تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

ملحم زين في حوار شامل

عندما يفتح النجم قلبه ليُعرّف عن نفسه بنفسه، يخفت وهج كلّ المقدمات والكلمات التي يُمكن أن يختارها الصحافي للتعريف عن ضيفه. وفي هذا الحوار الصريح والشفّاف اختار ملحم زين أن يُقدّم نفسه ببساطة وعفوية مزيلاً الستار عن عوالمه الداخليّة الغنية، فكان لنا هذا الحوار الشامل الذي كشف بودّ عن حياة ملحم زين وأفكاره وإيديولوجياته وأحلامه وهواجسه وأسلوب عيشه كشخصية تتقن فنّ الفصل بين الحياة الإنسانية والفنية بذكاء وتمرّس...


الحياة والإنسان

- عندما يدخل الإنسان مرحلة جديدة من النضج المهني والفكري والإجتماعي يُجري جردة حساب للتدقيق في كلّ ما حققه خلال فترة معينة. فهل اعتدت التخطيط قبل كلّ إنجاز أو إخفاق وبعده في حياتك؟
لا شك أنّ الإنسان الذي يتحلّى بنسبة معينة من النضج والوعي ينظر إلى الحياة نظرة جديّة تختلف في عمقها عن نظرة الإنسان القاصر أو العبثي. وأعتقد أنّ مسؤولية المرء وجديته تتكرّسان فعلياً عندما يعتاد البحث والتدقيق في أمور حياته وتفاصيلها للإستفادة من كلّ درس قد يواجهه. لذا أنا أعتقد أنّ إعادة المرء لحساباته ووضع مخططاته وتحديد أهدافه، ليست إلاّ دليلاً على إدراكه ووعيه ورزانته. وعلى الصعيد الشخصي، اعتدت في حياتي إجراء حسابات قبل أيّ خطوة جديدة أقدم عليها لكي أبقى عارفاً بخصائص وتفاصيل كلّ مرحلة من مراحل حياتي الفنية والإنسانية.

- أنت إذاً تستند إلى ماضيك وتستثمر حاضرك بهدف رسم الخطوط العريضة لمستقبلك. صحيح؟
بالطبع، فأنا لا أستطيع أن أعيش حياتي بطريقة عبثية دون التفكير في المستقبل الذي ينتظرني. فالحاضر ليس سوى صلة وصل بين الماضي والمستقبل، لذا لا يصحّ لي أن أغرق في يومي الذي أعيشه دون أن أتهيأ لغدي وأستعدّ له. فأنا أحرص على أن أعيش حياتي ككائن موجود ومثمر وغير سلبي، ولأنّ الفن مهنة غير مستقرّة وغير مضمونة على المدى البعيد فكرت في خوض مجال العمل التجاري وأصبح الرسم الأوّلي للمشروع واضحاً وشبه مكتمل في رأسي.

- عندما تُمعن النظر في ماضيك وحاضرك، هل تجد أنّ نتيجة حساباتك الإجمالية إيجابية؟
الحمدلله، أستطيع القول إنني راضٍ عن كلّ ما حققته حتى اليوم. فعلى الصعيد الفني نجحت في إثبات نفسي وفي تحقيق نجومية خلال فترة قياسية، وعلى الصعيد الشخصي حققت أيضاً الإستقرار العائلي من خلال الزواج والإنجاب وخوض تجربة الأبوّة التي أكسبتني الكثير.

