تينا جروس: من تقديم البرامج إلى تدريب مهارات الحياة
لمع اسم تينا جروس في التمثيل والتقديم، قبل أن تنتقل صاحبة الموهبة المميزة إلى مجال تدريب مهارات الحياة. أحبّت التمثيل منذ نعومة أظفارها، لكنها لم تطمح يوماً الى التفرّغ له بل زاولته كهواية، ولذلك شاركت في عدد قليل من الأعمال. خاضت غمار التقديم التلفزيوني ودفعتها تجربة شخصية إلى التخصّص في مجال تدريب مهارات الحياة. تؤمن تينا بأن لدى كل واحد منا ما يكفي من الحيلة لإحداث تحوّل إيجابي في حياته، ولذلك تساعد الأشخاص على اكتشاف أنفسهم وزيادة الوعي الذاتي لديهم. في هذا الحوار، نتعرف إلى تينا الأم، والنجمة التلفزيونية، والمناضلة من أجل حقوق النساء.
- أحببتِ التمثيل منذ أيام المدرسة، وشاركتِ في عدد من المسلسلات التلفزيونية، مثل "3 بنات" و"الذئب والأبرياء" و"سحر الشرق" و"لآخر نفس"... هل كنت راضية عن تجاربك التمثيلية؟ وهل تفكرين في العودة إلى التمثيل يوماً ما؟
بدأتُ التمثيل فور تخرّجي في الجامعة، وأعتقد أن هذا حلم عظيم بالنسبة إلى كل شخص درس المسرح أو التمثيل أو أي اختصاص مشابه. فالشروع في العمل فور التخرّج في الجامعة أمر رائع. وكان لي الشرف أن يتم اختياري للمشاركة في مسلسل "3 بنات" الذي صوّرنا منه 300 حلقة تقريباً. كانت بدايتي رائعة في التمثيل، وشاركت لاحقاً في العديد من الإنتاجات اللبنانية والسورية والإيرانية، ومثلت مع عدد من كبار النجوم أبرزهم جمال سليمان، وأمل عرفة، وبديع أبو شقرا ومجدي مشموشي، لكنني اكتشفت أن التمثيل لا يكفي وحده للعيش بكرامة في لبنان، ولذلك كان لا بدّ لي من البحث عن مهنة أخرى. عملت في مجال التسويق، ولم أبتعد عن التمثيل، بل كنت أوافق على العروض الجيدة التي أتلقّاها.
التمثيل مهنة أحبّها لا بل أعشقها، رغم أن الظروف لم تكن دوماً سهلة، والإنتاجات بسيطة في أغلب الأوقات، ولذلك لا أتردّد أبداً في قبول أي عرض تمثيلي جيد يصلني. إلا أنني وجدت في الوقت نفسه أن هذه المهنة وحدها لا تكفيني، ولذلك انتقلت للعمل في مجالات أخرى.
- شاركتِ في تقديم برنامج Alive على محطة MTV اللبنانية. هل أنتِ راضية عن مشوارك المهني في عالم التقديم؟
تقديم البرامج بالنسبة إليّ ليس مجرد مهنة أو عمل أؤديه، بل هو بمثابة عائلتي وحياتي الثانية. مشواري في التمثيل بدأ مع محطة MTV تحديداً عام 1997 فور تخرجي في الجامعة. اضطرت المحطة إلى الإقفال قسراً لظروف معينة، وعندما أُعيد فتحها اتّصل بي القيّمون عليها وطلبوا مني المشاركة في تقديم البرامج. وكان لي شرف الانضمام إلى مجموعة الأشخاص الذين أطلّوا مباشرةً على الهواء في أول يوم عاودتْ فيه محطة MTV بثّها عام 2009. لذا، أعتبر برنامج Alive بمثابة عائلتي الثانية، خصوصاً أن فريق عمل البرنامج متجانس جداً. أعطيت الكثير لهذا البرنامج الذي أكسبني في المقابل خبرة هائلة.
- ما البرنامج الذي تطمحين إلى تقديمه يوماً ما؟
بعد أن أصبحت مدرّبة مهارات حياتية، أطمح إلى تقديم برنامج يركز على التطوير الذاتي للإنسان، بحيث أُقدّم للأشخاص نصائح ومعلومات حول كيفية تعزيز القيمة الذاتية وإدراك الأهمية الفردية للإحساس بالانسجام مع الذات. قد يكون هذا البرنامج على التلفزيون أو المنصّات الرقمية، خصوصاً أن الإنترنت بات طاغياً في عصرنا.
