تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ماريون كوتييار الفرنسية حاصدة الجوائز:

لا يمكن أن ترفض دعوة لمحاورة الممثلة الفرنسية ماريون كوتييار، مع معرفتك بكلّ الضجيج الإعلامي والفنّي الذي شغل الصحافة العالمية قبل سنتين عن دورها في فيلم La Mome الذي حصدت عن تجسيدها فيه شخصية المغنيّة الفرنسية الأسطورة إديت بياف، كبرى الجوائز العالمية. تدفعك حشريتك الصحافية الى ركوب الطائرة الى باريس، حيث تطلق دار ديورDior  نسخة جديدة من حقيبة لايدي ديور Lady Dior الشهيرة وتعرض فيلماً للمناسبة من إخراج ديفيد لينش وبطولة كوتييار. تركب الطائرة الى عاصمة الأناقة والفنون الراقية، فتسبقك الأسئلة الى المقابلة الموعودة: من هي ماريون كوتييار؟ ما هي نقطة ضعفها؟ بماذا تتفاءل؟ وما الذي يلهمها؟ وأيّ مهنة كانت لتختار لو لم تكن ممثلة؟

 

قبل أن أبادرها بأسئلتي، بادرتني كوتييار بالقول:
«زرتُ بيروت... وأحببتها. أحتفظ من زيارتي تلك بذكريات رائعة. لبنان فائق الجمال. بلد استثنائي بتعدّديته وتنوّعه وانفتاحه. همزة وصل بين حضارتين: شرقية وغربية. لكنني لم أكن يوماً في دبي المدينة الصحراوية الأنيقة بحداثتها وعصرنتها، رغم انني قرأت الكثير عنها وأتمنى أن أزورها قريباً».

- ما الفرق بين ماريون كوتيار قبل فيلم «La Mome» وبعده، على الصعيدين المهني والشخصي؟
بعد فيلم «La Mome»، الأحلام التي كانت لي سابقاً، شرّعت نوافذها على الواقع... فبتّ أكثر إيماناً أن لا مستحيل تحت الشمس. كلّ الأشخاص الذين تمنّيتُ أن أعمل معهم، كذلك اللقاءات المهنيّة التي حلمتُ أن أقوم بها قبلاً، صارت واقعاً. قبل الفيلم كان لديّ رغبات سينمائية وطموحات ومشاريع وأفكار كثيرة للمهنة التي أُحب، وقد سرّع نجاح الفيلم من تحقيق هذه المشاريع والأفكار والأحلام. بعد هذا الفيلم، لم يعد لديّ قلق حادّ لإشباع طموحاتي واختفت علامات استفهام عدّة، ووجدتُ الباب مفتوحاً أمامي للعمل في مشاريع مهمّة مع أشخاص مهمّين جداً أمثال المخرج الأميركي ديفيد لينش وغيره.

- هل صرتِ بعد نجاحك في هذا الفيلم، أكثر ثقة واعتداداً بنفسك وبالتالي أكثر تطلّباً؟
الواقع أنني لطالما كنت متطلّبة جداً وصارمة جداً مع نفسي في هذه المهنة.

- حزتِ جائزة «غولدن غلوب» و«بافتا» و«سيزار» و«أوسكار» دفعة واحدة، في سنة واحدة، عن فيلم واحد... كل هذه الجوائز، هل تُصعد البخار إلى الرأس؟
لم يحصل ذلك، ولا أشعر أنني مميّزة بسبب هذه الجوائز. كلّ الأشخاص الذين أكنّ لهم الإعجاب والتقدير  في هذه المهنة، عرفوا نجاحاً أوسع من نجاحي بكثير ولم يصعد البخار إلى رؤؤسهم! الغرور مقبرة الموهبة، ولن أدفن موهبتي في الغرور...
كذلك فأنا معجبة جداً بأشخاص يكرّسون حياتهم لخدمة الآخرين مثل أولئك النساء الملهِمات الحائزات جوائز نوبل للسلام: المحامية الإيرانية المناضلة من أجل حقوق الإنسان شيرين عبادي والكينية وانغاري موتا ماتاي التي ساهمت في تحقيق السلام والديمقراطية والتنمية المستدامة حيث الفقر والقهر عنوانان رئيسان، وزعيمة المعارضة في بورما المناضلة من أجل الحرية آونغ سان سو تشي. وهؤلاء لا يتفاخرن ولا يتباهين، بل يعملن بصمت، وهو ما أقدّره فيهنّ.