-  قال أحد المفكرين الفرنسيين إنّ الحياة تفقد معناها الحقيقي عندما يفقد الإنسان حلمه فيها... فهل مازالت الأحلام والهواجس تسكنك بعد كلّ ما حققته من أحلام على الصعيدين الشخصي والمهني في سنّ مبكرة؟ 
الأحلام لا تُجرّد المرء من واقعيته كما يعتقد البعض، بل تُعطيه إحساساً أقوى بكينونته وبضرورة سعيه ومثابرته من أجل تحقيقها. وإذا فقد أحدنا حلمه فقد معه سرّاً من أسرار طاقته وحماسته واندفاعه، لذا أراني مقتنعاً تماماً بالمقولة التي ذكرتها. ولا أخفي عليك أنني نجحت خلال فترة قصيرة نسبياً في أن أحقّق الكثير من أحلامي التي تتقاطع مع أحلام شباب جيلي، إلا أنني لم أقف عند هذا الحدّ ولم تنته أحلامي بمجرّد بلوغ بعضها لأنّه لكلّ مرحلة في مشوار الإنسان خصائصها وميزاتها ولكلّ عمر هواجسه وأحلامه. فبعد النجاح المهني والفني والزواج والإنجاب، تقلّصت نسبة الفردية في أحلامي إذ صارت تدور في معظمها ضمن إطار العائلة والأولاد الذين أتمنى أن أربّيهم في أجواء عائلية جميلة ومتماسكة وأحلم بأن أراهم أفراداً متميزين في علمهم وأخلاقهم واجتماعياتهم.

- هناك استنتاجات كثيرة في علم النفس تُفيد بأنّ بلوغ الأهداف وإحراز الإنجازات المتلاحقة والوصول إلى قمة النجاح والمجد في سنّ مبكرة قد توقع صاحبها في فخ الغرور. هل شعرت بأنّ الغرور تسلّل إليك يوماً وإن كان عن غير قصد خصوصاً أنّ هذا الإتهام التصق بك في الفترة الأولى من مسيرتك الفنية؟
الإنسان بطبيعته كائن مرن ومتفاعل، لذا فإنّه يتأثّر بطبيعته بالعوامل الخارجية في شكل تلقائي ومباشر، ومن ثمّ يأتي دور المراقبة الذاتية للتخلّص من العادات السيئة المكتسبة وتثبيت الإيجابية منها. ولا بدّ من أن تؤثّر التحولات الجذرية في حياة الواحد منّا على نفسيته وعقليته وتصرّفاته، وقد يتسلّل البخار إلى رأسه في لحظات معينة ولكن المهم أن يعود إلى توازنه ويتأكد أنّ تميّزه لا يلغي تميّز الآخرين ولا يجعله أفضل الناس. أمّا الفنان فهو أكثر الممتنين لهؤلاء الناس وعليه أن يعرف دائماً أنّ جمهوره أعلى منه ولولاه لما كان نجماً ولما وصل إلى كلّ ما وصل إليه.

- ما هو الإنطباع الذي تحب أن تتركه في نفوس الآخرين؟
أحب دائماً  أن أترك الأثر الطيّب في نفوس الآخرين، وأحرص على أن يكون انطباع الآخر عني إيجابياً حتى ولو اقتضى الأمر أن أجامل وأمثّل. فأنا أحترم مشاعر الآخر ويُهمني رأيه فيّ وأحبّ أن أُذكر بالخير وأن أكون طيباً وإنسانياً إلى أبعد الحدود، من هنا أجدني  مهتماً لأن أترك صورة حسنة عنّي ولو كانت من باب الدبلوماسية والمجاملة في بعض الأحيان.

- هل أنت رجل شرقي بامتياز؟
نعم أنا رجل شرقي بامتياز لأنني ولدت وتربيت في بيت شرقي يضع العادات والتقاليد في سلّم أولوياته، ولأننا كبرنا على فكرة واحدة زرعها الوالد فينا ألا وهي أنّ رأس الأولويات كرامتنا وكرامة عائلتنا. وأنا أحمل كلّ هذه المعايير التي تربيت عليها وأحافظ عليها وأعمل على تكريسها في بيتي وعائلتي الصغيرة، وهذه النقطة لا تُحسب لي لأنّه من واجبي المحافظة على هذا الإرث الجميل الذي اكتسبته.

