كريستل بشارة: في لوحاتي تتكشّف المعركة بين الخير والشر
كشفت الفنانة التشكيلية كريستل بشارة عن مجموعتها الجديدة من اللوحات والمستوحاة من أحداث العام الماضي المضطربة جرّاء انتشار فيروس كورونا المستجدّ. كلّ لوحة فيها دعوة الى اكتشاف الذات الإنسانية من خلال أسلوب كريستل المميّز والذي يضجّ بالألوان المعبّرة وتناقضاتها، طارحةً أسئلة مصيرية حول الحبّ والحياة والقيم الإنسانية. في هذه المقابلة الشيّقة، تتحدّث الفنانة بشغف عن مجموعتها وعشقها الأبديّ للفنّ.
- من هي كريستل بشارة الرسّامة والإنسانة؟
لطالما كان الفنّ القوة التوجيهية في حياتي. الفنّ حاجة إنسانية أساسية للتعبير عما في قلوبنا وعقولنا. فيختار بعض الناس التعبير بالكلمات أو بالموسيقى أو بالرقص، أمّا أنا فأفعل ذلك من خلال لوحاتي حيث أترك مشاعري وأفكاري تنطلق بحرّية على القماش. عندما أُمسك الفرشاة بيدي، أتحرّر من مخاوفي وهمومي ومشاكل الدنيا. أنا ما أنا عليه اليوم، لأنني تمكّنت من التعبير عن نفسي من خلال فنّي. فالإنسانة التي طوّرتها فيّ حتى اليوم، لما كانت موجودة لولا الفنّ الذي أمارسه وأعبّر عن نفسي به.
- كيف تحدّدين أسلوبك في الرسم، خصوصاً أنك تستخدمين الدمج بين التصويري والزيتي؟
تتعرّفين على أسلوبي الفنّي بشكل أفضل من خلال الأنماط الديناميكية والألوان التعبيرية باستخدام طلاء الأكريليك والزيت على القماش لتصوير المشاعر.
عندما كنتُ أبحث عن هذا الأسلوب الجديد، وجدتُ نفسي مفتونةً بأمثلة عدّة عن كيفية استعارة أيقونات الموضة من أساتذة الفن العظماء لإنشاء تصاميم وملابس تتحدّى كل القناعات. من هنا، ابتكرتُ ملصقاً مصنوعاً من أقمشة ولوحات أزياء مبدعة تحولت إلى نمط جميل ومتناقض ثم أدمجته في لوحاتي. لقد وجدت هذه العملية شاعرية الى حدّ كبير، فشعرت أنني أكملت دائرة جميلة عن جوهر هذه التصاميم الذي انتقل من الرسم إلى الموضة فالرسم مجدّداً.
- تبتكرين في لوحاتك الفرح والحرية، وتستخدمين لذلك الألوان القويّة والمعبّرة، أخبرينا أكثر؟
إنّ عالمنا جميل لأنه متنوّع ومليء بالتباين. أحاول جاهدةً أن أسلّط الضوء على هذا الجانب من خلال أعمالي الفنية وأُظهر أن اختلافاتنا هي التي تجعلنا فريدين وخالدين. يجب أن نتبنى هذه الاختلافات ونفتح قلوبنا على التسامح والاندماج.
- ما الذي يلهمك أكثر؟
الإلهام يأتي من تفاعلاتي اليومية مع العالم والطبيعة. أُحدّد عموماً الموضوعات التي تحرّكني وتؤثّر في مشاعري. كما أقضي وقتاً لا بأس به في البحث عن الفنانين، سواء كانوا أساتذة معاصرين أو من الجيل القديم. ولن أفوّت فرصة للذهاب إلى المعارض الفنّية والمتاحف في كل مكان أتواجد فيه، وعلى الرغم من أنني أستمتع بفعل ذلك، أعتقد أنه يؤثر بشكل غير مباشر فيّ وفي أعمالي الفنية.
- الأسفار هي أيضاً وحي لك، ما المدينة التي توحي لك أكثر؟
أختار بين باريس وأمستردام. إذ تتمتّع كلتا المدينتين بتاريخ فني عريق يعود إلى قرون عدة، وهي تجربة تستحق الاكتشاف. تشتهر باريس بتنوّع في طبقات فنّها، من متاحفها الفخمة إلى أحياء الفنانين الكلاسيكية مثل مونمارتر، حيث يمكنك قضاء بعض الوقت مع فنانين موهوبين تبنَّوا أسلوبَ حياةٍ بسيطاً وخالياً من الهموم.