- هل تعتقدين أن الجمال بات معياراً أساسياً لتكون المرأة مقدّمة برامج ناجحة؟
أعتقد أن الجمال غير مهم أبداً إذا لم يترافق مع الشخصية الجميلة، والروح الطيبة، والأخلاق الحميدة. المهم أن تكون لكل شخص هويته التي تميّزه عن غيره. وأنصح جميع الأشخاص الذين يرغبون في خوض عالم التقديم التلفزيوني أن يقتنعوا بأنفسهم ويقدّروا مزاياهم ويفتّشوا عن الأشياء التي تجعلهم فريدين. فلنبتعد عن نمط النسخ واللصق (Copy & Paste) الذي بات رائجاً للأسف في العالم العربي. على الشخص أن يكون مختلفاً عن الآخرين حتى يتميّز ويلمع.
- أصبحت مدرّبة مهارات حياتية. لماذا هذا المجال؟
لكي يبرع مدرّب المهارات الحياتية، يجب أن يكون قد خضع للتدريبات الصحيحة. فمن غير الممكن أن يكتفي الشخص بتلقي دورات سريعة ليصبح بعدها مدرّباً لمهارات الحياة. أودّ التركيز على هذا الأمر، لأننا نسمع حالياً عن الكثير من الأشخاص الذين يزعمون أنهم باتوا مدرّبي مهارات حياتية فيما لم يخضعوا لأي تدريب حقيقي. ثمة مسؤولية كبيرة تُلقى على عاتق مدرّب المهارات الحياتية، ولذلك من المهم أن يكون قد خضع للتدريب الصحيح، وأن يكون محبّاً لخدمة الآخرين، ومنفتحاً، ولا يُصدر أحكاماً مسبقة، ويملك موهبة الإصغاء والتحليل وحسّ مساعدة الآخرين.
على الصعيد الشخصي، أصبحت مدرّبة مهارات حياتية لأسباب عدة. فقد درست علم النفس في الجامعة ضمن اختصاصي، ولطالما امتلكت شغف التحليل وتطوير الذات. صحيح أنني لم أعمل في علم النفس، إلى أن عشت تجربة الطلاق التي تعلّمت منها الكثير، ولذلك أعتبرها محطة إيجابية في حياتي الشخصية إذ تعلّمت لوحدي كيفية مواجهة الطلاق ومفاعيله، من دون مساعدة أحد. عملت على تطوير نفسي، وأفتخر بالقول إنني خرجت من تجربة الطلاق إنسانة أفضل اكتسبتْ الكثير من الخبرات والتجارب. لا شك في أن تجربة الطلاق كانت صعبة، لكن الشخص لا يتعلّم ما لم يعِش التجارب الصعبة. فالتقدّم والتطور لا يمكن أن يحصلا من دون تجارب مؤلمة. لذا، قرّرت بعد تجربة الطلاق أن أساعد الآخرين وأساندهم في تجاربهم الحياتية المؤلمة. هكذا، عدت إلى الجامعة وتخصّصت في تدريب مهارات الحياة وحصلت على شهادات عدة في مجالات مختلفة مرتبطة بتطوير الذات، وبتّ أحمل شهادة مرخّصة من الاتحاد الدولي لتدريب مهارات الحياة.
- كيف تعرّفين تدريب المهارات الحياتية؟ وما هي المؤهلات الضرورية ليصبح الشخص مدرّباً في هذا المجال؟
تدريب مهارات الحياة هو مشوار ومشاركة بين الشخص ومدرّبه بحيث يتمكّن الشخص من تحديد أهدافه والسعي إلى تحقيقها. إنها ببساطة طريقة فعّالة جداً للانتقال من المرحلة "أ" إلى المرحلة "ب" في الحياة، من دون أن يستغرق ذلك وقتاً طويلاً. المهم وضع خطة معينة، واتباعها بحذافيرها، بالترافق مع تقوية المهارات وتعزيز الثقة في النفس، وتحسين السلوك الشخصي مع الآخرين. ما يميّز تدريب مهارات الحياة عن غيره هو أنه مهما كان الشيء الذي يرغب الشخص في تحسينه أو تطويره في ذاته، أو في علاقاته مع العائلة أو الزملاء أو المحيطين به، فإن تدريب المهارات الحياتية مثالي ليطوّر الشخص نفسه ويكتشف هويته الحقيقية ومزاياه وقدراته. الحلم مهم جداً في الحياة، لكن الحلم من دون خطة لا يمكن أن يتحقق أبداً. لذا، يعمل مدرّب المهارات الحياتية على مساعدة الأشخاص لتحديد خطة وتطبيقها.
