تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

سبعون في المئة من سكان المنطقة العربية يعانون من الوزن الزائد... السُّمنة وسبل محاربتها

اختصاصية التغذية سينتيا بو خليل

اختصاصية التغذية سينتيا بو خليل

يعاني أكثر من 70 في المئة من سكان منطقتنا العربية من الوزن الزائد. وتعتبر هذه النسبة المئوية عالية جداً. فما هي أسباب السُّمنة؟ وماذا عن تناولنا كميات كبيرة من الطعام؟ ماذا عن الحلويات العربية؟ وهل تساهم العشوات المتأخّرة في تكدّس الكيلوغرامات؟ عن السمنة ومسبّباتها، كما عن الحميات الناجعة في محاربتها تتحدّث اختصاصية التغذية سينتيا بو خليل في هذه المقابلة.    


- يعاني أكثر من 70 في المئة من سكان منطقتنا العربية من الوزن الزائد، ماذا عن هذه الأرقام وما هي دلالتها؟

لقد تزايد عدد الأفراد الذين يعانون من الوزن الزائد أو البدانة المفرطة خلال العقد الماضي، حيث تُعدّ هذه المشكلة أحد أبرز التحديات الصحيّة التي تواجه المجتمع الإماراتي، وتلعب دوراً أساسياً في زيادة خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة. وأكّدت دراسة أُجريت عام 2019 على شريحة من الشباب الإماراتيين دون سنّ الثلاثين أن 70 في المئة من الذكور في المجتمع يعانون من السُّمنة. وتُعتبر البدانة من الأمراض الخطِرة التي تهدّد حياة الناس، رغم أنها لا تحظى بالاهتمام نفسه مقارنةً مع المشاكل الصحية الأخرى كالتدخين مثلاً.


- ما هي أسباب السُّمنة؟ وهل المشكلة في كمية الطعام التي نتناولها، أم في طريقة طهوه؟

من الأسباب الرئيسية للبدانة، الاعتماد على نظام غذائي غني بالدهون وعدم ممارسة التمارين الرياضية، خاصةً في منطقتنا العربية التي يميل أفرادها إلى الخمول وتناول الوجبات السريعة. كما يحفل المطبخ المحلّي بالوصفات الغنية بالدسم والزيت والملح، إضافة إلى الأطباق المقلية واللحوم المشبعة بالدهون. بينما تلعب عادة تناول الطعام خارج المنزل وتفضيل الأطعمة الجاهزة والوجبات السريعة دوراً في ارتفاع معدلات البدانة. كما يساهم الطقس الحار في تفاقم هذه المشكلة إذ إنه يدفع السكان إلى الخمول في أشهر عدة من العام. لذلك ينبغي تسليط الضوء على المخاطر المستقبلية للبدانة من خلال التركيز على التعليم والتوعية المجتمعية، خاصةً لدى شريحة الشباب.

- لماذا نتناول كل هذه الكميات؟

سجّلت السنوات القليلة الماضية ازدياداً ملحوظاً في كميات الطعام المستهلكة. وقيّم باحثون في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها نسبة استهلاك السعرات الحرارية لدى الأميركيين المولودين بين عامَي 1971 و 2000، فوجدوا أن السيدات والرجال يتناولون بين 200 و350 سعرة حرارية زائدة تقريباً كل يوم، وهو معدّل يؤدّي بحدّ ذاته إلى زيادة الوزن بمقدار 7 كيلوغرامات سنوياً. كما أشارت التقارير إلى ارتفاع نسبة الحصص والسعرات الحرارية المستهلكة في كل أنواع الطعام، مع زيادة قياسية في كميات استهلاك المشروبات الخفيفة والوجبات السريعة المالحة وأطباق البرغر والبطاطس المقلية والبيتزا، وحصلت النسبة الأكبر من هذه الزيادة في مطاعم الوجبات السريعة. ومن ناحيتها، تتسبّب متطلبات الحياة العصرية في البدانة بشكل مباشر، حيث يتّجه معظم السكان إلى طلب الوجبات الجاهزة من المطاعم بسبب ضيق الوقت وسهولة الحصول على هذه الخدمات التي تلبّي احتياجاتهم.


- هل تقاليدنا العربية والتي تركّز على العشاء المتأخّر هي السبب في تكدّس الكيلوغرامات؟ وماذا عن الحلويات العربية؟

شهدت منطقة الخليج العربي تغيراً واضحاً في العادات الغذائية خلال السنوات القليلة الماضية، وهذا يتضمّن تناول الطعام في أوقات متأخرة من الليل واختيار وجبات غير صحيّة. ولعلّ نمط الحياة السريع ساهم في توجيه الأفراد والعائلات إلى الابتعاد عن عادة تحضير الطعام في المنزل، واعتماد نظام غذائي من الوجبات الجاهزة وخدمات التوصيل السريعة. ولا ننسى الحلويات الخليجية التي تزيّن موائد الطعام في الأعياد واللقاءات العائلية، وهي غنية بالدهون والسكريات التي ترفد الجسم بالمزيد من السعرات الحرارية.

