تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

باكو رابان... نقطة قوتي حسابي في البنك

لا يمكن لمقابلة صحافية أن تكون أكثر ظرفاً ومرحاً وعفوية مثل مقابلتي هذه مع المصمّم  باكو رابان. في باريس، وخلال لقاء جمعني به لمناسبة إطلاقه عطراً نسائياً جديداً هو Lady Million ، كشف رابان عن انحيازه الكبير إلى المرأة التي «لولاها لكان العالم جافاً حتى التآكل». وأعلن المصمّم الثوري، في جلسة صباحية استثنائية طبعها مزاجه «الرايق»، ان موضة المعدن التي كان أوّل من أطلقها في أزيائه الراقية، انتهت. وقال إنه لو طُلب إليه أن يعود الى تصميم الأزياء اليوم، لأطلق تصاميم بأقمشة تقنية حديثة ورسوم مطبّعة متحرّكة: ورود تتفتّح وعصافير وفراشات تطير. وهو ما يثبت ان باكو رابان ما زال حتى الساعة، ورغم انسحابه من ساحة تصميم الأزياء، أفضل من عرف التطوّر التكنولوجي والتقني، وأجاد ترجمته في الموضة.

- مع العمر والوقت يتغير المرء، من هو باكو رابان اليوم بجملة واحدة؟
أنا ابن هذه الأرض. أشعر بانتمائي الكبير إليها، أينما حللت.

- أي فصل من فصول السنة يعكس شخصيتك؟
إنه فصل الشتاء. أحبّ هذا الفصل الذي تنام فيه الأرض وتحضّر داخلاً شعلة العودة الى فصل الربيع. وهو ما يطلق عليه إسم «القيامة»، أو «الولادة من جديد».

- ... نقطة قوّتك؟
(يضحك) حسابي في البنك.

- عيبك الأكبر؟
عيبي الأكبر أنني لا أجد في نفسي عيوباً! (يبتسم).

- لا يمكنك أن تتحمّل...
الغباء الإنساني.

- لون يشبهك...
الأسود. لأنه يحتوي على كل الألوان.

- ما هي وصفتك الخاصة لطرد الكآبة؟
لم أقع يوماً في حفرة الكآبة. الواقع انه ليس لديّ الوقت كي أكتئب.

- ما الذي يفرحك؟
زقزقة عصفور. صحيح انني أعيش في باريس، لكنني أملك منزلاً للصيادين قرب البحر في مقاطعة بريتانيا الفرنسية.

- مع الوقت تعلّمت...
الإنتظار والإصغاء.

- ندمُك الأكبر...
ندمي أنني لم أندم على شيء من قبل! في كلّ مرة كنتُ أنوي القيام بشيء، كان الله يسهّل لي تحقيقه. كنت شاباً يافعاً فقيراً ومغموراً، وطلبت من الله أن أكون مشهوراً وغنياً، وقد أعطاني الله ما طلبت منه. وأحمده على ذلك.

- سؤال يعود إليك دائماً...
لا أطرح على نفسي أسئلة. أؤمن إيماناً قويّا بالله سبحانه وتعالى. وإيماني هذا يجنّبني طرح الأسئلة. أؤمن بالله القائم فيّ وفي الطبيعة وفي كل من حولي وكلّ ما يحيط بي. لا أنتظر شيئاً بعد، وأكتفي بالصلاة والعيش مع الله. وهذا ليست ديانة أتبعها، فأنا مسيحي ومسلم وبوذي أيضاً، وقد وجدتُ في كل ديانات العالم شيئاً من الحقيقة التي أبحث عنها.

- أهي الموهبة وراء نجاحك الكبير أم الحظ؟
لا وجود للحظ إلا عندما نناديه! إنها مسألة شغف وذبذبات إيجابية، لعبة رائعة تجعل الحظ يقترب منك، أو يبتعد عنك. الغرور مثلاً ذبذبات سلبية تبعد الآخرين عنّا.

- إلى أي مصمّم تعهد بدار باكو رابان لتعيد إطلاقها؟
موضة باكو رابان انتهت، وأقفلتُ داري للأزياء بعدما رأى شركائي أنني صرت عجوزاً غير قادر على إطلاق المزيد من المجموعات، فانسحبت لأتقاعد من الأزياء وأتفرغ للعطور. لا يمكنني أن أعهد بداري لأي مصمّم كي يعيد إطلاقها، خصوصاً بعدما رأيت بأم العين ماذا فعل مصمّمون شباب بدور أزياء راقية كبرى. لكنني أعرف أن الأمر سينتهي ذات يوم على هذا النحو: ستعهد دار باكو رابان للأزياء إلى مصمّم مجنون شاب هستيري يعيد إصدار تصاميم أطلقتها قبل أربعين عاماً، يمسخها ويدّعي أنه استمرار لي!

