جاد شويري... يخرج الكليب الغنائي الأول لوديع الصافي!
عملاق الطرب وديع الصافي، منفرداً، في كليبه الغنائي المصوّر الأوّل تحت إدارة جاد شويري، هذا هو الخبر. ولعل الأخير، حافزُ المقابلة، كشف هوية هذا المخرج الذي لا يمكن إلاّ التسليم بموهبته المثقفة، وعقلانية دفعته إلى الإقلاع عن منهج الجرأة... بجرأة. نافياً «توبته» التي إستخلصها البعض وناقداً، جاد شويري، الجدّة والجدل.
- كيف تعاملت مع فكرة توجيه عملاق الطرب وديع الصافي إخراجياً في عمله الغنائي المصور الأوّل (منفرداً بعد الديو الذي جمعه مع الفنانة رويدا عطية)؟
لم أعد أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن حقيقة مشاعري تجاه هذه الخطوة التي أتشرف بها كثيراً، وهي نقطة تحوّل في حياتي المهنية. جلست مع الأستاذ وديع مذ انتهيت من عملية المونتاج، وكانت عائلته حاضرة. شكرني كثيراً وقال لي أنني أديت عملي بمسؤولية وعلى أكمل وجه، والفنون تتكامل مع بعضها، وإنني فنان موهوب.
- هل شاهد بعض أعمالك السابقة؟
يجب ألاّ نخلط بين ما أؤديه كفنان ومهنتي كمخرج. كما لا بد أن أوضح أنني، إلى جانب الأعمال الجريئة، أنجزت في البدايات أيضاً أفكاراً رومانسية ناجحة لأغاني نيكول سابا (بحبك قوي) وجوانا ملاح (حتفضل بقلبي) وعمرو مصطفى (برتاح معاك) وإيوان (ولا في الاحلام). لكن المشاهد العربي طبع رؤيتي بالأعمال التي تثير الجدل، ولذلك أحاول اليوم نزع هذه الفكرة من الأذهان. وأشعر فعلاً بأنني أعيش مرحلة جديدة مهنياً عبر سلسلة من الأعمال، تعاوني مع الأستاذ وديع الصافي والمطربتين ميشلين خليفة وفلّة الجزائرية. لقد تعمدت التغيير لترسيخ مفهوم جديد يناقض خانة الجرأة. لقد حدت عن ذاك الدرب.
- «الكود» الإخراجي لجاد شويري كان جرأة-شهرة ، ما هو اليوم؟
هذه هي الصورة المعمّمة عني. لكنني لم أعتمد الجرأة يوماً بحثاً عن الشهرة. لم يكن هذا هدفاً نصب عيني. بكل بساطة، لقد كبرت وسط بيئة غير عربية وتأثرت بالفن الغربي. بمجرد أن يعتاد طفل رؤية مشهد شاب وفتاة يتمايلان بثياب «غير محتشمة»، لن يكون الأمر نافراً بالنسبة إليه أو غير مقبول بغض النظر عن حقيقة الأمور. أدركت أنني كنت الأجرأ عربياً، لكن رغبة المشاهد العربي وإعجابه بأعمال الغرب الصاخبة التي تلقى رواجاً عربياً واسعاً كانا يدفعانني قدماً لتقديم المثيل. لكنني في نهاية المطاف إقتنعت بأن هذه «السياسة» غير مرحّب بها، وقد نضجت بمقدار دفعني إلى التخلي عن مفهومي الفني الذي كبرت معه.
- كيف تلقّيت عرض إخراج كليب للفنان وديع الصافي؟
كان ذلك بطلب من الشاعرة سارة الهاجري التي سبق أن تعاونت معها في أغنية الفنانة فلة، «أرجوك إبعد». أعجبت الشاعرة بالقصّة الإخراجية في كليب هذه الأغنية، ورغبت في إعادة الكرّة لما لمسته من انسجام وتوافق بين كلماتها وصورتي الإخراجية. تطرح أغنية الفنانة فلّة قضية المرأة العربية المظلومة بين الجدران. كان قريبُ المأخذ تصوير مشاهد عراك زوجي وإهانات. لكنني جسّدت العنف الذي تتعرض له الزوجة بإيحاء غير مؤذٍ للعين، حين تلامس الإبنة الصغيرة الكدمة على ذراع والدتها وتقبل الإزرقاق. لقد نجحت في إبراز قدرات فلة التمثيلية. وهذا ما مهّد فرصة تصوير عمل الأستاذ وديع الصافي بعد مشاورة نجله جورج. بعدما شاهد الأخير كليب فلّة، لم يتردّد لحظة في مباشرة تصوير العمل دون أي شرط أو بحث في التفاصيل. أدركت عائلة الأستاذ وديع جيداً أنني لن أستخف بهذه الفرصة، وفوجئوا بالنتيجة النهائية التي ارتقت بتاريخ هذا الرمز، هذا ما عبّروا عنه.
