المخرج الليث حجو .. أطالب باحترام المشاهد وعدم الاستخفاف بتفكيره
الليث حجو مخرج تحدى ذاته عبر ما لديه من معارف وأدوات وهواجس، فأثبت مقدرته في ألوان مختلفة من الأعمال. أخرج الكوميدي والاجتماعي المعاصر والرومانسي والتاريخي البدوي... عرفه الجمهور مخرجاً متميزاً يحمل في داخله لواعجه الإنسانية ورؤاه الإبداعية ليبثها عبر حنايا كاميرته التي استطاع من خلالها أن يحفر لنفسه مكاناً متقدماً ضمن قائمة المخرجين في سورية. حول جديده في الجزء الثاني من المسلسل الكوميدي «ضيعة ضايعة» وفي الجزء الثالث من «أهل الغرام» وحول قضايا فنية ودرامية أخرى كان لنا معه هذا اللقاء:
- عبّرت في أكثر من مناسبة عن عدم رغبتك في دخول متاهة الأجزاء، لكنك عدت إليها عبر إنجاز الجزء الثاني من مسلسل «ضيعة ضايعة». فما الذي دفعك للعدول عما سبق ان أعلنته؟
الذي تغير قراءة نصوص جيدة، إضافة إلى أن قراءة الجو العام بيني وبين الشركاء الذين صنعوا هذا المشروع كانت تدعو الى التفاؤل، بمعنى أنه لم يكن هناك معالم مشكلة بيني وبين ممثلين أو كاتب أو شركة. كما حصل في «بقعة ضوء» في أجزائه اللاحقة. ففي مشروع «ضيعة ضايعة» لم يكن هناك أحد يحاول سرقة جهد الآخرين كما حدث في «بقعة ضوء»، فالكل هنا يعترف بأنه مشروع جماعي ونجح بجهد الجميع. وعندما وجدت أن الجو العام يهيئ أيضاً لنجاح العمل شعرت أنه ليس من خوف في تصوير جزء ثانٍ منه.
- قيل أن سبب تأجيل تصوير الجزء الثاني من «ضيعة ضايعة» الزيادة التي طالب بها الفنان باسم ياخور؟
لم يحدث هذا الأمر مطلقاً، ومنذ أن طُرِحت فكرة إنجاز جزء ثانٍ من المسلسل طُرِحت مسألة الأجور المناسبة بشكل صريح. وأقول معلومة لم يسبق التصريح بها وهي أن الفنان نضال سيجري هو من اتفق مع الفنانين على الأجور رغم أنه ليس بمنتج لكنه جزء من هذا المشروع وممثل أساسي فيه، فانطلق من فكرة أننا شركاء حقيقيون في العمل مع الجهة المنتجة، واتفق مع الممثلين كلهم وتم التوصل إلى صيغة قُدِمت للجهة المنتجة التي كانت مرنة جداً ولم يحدث أي خلاف مادي.
لكن التأخير سببه أمران، الأول التأخر في النصوص حرصاً على إنجازها بمستوى جيد جداً، فقد احتاجت إلى جهد مضاعف ليضيف الكاتب رؤيته وما يعتقد أنه مناسب للجزء الجديد. والسبب الثاني هو الظرف الصحي الذي مر به الفنان نضال سيجري إذ اضطررنا لتأجيل التصوير مدة شهر ونصف، وعندما انتهى هذا الظرف دارت الكاميرا.
استغلال مادي
- لماذا غُيرت البيوت التي صورتم فيها الجزء الأول؟
هناك منزل من المنازل الأساسية في العمل تم استغلاله بطريقة غير لائقة، فللأسف صاحبة القرار التي ليست هي صاحبة المنزل استغلت الأمر مادياً من خلال من حاول التقاط الصور للموقع، فأخذ الموضوع منحى استثمارياً غير مناسب. لذلك قررنا إستبدال المنزل بآخر أفضل منه بكثير ويحقق الشروط نفسها ويظهر العلاقة بين أسعد وجودة وسيطرة جودة على منزل أسعد، إضافة الى اضفاء جمالية أكبر من حيث الموقع والإطلالة بالقرية نفسها، وكان أهالي القرية كلهم متعاونين معنا وقدموا لنا المساعدة.
- هل سيتزوج سليم (فادي صبيح) من عفاف (رواد عليو) في العمل؟
(ضاحكاً)... عندما يتزوج سليم وعفاف سينتهي العمل، فهذا واحد من الصراعات المهمة فيه.
