تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

حكايات مصور المشاهير محمد بكر

بدأ التصوير قبل أكثر من ٥٠ عاماً فجمع بين موهبة التصوير السينمائي والفوتوغرافي معاً. ويعد شاهداً على ألبوم نادر لأهم الذكريات والأحداث التي مرت في حياة نجوم الزمن الجميل. ومع أنه ابن حسين بكر رائد التصوير في مصر، فقد أصر على انه لم يدخل المجال بالوراثة... إنه المصور محمد بكر الذي يكشف لنا أسرار مهنته ويقص علينا بالصور والتفاصيل كيف جاء صلح عبد الحليم ونجاة وفريد الأطرش، وحقيقة خلاف تحية كاريوكا وسامية جمال بسبب رشدي أباظة، وسبب تقبيل يوسف وهبي ليد الملك فاروق، وغيرها من حكايات الصور التي حصلنا عليها من أرشيفه الكبير ليبين لنا ما الذي كان يجري في كواليس الفن والنجوم.

- كيف جاءت بدايتك مع التصوير الفوتوغرافي وما هي أول لقطة صورتها في عالم السينما؟
أعشق التصوير منذ صغري ولم أدخل المجال بالوراثة عن والدي المصور المعروف حسين بكر، بل دخلته لأنه كان أحد طموحاتي وشغلي الشاغل. وأذكر أنني اخترقت المجال في فترة الخمسينات وشجعني على ذلك والدي الذي دعمني في بداية حياتي من خلال علاقاته الوطيدة مع كبار المخرجين والفنانين القدامى. وأذكر أن أول صورة لي في عالم السينما كانت في فيلم «سمارة» بطولة محسن سرحان وتحية كاريوكا وسامية جمال، وحرصت على أن التقط أكثر من صورة نادرة للفنانتين سامية وتحية في رقصة خاصة وأعتز كثيراً بهذه الصور. كما صورت أعمالاً سينمائية كثيرة مثل فيلم «خلى بالك من زوزو» وأخرى لعادل إمام وعمر الشريف اللذين تربطني بهما صداقة حميمة واحترمهما وأعتز بهما على المستوى الإنساني. وأيضاً التقطت صوراً من أفلام إيطالية لأشهر الفنانين وتلقيت عرضاً مغرياً للسفر إلى إيطاليا لاستكمال تصوير أحد الأعمال ولكنني رفضت لإن والدي كان وقتها على قيد الحياة وكنت لا افترق عنه. ولكن من وقتها راودني شعور بالفخر والاعتزاز بأن الأجانب يدركون أن مصر تملك ثروة فنية وفيها مصورون لهم مكانتهم.

- كانت الخلافات بين سامية جمال وتحية كاريوكا حديث الوسط الفني كله، فكيف استطعت أن تقنعهما بأن تتصورا معاً؟
بالفعل أثير الكثير من الشائعات حول خلافات حدثت بينهما ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق، بل كانتا تتقابلان أثناء التصوير وتبتسمان لبعضهما وتتبادلان الضحكات وتظهران معاً على الأفيشات. كان هناك احترام وتقدير متبادلان، لكن الصحافة والإعلام لعبا دوراً كبيراً في إثارة الفتنة والضغينة بينهما خاصة أن الاثنتين تزوجتا من رشدي أباظة وهو ما شجع بعض الصحف على نشر شائعات استفزت كلاً منهما وأشعلت النار. ولكن سريعاً ما هدأت الخلافات وتصالحتا لأن كلا منهما كانت بارعة في الفصل بين الحياة الشخصية والفنية، لذا بمجرد دخولهما موقع التصوير كان ينتهي كل شيء. ولكن لا شك كانت هناك صعوبة في التقاط صورهما أثناء الرقص خاصة أنهما كانتا تتحركان بسرعة أمام الكاميرا، حتى نجحت في النهاية في أن التقط صوراً مختلفة وواضحة أعجبتهما للغاية حتى طلبتا مني بعض الصور للاحتفاظ بها.