- في السابق أطلقت موضة المعدن في الأزياء الراقية، أي مادة عصرية كان يُمكن أن تُدخل اليوم إلى عالم الأزياء؟
لو كنتُ اليوم في مجال تصميم الأزياء، لما اشتغلت المعدن لأنه لم يعد على الموضة، ولأطلقت أزياء بأقمشة تقنية حديثة من الفيبر ومادة الفيستو ليكيد التي تسمح بتغيّر لون الفستان حسب حرارة الطقس، وأقمشة تقنية مطبّعة برسوم بحركة مستمرّة، ورود تتفتّح وعصافير وفراشات تطير... يمكن تطبيق ذلك، صدّقيني.

- غلطة أناقة لا يمكن أن تغفرها...
لا يمكنني أن أغفر لامرأة تتبع الموضة بجنون. هذا فظيع! على المرأة أن تنظر الى المرآة وتقول هذه أنا، وتختار من الموضة ما يليق بما هي عليه، وما يناسب تبدّل أمزجتها. الموضة هي لوحة ألوان منوّعة، وعلى كل امرأة أن تختار ما يلائم أسلوبها ومزاجها.

- ما هو أفضل اختراع في العالم بالنسبة إليك؟
المرأة. لولاها لكان العالم جافاً حتى التآكل.

- كيف يمكن المرأة أن تعرف أي عطر يناسبها؟
عليها أن تتبع حدسها وتختار بذكائها العاطفي، العطر الذي يلائمها. فالمرأة معروفة بأنها تشغّل قلبها وذكاءها العاطفي، لذا فهي بالنسبة إليّ أذكى من الرجل الذي يعتمد فقط على عقله، ولا شيء غير عقله. المرأة هنا تتفوّق على الرجل.

- يبدو أنك متأثّر كثيراً بوالدتك، لذا نجدكَ منحازا إلى المرأة بشكل عام؟
صحيح، أنا فعلاً منحاز إلى المرأة. فقد ربّتني أربع نساء: جدّتي التي تعشق الماورائيات وأمي الخيّاطة لدى دار بالانسياغا، وشقيقتي المناضلة بشغف، وشقيقتي الأخرى والثانية المنحازة إلى أمور المرأة حدّ التطرّف، وهي كانت راقصة فلامنكو... كلّ ذلك في غياب الوالد الذي توفي في الحرب، ولم أعرفه أبداً.

- ما هي الرائحة المفضّلة لديك؟
(يبتسم) رائحة العرق المتصبّب من بعض الشقراوات.

- هل العطر ضرورة أم ترف؟
في القرون الوسطى كان العطر يستخدم لإخفاء روائح الجسد الكريهة. أما اليوم، فقد بات ضرورة في معركة الجاذبية القائمة بين المرأة والرجل. فالمرأة لا يمكن أن تسيطر على الرجل من دون عطر جذاب، وهو سلاحها الفاعل. كذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل. ودعيني أذهب الى القول إن العطر هو هذه الهالة «المقدّسة» التي تحيط بأجسادنا، إذاً هو ترف ضروري...

- وما هو سر العطر الناجح؟
العطر الناجح هو الذي يجعل المرأة سعيدة عندما تضعه. كل امرأة هي عالم قائم بحدّ ذاته، لديها أوقات فرح، كما لديها أوقات حزن. وهذه الأوقات هي ما يطلق عليه اليابانيون Yin & Yang. والعطور نوعان: عطور اليين، ذات الروائح الثقيلة التي تعتمد على العود والباتشولي، وعطور اليان التي تعتمد على روائح الأزهار الناعمة والخفيفة والتي تبشّر بالفرح.

- هل يزيد العطر جاذبية المرأة؟
طبعاً، العطر عامل أساسي من عوامل الجاذبية. ولطالما كان الهدية الأثمن عبر التاريخ، هدية الملوك والأمراء.

- أي عطر من مجموعة العطور التي أطلقتها دار باكو رابان، الأقرب إلى قلبك؟
طبعاً هو العطر الأول Calandre، كذلك العطر الأخير Lady Million.

