تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

حوار مع أول عربية تؤسّس شبكة فضائيات وتديرها هدى السراري... واجب الإعلام أن يدعم قضايا المرأة وحقوقها!

هدى السراري

هدى السراري

هدى السراري

هدى السراري

نجاحات المرأة في عالم الصحافة والتلفزيون لا تُعدّ ولا تُحصى. هدى السراري واحدة من أولئك النساء العربيات اللواتي صنعن نجاحهنّ بأنفسهنّ وشققن طريقهنّ الخاص الذي لا يشبه طريقاً آخر، لتثبت أن لا وصفة واحدة للنجاح، بل إرادة وتصميم على تحقيق الهدف. والسراري هي أول عربية تُطلق شبكة محطات فضائية وتديرها، وتضمّنها رسالة سلام الى موطنها الأم ليبيا، لأن "المرأة صانعة سلام لا حرب" كما تقول السراري. في هذا الحوار، نتعرّف أكثر إلى شخصية امرأة ناجحة اختيرت واحدةً من أهم 30 شخصية نسائية الأكثر تأثيراً في العالم العربي، بعدما روت قصّة مختلفة عن بلد عربي يعيش صراعات حادّة ويناضل شعبه من أجل حياة طبيعية مسالمة.   



- أين تجدين نفسك أكثر: في الإعلام أم في الشعر، بمعنى آخر في الواقع أم في الخيال؟ 

الحياة مساحات مختلفة، والإنسان هو العنصر الأساسي الذي يشغلها ويجعلها مترابطة، باهتمامات متفاوتة كاختلاف تلك المساحات. لا أتصوّر أن يحيا الشخص بكل اهتمامه في مساحة واحدة بمعزل عن باقي المساحات. الواقع نحياه بالضرورة أو بالشغف، والخيال هو الزاد لكي نحيا ذلك الواقع. جُلّ ما عشته وما أعايشه في الواقع الآن، عشته قبل ذلك في خيالات متعددة.  

- كيف بدأت علاقتك بالكتابة، خصوصاً أنك درست إدارة الأعمال؟ 

الكتابة كما نعلم ليست أمراً منوطاً بالمستوى التعليمي أو نوعه. الكثير من الكتّاب العظماء لم يكونوا من حَمَلة المؤهّلات العلمية، والكثير منهم كانوا يحملون شهادات علمية لا علاقة لها مباشرةً بالكتابة، خاصة في مجاليها الإبداعي والثقافي، لذلك لا أجد تعارضاً أو تناقضاً بين ما درست وما أفعل، خاصة إذا كان ذلك الفعل في الشأن الثقافي أو الإبداعي اللذين يعتمدان على الموهبة وسِعة الاطّلاع والتجربة، أكثر من المعرفة الموجّهة. 

أما عن علاقتي بالكتابة، فقد بدأت في مرحلة مبكرة منذ سنّ المراهقة كمهتمة بالشأن الأدبي، ثم في المرحلة الجامعية عندما تحوّل ذلك الاهتمام إلى نشاط صحافي وثقافي، من خلال عملي كصحافية مستقلّة وإجرائي العديد المقابلات مع شخصيات عامة (فنية وثقافية وسياسية) لصالح صحيفة "العرب" اللندنية، وأيضاً من خلال كتابتي لمقال أسبوعي عن المأثور الشعبي الليبي لصالح صحيفة "القبس" الكويتية. 


-اختارتك مجلة Arabian Business بين ثلاثين امرأة مؤثّرة في العالم العربي للعام 2019، أيّ أثر تودّين أن تتركي في عالم الإعلام التلفزيوني؟ 

أودّ أن أساهم في وضع ليبيا ضمن خريطة التلفزيون والإعلام العربي كما كانت ذات يوم بعيد، وذلك من خلال العمل على صقل مواهب وخلق قدرات ليبية قادرة على التميّز والاستمرار، وصناعة محتوى ليبي يمكنه المنافسة والبقاء، حتى وإن انتهت العناصر والظروف التي ساهمت في صناعته أو خلقه. 

- أنتِ أول امرأة ليبية وعربية تؤسّس شبكة محطات فضائية متنوّعة الاهتمامات وأول موقع رياضي في ليبيا (ريميسا) وتُديرها. ما الصعاب التي واجهتك في عالم يُعتبر حكراً على الرجال؟ وما هي وصفتك الخاصّة للنجاح؟ 

لا وصفة خاصة أو مميزة للنجاح. ثمة شخصيات مميزة قادرة على النجاح. والصعاب موجودة أمام الطرفين أو الجنسين، ما يهمّ لتذليلها هو الرغبة الواثقة، والشغف الذي لا ينضب، والاجتهاد المستمر. 