- تشجّعين الناس على التفكير بإيجابية. ألا تظنّين أن الكلام أسهل من الفعل؟
التفكير الإيجابي مهم جداً في الحياة. وليس صحيحاً أن الكلام أسهل من الفعل، لأننا نعمل على تغيير تفكيرنا الذي هو مصدر كل الأمور الأخرى (مثل القرارات والخيارات والتصرفات). نحن من يقرر أفكارنا ومدى أهميتها، بحيث نطوّرها أو نكبتها. التفكير بإيجابية هو إذاً قرار، وما علينا إلا اختيار التفكير بطريقة إيجابية. ولا يعني ذلك عيش حالة النكران. فعند وجود تحديات وصعوبات في حياتنا، لا بدّ طبعاً من مواجهتها وإفساح المجال أمامها كي تتطور ومن ثم تنتهي لنتمكّن في النهاية من التغلب عليها. الكبت ممنوع منعاً باتاً، والتفكير الإيجابي يساعدنا على مواكبة الصعوبات والتحديات بطريقة فعالة وصحية لنخرج منها بحلول.
- ما هي نصائحك لمواجهة الضغوط الناجمة عن جائحة كورونا؟
جائحة كورونا علّمتنا الكثير من الأمور. ثمة أشخاص يرون في الجائحة أمراً سلبياً، وثمة مَن يرون فيها أموراً إيجابية. ما علينا إلا التفكير في الأشياء التي اكتسبناها خلال فترة جائحة كورونا، والأمور التي تبدّلت لصالحنا، والفرص التي أُتيحت لنا. أشجّع الناس دوماً على التفتيش عن الأمور الإيجابية في كل تحدٍ نواجهه. لا شك في أن جائحة كورونا كانت صعبة على الجميع من دون استثناء. فثمة أشخاص خسروا أحبّاءهم، فيما لا يزال يعاني أشخاص آخرون من التداعيات الصحية لفيروس كورونا، ولكن علينا دوماً الشعور بالامتنان. صحيح أن التباعد الاجتماعي فُرض علينا، لكنه جعلنا في الوقت نفسه أقرب إلى أحبّائنا. كما شعرنا بأهمية القيم الصغيرة والبسيطة في الحياة والتي لم نكن نعي أهميتها. في أية حال، أنصح الأشخاص دوماً بمواجهة التحدي المفروض أمامهم، مهما كان نوعه، وتقبّل صعوبته ومحاولة فهمه، والأهم طبعاً تحديد ما الذي اكتسبناه أو تعلّمناه من ذلك التحدي.
- يعاني الكثير من الأشخاص من الاكتئاب والإحباط بسبب كبت المشاعر السلبية وعدم البوح بها. ما هي المهارات الممكن اكتسابها للتخفيف من تلك المشاعر السلبية؟
أشدّد دوماً على أهمية عدم كبت المشاعر السلبية. تعلّمنا في ثقافتنا الشرقية ألاّ نعبّر كثيراً عن مشاعرنا ونُظهر للآخرين نقاط ضعفنا، لكن هذا خطأ فادح. فأنا أشجّع الجميع على التعبير عن مشاعرهم. وإذا لم يكن في وسعنا التعبير عنها أمام الآخرين، يمكن كتابتها على الورق أو على اللوح الالكتروني. بهذه الطريقة، تكون المشاعر قد خرجت من داخلنا وتضاءل بالتالي تأثيرها السلبي. ونظراً لتوافر الكثير من الاختصاصيين في علم النفس وتدريب مهارات الحياة، أنصح كل من يواجه مشكلة صعبة بأن يستشير أولئك الأشخاص لأنهم سيقدّمون له حتماً المشورة الصحيحة والمساعدة اللازمة.
- أنتِ أمّ لولدين: جاز وسكاي. ماذا غيّرت فيك الأمومة؟
لقد غيّرتني تماماً بحيث لم أعد أذكر مَن كنت قبل الأمومة. أصبحت أمّاً في عمر 28 عاماً، وولداي هما من دون شك مصدر إلهامي والمدرسة التي أتعلّم منها الكثير من الأمور. جاز وسكاي هما كل حياتي، وأشاركهما في العديد من النشاطات والهوايات، خصوصاً أنهما أصبحا الآن في عمر الشباب.
