تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

نعم 'أبو الليف'... ولماذا تستغربون؟

هو دون شك ظاهرة تستحق التوقف عندها رغم كل الإنتقادات التي سيقت في حقّه أو التي سترد لاحقاً. «أبو الليف» ليس مجرد مغن أدّى كلمات شعبية بسيطة على ألحان إيقاعية سريعة، فارضاً نفسه بقوة في ساحة الغناء.
 بل إنه فعلاً ودون مبالغة، حالة فنية تستوجب معها مراجعة الكثير الكثير من شؤون الفن والفنانين. علينا حقيقة أن نسأل لماذا؟ وكيف تمكّن «أبو الليف» من اكتساح السوق وتحقيق المراتب الأولى في المبيع، ليس فقط في مصر بل في لبنان أيضاً بحسب الإحصاءات رغم أن كلمات أغانيه شعبية مصرية بامتياز وبالكاد يفهمها من هو غير مصري.
 هذا الإقبال على ألبوم «أبو الليف» والذي قد يسمّيه البعض هبوطاً فنياً، هو في الحقيقة نقد ساخر ولاذع لمجتمعاتنا بطريقة كوميدية خفيفة بعيداً عن «النقّ والنكد»، لأن «أبو الليف» لم يقل كلاماً بذيئاً بل نقل الواقع كما هو وخاطب الشباب وتحدث عن همومهم بلغتهم التي يحكونها في ما بينهم.


الواقع الفني على الأرض اليوم يؤكد أن سوق الألبومات تعاني كساداً، ليس فقط في ظلّ القرصنة وسهولة نسخ الأغاني على الإنترنت، بل أيضاً بسبب تشابه الأعمال الغنائية في كلّ مكان، ووجود عشرات وعشرات الفنانين الذين لا علاقة لهم بالفن أصلاً، دون أن ننسى طبعاً إنشغال الناس بأمورهم الحياتية ومعاناتهم اليومية في مختلف الدول بسبب الأزمات الإقتصادية المتلاحقة على مستوى العالم... فالمواطن البسيط لم يعد يهمّه إن أُغرمت فلانة في أغنيتها، أو إن عانى علان من صعوبة فراق الحبيب، أو إن غنّت علانة لزوجها الذي عذّبها والخ...
 فكيف يكترث ويلتفت إلى هذه الأغنيات وهو منشغل أساساً بكيفية تأمين لقمة العيش وتأمين مصروف الجامعة وإيجاد عمل لاحقاً يقيه شرّ العوز، وهو دون شك لا يملك ثمن تذكرة لحفل من حفلات هؤلاء بما أن أسعار هذه التذاكر أصبحت خيالية بسبب ارتفاع أجور الفنانين بشكل جنوني وغير مدروس!!.... حقيقة نحن لسنا نبالغ في هذه الأمور، واكبر دليل على ذلك هو أن معظم الأغنيات التي صدرت في السنوات الخمس الأخيرة لم تحقق نجاحات مدوّية كما في السابق. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما كان النجم عمرو دياب يصدر أغنية أو ألبوماً كنا نقول «كسّر الدنيا»، وبالفعل كان هذا ما كان يحصل وهذا ما كنا نشعر به، والأمر ذاته بالنسبة إلى جورج وسوف في لبنان أو نجوى كرم أو عاصي الحلاني أو فضل شاكر وغيرهم الكثير.
 بينما اليوم، ورغم كلّ الدعم من جانب شركات إنتاج عملاقة تمتلك قنوات متعددة وتضخّ أعمال هؤلاء وأخبارهم على مدار الساعة وتصوّرهم في المهرجانات والحفلات والخ، تنجح الأغنية بشكل خجول، وبالكاد نشعر بها لولا النشاط غير الإعتيادي لنوادي المعجبين على الإنترنت حسب متابعتنا اليومية مع هؤلاء. فكيف تمكّن إذاً «أبو الليف» ومع كل إمكاناته البسيطة من كسر كل هذه الحواجز وتحقيقه كل هذا النجاح؟ الجواب بسيط جداً، حتى أنه أبسط من «أبو الليف» نفسه. لقد خاطب الناس بلغتهم وكان منهم وعبّر عنهم وحكى عن معاناتهم من خلال تجربته كونه هو كان أول من يعاني.

 - كيف؟
1- بدلاً من بدْلات «السموكينغ» والماركات العالمية والفساتين المستوردة والتي غالباً ما يرتديها الفنانون في الحفلات والكليبات والخ، أطلّ «أبو الليف» بلباس أهل الكهوف، بما أنه فقير لا يملك شيئاً بالأساس.
2- بدلاً من سيارات «البنتلي» و«المرسيدس» وغيرها من السيارات الباهظة الثمن التي يصورون فيها كليباتهم، تحدث «أبو الليف» عن «التاكسي». فهو أيضاً مواطن عادي وبالكاد يملك أصلاً أجرة التاكسي كي يقصد المكان الذي يريده.
3- بدلاً من القصور الفارهة والشوارع الأنيقة في مختلف عواصم العوالم التي يقصدونها أيضاً لتصوير أعمالهم أو للتسوق وإرسالها لاحقاً إلى وسائل الإعلام من باب التباهي، غنى «أبو الليف» عن صعوبة تأمين ثمن الشقة أو تقسيطها كي يتمكن من الزواج بطريقة لائقة، وهذه طبعاً صعوبة كبيرة يعانيها كلّ الشباب.
4- بدلاً من الإنشغال في التغزّل بالحبيبات والصبايا والجمال في الأغاني، حكى «أبو الليف» عن صعوبة إيجاد عمل شريف دون واسطة وكيف ينتظر طالب العمل ساعات وساعات لإجراء مقابلة في حال عدم امتلاكه «كارت» من شخص ما، أي الدعم والواسطة.
5- بدلاً من التصريحات الكثيرة التي يختار فيها الفنانون كلمات منمّقة عن كلّ شيء، إلى درجة يشعر معها الناس أن في كلامهم كذب ومغالاة، قال «أبو الليف» كلمات تردد على «نواصي الشوارع»، مثل «منفسن»، «خرونغ»، «فارسني»، «نافش ريشي»، «ليلة أبويا كوبيا»، «إتنطرت»، «فََقعني زومبا»، «منلبّس بعض العمّة»، «طافح الكوتة» وغيرها الكثير الكثير.
6- لو لاحظنا أيضاً تصريحات الفنانين عن زملائهم الفنانين، نرى أن فيها فعلاً الكثير من التبخير غير المبرر والمديح الزائد عن اللزوم رغم وجود خلافات غير معلنة قد لا يعرفها كلّ الناس، لكنهم يقصدون ذلك من باب إظهار صورة مثالية عن أنفسهم مُدّعين أن هذه ديبلوماسية. بدلاً من كلّ هذا تحدث «أبو الليف» صراحة في أغانيه عن «المنفسنين» وأعلن في عدد من لقاءاته الأسماء الحقيقية لمن دعمه ولمن حاول الوقوف في طريقه دون لفّ أو دوران.

- بعد كلّ هذا من برأيكم سيصدق الناس؟ وهل يحق لنا أن نستغرب لماذا وكيف نجح «أبو الليف»؟
نجح لأنه صادق، بينما أغلب الباقين يكذبون في وقت صار فيه الجمهور واعياً يعرف كيف يراقب ويحاسب. ولهذا قال «نعم لأبي الليف».

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077