- ما المواضيع الجديدة المطروحة في العمل؟ وإلى أي مدى تحوي عمقاً أكبر؟
سعينا لأن تكون أكثر عمقاً وتحمل هموماً جدية لها علاقة بالشارع العربي وبترتيبات اجتماعية وإنسانية أحياناً وبظرف سياسي في بعض الأحيان. ولكن لن ندّعي أنه كوميديا سياسية، فالعمل حافظ على شكله من حيث البساطة والكوميديا الموجهة الى الجميع. وقد لاحظنا بعد عرض الجزء الأول أن هناك شرائح مختلفة عمرياً وثقافياً وفكرياً تباينت محبتها ورغبتها في مشاهدته، فحاولنا المحافظة على هذه الشرائح وألا نحمّله أكثر مما يحتمل. ولكن الكاتب ممدوح حمادة كاتب ذكي فقدم نصاً فيه حساسية عالية واستطاع أن يمرر عبره رسائل على الصعيدين الفكري والإنساني، فإذا وصلت تحققت غايتنا وإن لم تصل فعلى أقل تقدير حقق العمل المتعة.
بين المبالغة والتهريج
- تناول كوميديا الفارس والمبالغة من الأمور التي يحذِّر منها المخرجون ويهرب منها الممثلون ورغم ذلك خضت غمارها!؟
لدي الرغبة دائماً في التجريب. ومن هذا المنطلق رغبت في تقديم هذا النوع، علماً أنه قبل فترة قريبة قُدِمت أعمال كوميدية كانت تنتمي إلى هذا الصنف، هناك من أحبها وهناك من اتهمها بالتهريج. لكنه نوع موجود لا يمكن إلغاؤه، وبالنسبة إلي إن استعرضت التنوع الذي قدمته أجد أنني كنت في حاجة الى تقديم هذا النوع، فقد بدأت بالكوميديا عبر «بقعة ضوء» وكان فيها مساحة واسعة للتجريب، ثم انطلقت لأكون اختصاصياً أكثر .فمن «بقعة ضوء» خرج «ما في أمل» الذي كان نوعاً جديداً، ثم الحالة الرومانسية في «أهل الغرام»، و العمل الواقعي «الانتظار» ومن ثم العمل البدوي في «فنجان دم». وبالتالي كنت في حاجة الى عمل أبعد ما يكون عما قدمت، فكان أمامي هذا النوع الكوميدي وأحببت خوض التجربة فيه لأرى إلى أين يمكن أن نصل، وقد اكتسب المعرفة منه.
- قلت سابقاً: «الكوميديا مشروعي المفضّل دائماً». ولكنّ كثيرين يرونها جنساً فنياً من الدرجة الثانية حتى أن فنانين انطلقوا منها باتوا يخجلون من العمل فيها؟
للأسف فإن هذا الجنس الفني مظلوم على جميع مستوياته رغم أنه الأبقى. والدليل على ذلك أن ما يعاد عرضه من أرشيف الأبيض والأسود هو الكوميديا، فعمل مثل «صح النوم» مازال يحتفظ بكاريزما خاصة لا بل بات جزءاً من تقاليدنا فنتابعه في الأعياد و المناسبات، ولكن للأسف أسيء التعامل مع الكوميديا فحتى في المهرجانات يتم تصنيفها كدرجة ثانية، ولكن في النتيجة الكوميديا هي ما حقق لي الحضور السريع عبر «بقعة ضوء»، ولولاها لما تجاوزت المرحلة بهذه السرعة.
- ما مفهومك للكوميديا خاصة أنها ارتبطت في مرحلة من المراحل بكلمتي «تنفيس وتحريض»؟
إنها اتهامات لها علاقة بحالة «البطر النقدي» بعد عرض العمل، وهي ليست توصيفات علمية. والسؤال: هل حقق العمل المتعة؟ فإن حققها معنى ذلك أنه أنجز جزءاً كبيراً من مهمته، ثم أنه لم يُطلب يوماًَ من مسلسل أن يحقق ثورة اجتماعية لأن العمل الفني يسلط الضوء، فإما ان يأتي هزيلاً أو مؤثراً، وتنهي مهمته عند تسليط الضوء. كما أن المتلقي يختلف، فهناك المتلقي الإيجابي والآخر السلبي، وهناك المتلقي الميال الى التنفيس والآخر الميال الى التحريض.
متعة «أهل الغرام»...
- هل سيكون هناك جزء ثالث من مسلسل «أهل الغرام»؟
صورت منه ثلاث حلقات فقط ولم تتوفر حلقات أخرى مناسبة فتوقفت ريثما تكتمل حلقاته. وهذا المشروع أنجزه بين فترة وأخرى عندما تكتمل النصوص، واستمتع فيه وأعتبره المتعة وأقدمه بهدوء بعيداً عن الحالة التجارية.
