المتبحّر في هذا العِلم، يجب أن ينظر إلى حركات الأقسام الثلاثة. فقد أثبتت دراسات كثيرة أنّ حتى الخبراء المتمرّسين في لغة الجسد لا يستطيعون اكتشاف التعابير المصغّرة عند الكذّابين المحترفين إلا بعد تصويرها بالفيديو ومشاهدتها مرّات عدّة. لذا، يجب أن نفهم التفاعلات الاجتماعية لغيرنا ولأنفسنا لفهم محيطنا وما يدور في عقول مَن حولنا بغية التعامل مع الأشخاص أو الأوضاع بشكل صحيح بدلاً من الاعتماد على الفرضيات التي تؤدّي غالباً إلى سوء فهم، كأنْ تظنّ أنّ شخصاً ما، التقيته ولم يُعِرْك اهتماماً، أنّه غير معجب بك، بينما يكون هو في الواقع خجولاً.

- من ضمن ما ذكرتَ، لفتني الكلام على الكذب، وما أكثره في مجتمعاتنا! خصوصاً قولك أنّ مَن يحكّ أنفه قد يكون كاذباً، فما الإيماءات التي تدلّ على الكذب؟

في الحقيقة، هي إيماءات كثيرة، ولكن يجب أن نفهم ظروف مَن نحلّل لغة جسده، وموضوع الكلام، وما يحيط به... فتغطية الفم أثناء الكلام قد تدلّ على الكذب، هناك فرضية تقول إنّ ذلك يدلّ على أنّ اللاوعي يريد تخبئة الكذبة. أحياناً تكون تغطية الفم بكفّ اليد، وأحياناً أخرى بإصبع واحدة كأنّ مَن يفعل ذلك يحكّ شفتيه، أو كأنّه يشير بالإسكات – الحركة التي تعلّمناها من والدِينا عندما يشيران إلينا بالإسكات – وأحياناً بفرك الفم بأصابع عدّة أو وضع قبضة اليد عليه بحجّة السعال. ستتفاجأ بأنّ هذا الأمر شائع بين الأطفال والنساء والأشخاص الذين لا يصدّقون أنّهم تفوّهوا بكذبة ما. في بعض الحالات، يحدث ذلك كشكل من الاعتذار الجسدي لما قيل.

من الإيماءات أيضاً، وهي الأكثر شيوعاً، لمس الأنف، حيث إنّ لمس الأنف مرتبط بإيماءة تغطية الفم الواضحة جدّاً لدى الأطفال. ولأنّ البالغين راشدون أكثر حيال إشارات الجسد التي يُظهرونها فيبعدون أيديهم بسرعة من أفواههم، ما ينتج حركة لمس سريعة للأنف. يمكننا التفرقة بين الحكّ "العادي" ولمس الأنف الذي يكون إشارة تدلّ على الكذب، فالحكّ العادي ينتهي من خلال الفرك، لكنّه لا ينتهي بلمسة خفيفة، وهذا ما يحدث عندما يكذب أحدنا.

يجب أن نعرف أنّ إذا كان المتحدّث هو مَن يلمس الأنف، فيكون كاذباً. أمّا إذا كان المستمع هو مَن يفعل هذه الحركة، فهذا يعني أنّه يشكّك في ما يسمعه.

أضف إلى ما ذكرنا من الإيماءات الدالّة على الكذب، حكّ الرقبة تحت شحمة الأذن حوالى خمس مرّات. وغالباً ما تشكّل هذه الحركة إشارة إلى الشكّ أو إلى عدم الموافقة على ما يُقال – إذا كان الشخص يضع ربطة عنق، يحاول أن يرخيها ويفكّ ياقة قميصه – ففي حالة الكذب، تُحَكّ الرقبة من ثلاث إلى خمس مرّات. مسك الأذن أيضاً من الإيماءات التي تدلّ على الكذب. عندما يسمع ولد صغير صوتاً لا يعجبه، يغطّي أذنيه. أمّا البالغون الأكثر وعياً لما يفعلونه بأجسادهم فيلمسون شحمة الأذن بحركة سريعة أو يضغطون داخل الأذن بشكل متكرّر. فإذا كان أحدنا يتحدّث ويوافقنا المستمع شفهيّاً على ما نقول ولمس أذنه، فذلك يعني أنّه غير صادق في موافقته. من جهة أخرى، قد يعني أنّنا تحدّثنا كثيراً ويجب أن يتحدّث هو.

بالإضافة إلى لمس الأذن، فرك العين عند المتكلّم. وقد تكون هذه الحركة مجرّد إشارة تعني أنّ الشخص غير راضٍ عمّا يراه. غالباً ما يفرك الرجال أعينهم بقوّة، فيما تفركها النساء بلطف وسرعة – على الأرجح لتفادي إفساد تبرّجهنّ – وهذه الحركة أيضاً من الإشارات الدالّة على الكذب.