- ماذا عن العمل الثالث الذي جمعك مع الشاعرة من غناء المطربة ميشلين خليفة؟
لقد تتالت الفرص، خصوصاً أنني بقيت على تواصل مع هذه الشاعرة. لكن أغنية «ياما بكيت» إستلزمت فكرة غربية وجريئة. أقدّر الفنانة ميشلين خليفة على تقبلها قصتي الإخراجية. فطوال الشريط الغنائي لا نلمح خليفة أبداً بل نسمع صوتها تؤديه الممثلة اللبنانية باميلا الككّ. وهذه الأخيرة تجلس أمام مرآة تطبّق تفاصيل حياة سيّدة المنزل، ترتدي أزياءها وتقلّد تسريحتها. لكن في المشهد الأخير تسمع صوت إغلاق باب. فتسارع إلى ارتداء ملابس خادمة والعودة إلى المطبخ، تحضر ميشلين خليفة كضيفة شرف في عملها الذي يبرز صوتها قبل أي شيء. وأعتبر أن هذا الكليب هو بمثابة تقدير وإستلاب بصورة السيدة التي تجسدّها الممثلة باميلا الككّ. فكرة جريئة جداً لا يتقبّلها أي فنان، فالسيّدة ميشلين تقدّر صوتها قبل صورتها رغم أن العمل كان مكلفاً.
- ألست ضد الميزانيات الكبيرة التي تُهدر في تصوير الكليبات الغنائية؟
لا لست ضد، لكنني أردّد دوماً أن باستطاعة المخرج أن ينجز عملاً جميلاً بميزانية متواضعة. إنما الإبهار المشهدي الذي جسّدته في أغنية Funky Arabs «عرب أغراب» سجّل إحدى أعلى الميزانيات التي صرفت في الوطن العربي في هذا المجال (أكثر من 200 ألف دولار). وقد أنجزت هذا العمل لمتعة شخصية وإرضاء نفسي كمخرج هاوٍ وبث رسالة بقالب هزليّ، بمعزل عن المهنة.
- لكنك في الوقت الذي كنت تنزع عن العرب تهمة الإرهاب، بالغت في إظهار أنوف «مشذّبة» وشفاه غليظة؟
هذه صورة شريحة واسعة من العرب «المنفتحين» دون تعميم، وقد جسّدتها برؤية «كاريكاتورية» ساخرة ومضخّمة لإضفاء نوع من الفكاهة على المشهدية وإبراز الواقع. هذا جوابي لمن تساءل : «لمَ لم تحضر تقاليدنا العربية وبيئتها».
- إكتفيت بمرور جمل؟
نعم، الكليب يتضمن زحمة رموز ولا يهدف إلى بث رسالة عميقة، بل الترفيه من خلال محاكاة أسلوب حياة وأناقة وتعريف الجمال.
- لا تزال تشعر بلزوم إنجاز عمل مماثل اليوم؟
لم أعد أكترث اليوم بتعرية الواقع ووجهة نظري رغم إيماني بأننا نعيش في عالم عصري منفتح غير محدود فكرياً وفنياً.
- لكن الحدود موجودة ولا تمكن تخطيها. فشاكيرا إذا رقصت بثياب لصوقة على أنغام أغنيتها، هذا لا يعني أنها على المستوى الشخصي إمرأة سيئة السمعة، إنما القاعدة في لبنان تؤكد النقيض..
هذه هي المشكلة. فنحن لا ندرك معنى الإنفتاح، مما دفعني إلى الإبتعاد عن تجسيد صورة فنية جريئة منفصلة عن الواقع. لقد ساعدتني كاتبة أغنية شاكيرا «هيبس دونت لاي» أوكتافيا على كتابة أغنية «عرب أغراب» في نيويورك، فيما تعاونت موسيقياً مع الفنان غي مانوكيان.
- هل فعلاً تَعتبر النجمة هيفاء وهبي أهمّ من شاكيرا؟
بمجرد أن نقترب من إسم هيفاء وهبي تصاغ الأخبار غير الدقيقة. هذا الكلام غير صحيح. فحين كنت ناقداً صحافياً فنياً في المجلة الفرنسية «سيليكت» التي واكبتُ إنطلاقتها في بيروت، كتبت أن هيفاء وهبي كأيقونة يجب أن نفتخر بها أكثر من شاكيرا.