- وأي عطر تضع اليوم؟
أضع عطر XS من باكو رابان Paco Rabanne، فهو عطر يناسبني ويشبهني. وان مليون One Million هو عطر الرجل الشاب الجذّاب، وأنا لستُ جذّاباً ولا شاباً (يبتسم).

- هل أنت وفيّ لعطر واحد؟
طبعاً لا. وحدهم الأغبياء أوفياء لعطر واحد أو مصمّم واحد.

- (ممازحة) وماذا عن الوفاء لرجل واحد؟
الرجال صنف غبيّ يفعلون ما يفعلون، لا يهمّ!!! هناك صنف بشريّ واحد يتمتّع بالرقي والذكاء والإحساس العالي، هو المرأة. (يبتسم).

- هل في إطلاق عطرك النسائي الجديد Lady Million في عزّ الأزمة الإقتصادية العالمية، مجازفة؟
على الإطلاق. فقد أطلقنا قبل سنتين عطر وان ميليون One Million للرجال وكان ناجحاً جداً، خصوصاً أنه يتّخذ من سبائك الذهب شعاراً له. والذهب كما نعلم، هو في الحرب والأزمات، الضمانة المالية الوحيدة التي تحافظ على قيمتها. وها نحن اليوم نطلق عطراً جديداً من الذهب أيضاً Lady Million للنساء، ويُتوقّع له نجاح كبير.

- الحياة لك...
إنها مذهلة، رائعة، مدهشة، لا مثيل لها ولا تقارن بشيء آخر الى حدّ ان الإنسان لا يفهمها فيروح يخضع لها. شخصياً لا أخضع للحياة، بل أعيشها كما هي. لقد علّمتني جدّتي أن أستفيق صباحاً قبل الشمس، لأستقبلها بنشاط كامل وأشكر الله على يوم جديد.

- نجاحك الأكبر...
لنقُل انني نجحت في إيجاد عمل أحبه. كل هذه الفساتين التي صنعتها كانت لي مصدر لذّة حقيقية وفرح كبير، خصوصاً انني كنت أريد أن أصبح مهندساً معمارياً، ثم تبعتُ شغفي وصرتُ مصمّم أزياء.

- ماذا على المرء أن يفعل كي يكون صديقاً لباكو رابان؟
أن يجيد الإبتسام، ابتسامة مثل ابتسامتك هذه (يبتسم).

- ذكرى من طفولتك لا تنساها...
أذكر كنا أطفالاً عندما انهمر القصف كثيفاً على غرنيكا في إسبانيا. كانت تلك الذكرى أول عهدي بالحرب.

- من هو فنانك المفضّل (رسّام أو نحّات أو مغنٍ)؟
يتغيّر ذوق المرء، مثلما يتغيّر  اتجاه الهواء. فهو حيناً هواء عليل، وأحياناً أخرى عاصف. وهكذا فان ذوقي الفنّي يتغيّر حسب مزاجي والحالة النفسية التي أعيشها.

- الرحلة التي كنت تتمنى أن تقوم بها...
قمت بنحو 48 جولة حول العالم، والأماكن الوحيدة التي لا أحبّها هي الأماكن التي تشبه الجنّة على الأرض مثل جزر تاهيتي، لأنها مليئة بالحشرات المزعجة... (يضحك).

- تاريخ لا تنساه...
هناك تواريخ عدّة مهمّة في حياتي، لا يتّسع الوقت كي أعدّدها.

- سيرتك الذاتية عنوانها...
 «حياة» Une Vie. فأنا لست أكثر من غيري، ولا أقل. ليس لديّ حبّ الأنا. وقد أمضيت حياتي في العمل مثل حيوان خدوم، والصلاة مثل راهب متنسّك.

- هل أنت سعيد، أو بالأحرى هل عرفت السعادة؟
(يبتسم) من هو الغبيّ الذي يمكن أن يدّعي أنه سعيد؟! وفي الوقت نفسه لا يمكنني أن أقول إنني بائس.

 

- ماذا تقول لهؤلاء المصمّمين:

  • كارل لاغرفيلد...حظاً سعيداً!
  • جورجيو أرماني...أعشق تصاميمك!
  • جون غاليانو...عليه أن يفجّر جنونه في مجال آخر غير تصميم الأزياء!
  • مارك جاكوبس... أحترمه كثيراً لأنه يعمل بجدٍّ بموهبة متواضعة.
  • كريستيان لاكروا...هو أفضل مصمّم أزياء باريسي رغم انه يحمل إسم مسحوق تنظيف!
  • كريستيان لو بوتان... ما يقوم به رائع.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079