- ما الفارق بين طفولتك وطفولة ولديك؟
ثمة فارق كبير بين طفولتي وطفولة ولديّ. أنا ممتنة كثيراً للطفولة التي عشتها، خصوصاً أنها كانت طفولة هادئة ومستقرة. ترعرعت في بيئة مختلفة عن تلك التي نشأ فيها ولداي، فقد تركت لبنان مع عائلتي عندما كنت طفلة بسبب الحرب الأهلية، وأمضيت معظم طفولتي في المملكة العربية السعودية، حيث تعرّفت إلى أشخاص من جنسيات مختلفة، مما عزّز ثقافتي.
أما ولداي فقد ترعرعا في لبنان وكانت طفولتهما مستقرة ورائعة. لا شك في أن الخيارات المتاحة أمامهما كثيرة، فضلاً عن امتلاكهما مساحة أكبر من الحرية. كما أن تعاطي الأهل مع أولادهم اختلف على مرّ السنين، بحيث باتوا أكثر إصغاءً لأولادهم، مما عزّز التواصل والتفاهم بينهم. على الصعيد الشخصي، لا أسرار بيني وبين ولديّ. أستطيع القول إن علاقتنا في البيت أشبه بكتاب شفّاف لا يخفى فيه شيء. كل الأمور واضحة ويُجرى التفاهم عليها.
- ولداك محرومان من الجنسية اللبنانية لأن والدهما فرنسي، رغم أنهما وُلدا وترعرعا في لبنان، ولطالما عبّرت عن انزعاجك من هذا الأمر. هل تسعين مع نساء أخريات إلى تعديل قانون الجنسية اللبنانية بحيث يحق للمرأة اللبنانية نقل الجنسية لأولادها؟
هذا الموضوع يزعجني كثيراً، وأعمل مع أخريات على إيجاد حلول له. فمن المهين ألاّ يحمل ولداي جنسيّتي اللبنانية رغم أنهما ترعرعا في لبنان ويتحدّثان اللغة العربية ويُتقنان اللهجة اللبنانية، وتشبّعا بالثقافة اللبنانية. تعاونت مع العديد من الجمعيات الناشطة في هذا المجال، ولا سيما جمعية "جنسيّتي حق لي ولأسرتي"، وحاولت قدر المستطاع لفت النظر إلى حق المرأة اللبنانية في نقل الجنسية لأولادها. هذه المشكلة لا تطاولني وحدي، وإنما تطاول مئات الأمهات على الأراضي اللبنانية، رغم أن هذه القضية ظالمة جداً إذ لا يجوز أن تعجز المرأة عن منح جنسيتها لأولادها.
- مَن هي المرأة التي تلهمك؟
تلهمني المرأة التي تحترم نفسها وتُقدّرها، وتضع أهدافاً نصب عينيها لتحقيقها، وتستطيع التنسيق بين مختلف أوجه حياتها. تلهمني طبعاً الأم التي تكرّس وقتها واهتمامها لأولادها في الوقت الذي تكون فيه منهمكة بعملها أو شغفها. أحترم كثيراً المرأة التي تستطيع تطوير ذاتها وأدائها مهما كان عمرها، وأتمنى أن أنجح شخصياً في الاستمرار بالتطور مع التقدّم في العمر.
- كيف هي علاقتك بالسوشيال ميديا؟
أنشط كثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما أنني مدرّبة مهارات حياتية. أنشر عبر تطبيقات "فايسبوك" و"إنستغرام" وLinkedin العديد من النصائح المرتبطة بتنمية الذات وتطوير المهارات الشخصية. يمكن لمن يرغب التواصل معي على حسابي coachtinajarrous في تطبيقي الانستغرام وفايسبوك.
- كيف تمضين أوقات فراغك؟
أعشق السفر واكتشاف الثقافات الجديدة. كما أعشق الطبخ، وتحديداً تحضير الحلويات. أحب أيضاً اليوغا والبيلاتس وتمارين التأمّل، إضافة إلى تنمية مهاراتي الشخصية في تطوير الذات، ولذلك أمضي قسماً كبيراً من أوقات فراغي في تصفّح الإنترنت.
- حكمتك في الحياة.
الحياة جميلة. استمتعوا بها!
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024