- هل ستكون نصوص حلقات الجزء الثالث مأخوذة من قصص يرسلها أشخاص؟
كلها قصص موجودة في الحياة نجمعها بين فترة وأخرى من الكُتاب ومن الرسائل، وكلما وجدنا أنه أصبح لدينا عدد مقبول من الحلقات نصورها. وأشعر بأنني محظوظ لأني أتعامل مع شركة تتعامل مع الفن بطريقة فنية فهي غير ملتزمة بهذا العمل تجارياً بحيث يكون جاهزاً للعرض في وقت معين، فهذا المشروع بالذات تتعامل معه شركة «سامة» كمشروع فني يتعلق بالمزاج ونقدم فيه حالة من التجريب ونتلمس شكل الدراما التلفزيونية وأين يمكن أن تتقاطع مع العرض السينمائي.
- كيف تقوّم تجربة استقاء قصص مسلسل «أهل الغرام» من حكايا الناس التي يرسلونها إليكم؟
كل عمل درامي واقعي مأخوذ من الناس، ولكن كان هناك نوع من الحماية بشكل أكبر وكان هناك جرأة أكثر. فالمجتمع فيه قصص أجرأ مما تقدمه الدراما. وعندما أخذنا القصص من الناس تجاوزنا حدوداً لم نكن لنتجاوزها في السابق.
- هل تصرون على النهايات الفاشلة في الجزء الثالث من «أهل الغرام» أيضاً؟
في الجزء الثاني كانت هناك نهايات مفتوحة في كثير من الحلقات، تركناها لخيال المشاهد .
المنافسة مع التركي
- هل تشعر بأنك كمخرج سوري في موقع المنافسة مع المسلسل التركي؟
بالطبع لا... فمشروع «أهل الغرام» بدأ قبل ظاهرة الأعمال المُدبلجة والجزء الثاني كان خطوة نحو الأمام بالمقارنة مع الجزء الأول، ولكني ضد كل ما اتُهِمَت فيه الأعمال المُدبلجة بأنها أساءت الى الدراما السورية، لا بل أعتقد أنها حركت المياه الراكدة. وأنا ضد مقولة أننا في القمة وليس لدينا منافس. نحن نحتاج الى الكثير من حيث المعرفة والتقنية، حتى أنني لاحظت مؤخراً أن هناك الكثير من الأعمال السورية التي حاولت الأخذ من الأعمال المدبلجة إن كان على مستوى النص أو الإخراج، وهذه الأعمال إن اختلفنا معها في مقولتها وطريقة طرحها لا يمكن الإنكار أن فيها تقنيات مهمة على كل المستويات.حتى تقنيات النص والتشويق فيها تستطيع جذب المشاهد، فاليوم نعجز عن كتابة نص مؤلف من ثلاثين حلقة بينما نرى أن الناس يتابعون المُدبلج على مدى تسعين حلقة، وهي واحدة من التقنيات التي نفتقر إليها في الدراما السورية.
الأعمال المدبلجة قامت بحراك وأخافت الكثيرين وبدأت تحاول أن تطور ذاتها، وأرى أنها قدمت شيئاً مهماً للدراما السورية ونشرت اللهجة السورية في كثير من المحطات والدول.
وبرأيي أنها دعمت الدراما السورية أكثر من أنها أخذت مكانها كما يُقال. ولكن للأسف اعتدنا أن نؤمن بنظرية المؤامرة، حتى أننا في أحد الأعوام تحدثنا عن محاربة للدراما السورية وكأن دول العالم كلها التفتت الى الدراما السورية، وهذا غير حقيقي. وفي مرة أخرى وجهنا إصبع الاتهام الى الدراما التركية بأنها أثرت على الدراما السورية. ولكن إذا نظرنا الى الأعمال السورية التي لم تُسوّق نجد أن العيب كان فيها، فلا يكفي أن يكون العمل سورياً ليكون جيداً بل ينبغي أن ننتبه لما ننتجه وأن هناك منافسين لنا حتى نطور أدواتنا.