 - التقدير الكبير الذي عرفته موهبتكِ الفنّية، هل غيّر نظرتك إلى هذه المهنة؟
إن نظرتي إلى هذه المهنة تغيّرت بعد التقدير الذي عرفته، فتفتّحت على أمور لم أكن أعرفها أو أحلم بها كممثلة أو إمرأة! كلّ شيء صار ممكناً. وهذا لا يعني أنني أطلب المزيد من النجاح أو الجوائز أو الأدوار المميّزة، لكنني من دون شك، أطلب المزيد من الإنفتاح على أدوار ثقافية وانسانية جديدة ومختلفة.

- لعبتِ دور المغنية الفرنسية إيديت بياف، هل هناك شخصية تاريخية أخرى تحبين أن تجسّديها في السينما؟
ليس بالضرورة أن أجسّد شخصية تاريخية رحلت، فهناك شخصيات عدّة تركت بصماتها في التاريخ، ولا تزال على قيد الحياة، مثل الكينية وانغاري موتا ماتاي وغيرها. لديّ رغبة كبيرة في الوقوف وراء الكاميرا هذه المرة، كي أنسج قصص نساء عاديات عشن حياة خارقة وحقّقن الكثير.

- هل الموهبة والجمال الجذّاب هما عنصران متلازمان في مهنة التمثيل؟
نعم إذا اعتبرنا أن في الموهبة الحقيقية، جاذبية جميلة. ففي الموهبة، تعطي الممثلة  والممثل كل ما عندهما من أجل مغامرة. وكل دور هو مغامرة جذابة، يكون الشغف الدافع الأساسي وراءها. كل ما نقوم به بشغف، تسوده جاذبية قوية.

- تبدين امرأة حسّاسة وضعيفة جداً لكنك في الوقت نفسه تتمتّعين بشخصية قوية. وتميّزت بتجسيد شخصيات نسائية إستثنائية يطغى جمالها الداخلي على جمالها الخارجي. هل أنت كذلك في الحياة؟
( تضحك)، هذا صحيح، فأنا من الأشخاص الذين يخبئون وجوهاً عدّة مثلما يفعل كلّ منّا. فأنا تارة قوية، وطوراً ضعيفة. وتارة مغامِرة وطوراً محافظة. وهذا لبّ التراجيديا التي يعيشها الكائن البشري. لا يمكننا أن نفصل فصلاً تاماً بين وجوهنا المتعدّدة. كل المغامرات التي عشتها كانت بالنسبة إليّ مصدر إلهام وغنى لشخصيتي الفنية. وأرى في كل عمل سينمائي جديد مغامرة جديدة وتجربة فريدة. وها هو عملي اليوم مع ديفيد لينش في فيلم Lady Blue الذي أنتجته دار ديور، مغامرة إضافية تضاف إلى رصيدي الفني. أعتبر نفسي محظوظة لأن كل الذين عملت معهم لديهم قاسم مشترك مهمّ وهو شغفهم الكبير بهذه المهنة الذي صنع نجاحهم وتميّزهم. وهو شغف لا يسعني إلا أن أحترمه وأُجلّه. وديفيد لينش قدّم في فيلم Lady Blue رؤية جديدة يحرّكها شغفه الخاص بدار ديور المبدعة وتصاميمها الأنيقة.