- أسّستِ شبكة تلفزيونات 218TV لتكون ترفيهية في ليبيا وتروي قصصاً مختلفة عن وطنك الأم. أخبرينا أكثر عن هذه التجربة. تديرين شبكتك التلفزيونية وعينك على أيّ محطّة؟ 

218 TV هي ضرورة فرضها الواقع الذي استجدّ بعد ثورة فبراير في ليبيا وألقى بظلاله على الليبيين، حيث صار الواقع يحاصرهم في الشأن السياسي والحوادث والصراعات، متجاهلاً حق المُشاهد الأساسي في الترفيه، ورؤية المختلف والمميز الذي قد لا تدركه عين المُشاهد في محيطه ويطمح إلى معرفته أو مشاهدته. القناة هي ضرورة ومحاولة أيضاً للعودة إلى النمط الطبيعي والمفترض الذي يودّ المُشاهد رؤيته... أما عيني فهي على 218TV و 218 News. 

- هل من قصّة نجاح تلفزيونية ألهمتك نجاحك الشخصي؟ 

في الحقيقة، قبل تجربتي الأولى والاستثنائية في قناة "ليبيا لكل الأحرار" إبّان ثورة السابع عشر من شباط/ فبراير، لم أكن مهتمة بتجارب الشبكات التلفزيونية وقصص نجاحاتها. وإن كان ثمة ما ألهمني، فهو تلك التجارب التي عايشتها بكل جوارحي، وهي قَطْعاً صاحبة الفضل في ما وصلت إليه اليوم. 

- في 218 tv حرصت على خلق فسحة من البهجة وركّزتِ على غنى الثقافة الليبية، فيما انشغل الإعلام في ليبيا بتغطية الحرب الأهلية. ما كان الهدف من قرارك هذا؟ 

الثقافة والفن والإبداع والترفيه من أرقى أنواع المقاومة، والمحرّك الرئيس لوجدان الشعوب، والأداة المهمة لمواجهة قسوة الواقع.   

حرصنا يتأتّى دائماً من حاجة المُشاهد ورغباته، وهو ما يشغلنا بالضرورة، لذا تُراعي أهدافنا وسياساتنا تلك الحاجات والرغبات. 


- أيّ مساحة تحفظين للمرأة الليبية وحقوقها في شبكتك التلفزيونية؟ 

الحقوق المحفوظة في شبكتنا التلفزيونية هي فقط للمبدعين والقابلين للتطور والعطاء، بغض النظر عن جنسهم. ولحُسن حظنا، تتوافر هذه المعطيات في الكثير من العناصر النسائية التي تعمل ضمن شبكتنا التلفزيونية. المرأة الليبية المبدعة والمتميزة هي التي تفرض مكانتها في أي موقع تشغله بعض النظر عمّن يديره. 

- أيّ دور للإعلام في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في مجتمعاتنا العربية الذكورية عُرفاً وقانوناً؟ 

دور الإعلام رغم أهميته لن يتجاوز حدود التوعية والمساندة. نعم هما عاملان مهمّان، لكنهما ليسا الوحيدين لتحقيق تلك المساواة. ثمة العديد من العوامل الأخرى التي تشكّلها طبيعة المجتمع ودور النساء فيه كجماعات فاعلة أو مؤثّرة، والقوانين التي تحدّ من ذلك الدور أو تحجّمه.  

المهم هنا ألا يتخلّى الإعلام عن مسؤوليته في دعم القضايا الإنسانية بعامة، وعلى رأسها قضية المرأة وحقوقها.

- المرأة الليبية شأنها شأن النساء العربيات اللواتي عانين من النزاعات والحروب ودفعن كلّ الأثمان، تحمل اليوم رسالة سلام الى العالم مرفقة برغبة في العيش بأمان... هل سيبقى السلام أمنية؟ وما دور المرأة في بناء ثقافة السلام؟ 

المرأة بطبيعتها تشكّل إحدى لُبنات السلام الأساسية، وهي لم تكن يوماً أحد عناصر القتال أو التحارب، ولا طرفاً فاعلاً في الصراعات. لطالما خاضت المرأة صراعاتها بالسُّبل السلمية الناعمة. المرأة صانعة سلام، لا حرب. ولطالما عانت من تبِعات نزاعات وحروب لم تكن طرفاً فيها، ولو تُرك الخيار للمرأة لما أصبح واقعنا مشوّهاً إلى حدّ بات فيه السلام أمنية نطمح إليها. 