الإعلان والفيديو كليب
- ماذا عن الفيديو كليب والإعلان خاصة أن كبار النجوم باتوا يشاركون في الإعلانات؟ فلماذا لم تعد تُخرج الإعلان؟ هل الموضوع مؤجل بالنسبة إليك؟
إنه ليس مؤجلاً، فعندما أجد مشروعاً فنياً لائقاً سأقدمه، خاصة أنني لا أدخل في مجال التصنيفات في أنه صنف أول أو ثانٍ سواء كليب أو إعلان أو إخراج حفلة موسيقية أو نقل مسرحية للتلفزيون. فكلها مشاريع فنية، حتى أنني صورت في العام الماضي حفلة للصديق طاهر ماملي وأعتبر أنه كان من المشاريع الصعبة والدخول فيه شكّل مغامرة لي. وأتمنى دائماً أن تأتيني مشاريع مختلفة أستطيع أن أقدم الجيد من خلالها.
- متى تكون ديكتاتورية المخرج في مكانها الصحيح ومتى تتحول إلى مقتل للعمل؟
دائماً تشكل مقتلاً للعمل، لأننا نتكلم عن عمل جماعي الجميع شركاء فيه. وعندما يكون هناك عنصر رأيه هو المسيطر سيكون المشروع غير مُكتمل وغير ناضج لا بل قد يصيبه الفشل، فأنا ضد مقولة أن يكون المخرج ديكتاتوراً.
- بأي عين تنظر الى دراما البيئة الشامية؟ وهل يمكن أن تخوض غمارها؟
لا أعتقد أن هذا الصنف يغريني. ولكنني بشكل عام أحترم أي تجربة فيها جهد ولا يحق لي التقويم لأني جزء من هذه الصناعة ومن واجبي احترام هذه الأصناف كلها، ولكن بالنسبة إلي فأنا أجهلها تماماً وليس لدي القدرة على التعامل معها اذا اعتبرناها صنفاً ونوعاً.
- قدّم عدد من المخرجين الشباب اقتراحهم الإخراجي ولكن اتُهِم بعضهم بأنهم عبارة عن منفذين لأسلوب مخرج بعينه. فكيف تقرأ هذا الاتهام؟
من حق الجميع أن يجربوا، فلا يمكننا وضع أنظمة تضبط هذا الأمر لأن التصنيف في النهاية يكون للجمهور فهو من يقول عن هذا إنه مخرج أو لا. ويقول عن ذاك أنه ممثل أو لا، وبما أن الحكم الأخير هو الجمهور فينبغي أن نحترم وجهات النظر المُقدمة في التجارب المختلفة. وأنا لست مع التصنيفات المُسبقة لمشاريع الشباب الذين يحبون تقديم وجهة نظرهم، لكني أطالب فقط بالتأني وعدم الاستسهال. مؤخراً صار هناك نوع من الاستسهال لدى بعضهم، بمعنى أن أحد لم يستطع العمل في أي مجال آخر يمكنه أن يصبح مخرجاً!
المطالبة باحترام المشاهد...
- قلت عام 2006 ان «كثرة الأعمال المتكررة إساءة الى المشاهد... أطالب باحترام المشاهد وبعدم الاستخفاف بتفكيره». هل تغير شيء في عام 2010؟
ازداد التكرار... والمفارقة أنه عندما ينجح عمل عن العشوائيات ستجد في العام الذي يليه أن معظم الأعمال تتحدث عن العشوائيات. وإذا نجح عمل كوميدي ستجد في العام الذي يليه أن معظم الأعمال هي كوميدية. فبتنا كل عام نسمي الدراما باسم، وهذا واحد من الأخطاء التي نعاني منها، فالتشابه يجعلنا نخسر أنواعاً مختلفة من الدراما، والسبب في ذلك يعود الى الكسل في البحث عن الجديد والكسل في التجريب وقلة المغامرة، فمسألة العرض والطلب باتت هي القرار في نوع الدراما التي سيتم تصويرها، وإن كنا نعرف أن العرض والطلب جزء أساسي في تكوين الدراما وسوقها ولكن يمكننا التأثير على العرض عندما نقدم عروضاً مختلفة فيصبح هناك طلب عليها. عندما يكون هناك تقويم عام بأن العمل التاريخي تختص به سورية والكوميدي يختص به الخليج والاجتماعي تختص به مصر، سيؤدي هذا التصنيف الى الإساءة الى الدراما عموماً وإلى حرماننا مواهب كثيرة في مختلف المجالات.
- الكرة في ملعب من؟
في ملعب القائمين على الصناعة الدرامية، فهذا النوع من الصناعة ليس فردياً وليس من منتج يفرض على الكاتب ما سيكتبه، لا بل هناك مجموعة متكاملة تبدأ بالكاتب وتنتهي بتوزيع العمل على المحطات، ولا يمكننا أن نرمي الكرة في ملعب فريق دون آخر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024