 - من هي الشخصية الإنسانية الأكثر تأثيراً في نفسك؟
والداي هما أكثر من أثّر فيّ وفي تكوين شخصيتي الحالية.

- ذكرت في إحدى إطلالاتك التلفزيونية أنّك تنوي الإعتزال في غضون الخمس سنوات المقبلة... هل هذا قرار جدّي أم أنّه مجرّد رغبة أو تكهّن؟
الإعتزال قراري الذي لم أحسمه بعد، فأنا قلت أنني قد أعتزل وذكرت الخمس سنوات على سبيل المثال وليس التأكيد. فموضوع إعتزال الفنّ لم يتبلور في ذهني إلى الآن، بمعنى أنني أفكّر فيه ولكنّني لم أتخّذ القرار بعد وقد لا أتخذّه أيضاً.

- ولكن ما الذي يدفعك إلى التفكير في مسألة الإعتزال وأنت في قمّة عطائك المهني؟
سأخبرك بصراحة. الوضع الفني السائد لا يُلائمني والعقليات المسيطرة على الساحة لا تتناغم وعقليتي. فأنا أفكّر في الإعتزال لكي أتخلّص أولاً من الضغط الكبير الذي يرافقني عند التحضير لأي ألبوم أو حفلة ولكي أرتاح من فكرة السفر الدائم والإقامة المتنقلة ولأبقى أكثر وقت ممكن إلى جانب عائلتي وأهلي. ولا شك أنني أريد أيضاً الحياة بعيداً عن تلك النفوس المريضة واستفزازاتهما. فأنا اعتدت الحياة القروية البسيطة حيث التفوّق دائماً يكون للقيم الجميلة التي تتجلّى بالحب والصداقة والأخوّة والكرم وحسن الضيافة وردّ الجميل ومساعدة المحتاج، وليس الخبث والتصنّع والتحامل على الآخرين وطعنهم في ظهورهم. وهذا الإختلاف الجذري بين حياتي البسيطة وتركيبة الوسط الفني المعقدّة جعلني أشعر بأنّ ثمّة مشّادّة حقيقية بيني وبين هذا المجال الذي لم أتأقلم البتة مع طبيعته وعاداته الغالبة عليه.

- أين يمكن أن تجد نفسك بعيداً عن الفن؟
أحب العمل في «البيزنس» ويُمكن أن تكون وجهتي المستقبلية في مجال التجارة في العقارات والبناء.

- هل تعتقد أنّ الحظ سيبتسم لك كرجل أعمال كما حصل معك كفنان؟
الرزق من عند الله، وأنا أعتبر نفسي محظوظاً و«مرزوقاً»، لذلك كلّي أمل بأنّ أحقّق النجاح على الصعيد التجاري أيضاً وأتمنى ذلك من الله وأشكره على أية حال.

ملحم الزوج والأب

- عند ولادة ابنك علي، ذكرت أنّه من الصعب توصيف مشاعر الأبوّة للمرّة الأولى. ولكن بعد مرور أشهر على ولادة ابنك علي صرت أكثر قدرة على تحديد تلك المشاعر الغريبة التي تنتاب عادةً الأهل الجدد. هل لك أن تخبرنا عن تجربة الأبوّة؟
إنّها تجربة غريبة للغاية لا يمكن أحداً أن يفهمها إلاّ بعد أن يُجرّبها. فلا يمكن أن تفهم ذاك السرّ الذي يجعل من ذاك الطفل الصغير القادم حديثاً إلى عائلتك والذي لا تعرفه ولم تعتد رؤيته محور حياتك واهتماماتك وأحلامك بين ليلة وضحاها. فالأب يشعر بعد قدوم طفله الأوّل أنّ حياته انقلبت رأساً على عقب وبأنّ عاطفة قوية تشدّه نحو هذا المولود الجديد. وبالنسبة إليّ أجد أنّ الأبوّة تجربة رائعة ويقولون إنني أب حنون جداً.