- لمّ لم ينطلق الفنان غي مانوكيان عربياً؟
إختار غي مانوكيان طريقاً غير تقليدي وإحياؤه لإحدى ليالي مهرجانات بيت الدين دليل على نجاحه. لم يعد مكترثاً بصفته كموزع موسيقي للفنانين. هو اليوم يملك شركة مناصفة مع الموسيقي الهاييتي وايكليف جان في نيويورك. لقد مهّدت علاقته الفنية لنا الطريق نحو إنفتاح أكبر على الغرب. أما عربياً فهو «على الهامش».
- تقول إن أعمالك الجريئة السابقة هي ثمرة البيئة الغربية التي نشأت فيها. هل اطلعت على أعمال الأستاذ وديع الصافي قبل إبتكار قصتك الإخراجية لأغنيته «يا بنتي»؟
أشعر بالخجل حين أعترف بتواضع إطلاعي على الفن اللبناني الجميل. لكن حين تلقّيت عرض تصوير عمل الأستاذ وديع شاهدت أعماله عبر خدمة اليوتيوب، يملك تعابير تمثيلية هائلة. ومن خلال برنامج «مسرحية وأغنية» الذي كان يبثّه تلفزيون لبنان إكتشفت الفنانة أمل عفيش التي طلبت منها أداء دور زوجة الصافي في الكليب. بحثت مطولاً لتحديد رؤية مكانية مناسبة، وقد وقع الإختيار على قصر بسترس في بيروت الذي لا يفتح أبوابه لأي كان. لا يمكن إلاّ أن تدمع العين لأداء الأستاذ وديع وسط أجواء حميمة، حين تصل إبنته إلى المنزل ومع كل خطوة في الأرجاء تلقى ذكرياتها قبل لقاء والدها بعد فراق عائلي طويل.
- هل يعقل أن تحمل آلة العود؟
لقد حاولت لكن المهمة صعبة في الكبر، وقد نصحني أستاذي في الموسيقى إيلي الحاج بالتركيز على المقامات الموسيقية ووفقة الصوت، ثمّة الكثير لتعلّمه.
- هل وضعت اللمسات الأخيرة على الديو الغنائي الجديد؟
نوعاً ما نعم، ستشاركني الفنانة البريطانية لورا وهي مغنية راب غناء «عايشها كده»، وهي معروفة في بريطانيا لأعمال جمعتها مع بريتني سبيرز وكايلي مينوغ. العمل ليس أغنية ديو بل «فيتشرينغ»، مصطلح موسيقي أميركي. لقد صورّت كليب الأغنية بين مصر ولبنان بالتعاون مع المخرج المصري مازن سعيد. إعتمدنا تقنية إخراجية جديدة لتجسيد فكرة طريفة. يتم خطفي خارج الأرض حيث أخضع لتجارب في الفضاء. وقد كتب الأغنية هيثم شعبان، وهي من ألحاني وتوزيع طوني بو خليل، مزيج من الثقافات الموسيقية عبر الراب والمقسوم شرقي والأوبرا، التي تؤديها فنانة لبنانية-أرمنية.
- ألم تتلقَ عروض تمثيل حتى اللحظة؟
في البدايات تلقيت عروضاً من المخرج أكرم فريد وعدد من المنتجين في مصر، لكنني لم أكن أملك متسعاً من الوقت. «زي الهوى» هو أحد الأفلام التي عرضت عليّ. أما اليوم، فتتملكني الرغبة في إخراج فيلم سينمائي لبناني ضخم لا يمت بصلة إلى الحرب، فمن أصل عشرة أفلام لبنانية هناك إستثناء وحيد لا يعالج وقائع حرب دارت في لبنان.
- ما هو العمل الذي تمسحه من رصيدك الفني اليوم؟
الشريط المصوّر لأغنية «مصرية»، لأنه لم يحقّق النجاح الذي توقّعته خصوصاً في مصر، مما خيّب أملي لأنه يستحق صدى أكثر إيجابية. (ما تحطيها عنوان لأنها رح تكون مستفزة).
- هذه الأغنية تحاكي المرأة الفرعونية. هل تابعت مسلسل «كليوباترا» خلال شهر رمضان؟
لا، لقد صوّرت خمسة كليبات خلال شهر رمضان وكنت منشغلاً للغاية. شاهدت النسخة الأجنبية فقط، فيلم ريتشارد بورتون وإليزابيث تايلور.
- هل إتّبعت في كل تلك الأعمال المعايير المهنية الجديدة؟
نعم، باستثناء أغنيتي. فمن غير المنطقي أن أحضن عوداً وأغني. لا يمكنني أن أخدع نفسي والتنصّل من لوني الغنائي العصري المنسجم مع قدراتي، والذي يشبهني ويليق بي، لا يمكن تغييب بعض الحركات الإستعراضية.