- أخبرينا عن ليبيا التي تحفظين في قلبك وذاكرتك، أنتِ التي ابتعدت عنها في عزّ عطائك، لتعيشي اللجوء السياسي في هولندا الى جانب زوجك الكاتب المعارض مجاهد البوسيفي؟ 

في الواقع، لم أكن أعيش حياة اللجوء السياسي بالشكل المتعارَف عليه. نعم، تزوجت من لاجئ سياسي، لكنني لم أكن أنا اللاجئة السياسية، وحين قررت الزواج من مجاهد، كنت لا أزال أعيش في ليبيا، وبعد زواجنا داومت على زيارة ليبيا بانتظام، واستمرّت زياراتي إليها حتى العام 2009، وتوقفت بعد ذلك عندما وصلتني تحذيرات من العودة الى بلادي، بسبب محتوى مقابلة كنت قد أجريتها مع قناة "الحرّة" الأميركية. 

أما مسألة العطاء فيمكنك أن تكون معطاءً من حيث أنت، من أيّ مكان تعيش فيه، طالما أنك ترغب في ذلك. المكان ليس حاجزاً لقدرة الإنسان على العطاء، هذا ما أؤمن به. 


- تجربة الغربة القسرية، ماذا علّمتكِ؟ 

الغربة لم تكن قسرية. ولعل أبرز ما تعلّمته، أن الغربة هي قرار أو خيار داخلي قبل أن تكون خياراً يتعلق بالمكان الذي نعيش فيه. يمكن أن تكون غريباً في بلدك لأنك في داخلك تشعر بعدم الانتماء إليه، ويحدث أن تكون مستوطناً في غيره ولا تشعر بمرارة تلك الغربة الداخلية التي عشتها في بلدك من قبل. المسألة مسألة قرار داخلي أكثر من كونها ارتباطاً بالمحيط أو بأشخاصه وذكرياته. 

أما إذا كان القصد من السؤال هو ماذا علّمتني تجربة العيش في الغرب؟ فأقول إنها علّمتني المزيد من الانضباط والجدّية في التعاطي مع الحياة، وهو نسق تفرضه عليك الحياة نفسها في الدول المتقدّمة، سواءً أكنت راغباً في التعايش معها أم لا. 

- هل من مشاريع تلفزيونية جديدة على مستوى العالم العربي؟ 

المشاريع ثمرة الطموحات. طموحاتي لطالما كانت كبيرة، وسقفها عالٍ جداً. 

- ما أهم الصفات التي تتحلّين بها وتساهم في نجاحك؟ 

أعتقد أنني امرأة مثابرة، لا تستسلم بسهولة، وتملك القدرة على الالتزام بكلّ ما يتطلّبه الأمر لتحقيق النجاح. النجاح قرار أيضاً، قرار شخصي قبل أن يكون ظروفاً متضافرة وحظاً.

- أي امرأة تلهمك أكثر؟ 

النساء اللواتي يلهمنني أكثر من غيرهن هنّ نساء غير معروفات، وبشكل خاص اللواتي تخطّين مآسيهنّ وحوّلن معاناتهنّ الشخصية الى حافز وقدرة على مساعدة الآخرين.  

- كيف تحدّدين القوة النسائية؟ 

القوّة النسائية هي الرؤية الثاقبة، والقرار الصائب، والمسؤولية.  القوة هي التي تحرّكك شخصياً قبل أن تحرّك الآخرين.

- هل ترين نفسك امرأة قوية؟ 

نعم ولا…  

نعم: لأن قوّتي تكمن في قدرتي على الإنتاج والاستمرار ومعرفة متى أقول (لا)، خصوصاً أنني أمضيت وقتاً طويلاً في إرضاء الناس حتى تعلّمت أن أُرضي نفسي أولاً.  

لا: عندما أجد نفسي عاجزة عن التعبير عن حقيقة مشاعري تجاه الأمور.

- هل مررتِ بتجربة جعلتك تدركين أن المرأة والقوة فكرتان متوافقتان؟ 

نعم عندما كُلّفتُ بإدارة قناة "ليبيا الأحرار"، وقد دفعت الثمن لكوني امرأة، وتعرّضت للتهديد والترهيب والتحريض ضدّي وكل أنواع العنف اللفظي… ذات يوم ستكون لديّ الشجاعة بما فيه الكفاية وسأكتب عن تجربتي المرّة تلك وكيف تخطّيتها.