- ما الذي ألهمك في فيلم «Lady Blue»؟
لقد كتب ديفيد لينش سيناريو الفيلم كي يطغى عليه الطابع الفني الحديث. وهو سيناريو وضعنا في أجواء خاصّة مشحونة بالطاقة في شانغهاي، المدينة الصينية التي لا تنام. كذلك فعلت تصاميم جون غاليانو المبدعة. إن اجتماع لينش وغاليانو لإنتاج هذا الفيلم، وهما شخصيتان غنيتان ومركّبتان ومبدعتان، وملاحظاتهما خلال التصوير كانت مصدر إلهام لي.

- لو لم تكوني ممثلة، أي مهنة كنتُ ستختارين؟
لو لم أكن ممثلة، لاخترت أن أكون امرأة ملتزمة قضايا إنسانية تُعنى بالطفولة، ولعملت مع الأطفال عن قرب، وهم مصدر سعادة كبرى لي.

 

- ما هي نقطة قوتك كامرأة؟
قوتي في اتزاني.

- وما هي نقطة ضعفك؟
الخوف الذي يرافقني دائماً.

- وممَ تخافين؟
(تبتسم) لديّ مخاوف عدّة. الأمر معقّد، ولا أظنّ ان لديكِ متّسعاً من الوقت لشرحه.

- بمَ تتفاءلين؟
ليس لديّ أشياء معيّنة أتفاءل بها، هناك كتب معيّنة ترافقني أينما ذهبت وأحتاج أن أعود إليها باستمرار، مثل كتاب،Art,Vérité et Politique: Conférence du Nobel للكاتب هارولد بينترHarold Pinter

- من هي ماريون كوتييار بكلمة واحدة؟
إمرأة بكل معنى الكلمة.

- فضّلت التزامك البيئي على عقود عمل بملايين الدولارات. كامرأة صاحبة اقتناعات معيّنة، هل تذهبين دائماً بعيداً في التزاماتك؟
أفضّل أن أكون متصالحة مع نفسي ومع اقتناعاتي في ما يتعلق بعقود العمل التي أُبرمها، لذا لا يمكنني أن أقبل عقد عمل مخالفاً  للقضايا التي أؤمن بها، خصوصاً قضايا البيئة الغالية على قلبي. لا يمكنني أن أسوّق لمستحضرات لا تحترم البيئة. لقد نمّى والداي فيّ الحسّ البيئي واحترام الطبيعة ومقوّماتها منذ النعومة، وعلّماني أن أحسب دائماً الوقع الذي ستتركه تصرّفاتي وأعمالي على الطبيعة حولي. لطالما حرّكني موضوع حماية البيئة فانتفضت لمحاولات تدميرها من قبل شركات كبرى لا يهمّها سوى الربح المادي.

- هل لديك إلتزامات إنسانية أخرى، الى جانب التزامتك البيئية؟
إلتزامي الأساسي هو الإنسان، وأنا أقدّر كثيراً أنني أعيش في بلد مثل فرنسا يحترم حريّة الرأي وحقوق الإنسان. وقد تعلّمتُ باكراً أن حريتي تتوقّف حيث تبدأ حرية الآخر.

- إرتبطت بعلاقات شخصية مع فنانين وممثلين. ما هي إيجابيات أن نتقاسم حياة شخصية مع شريك من المهنة نفسها؟ وماذا عن السلبيات؟
من التعقيد بمكانة الإجابة على هذا السؤال، خصوصاً انني أرفض الإجابة على الأسئلة التي تمسّ بحياتي الشخصية. ولكن يمكنني القول أنني حريصة على اختيار الشريك الذي يتمتّع بغنى داخلي وعمق فكري. فهكذا علاقات تزيدنا غنى.

- تعتبرين من الممثلات ذوات الأجر الأكثر ارتفاعاً في فرنسا، فهل غيّر المال أولوياتك؟
(تضحك عالياً) ليتني كنتُ من الأعلى أجراً!!! أحب كثيراً أن أكون كذلك!

