رنا أبيض.. في الوسط الفني يجمعنا العمل
رنا أبيض فنانة لها حضورها المحبب وأدواتها التعبيرية المميزة. أطلقت العنان لموهبتها بوعي ومصداقية لتحقق هواجسها ورؤاها الإبداعية وترتاد الآفاق الإنسانية في توق دائم ومستمر للإنعتاق نحو فضاءات أوسع وأرحب تعمق من خلالها فعلها الإبداعي، فنسجت خيوط مسيرتها الفنية بكل أصالة ودأب وإخلاص للفن ورسالته.
نقلت من خلال أدوارها نبض الإنسان وجسدت همومه وآلامه وعبرت عنه وعن دواخله وعوالمه الدفينة، لم تتقوقع ضمن إطار شخصية بعينها وإنما خاضت الأدوار الصعبة التي قد يتردد البعض في تجسيدها إيماناً منها بأن الفن رسالة إنسانية ومن الضروري تعرية الواقع والوقوف عند سلبياته وإيجابياته، فالفنان مؤتمن على تناول نبض المجتمع دون مواربة. نالت التقدير وحصدت جوائز، منها جائزة أفضل ممثلة دور ثانٍ في مهرجان القاهرة التلفزيوني عن مسلسل «لورانس العرب». واليوم تشارك رنا أبيض في تصوير عدد من الأعمال الدرامية، فهي «غرام» في مسلسل «ما ملكت أيمانكم» تلك الشخصية التي غاصت في أعماقها ونفدت إلى مسام جلدها لتعكس من خلالها معاناة وشراً دفيناً، أما في مسلسل «رايات الحق» فتذهب في اتجاه الدراما التاريخية لتؤدي شخصية معروفة في تاريخنا العربي والإسلامي... عديدة هي المحاور في حوارنا معها، ولتكن البداية من جديدها
- ما الذي يميز المشاركة في عمل تاريخي عن المشاركة في أعمال أخرى خاصة أنك جسدت مؤخراً شخصية «أم عمارة» في مسلسل «رايات الحق»؟
«رايات الحق»مسلسل من إخراج محمود الدوايمة وتأليف محمود عبد الكريم، وهو عمل يتناول واحدة من أهم فترات التاريخ العربي الإسلامي، حيث يروي كيف تم التوجه الى الناس وإقناعهم بقوانين الدين الذي وحد العالم. كما يرصد العقبات التي واجهها الإسلام والخلفاء الراشدون في نشر الدين الإسلامي أثناء الفتوحات. أما بالنسبة إلي فإنني أفضل المشاركة في عمل الحوار فيه باللغة العربية الفصحى ويحكي عن الثقافة الدينية والسياسية والعقلانية في الدين الإسلامي.
- ما محاور الشخصية التي تؤدينها في العمل؟
أؤدي شخصية «أم عمارة» وهي زوجة حمزة بن عبد المطلب عم الرسول (ص) الملقب بأسد الله الغالب، وهي من أوائل النساء اللواتي دافعن عن الإسلام وأفكاره وعن نبيه محمد (ص) في المعارك التي خاضها، فقد أسلمت أم عمارة عند ظهور الإسلام وشهدت مجموعة من الغزوات وشاركت في الحروب فترة صدر الإسلام، فكانت فاعلة وشجاعة فيها.
- ما الأدوات الفنية التي تعتمدين عليها لدى تجسيد شخصية تاريخية؟
مما لا شك فيه أنه لدى تأدية شخصية تاريخية أحاول أن أعيش تفاصيلها وأستحضر ظروفها وحياتها ومفرداتها لتحويل ما كُتب على الورق إلى لحم ودم وروح، وبالتالي تقديمها بشكل سلس.
انعدام الإنسانية
- ماذا عن دورك في «ما ملكت أيمانكم»؟
أجسد في العمل شخصية «غرام»، وهي امرأة تعاني من وباء اجتماعي منطلقه السبب المادي لانعدام الإنسانية وحب الاستغلال المرضي للنساء في مجتمعنا، فهي تلعب مع شركاء يدعمون وجود أشخاص مثلها للمساهمة في تدمير المجتمع من خلال استغلال ضعف المرأة.