- كل أمّ عاملة لديها التزامات وجداول زمنية مختلفة داخل المكتب وخارجه. كيف تديرين حياتك العائلية؟ 

لا أعتقد أن في الإمكان تحقيق التوازن المثالي بين العمل والعائلة. هناك ثمن لكل ما نفعله في حياتنا المهنية أو الشخصية. لذلك سواء كنت إلى جانب طفلي قبل نومه، أو أُشرف على مبادرة جديدة مع فريق عملي، عليّ أن أكون حاضرة تماماً في ما أقوم به. وتعلّمت أيضاً ألاّ أشعر بالذنب حيال ذلك. 


عن هدى الأم

- اذا عن هدى الأم؟ كيف ربّيت طفليكِ "تميم" (17 عاماً) و"زيد" (12 عاماً) في الغربة؟ هل أنتِ أمّ تقليدية أم عصرية متساهلة ومنفتحة؟ 

أنا أمّ لا تنشغل كثيراً بفكرة التربية بمفهومها التقليدي، وربما لا أجد نفسي في هذا الدور. أحاول أن ألتزم بأمومتي بغض النظر عن مسؤولياتي الأخرى خارج المنزل، وأحرص قدر الإمكان على ألاّ أضع الكثير من الحدود والقوانين في علاقتي مع ولديّ. وكل يوم يمر ازداد يقنياً بأن دوري كأم يكمن في مساعدة طفلَيّ ليكونا مستقلَّين ومبادرَين، وبالتالي متألقَين وناجحَين. 

ولا أبالغ إذا قلت إنني في مرات كثيرة شعرت بأنني طفلتهما المدلّلة!  

- هل تزرع الأمهات التمييز بين الصبي والبنت في أولادهنّ منذ الصغر من دون علمهنّ؟  

التمييز بين الأبناء والبنات حاضر وبقوة في الكثير من البيوت العربية. وسواء كان متعمّداً أو غير متعمّد، فإن هذا التصرف يسبّب الكثير من الآثار السلبية التي تلازم الأولاد والبنات حتى الكبر.

- هل لمستِ لدى أحد ولديكِ حبّ التواصل والإعلام؟ 

مهارات التواصل موجودة عند ولديّ، وقد برزتْ أكثر خلال جائحة كورونا، ولكنني لا أستطيع الجزم بتمتّعهما بموهبة الإعلام. هما يحبّان القراءة والكتابة، ولديهما نصوص جميلة بعضها حصل على جوائز مدرسية، كما أنهما منشغلان منذ فترة بتعلّم العزف على البيانو والإيقاع (الدرامز).  

- أجمل هديّة تلقّيتها في عيد الأم؟ 

أهداني زيد لوحة رسمها خصّيصاً لي، أما تميم فقد دعاني إلى غداء في مطعم أنيق…

- كتاب تحبّين العودة إليه... 

Out of the Fountain 

- أغنية تدندنينها باستمرار... 

"سافر ما زال عيني تريده".

- فيلم سينمائي أو وثائقي أثّر فيك... 

The Pursuit of Happiness 

- كاتبة أو إعلامية تعشقين أسلوبها الصحافي أو التلفزيوني... 

Zadie Smith 

- مسلسل أثّر فيك... 

"ضمير أبلة حكمت".  

- برنامج حواري يشدّك... 

Last week tonight  

- ذكرى خاصة من طفولتك طبعت شخصيتك... 

منظر جدّتي وهي تحاول جاهدةً إقناع مدير المدرسة الذي كان رافضاً قبولي فيها لأنني لم أبلغ الخامسة بعد… والتي لم تخرج من مكتبه قبل أن تتأكد من موافقته على قبولي في المدرسة.  

وما زلتُ إلى يومنا هذا أشعر بملمس يدها، وهي تقبض على يدي بقوة وحنان في الوقت نفسه، وكأنها تقول: لا تستسلمي سنصل الى مبتغانا!

- حكمة تعشقينها... 

صاحب التاج يحتاج!

- ثلاث أمنيات تتمنّين أن يحقّقها لكِ الفانوس السحري... 

أتمنى أن يختفي الجشع من الإنسانية. فبسببه تقوم الحروب، لأن الناس كما الدول يريدون المزيد والمزيد…  

أتمنى أن يحصل كل أطفال العالم على الصحة والأمان.  

أتمنى أن نتمكن من فهم بعضنا البعض بشكل أفضل.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079