- الواقع ان هذا ما نشر عن وضعك المالي في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية.
لكن الواقع بعيد جداً عما كُتب ونشر! لستُ الأعلى أجراً، ولم أعمل يوماً من أجل المال ولم أضع المال نصب عينيّ لدى اختياري أي دور من الأدوار التي أدّيتها. أولوياتي كانت ولم تزل لإلتزامي بالفن للفن. ولا يمكنني أن أقدّم تنازلات في خياراتي فقط من أجل حفنة إضافية من المال. إذا لم أقتنع بالدور، أرفضه ببساطة. فأنا لست روبوتاً يمكن برمجته لتأدية هذا الدور أو ذاك من دون إحساس أو اقتناع داخلي بالدور نفسه. أنا من المؤمنات أن علينا أن نتعامل مع المال إذا توافر بطريقة ذكية، ومن المعجبات جداً بأنجيلينا جولي التي تستخدم الأموال الطائلة التي تكسبها لمساعدة أطفال في دول فقيرة في العالم. هذا ما أحب أن أقوم به إذا جمعت يوماً ما ثروة.

- في السينما جسّدتِ فرنسا الحب والشغف، فماذا تريدين أن تجسّدي لدى ديور Dior؟
ليس هناك شخصية محدّدة أريد أن أجسّدها لدى ديور، لكنني مدركة تماماً أنني وجدت مكاني في هذه الدار العريقة، وأنا سعيدة بذلك. أعتقد انني أجسّد الحريّة والإبداع الذي تمثّله هذه الدار .

- وأي رسالة تحملين للمرأة الأنيقة؟
الأناقة هي حرية اختيار الإطلالة التي نحب. ليس هناك أناقة مُنزلة فلتختر المرأة  أسلوب الأناقة الذي يليق بها.

-  ما هي حقيبة اليد التي يهتف لها قلبك لدى دار ديور Dior؟
(تبتسم) هناك الكثير من الحقائب التي تعجبني لدى ديور ولا يمكنني أن أعدّدها كلها!! أعشق حقيبة ليدي ديور الكبيرة الحجم من الجلد اللمّاع بلون البيج الكريمي.

- كيف تتّفقين كامرأة كلاسيكية مع جون غاليانو صاحب الأناقة الغريبة؟
لا أعتقد أنني كلاسيكية إلى هذا الحدّ! وصحيح أن غاليانو يعتمد على الغرابة لكن لديه أيضاً الكثير من الأزياء الواقعية التي تناسب المرأة العملية الأنيقة. وهذا التنوّع الغنيّ هو ما يعجبني لدى دار ديور التي تُقدّم الأناقة العاقلة، جنباً الى جنب مع الترف المبالغ فيه وهذا لا نجده في العادّة لدى دور كبرى أخرى. قوّة غاليانو الإبداعية هي في إجادته استلهام المرأة التي تمرّ في الشارع ليصنع لها أزياء تناسب أناقتها اليومية، كما في ترجمته أفكاراً إبداعية تداعب مخيّلته. لقد قلتُ في مرحلة سابقة من هذه المقابلة أن في داخل كلّ منّا وجوهاً متعدّدة، ومثلما تُقيم فيّ امرأة كلاسيكية، تُقيم فيّ أيضاً امرأة روك اند رول! 


في سطور

● ممثلة فرنسية ولدت في باريس في 30 أيلول  1975.
● شاركت في أعمال سينمائية عدّة نذكر منها فيلم تاكسيTaxi  وفيلم ألعاب الأطفال Jeux D'Enfants  والسمكة الكبيرة Big Fish وفيلم La Mome الذي يجسّد حياة المغنيّة الفرنسية الأسطورة إديت بياف والذي كرّس نجومية كوتييار عالمياً بعدما نالت عنه جائزة أوسكار أفضل ممثلة وسيزار  Césarأفضل ممثلة وجائزة بافتا   BAFTA  وجائزة غولدن غلوب Golden Globe.
● تمثّل منذ عام 2008 دار ديور للأزياء وتحديداً حقيبة لايدي ديور الشهيرة التي أعاد جون غاليانو إطلاقها بألوان وأحجام عدّة.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079