من الإشارات أيضاً، النظر بعيداً وعضّ الشفة. فالنظر بعيداً يكون سريعاً إلى درجة أنّ هذه الحركة قد تفوتنا إلا إذا كنّا نراقب عينَي المتحدّث بدقّة. وهذه الحركة تكون نتيجة الإحراج بعد الكذب مباشرةً. لذا، يتمرّن الكاذبون دائماً على تجنّب هذه الحركة. عندما يكذب شخص ما ينظر يميناً ويساراً، لكنّه عندما يركّز على قول الكذبة ينظر عادة إلى الجانب الأيمن صعوداً ليستطيع اختلاق كذبة توافق ما يقول، فالجانب الأيمن هو الجانب الخلّاق عند الإنسان. أمّا عضّ الشفة فشائع أكثر لدى النساء اللواتي يكذبن. ومع هذه الحركة، ينظرن بعيداً بعد ذلك. وهذا يدلّ على أنّ المرأة خجول من التفوّه بالكذب.

الإشارات كثيرة، لا نستطيع ذكرها كلّها هنا، منها مثلاً حركة الجذع – القسم الثاني من الجسم – فتح الكفّين، رفع الكتفين، تخبئة اليدين، فركهما...

- كثرٌ من الناس لا يؤمنون بلغة الجسد، أو يعتبرونها شكلاً من أشكال التبصير أو الفراسة، فماذا تقول لهم؟

الإنسان عادةً عدوّ ما يجهل. وليس بالضرورة أن يعرف الإنسان كلّ شيء. فقد قال ابن المقفّع: "من العلم أن تعلم أنّك لا تعلم بما لا تعلم". فمسألة العلم والمعرفة أمر، ومسألة الإيمان بالشيء أمر آخر، أمّا الفراسة فموضوع آخر يحتاج إلى شرح... ولكن سأحاول مخاطبة العقول بإعطاء الأدلّة على وجود لغة الجسد وأهمّيتها. تشارلي تشابلن من عظماء صنّاع السينما في العالم، في القرن العشرين، وسينماه كانت صامتة لا ينبس فيها ببنت شفة، بل يعتمد على حركات جسده، وما زالت أعماله تضحكنا إلى اليوم، ومثله في عصرنا مستر بين. وهنا قد يقتنع بعضنا وقد لا يقتنع. لذا، سأورد دليلاً آخر أكثر إقناعاً. هل من أحد لا يملك هاتفاً ثابتاً أو محمولاً في هذا العصر؟ كم مرّة يتحدّث أحدنا عبر الهاتف يوميّاً؟ هل يرى أحدنا من يتحدّث معه؟ هل يراقب أحدنا حركاته عندما يتكلّم؟ عندما يتحدّث شخص بالهاتف، لا يولي حركات جسده اهتماماً، ليس لأنّه لا يريد ذلك، ولكن لأنّ لاوعيه هو الذي يصدر هذه الحركات والإيماءات. مع العلم أنّه يحرّك يديه وحاجبيه وعينيه وفمه وجسده كلّه كأنّ الآخر يراه. فعندما ينفي المتحدّث بالهاتف أمراً، يرفع حاجبيه، وعندما يهدّد يرفع سبّابته ويحرّكها، وعندما يكذب يحكّ أنفه أو رقبته أو يرفع كتفيه... وعندما يفكّر يسند مرفقه إلى طاولة أو كرسي ويضع أصابعه على خدّه... وعندما يشعر بالملل يضع رأسه على يده، وهكذا دواليك... أضف إلى ذلك، ألا يتواصل البُكم بالإشارات، لأنّهم لا يتكلّمون؟ من هنا، يجب أن يتنبّه الناس إلى عاداتهم السيّئة، حتى لا تُفسّر خطأ، خصوصاً الذين يتقدّمون إلى وظائف ويخضعون لمقابلات، لأنّ لغة الجسد هي المساهم الأكبر في قبول المرشّح لوظيفة ما أو رفضه...

- في النهاية، ذكرتَ التنبّه إلى العادات السيّئة، خصوصاً عند المتقدّمين إلى وظائف، فبمَ تنصحهم؟

سأذكر بعض النقاط من دون إسهاب في الشرح.

أوّلاً، يجب التنبّه إلى وضعية الجسم، فتراخيه أثناء مقابلة عمل يدلّ على عدم احترام المحاوِر وعلى عدم الثقة في النفس. أمّا الجلوس على حافّة الكرسي والانحناء إلى الأمام، فيدلّان على الاهتمام بما يُقال. وفي المقابلة الافتراضية، يجب أن تكون الكاميرا في مستوى العين لإظهار تعابير الوجه وحركات اليدين.

ثانياً، عدم التململ كهزّ الساقين أو إحداهما... وعدم الإتيان بأيّ حركة من حركات الكذب التي ذكرناها.

ثالثاً، التواصل البصري، ولكن يجب أن يكون باعتدال، أي لا يصل إلى حدّ "البحلقة".

رابعاً، الابتسام بشكل مقبول، ولكن ليس إلى حدّ الضحك. وهنا، ننصح بالابتسام أوّل المقابلة ووسطها ونهايتها، حتى لا يبدو المرشّح مستهتراً وغير كفوء.

خامساً، الاستماع الجيّد، وهنا يجب أن ينصت المرشّح بدقّة إلى نبرة صوت المتكلّم ويقرأ لغة جسده، كي يبدو مهتمّاً بما يُقال.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078