- لقد برزت هوية فنية جديدة لجاد شويري في كليب أغنية «ولا أوّل». كيف تصف هذه التجربة التي قيل إنها مشاهد من شهر عسل؟
هذا دليل على مدى الإنسجام الذي جمعني والممثلة في الكليب والمصداقية التي نقلناها إلى المشاهد. ثمة جزء ثان لهذا العمل مصوّر في بلدان أخرى غير فرنسا وبريطانيا مخصص لأغنية «مش عايز غيرك»، ستصدر بعد «عايشها كده».
- من هي الفتاة التي تلفت جاد شويري الذي خبِر وسطاً مضطرباً جداً وصاخباً؟
الفتاة الواثقة من نفسها وسيّدة قرارها والمثقفة التي أستطيع التواصل معها و«فيها مزيج حضارات». وبعد ثمانية أشهر، سينتشر الخبر.
- ستتزوج؟
هذا سبق صحافي. لا، أمزح. لكن بعد ثمانية أشهر سأطلق فنانة صغيرة وجميلة وموهبة حقيقية، هي من أجمل الأصوات التي استمعت إليها. لم أختر إسمها الفني بعد، هي تملك كل مواصفات النجمة وتصر على الإنطلاق فنياً بعد نيلها الشهادة الجامعية التي لا تمتّ بصلة إلى الفن.
- لا تزال تفتخر اليوم بكليب «إلعب» للفنانة ماريا؟
غالباً ما تصاغ تصريحاتي في سياق مغلوط، قد تلحق بي الأذى وبالمستقبل المهني لأي فنان. فكم هو مستفز عنوان : «فيروز ليست عالمية ولكن أغنياتي تذاع في أوروبا»! أعتبر أن فكرة كليب «إلعب» ذكية وحقّقت نجاح ماريا في تلك المرحلة.
- لمَ 90 في المئة من النجمات اللواتي أطلقتهن إنطفأن؟
«ما بعرف». المهم أنا موجود ونجمي يسطع.
- ما هي حقيقة قصة المرض الذي تحدّثت عنه مع الإعلامي طوني خليفة في برنامجه «بلسان معارضيك»؟
لقد أصبت بشلل في وجهي (Paralysie a frigore)، بفعل تبدّل الحرارة الطارىء. حين خرجت من المنزل في شهر آذار(مارس) وأنا متعرّق.
- لكن هذا الخبر زجّ في إطار إعلان «توبة» ما يتناقض مع رواية نضج الرؤية الإخراجية أخيراً؟
نعم، قيل إنني أعلنت «التوبة» وكنت على شفير الإنهيار. بينما الحقيقة هي أنني تقربت من الأديان حين شعرت خلال المرض برغبة في الإطلاع عليها.
- لمَ كتبت في ختام لقائك مع طوني خليفة إلى جاد شويري، إبقَ مدفوناً (مع ألف مقصورة)؟
أعاني من قصور في كتابة العربية التي تعلّمتها كلغة ثانوية، وهذه حقيقة لا أحب الإعتراف بها. لقد ندمت على البوح بمرضي مع طوني خليفة.
- شعرت بأنه مصرّ على إعتبار رؤيتك الإخراجية الجديدة «توبة» نتيجة المرض؟
نعم، وحاولت التأكيد أن التحوّل المهني غير ناتج عن توبة. لكن مرضي كان فعلاً سبباً لتقرّبي من الروحانيات والأديان. وقد أدركت أن ما يجمعها ثلاث ركائز، المحبة والعطاء والتفاؤل مهما اسودّت الحياة. لقد عشت أزمة الشلل طوال ثلاثة أشهر، ما كنت أستطيع إغماض عيني.
بكلمة ...
- المخرج سعيد الماروق.
يتقن أبلغ لغة إخراجية، هو موهبة فريدة في عالم الإخراج وينقل المشاهد إلى عالم السينما في شريطه المصوّر.
- المخرجة نادين لبكي.
لقد تألقت مع النجمة نانسي عجرم في أغنية «في حاجات» أخيراً. إتصلت بها مهنئاً وأثنيت على عملها. تشكل الثلاثية الأحب إلى قلبي كمخرج، مع سعيد الماروق ويحيى سعادة. تشعرني بأن الكاميرا إمرأة، أشعر بأنوثة إخراجها.
- المخرج فادي حداد.
لا تعليق.
- المخرجة ليلى كنعان.
«شغلها لذيذ».
- المخرج وليد ناصيف.
ما أكثر أعماله هو وفادي حداد (إسمالله).
- المخرج يحيى سعادة.
الجواب الأمثل، تعاونت معه كهاوٍ في أقرب الأعمال إلى قلبي، «عرب أغراب».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024