- بمَن تأثّرت مِن الفنانين الكبار؟
لطالما شعرتُ بالإلهام من أعمال الفنانات العظيمات، ولا سيما فريدا كاهلو ومارغريت كين وميريام شابيرو وجودي شيكاغو. لقد لعبن دوراً كبيراً في إنشاء مشهد فني للنساء، حيث مررن بصراعات هائلة لأخذهن على محمل الجد كفنانات. تُلهمني حقيقة أنهنّ تمكنّ من جعل الفن متاحاً لجمهور أوسع، لأن عملهنّ لا يتطلب من شخص الوقوف بين الجمهور وشرح عمل فنّي.
لن أكون منصفةً، إذا لم أعترف بالتأثير الذي تركه هنري ماتيس وعمله فيّ. إنه مايسترو الألوان الأعظم على الإطلاق. إنه مصدر إلهام عبر الثقافة لدرجة أنني أشعر أحياناً أنه لم يُمنح ما يكفي من التقدير. اللوحات الملوّنة التي ابتكرها هي الأساس لما نعتبره الآن معايير جمال في العديد من الصناعات، سواء في الموضة أو الهندسة المعمارية.
- سافرتْ لوحاتك إلى معارض عدّة حول العالم: باريس ودبي والبندقية وطوكيو ودلهي وتكساس وأمستردام وزوريخ وهونغ كونغ وسيدني واسطنبول وغيرها... هذا التجوال ماذا أضاف الى مسيرتك الفنّية؟
لقد عزّز هذا الأمر بالتأكيد شعبية فنّي وأبرزه دولياً. كانت الاستجابة التي لقيتها خلال هذه الجولة ساحقة، وأشعر بحافز أكبر لمواصلة إنتاج الفن في الخارج.
- أحداث العام الماضي المضطربة في العالم، ألهمتك الكثير من اللوحات المشجّعة على إيجاد الأمل من الداخل؟ كيف أوحت لك كورونا المزيد من الفنّ؟
حسناً، لقد كان العام الماضي صادماً للغاية بالنسبة الى العالم بأسره، ومن المحتمل أن نحتاج الى السنين المقبلة لنتخلّص من الصدمة العاطفية التي أصابتنا خلاله. على المستوى الشخصي، كان من المزعج رؤية العالم يصل الى طريق مسدود وعدم القدرة على التنبّؤ بما سيحدث بعد ذلك. لقد وجدتُ ملاذاً في الاستوديو الخاص بي، وحاولتُ أن أنكبّ على عملي وفني حتى أتمكن من تحويل كل قلقي ومخاوفي إلى شيء مثمر وخلاّق. وجدتُ نفسي أيضاً أستخدم السكون والهدوء في هذه الأوقات العصيبة لأتعمّق فيها أكثر، وأصبّ مشاعري وأفكاري على القماش.
ما وجدته أيضاً مدهشاً هو الشعور بالاتحاد مع الناس والتعاون بين الجميع. لقد مررنا بهذا الوقت معاً، وحاولنا الحفاظ على أمان بعضنا البعض، فمن الملهم جداً أن أكون جزءاً من هذه السلسلة البشرية المتضامنة.
- هل الرسم علاج؟ وكيف يمكن مواجهة اليأس والخوف واللاطمأنينة بالفنّ؟
لقد وجدتُ دائماً أن الإبداع الفنّي هو تمرين علاجي للغاية. في هذا العصر الرقمي، حيث يتم قصفكِ باستمرار بالمعلومات الخاطئة والوسائط التي من المفترض أن تُشعركِ بالدونية، من الضروري بشكل أساسي أن تُطفئي أجهزتك وتصبّي طاقتك في لوحة رسم. نحن نحتاج إلى منافذ للتخلّص من مخاوفنا ومعالجتها. لا يكون هذا ممكناً إلا إذا انغمسنا في دوافعنا الإبداعية وسمحنا لها بالتحكّم بنا لمرّة واحدة.