- ما الذي سعيت لإبرازه عبر هذه الشخصية؟ وكيف بحثت عن مفرداتها؟
تناولت الشخصية بلغة «غرام» الخاصة التي تُظهر مقدار الراحة التي تعمل بها رغم كل ما يحيط بها، وما سعيت لإبرازه هو الأسباب التي كانت وراء وجود شخص مثلها فهي امرأة شأنها شأن الرجال الطامعين في استغلال الحاجة المادية للفتيات.
- كثيرة هي الأعمال التي باتت تدخل عوالم أكثر جرأة، فكيف تنظرين الى الجرأة؟ هل حقاً هي جرأة وغوص في عمق الواقع أم أنها علامة تجارية لتسويق العمل؟
هذا الأمر مرتبط بطريقة الطرح والموضوع المُثار، ومع من، ولماذا، وبأي صورة... فلدينا أعمال تجارية وأخرى تغوص إلى عمق الواقع لتسليط الضوء على آلام الناس.
- ما أعمالك الأخرى؟
هناك مسلسل «أقاصيص مسافر» للمخرج خالد الخالد، وتأليف زكريا تامر وإنتاج التلفزيون السوري. كما أقرأ عملاً مصرياً بعنوان «الثائرون نياماً» وهو مأخوذ عن رواية للأديب سعد مكاري، سيناريو وحوار مصطفى ابراهيم وإخراج محمد فاضل، وهو من إنتاج قطاع الإنتاج المصري.
المرأة اللعوب
- لماذا يصر المخرجون على إسناد أدوار المرأة اللعوب إليك؟
هذا الموضوع محصور بالنص المُقدم وبما يقدمه من أفكار وقضايا، سواء سلباً أو إيجاباً، والحقيقة أنني لعبت مختلف الأدوار.
- ألا تخشين حصرك ضمن هذه الأدوار؟
لا أخشى ذلك لأنني مدركة أنني من يتحكم في خطة عملي، والأمر يتوقف على مسألة العرض والطلب ويبقى الخيار بيدي. لكن الحظ يلعب دوره عند نجاح عمل ما بشخصية معينة فتترك بصمة لدى الجمهور وهنا التحدي أمام الفنان، أي كيف سيثبت نفسه في هذه الأدوار كلها. وسبق أن قدمت مجموعة من الأعمال التي تندرج ضمن إطار الجرأة اللفظية ومنها على سبيل المثال شخصية سلمون في «الحصرم الشامي» مع المخرج سيف الدين سبيعي، إضافة الى ما قدمته في مسلسل «شتاء ساخن» إخراج فراس دهني، وفي مسلسل «ما ملكت أيمانكم» إخراج نجدة أنزور. ولم أكن لأقبل تلك الأدوار لولا ثقتي بالمخرج وكيف سيقدمني في العمل.
- على ماذا تعتمدين في تجسيد تلك الأدوار، على المظهر الخارجي أم على الإيحاءات؟
هناك شخصيات تحتاج الى السطحية وشخصيات أخرى تحتاج الى المظهر الخارجي، وشخصيات تعتمد على الكلام والإيحاءات، وهناك شخصيات تتطلب هذه الأمور كلها. ويتحكم في هذا الأمر النص ورؤية المخرج في الجانب المطلوب إبرازه.
