كمال قصّار رئيس مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية
جميعنا مُطلّع على التراث الموسيقي العربي الأصيل الذي ذاع صيته بعد دخول الفن مرحلته المتطوّرة إثر بدء تسجيل الأسطوانات ومن ثمّ ظهور الإذاعات وانتشار الأعمال عبرها، إلاّ أنّ الفن المؤسّس لهذه الفترة الموسيقية التي نعرفها ليس مكشوفاً لأنّه يعود إلى مرحلة غير موثّقة سوى في بعض الكتب والمجلّدات والتسجيلات القديمة النادرة. وهذه الحقبة المهمة من تاريخ الفن التراثي مهدّدة بدورها بالإنقراض إذا لم يتمّ تجميعها وحفظها في اسطوانات جديدة وكتب محفوظة في مكتبات خاصة. من هنا ولدت فكرة «مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية» التي تُعدّ أوّل مسعى حقيقي لصيانة التراث الموسيقي العربي. عن فكرتها وكيفية ولادتها وأهدافها ومدار اهتمامها تطرّقنا في حديثنا مع مؤسّس ورئيس «مؤسسة التوثيق والبحث» التي تملك حالياً أكبر المجموعات المعلومة من التسجيلات الموسيقية المصرية والسورية واللبنانية لفترة ما بين عاميّ ١٩٠٣ و١٩٣٥، قبل أيام قليلة من إطلاقها...
أمّا تسجيل الأغنيات وإنتاج التسجيلات على اسطوانات فقد حصل أوّل مرّة عام ١٩٠٣، وكلّ ما قبل ذلك كان فنّاً موجوداًَ وإنّما نعرفه من خلال قراءتنا له وليس استماعنا إليه. والإذاعة لم تظهر قبل عام ١٩٣٥، من هنا كان هدفنا في المؤسسة تسليط الضوء على الفترة المهمّة وغير المعروفة أو المنتشرة بفعل تقنيات الإذاعة وما شابه». وأشار قصّار إلى أنّ عملية جمع هذا التراث الموسيقي الغني والنادر لم تكن سهلة، إذ تطلّبت سنوات من الجهد والعناء. إلاّ أنّ القسم الأكبر من هذه المكتبة الضخمة تشكّل من مجموعة عبد العزيز العناني الذي يُعتبر أحد أهمّ المراجع في دراسة الموسيقى العربية.
يقول الأستاذ كمال قصّار صاحب مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية في سؤاله عن أهداف المؤسسة «إنّ أحد أهم أهدافه الأساسية هي تعريف المستمع العربي على حقبة مهمّة في تاريخ الموسيقى العربي، نُسميّها نحن «عصر النهضة» أو العصر الذهبي للموسيقى العربية، وهي تمتد تقريباً بين ١٨٥٠ و١٩٣٥. والمعروف أنّ هذه الفترة ظلّت مغمورة بالرغم من أهميتها لأنّ الإذاعات لم تكن قد بدأت عملها.ويُضيف قصّار بأنّه بعد عودته إلى بيروت دقّق في مجموعته ووجد أنّه ينقصها مواد إضافية تعود إلى مرحلة فنية أخرى، الأمر الذي استدعى سفره إلى دمشق وحلب وغيرها من المدن العربية لشراء القسم الآخر إلى أن تمكّن من جمع أرشيف كبير كامل تقريباً، إذ لا ينقصه سوى أقلّ من ١٠ في المئة من الأرشيف الموسيقي التراثي كلّه. وأضاف أنّه سعيد بوجود هذه المجموعة القيّمة في حوزة مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية.
وحول اختياره لأسماء غير معروفة جداً في مجال الموسيقى العربية، أكّد كمال قصّار أنّه لا معنى من إعادة نشر عبد الوهاب أو أم كلثوم لأنّه ما من أحد يجهلهما، فأسطواناتهما منتشرة وأغنياتهما مسموعة ومحفوظة عن ظهر قلب كما أنّ أسلوبهما معروف، لذا ما الفائدة من إعادة طرحهما؟ لذا تسعى المؤسسة إلى حفظ ما تركه لنا الكثيرون من عظماء الفن العربي المنسيين أو الذين طغت عليهم شعبية فنانين آخرين أمثال فتحية أحمد وصالح عبد الحيّ ونادرة أمين وماري جبران ولور دكّاش ومحمد القبانجي. كما سيكون هناك تسجيلات استوديو وحفلات حيّة لنجوم مثل عبّاس البليدي ومحمد خيري.
وكذلك ستضع المؤسسة التراث الموسيقي المجهول في لبنان وسوريا وفلسطين ضمن مدار اهتمامها الرئيسي. وفي هذا السياق أضاف قصّار «لقد عرف تراثنا الموسيقي أشكالاً موسيقية متعدّدة ومختلفة خصوصاً بعد انتشار الإذاعات وانفتاحها على الفنون الأخرى، فبعضها تأثّر بالإيقاعات الغربية مثلاً والبعض الآخر ظلّ تقليدياً في شكله ومضمونه. ونحن أردنا تسليط الضوء على الأشخاص الذين قدّموا هذه الموسيقى التقليدية وحافظوا عليها دون أي تأثيرات خارجية مثل فتحية أحمد وأحمد عبد الحيّ وغيرهما».
وعن أهداف المؤسسة قال رئيسها ومؤسسها قصّار «إنّ الهدف الأوّل الذي نسعى إليه يتمثّل في حفظ الرصيد المسجّل والمدوّن للسنّة الموسيقية العربية بواسطة أحدث الوسائل التكنولوجية وفي دعم البحث الأكاديمي والتوثيق العلمي، وكذلك في نقل تلك السنّة وأساليبها العملية نقلاً تربوياً ومن ثمّ السعي إلى نشرها عبر الوسائط المتعدّدة. وستعتزم المؤسسة جعل هذه التسجيلات في متناول الجمهور من خلال الأقراص المضغوطة والمنشورات والإنترنت وغيرها من الوسائل التكنولوجية الحديثة».
وعن إنطلاقة المؤسسة أعرب رئيسها قصّار أنّه متفائل بها لأنّ هدف مؤسسته نبيل كما أنّه لا يهدف إلى الربح المادّي والتجارة بل إلى إعادة إحياء فنّ العظماء الذين أسّسوا للعصر الذهبي للفنّ العربي من خلال تعريف الجيل الحاضر على أصوات بديعة ومواهب خارقة لم يتسنّ لهم معرفتهم عن كثب قبل ذلك. وأشار إلى أنّه سيُقام بمناسبة إطلاق هذه المؤسسة الكبيرة حفل خاص يُحييه الفنان المغربي الكبير فؤاد الزبادي الذي يُبدع في غناء أجمل الأعمال لأهم الفنانين من عبد المطلّب إلى كارم محمود ووديع الصافي.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024