- نشأت في ظلّ عائلة متواضعة ذات إمكانات محدودة بينما عاشت زوجتك تماني علي سالم البيض طفولة استثنائية في بيت رئاسي طغت عليه كلّ أشكال الرفاهية والنفوذ. ولكن أيّ الطفولتين تريد لإبنك أن يعيشها؟
لا شك أنني حريص على أن تكون طفولة ابني مريحة ومرفهة، وطالما أنني مقتدر سأسعى إلى تأمين حياة كريمة لعائلتي وأطفالي ولكن ليس وفقاً لمفهوم «أطلب وتمنّ». فالطفل سواء كان إبن عائلة ثرية أو عادية يجب أن يعرف أنّ ليس كلّ ما يريده أو يطلبه ويتمنّاه سوف يتحقّق له، وعلى الأهل أن يُعلّموه معنى الإحساس بالآخر. وأعطي مثالاً على ذلك فريضة الصيام التي فرضها الله علينا جميعاً لكي يشعر الغنّي بالفقير وأنّ صعوبة الجوع والعطش يحسّ بها الكثير من الناس ليس لساعات معدودات أو شهر واحد بل هي جزء من حياتهم ويومياتهم. وكذلك لكي يتعلّم الفقير الصبر وبأنّ هناك دائماً من هو أفقر. وهذا المبدأ في التربية اتفقنا عليه أنا وزوجتي لأنّها رغم نشأتها في ظلّ حياة مرفهّة وطفولة مريحة تربّت على هذه المبادئ الجميلة التي زرعها فيها والداها، مما يجعلها تُفكّر دائماًَ في الآخرين وتعرف منذ الصغر أنّ ثمّة حدوداً لكلّ شيء مهما بلغت إمكانات العائلة.

- ما الذي تتمناه لإبنك عليّ؟
أتمنى من الله أن يعطيه أياماً حلوة لأنّ العالم تغيّر ولا أدري ما الذي يمكن أن نصل اليه في أيامه.

- بما أنّك من النوع الذي يخطّط لمستقبله، هل فكرت في عدد الأولاد الذين تودّ إنجابهم؟
أحبّ العائلة وأقدّرها جداً، وفكرنا أنا وزوجتي مرّة في إنجاب خمسة أطفال، ولكننا لم نحسم الأمر وإنما نحب أن يتراوح عدد أطفالنا بين الثلاثة والخمسة.

- يُطلق عليك اليوم إسم «أبو علي». ولهذا اللقب الكثير من الدلالات الرمزية في عالمنا العربي، بمعنى أنّه يُطلق على كلّ رجل قوّي البنية والشخصية أو على الرجل المتسلّط في بيته على غرار «سي السيّد». فهل تمارس دور «أبو علي» داخل منزلك؟
لا، فأنا متعاون جداً مع زوجتي وأحرص على مساعدتها قدر المستطاع وأحبّ أن أكون بجانبها دائماً وفي كلّ عمل تقوم به. فالرجل لا يصغر عندما يُساعد زوجته ولو في المهمات الخاصة بها، كما أنّه لا يُهان إذا قبل مساعدة الزوجة في بعض مهماته. فالزوجة تُسمّى شريكة الحياة لأنّها تُصبح منذ ارتباطها بزوجها شريكته الرسمية في كلّ شيء، حتى في أدّق التفاصيل وأصغرها. وعلى سبيل المثال زوجتي هي التي تتولّى مهمّة اختيار ملابسي والتي تقوم بعملية التسوّق عني.

- إلى أي مدى تتفهّم زوجتك طبيعة حياتك كفنان؟
لا أعيش حياتي كفنان أو نجم بل أمارس حياتي الطبيعة بعيداً عن العمل في شكلّ بسيط جداً وأكون دائماً إلى جانب زوجتي وعائلتي. ولكن في شكل عام زوجتي متفهمّة جداً وتتقبّل طبيعة عملي ولا تغار عليّ من المعجبات أو ما شابه، لأنّها واثقة جداً من قيمتها عندي وتعرف جيداً أنّها وحدها شريكة قلبي وروحي وعمري كلّه.