- إلى أي مدى يعتبر دور المرأة القوية أو الشريرة حافزاً لك؟
هناك الكثير من الشخصيات عبر حياتنا اليومية تحتاج إلى تسليط الضوء عليها والاهتمام بها والسعي إلى معالجة مشكلاتها عبر لفت النظر إلى أهمية حلها، إضافة إلى وجود حالات سلبية مرضية اجتماعية وغيرها أفضل أن أتبناها وأحكي عنها عبر أدواري. أما في ما يتعلق بدور المرأة القوية والشريرة فإنني أحب هذه الأدوار وهي تجذب المشاهد وتترك تأثيراً أقوى مما تتركه الشخصيات المسالمة أو البريئة التي قد تبدو أحياناً باهتة بحكم خطها الدرامي الذي يفتقد غالباً للحدث المشوق. وفي المقابل الشخصية السلبية تمتلك محاور أوسع ويمكن للفنان أن يلعب عليها بشكل أكبر. وأي ممثل يفضل الأدوار الشريرة لأن فيها متعة في الأداء. وبالتالي فالأدوار الشريرة تمنح الفنان التألق إن اشتغل عليها بشكل صحيح وهي مرغوبة لأنها تمتلك جانباً مثيراً للفضول في تفاصيلها، وأداؤها صعب أكثر من غيرها ولكن في الوقت نفسه قد لا تكون هي المجال الوحيد للنجاح والشهرة، فكثير من الفنانات السوريات صعدن سلم الشهرة والنجومية عن طريق الأدوار الرومانسية.
كما أن أحدث أدواري هو لشخصية «غرام» في مسلسل «ما ملكت أيمانكم» وفيه الكثير من الشر والقسوة وهنا القسوة. هي التي تكشف مكامن الوجع وتشير إلى ضرورة معالجته كي يخدم الفنان جمهوره، ففي النهاية أدوار الشر تعالج الكثير من القضايا السلوكية والاجتماعية، والشر ينقل الظلم بشكل غير مباشر. لذلك أدوار الشر تُعتبر تجسيداً للرسالة الحقيقية للفن كونها توجهه إلى خدمة المواضيع الاجتماعية والإنسانية.
البيئة الشامية
- شاركت في مسلسل «الحصرم الشامي»، فهل أثّر عرض العمل على قناة مشفرة في نجاحه؟
بالتأكيد، فجمهور القنوات المشفرة أقل بكثير من جمهور القنوات المفتوحة، وبالتالي لم يأخذ المسلسل حقه في المشاهدة كما أن الفنانين المشاركين في المسلسل لم يأخذوا حقهم من مشاهدة الناس لهم.
- هل تقفين مع أم ضد المشاركة في أعمال تنتمي إلى البيئة الشامية؟
لهذه الأعمال سحرها الخاص، فمسلسلات البيئة الشامية تجذب المشاهد من خلال بساطة طرحها للبيئة الحميمية والدافئة لزمان مضى بصورة جميلة تلاشت اليوم. وبالنسبة إلي أتمنى أن أشارك في هذه الأعمال شرط أن تكون ضمن الظروف المناسبة.
- ما الذي أغراك في دور الجاسوسة في مسلسل «لورانس العرب»؟
رغم اقتناعي بأهمية الدور الذي جسدته في المسلسل فقد وجدته قاسياً على الصعيد النفسي. أديت خلاله دور جاسوسة هزت العرش العثماني، ودور كهذا يغري أي فنان، ولدى عرض العمل لم أتوقع له هذا النجاح الذي حققه.
- ما سبب مشاركتك في العديد من الأعمال الدرامية الخليجية؟
السبب يعود إلى رغبة المخرجين في مشاركتي في هذه الأعمال لإيمانهم بموهبة الممثل السوري الذي يعطي العمل دفقاً وإحساساً فنياً عالي المستوى.
محرمات درامية
- هل يعود سبب نجاح الدراما المدبلجة إلى افتقاد العمل الدرامي السوري للرومانسية وغوصه في الواقعية الحياتية؟
بالتأكيد. وطالما أن هناك أعمالاً تُدبلج سواء كانت مكسيكية أو اسبانية أو تركية تتسم بطول عدد حلقاتها فستساهم في جمع جمهور كبير، أما أعمالنا الدرامية فيقتصر عدد حلقاتها على ثلاثين، ولا تجتر المشاعر والأحداث بل تُطرح بالمختصر المفيد. وبشكل عام معظمنا يخجل من التعبير عن مشاعره وأحاسيسه، لذلك نفضل أن نرى غيرنا يفصح عنها.
- أين أنت من الكوميديا اليوم؟
أين هي النصوص الكوميدية من الجميع؟ بصراحة لدينا متنفس وحيد للجميع هو «بقعة ضوء».