- الحميات التي تركّز على فقدان ٥ كيلوغرامات في أسبوع، هل هي ناجحة وما هي منافعها؟

تظهر في كل عام صيحة جديدة من الحميات الغذائية التي تقدّم وعوداً لمرضى البدانة بنتائج سريعة. وأنا أنصح الجميع بتوخّي الحذر قبل تطبيق هذه الحميات، لأن الاستغناء عن فئة من الأطعمة ضمن النظام الغذائي يعني فقدان عناصر غذائية مهمة للجسم، مما يؤدي إلى تداعيات لا نرغب فيها. وأقصد هنا الحميات الغنية بالبروتين كالكيتو وأتكينز، والتي لا تحتوي على الفواكه وبعض الخضار وكل أنواع النشويات والحبوب. كما يبدو الالتزام بهذه الحميات على المدى الطويل أمراً في غاية الصعوبة. لذلك فإن معظم من جرّبها وتوقّف عن اتّباعها بعد فترة يستعيد وزنه السابق وربما يكسب المزيد من الكيلوغرامات. وهنا تبرز أهمية التواصل مع خبير تغذية لتعلّم كيفية اتّباع الحمية المناسبة والحفاظ على الوزن الأمثل.

- هل من الصعب فقدان الوزن بعد سنّ الأربعين؟

تلعب التغيّرات الفيزيولوجية في الجسم بعد سنّ الأربعين دوراً مهماً في زيادة الوزن، حيث يتغيّر معدل إفراز الهورمونات ويبدأ التمثيل الغذائي في التباطؤ، وإذا لم تترافق هذه المرحلة العمرية مع ممارسة رفع الأثقال فإننا سنفقد المزيد من الكتلة العضلية كل عام، وقد تتشكّل طبقة دهنية حول الخصر حتى لو حافظنا على الوزن نفسه. لذا، من الضروري البدء بممارسة التمارين الرياضية أو التوجّه إلى صالات رفع الأثقال عند بلوغ الأربعين. كما ينبغي تطوير النظام الغذائي لتعزيز الصحة العامة للجسم. 


- ما هو الوزن المثالي؟

ما من وزن مثالي يمكن قياسه على الجميع، فهناك الكثير من العوامل المؤثرة مثل العمر والتمثيل الغذائي وحجم الكتلة العضلية والجينات الوراثية. لذا، فإن الأرقام التي تسجّلها أجهزة الاختبار الشامل لكتلة الجسم تحمل هامش اختلاف يصل حتى 10 كيلوغرامات بين عيّنة وأخرى، أي أن المعدّل الذي تقدّمه لأفراد بنفس طول القامة لا يحمل المعنى ذاته، حيث يمكن أحدهم أن يكون ضمن نطاق الـ 10 كيلوغرامات ولكنه يتمتع بوزن صحّي. وهذا يعتمد أيضاً على أهدافنا وإجمالي نسبة الدهون في الجسم.

- ما هي الوصايا الذهبية للحفاظ على وزن مثالي؟

ننصح جميع المرضى بعدم السعي إلى الوزن المثالي، بل الحصول على وزن صحّي، فهناك فارق كبير بين الاثنين، حيث ينبغي على الجميع، سواء الذين يعانون من السُّمنة أو من زيادة الوزن إدراك أهمية إنقاص أوزانهم، باعتبارهم أكثر عرضةً للإصابة بالمشاكل الصحية والأمراض المصاحبة للبدانة. لذا، نوصي باتباع روتين متكامل يشمل نظاماً غذائياً صحّياً وممارسة التمارين الرياضية. فكل الخطط الهادفة إلى خسارة الوزن يجب أن تنطلق من هاتين الركيزتين.

ولكن، علينا أن نراعي الظروف الاستثنائية التي نشهدها في هذه الأيام، والتوتر والضغوطات التي نتعرض لها جميعاً، حيث اكتسب الكثير منّا وزناً إضافياً خلال هذه الفترة. ويعاني الكثير من المرضى الذين أقابلهم من عدم القدرة على التحكّم بكميات الغذاء التي يتناولونها رغم أنهم يعيشون نمطَ حياةٍ مفعماً بالنشاط ويتّبعون نظاماً غذائياً صحّياً. وهنا لا يمكن حلّ المشكلة بالاعتماد على الغذاء الصحي والتمارين الرياضية، بل هناك أساليب مختلفة لتحقيق النتائج المرجوّة لكل فرد يعاني من زيادة الوزن، والذي يزيد مؤشّر كتلة الجسم لديه عن 27. وأنا أوصي هؤلاء المرضى بحلول غير جراحية مثل جهاز بالون المعدة Elipse الذي يساعد على الشعور بالشبع عبر تناول كميات قليلة من الطعام، مما يساهم في إنقاص الوزن. ويُعدّ Elipse أول بالون معدة لا يحتاج تركيبه أو إزالته إلى جراحة أو تنظير داخلي أو تخدير، حيث يمكن ابتلاعه بسهولة عبر كبسولة ذكية يتم ملؤها بالسائل خلال عشرين دقيقة في عيادة الطبيب. ويعمل هذا البالون على تعزيز الشعور بالشبع لدى المرضى، مما يدفعهم إلى تناول كميات أقل من الطعام من دون الشعور بالجوع الذي تسبّبه معظم الحميات التقليدية، وبالتالي يشجّعهم على التحكّم في كميات الطعام المستهلكة. كما يترافق العلاج مع دعم مستمر من اختصاصي تغذية طوال فترة البرنامج، بهدف تحسين جودة الطعام واختيار وجبات صحية وتغيير الروتين الغذائي نحو الأفضل.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079