- المعروف أنّك تزوجت عن حبّ، فكيف تردّ على أولئك الذين يقولون إنّ الزواج مقبرة الحبّ؟
عدم التفاهم والإنسجام والوعي والنضج في العلاقة هي العوامل التي تقتل الحبّ وليس الزواج. أمّا أنا فأرى الزواج شراكة حقيقية بين شخصين يجتمعان على الحبّ والمودّة.

- ذكرت أنّك لا تريد لإبنك أن يصبح مطرباً... إذاً هل تعمل من الآن على عزل عائلتك عن هذا الوسط؟
في الواقع أنا أعمل في هذا المجال ولكن لا أعيش حياتي كنجم ومنزلي بعيد كلّ البعد عن الفن، وزوجتي لا تستهويها الأمور الفنية بتاتاً. كما أننا لا نتابع البرامج الفنية ولا نُجمّع المجلات في منزلنا وإن كنت حاضراً فيها.

- ما هي أهم الأسس التي تحب أن ترتكز عليها في تربية أطفالك؟

الأخلاق العالية والصدق والنخوة لمساعدة الآخرين عندما يكون أحدهم في حاجة إلى العون.

- ما أكثر ما تتذكرّه من طفولتك؟
لا أنسى شكل العلاقة التي كانت تجمعني بأصدقائي في القرية خلال مرحلة الطفولة، إذ لم يكن يعرف أحدنا ماذا يضع في جيبه أو في جيب صديقه لأننا كنّا جميعاً يداً واحدة وما يملكه أحدنا هو للكلّ دون استثناء. وأنا تربيت على هذا الأساس وتعلّمت من أهلي أنّ المال الذي لا يذهب منه إلى الغير لا يُبارك الله فيه، وكم أشتاق وأحنّ إلى تلك الأيام التي كان يعيش فيها الناس ببساطة وطبيعية وعفوية.

عن الفنّ والفنانين

- في نظرة بانورامية شاملة إلى فترة الخمس سنوات التي أمضيتها في المجال الفني، كيف تقوّم تجربتك الذاتية والى أي مدى أنت راض عنها؟
على الصعيد الفني أقولها بصراحة أنني تمكنت في فترة قياسية من تحقيق نجاحات متتالية كرّست اسمي وموهبتي، وذلك يعود طبعاً إلى سياسة صحيحة اتبعتها وسأستمرّ فيها.

- ما هي الأسس التي ترتكز عليها سياسة ملحم زين الفنية؟
يصحّ وصف السياسة التي أنتهجها دائماً في عملي الفني بالإنتقائية، لأنّها ترتكز بالدرجة الأولى على انتقاء الأغنيات بطريقة جديّة ومتأنية، وكذلك على انتقاء الحفلات الجيّدة التي تساهم في صناعة صورة مناسبة للفنان بعيداً عن الماديات والمصالح التجارية التي قد يحققها البعض من وراء حفلات رخيصة لا تُضيف إلى الفنان أي سمعة طيبة. هناك فنانون لا يرفضون أي حفلة غنائية مهما كانت رخيصة أو تافهة طالما أنّها يَدّر عليهم المال، أمّا أنا فأحترم إسمي وصورتي والمستوى الذي وصلت إليه ولا يمكن أن أغامر في هذه النقطة ولا تستهويني نوعية الفنانين المتهافتين على الحفلات بطريقة عمياء ودون تمييز بين الجيّد والرديء.