ستكون نصيحتي دائماً هي العثور على منفذكِ الإبداعي، قد تكون الكتابة أو الرسم أو حتى الخربشة، والأهمّ هو الالتزام به حقاً. اقتطعي بعض الوقت كل يوم واتركي نفسك في عالم من ابتداع خيالك.
- سمّيت مجموعتك الأخيرة من اللوحات على اسم قصيدة ملحمية من أوائل القرن الخامس الميلادي للشاعر اللاتيني برودينتيوس: "سايكوماكيا" Psychomachia، ماذا عنها؟
نعم، هذا صحيح. أطلقت على مجموعة لوحاتي الأخيرة اسم قصيدة ملحمية من أوائل القرن الخامس الميلادي للشاعر اللاتيني برودينتيوس. تعتبر الموضوعات والأفكار التي تم استكشافها في هذه القصيدة،
Psychomachia، من أكثر الأعمال تأثيراً في القصة الرمزية في العصور الوسطى، فهي خالدة مع وجود العديد من الأبيات ذات الأهمية الكبيرة حتى الآن. هذه المجموعة هي أيضاً اكتشاف للمعركة بين الخير والشر وكل ما هو بينهما. كل لوحة هي دعوة للاكتشاف الذاتي. مستوحاة من الأساطير اليونانية، تأخذ هذه المجموعة مشاهديها في رحلة في داخلها، وتصوّر اللّوحات شخصيات وخرافات أسطورية في ضوء جديد، من منظور سيترك للمشاهد لذّة طرح أسئلة مؤثرة عن الحياة والحب والقيم والحالة الإنسانية.
- لوحاتك تعتمد على المرأة، وكأني بالمرأة في لوحاتك مصدر الحياة ومحورها... كيف تنظّمين أوقاتك وتوفّقين بين مهامك كزوجة وأمّ وعملك كفنانة؟
لقد كان دعم زوجي المذهل والمستمرّ أمراً حاسماً في الحفاظ على توازن حياتي. بوجوده كشريك، يمكنني تحقيق التوازن بنجاح بين وقتي في الاستوديو وفي المنزل مع زوجي وطفلَيّ. كفنانة، من المهمّ للغاية أن يكون لديكِ مساحة خاصة بكِ مخصّصة فقط للعمل على فنّك، بلا تشتتات وانقطاعات. أنا محظوظة بما يكفي لامتلاك استوديو فني جميل خاص بي يساعد أيضاً في إنشاء حدود بين حياتي العائلية وعملي كفنانة.
- ماذا علّمتِ طفليك عن الفنّ؟
الفن أمر ورثته. كان والدي الراحل فناناً ونحّاتاً سوريالياً، وقد نقل لي هذا الفنّ كإرث جميل وهدية أبدية. لقد نشأت وأنا محاطة بالفن الذي قدّرته في وقت مبكر جداً. حتى عندما كنت طفلة، كنت دائماً أتشجّع على التعبير عن نفسي وطرح الأسئلة واتّباع دوافعي الإبداعية. هذا شيء أدرجته في تربيتي لطفليّ أيضاً. في معظم فترات بعد الظهر، أتركهما معي في الاستوديو، حتى يتمكّنا من التعبير عن نفسيهما بأي طريقة يشعران بها، وليلحقا فضولهما وروحهما الإبداعية. من المهم أن يشعر الطفل أنه يستطيع التعبير عن نفسه من دون قيود، حتى عندما يكبُر يصبح فرداً يتمتّع بالتفكير الحرّ ولا يخاف من أن يكون على طبيعته ويحتضن عواطفه.
- كلمة أخيرة...
أنا متحمّسة لأن يرى الناس مجموعتي الجديدة Psychomachia. وهي معروضة على الموقع الإلكتروني الخاص بي:
https://www.atelierkristel.com.
على هذا الموقع، أحتفظ بيومياتي التي يتمّ تحديثها أسبوعياً، وأناقش الموضوعات التي سيجدها هواة الأعمال الفنّية أو الفنانون مناسبة ومهمّة.
أخيراً، آمل أن يبقى الجميع سالمين، وأن يأخذوا هذا الوقت للتعبير بشكل خلاّق عن أنفسهم واكتشاف نواحٍ جديدة في أنفسهم.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024