- هناك من يرى أن الكوميديا دراما من الدرجة الثانية. فكيف ترينها أنت وما مفهومك لها؟
لا يُعلى على الكوميديا الهادفة الذكية لأنه ليس من الأمر السهل إضحاك الناس. وأرى أن الموقف هو الذي يوجد المفارقة الكوميدية وليس المبالغة الحركية، فالنص هو العمود الفقري وإن كان هشاً لن تستطيع أن تخلق منه عملاً مهماً.
السينما وشروطها
- في ظل شح الإنتاج السينمائي، كيف تنظرين الى مبدأ المشاركة في فيلم سينمائي؟
إنها أمنية حقيقية إذا كنا نعرف ماذا نريد وماذا سنقدم عبر الفيلم. ولكنها ستكون فرصة مثلها مثل غيرها إذا لم نستطع استغلالها وإذا لم تكتمل شروط نجاحها. ففي النتيجة هي لا تعني لي شيئاً إن لم تكن مع مجموعة ناجحة وقوية ابتداءً من الجهة المنتجة التي بيدها مفاتيح وخيارات إنجاح العمل أو إفشاله في اختيارها للنص المهم والمخرج المبدع والممثلين الموهوبين.
- أيهما الأهم بالنسبة إليك لدى قبول المشاركة في عمل درامي، الدور الذي ستؤدينه أم مستوى العمل؟
لكل منهما الأهمية ذاتها، فجوهر الشخصية التي أؤديها ومحورها وخطوطها الدرامية تهمني شأنها شأن العمل بما يقدم من مقولات فكرية وأسلوب طرح على مستوى الشكل والمضمون، لأنه مهما كان دوري مهماً فإنه لن يظهر بشكل جيد ما لم يكن العمل كله ذا مستوى جيد.
- ما رأيك في تجربة مشاركة الفنانات في تصوير الفيديو كليب؟ وما شروطك لخوض هذه التجربة؟
لكل فنان خطة يسير عليها في حياته وبالتأكيد الفيديو كليب هو عمل فني. وأما ما يتعلق بي فأنا لا أسعى له وهو ليس من أهدافي، ولكن إذا كان هناك أحد المطربين المفضلين لدي سأوافق بالتأكيد، وإن كان المطرب عادياً بالنسبة إلي فسيكون للمقابل المادي الدور الأكبر في موافقتي أو عدمها.
بين الحرب والمنافسة
- كيف تصفين العلاقات داخل الوسط الفني؟
شأنها شأن العلاقات في المجتمع كله، حيث يجمعنا العمل والنجاح ويفرقنا ضيق الوقت.
- أما زلت تتعرضين لحروب ومنافسات في الوسط الفني أم أنك أصبحت أكثر دراية بما يجري فيه؟
كلمة الحرب كبيرة ولا تشبه وسطنا الفني... نعم هناك منافسة ولكنها لا تعنيني إن لم يكون هناك مساواة في الفرص، فهناك فنانة تأخذ فرصة صغيرة في عمل ما وأخرى تأخذ بطولة، وهذا الكلام غير منطقي ولا يسمى منافسة.
- إلى أي مدى تحبذين العمل مع فريق عمل دون غيره؟
المهم لدي في أي مشاركة المحافظة على مستواي الفنية والارتقاء بها. صحيح إن العمل ضمن مجموعة فنية قد يوفر التفاهم المشترك ويختصر المسافات إلا أن التنوع في التجارب ضروري أيضاً للفنان.
- أين الشائعة في حياتك؟ وكيف تتعاملين معها؟
لا أسمعها ولا تؤثر فيّ ولا أتعامل معها لأنها من أفواه فارغة لا تستحق الرد عليها أو التفكير فيها.
- ظاهرة مدير الأعمال للفنان هل تستهويكِ؟
نعم لأنني أؤمن بالاختصاص.
- هل ترغبين في دخول ابنك يوشع مجال التمثيل عندما يكبر؟
من المؤكد أنني سأشجعه اذا امتلك الموهبة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024