- هل تقصد أحداً معيناً في كلامك؟
لا ولكن هناك من يتباهى بأنّه نجم لأنّه أحيا 24  و55 و80 حفلة ولكن السؤال يبقى أين أُقيمت هذه الحفلات وكيف ولماذا... الشطارة ليست في عدد الحفلات التي يُقيمها أحدنا بل في نوعيتها ومستواها، فالفنان الحقيقي يجب أن يكون له صورة معينة يحترمها في كلّ عمل أو خطوة أو حفلة يُقيمها. فأنا مثلاً أحبّ مزاجية جورج وسوف وفضل شاكر وصابر الرباعي في الغناء لكونهم لا يُقدّمون الحفلات إلاّ عندما يجدون أنفسهم متحمسّين لإحيائها وليس لأنّهم يركضون وراء الأرباح المادية من وراء ذلك.

- هل أنت مع التصنيفات الفنية؟
لكلّ فنان صورته ومستواه ولكنني ضدّ التصنيفات والأرقام، ولا تستسيغني فكرة الفنان رقم1 والعمل رقم1 والفئة (أ) والفئة (ب)... فأنا مؤمن بفكرة أنّ لكلّ مطرب قوتّه في مكان معين وضعفه في منطقة أخرى. هناك فنانون أشهر من النار على العلم في مصر وحفلاتهم تستقطب أكبر عدد من الجمهور وألبوماتهم تتصدّر المراتب الأولى ولكنّهم في لبنان أو في دول الخليج والمغرب العربي شهرتهم عاديّة ونجاحهم غير قويّ. هذا بالإضافة إلى أنّ النجومية لا تقف عند أحد والأوّل اليوم قد يُصبح الأخير غداً، والتاريخ الفني غنيّ بمثل هذه التجارب التي تكرّس ما أقول. وأستغرب أولئك الذين يعيشون كنجوم ويُصدّقون أنفسهم ويصرّحون أنّهم الرقم الأوّل والرقم الصعب وغير ذلك.

- تنتقد الوسط الفني بقساوة رغم أنّ صداقاتك فيه ليست قليلة؟
أنا لا أعمّم لأنّ الأمر لا يخلو من وجود أسماء كثيرة يُشهد لها بأخلاقها وفنّها ونفسيتها وتوازنها... وكما هناك الرديء هناك الجيّد أيضاً. ولكن في الفن يمكنك أن تُصادف معايير واعتبارات لا تراها خارجه، تصوّري أنّ بعض الفنانين يعتقدون أنّ الكاريزما هي في تعاطي المخدرات والحديث بأسلوب «زقاقي». وأنا أحبّ أن تكون كلّ علاقاتي في الوسط مع الأشخاص المهذبين والمحترمين قبل أي شيء آخر.

- نلاحظ أنّ ثمّة صداقة مع الفنان كاظم الساهر الذي ظهرت معه في أكثر من برنامج تلفزيوني ومناسبة إجتماعية...
«أبو وسام» أخ وصديق وعزيز وهو من أكثر الناس أدباً وذوقاً، وأنا أعتز بصداقتي الجميلة معه.

- ذكرت أنّك كنت تُراعي فارق العمر بينك وبين الآخر وتسكت عن حقك احتراماً لمن هم أكبر منك إلاّ أنّ الأمر تبدّل اليوم. فهل مازلت عاتباً على الموسيقار ملحم بركات ورافضاً لأسلوب الذي تحدّث قيه عنك؟
أبو مجد هو الأستاذ والمعلّم وحبيب القلب، وأنا أعرف جيداً طيبة قلبه ودمعته السخية. وأنا ككثيرين غيري أعشق فنّه وأنهل من أعماله وهو أكثر من يعرف كم أحبّه وأحترمه، ولكنّي عتبت عليه لأنّه من المعيب بحقّه أن يستغلّ مشواره وتاريخه الكبير ليؤنّب وينهر ويوبّخ غيره. فأنا أعرف أنّ الموسيقار هو ملك الساحة والكبير ومقامه إلى جانب وديع الصافي، لذا أرى أنّه أكبر من أن يستغّل عمره وفنّه وقيمته ليُصغّرنا. وأنا أحترم دفاعه المحموم عن الأغنية اللبنانية ولكنّ الموسيقار يعرف أنني أقدّم هذا اللون وأركّز عليه وعندما أنوّع في تقديم ألوان أخرى لن أفقد هويتي اللبنانية بتاتاً.

- هل ترى أنّه أخطأ بحقّك؟
أكيد أخطأ عندما قال لنيشان لا تُكبّر أحداً وقصدني بكلامه، وأنا أوصلت إليه رأيي بصراحة لأنني صرت أؤمن أنني كإنسان قبل أن أكون فناناً أملك لو كان عمري 14 عاماً حقّ الردّ على الآخر وإن كان عمره 120. وأنا عاتب على كبيرنا لأنّه يجب أن يأخذ بيدي ويد كلّ من يسعى للحفاظ على الأغنية اللبنانية في شكل جميل بدل أن يهاجمنا، ولكن العتب على قدر المحبّة وأستاذنا «بِمون». 

- وسط كلّ ما نسمعه ونراه من فنّ جيّد ورديء،كيف يُمكن لفنان بموهبة ملحم زين أن يُحدّد قيمة الفنّ الذي يُقدّم اليوم؟
بصراحة، الفن الذي نُقدّمه اليوم لا يحمل رسالة ولا هدفاً سوى إمتاع الناس، وهذه الرسالة الصغيرة لا تُقارن طبعاً بالرسالة السامية التي يحملها الفنّ الملتزم الذي قدّمه مارسيل خليفة وجوليا بطرس أو قبلهما فيروز ووديع الصافي... إنّ أعمالهم خاطبت الأجيال العربية كلّها وتمكنت من خرق حدود الزمان والمكان لتصل إلى كل بيت عربي في لبنان وفلسطين ومصر والعراق... إنّه الفن الذي حمل قضية الأرض والهويّة والإنسان. أمّا الفنانون الموجودون اليوم على الساحة- وأنا منهم- فإنّ جلّ ما يفعلونه هو تقديم أغنيات مسليّة تتفاوت قيمتها وإنما تصبّ في هدف واحد يتلخّص بإسعاد الجمهور. وأنا أتمنى أن أتجّه صوب الفن الملتزم على خطى مارسيل خليفة.

- الكلّ يشهد بأنّ صوت ملحم زين من أقوى الأصوات الموجودة على الساحة اليوم ولكن ما هي الأصوات التي يشهد لها ملحم؟
في الواقع ليس لديّ عقدة التسمية وأستطيع أن أذكر لك الكثير من الأصوات المميزة والقوية على الساحة اليوم، مثل وائل جسّار وآدم ومحمد مجذوب الذي أعتقد أنّه يملك أجمل الخامات في صوته. ولا شكّ أنّني أحبّ سماع أصوات وأغنيات الكثير من النجوم مثل كاظم الساهر وعاصي الحلاّني ومعين شريف وصابر الرباعي وفضل شاكر ونجوى كرم وشيرين ونانسي وغيرهم...

- أيّ هذه الأسماء تختارها لتقدّم  ديو غنائي معها؟
لا أرى نفسي في ديو إلاّ مع الفنانة نجوى كرم لما تحمله من صوت لبناني جبلي قوي وقادر وجميل.

في الثقافة والسياسة

- من هي الشخصية التاريخية الأكثر تأثيراً في نفسك؟
الزعيم جمال عبد الناصر هو الأكثر تأثيراً فيّ لأنني قرأت الكثير عنه وتعرّفت إلى إنجازاته كلّها على صعيد مصر والعالم العربي وأحببت فكرة الوحدة العربية التي أطلقها بهدف تحصين الشعب العربي وتقويته. هو لم يكن مجرّد رئيس جمهورية مصر بل زعيم عربي وقائد كبير. وأنا أتمنى لهذه الشرذمة العربية التي نعيشها أن تتوقّف وأن يتوحّد الشعب العربي كما أراده عبد الناصر بعيداً من التعصّب الطائفي والمذهبي والمناطقي، لأننا لن نتقدّم كعرب ما لم نتوحدّ ولن نُشكّل قوّة حقيقية ما دمنا نُفكّر بأنّ هذا مسيحي ومسلم وعراقي وكردي وخليجي وشامي.

- لمن تقرأ؟
أنا قارئ نهم وأحب أن أقرأ كلّ ما يقع تحت يديّ وخصوصاً في السياسة والإيديولوجيا. كما أنني أنهي كتاباً في غضون أسبوع واحد، وأكثر ما أقرأه هي كتب الإمام علي بن أبي طالب من «نهج البلاغة» إلى «سلوني قبل أن تفقدوني» و«سلوا عليّاً» وغيرها... كما قرأت في الفترة الأخيرة كتباً كثيرة عن حياة صدّام حسين وقرأت كتاب «الأسد والصراع على الشرق الأوسط» لباتريك سيل و«تيودور هيرتزل والحركة الصهيونية» وغيرها الكثير.

- ما هي الآفة الحقيقية التي يعانيها مجتمعنا العربي من وجهة نظرك كمواطن عربي شاب؟
جهل الأديان بعضها لبعض هو الآفة الإجتماعية الكبرى التي تُعانيها مجتمعاتنا العربية اليوم، إذ أنّ الشيعي لا يعرف عن السنّي والسنّي لا يعرف عن الشيعي والمسيحي لا يقرأ عن الإسلام والمسلم لا يفهم المسيحية. وكلّ فريق يتهمّ الفريق الآخر ويُغالطه من غير أن يحاول في أن يكتشف حقيقة معتقده وممارساته ليتمكّن من فهم أكبر لوجهة نظره. من هنا أرى أنّه من واجبنا العمل على مشروع مستدام لحوار الأديان حتى نتمكّن  من التقارب والإنفتاح على غيرنا بعيداً عن مفهوم الكراهية والتعصّب.

- الإنتماء إلى حزب معيّن يعني تكريساً لتوجهاتك وتطلعاتك الشخصية في بلد ما، وفي الوقت الذي يخاف فيه الفنانون من إعلان توجهاتهم تجرّأ ملحم زين في أكثر من مناسبة على كشف ميله السياسي الخاص. فهل تجهر بأنّك مع المعارضة اللبنانية؟
لن أتكلّم في المثاليات ولكنّي أريد أن أقول كلمة حق وهي أنني أحلم بوطن يكون همّه الأوّل مواطنيه بكلّ انتماءاتهم وميولهم ومذاهبهم. وأعتقد أننا اليوم لم نعد نتكلّم ب8 و14 آذار بعدما تألّفت الحكومة الوطنية التي أتمنى أن تعمل لمصلحة شعبها فقط بعيداً عن الإعتبارات السياسية والدينية. وبالنسبة إلى سؤالك فأنا طالما قدّرت سياسة الشهيد رفيق الحريري التي كانت أبعد ما تكون عن الدم والإجرام، وفي الوقت نفسه أحترم طروحات ميشال عون الوطنية بامتياز وأفتخر بالمقاومة الإسلامية التي قدّمت دم خيرة من شبابها للدفاع عن الأرض اللبنانية الغالية.

- أنت صهر الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض... فما الذي تريد أن تخبره لأولادك عن جدّهم؟
سأخبرهم أنّ جدّهم مناضل عربي كبير من أوائل المناضلين أيام حركة القوميين العرب مع عبد الناصر وأبو عمّار بحيث ناضلوا معاً من أجل القضية الفلسطينية العربية. كما سأقول لهم إنّ جدّهم علي سالم البيض هو شارك في توحيد اليمن. وتاريخ جدّهم حافل بالإنجازات، وأنا سأسعى إلى أن أُطلعهم دائماً على تاريخه الغنيّ.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077