- كيف وجدت التعامل مع تحية كاريوكا في التصوير خاصة أن المقربين منها كانوا يشكون من عصبيتها المفرطة؟
فعلاً كانت عصبية جداً عكس سامية جمال التي كانت هادئة ووديعة للغاية. لكن تحية كانت شهمة وصريحة وتدافع عن المظلوم وتسانده وتقف بجانبه، ولذلك كنت أعتز بها وأحترمها. عندما صورت فيلم «سمارة» كنت صغيراً في السن وليس لديّ خبرة في المجال، فكنت أشعر برهبة مكان التصوير، وفوجئت بالمخرج يصرخ في وجهي بصوت عالٍ ويطردني من الاستوديو. فجاءت تحية وتشاجرت مع المخرج بسببي وطلبت عودتي لألتقط لها الصور. ولم يتوجه المخرج إليّ بكلمة طوال التصوير مراعاة وتقديراً لها.

- كيف جمعت بين ليلى مراد وسامية جمال في صورة واحدة رغم أنهما لم تلتقيا في أي عمل سينمائي؟
كانت الزيارات المفاجئة لمقر التصوير من دواعي المحبة والود المتبادل بين نجوم ذلك الزمن وذلك للاطمئنان إلى زملائهم من حين الى آخر ومتابعة تصوير أعمالهم. وفي هذه الصورة كنت أصور ليلى مراد لكن سامية جمال جاءت ليلى بالصدفة ومعها كلبها الذي لم يكن يفارقها إطلاقاً. وانضمت الينا في الكادر فالتقطت لهما صورة تذكارية تعد من اللقطات النادرة في أرشيف السينما المصرية.

- أمامنا صورة أخرى لليلى مراد وهي تقرأ القرآن على سجادة الصلاة وكأنها ترد على ما نشرته الصحف أنها ماتت يهودية وأوصت بدفنها في إسرائيل. فما حكاية هذه الصورة؟
من واقع احتكاكي بالوسط الفني طوال مشوار حياتي كمصور أعرف أن هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة. ربما كانت ليلى يهودية الأصل في بداية التحاقها بمجال الفن ولكنها أشهرت إسلامها في ما بعد وكانت تصرفاتها تدل على ذلك اذ كانت تحرص على توزيع الذبائح على الفقراء والمحتاجين. وأذكر أنها طلبت أن تؤدي فريضة الحج من إدارة استوديو مصر أثناء تصويرها لفيلم «ليلى بنت الأكابر» لكنهم رفضوا الى حين الانتهاء من التصوير ولذا بقيت في القاهرة، وطلبت من المؤلف أبو السعود الإبياري أن يكتب لها أغنية تودع فيها المسافرين لأداء فريضة الحج وطلبت من رياض السنباطي أن يلحنها لتغنيها في الفيلم الذي أثناء تصويره انتهزت الفرصة لألتقط لها هذه الصورة في غرفتها الخاصة بالاستوديو لتكون الآن دليلاً قاطعاً على إسلامها.

- هناك صورة أخرى نادرة تجمع بين عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة، فما حكايتها؟
الخلاف بين الفنان عبد الحليم حافظ والمطربة نجاة الصغيرة كان سببه غناء حليم قصيدة «لا تكذبي» في إحدى حفلاته بعدما غنتها نجاة في فيلم «الشموع السوداء» عام ١٩٦٢. وكانت العلاقة التي تربطها وقتها بعبد الحليم علاقة زمالة عادية ولكنها توترت بعد غناء حليم للأغنية اذ اعتبرت نجاة أن الأغنية خاصة بها وأن غناء عبد الحليم لها نوع من الاعتداء عليها، علماً أن عبد الوهاب غنى الأغنية من قبل. وفوجئنا جميعاً بعبد الحليم يحضر خصيصاً ليهنىء نجاة على أحد أفلامها ويهديها باقة من الورد وكأنه عربون للتصالح، وسريعاً ما تصالحا وكأن شيئاً لم يكن. وبالتالي كانت لقطة نادرة تعكس مدى احترام فناني ذلك الجيل وتقديرهم لعلاقة الزمالة.

- وما الذكرى التي تشير اليها الصورة التي جمعت بين عملاقي الغناء العربي عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش في جلسة ود متبادل؟
بدأ الخلاف بين عبد الحليم وفريد عندما أقام كل منهما حفلته الخاصة بليلة شم النسيم في الموعد نفسه، وكانت العلاقة بينهما تتسم بالتحدي بالإضافة إلى النميمة التي سرعان ما وصلت إلى أن كلا منهما أصبح يذم في الآخر، فالبعض يؤكد لفريد أن عبد الحليم يتكبر على فنه ويسيء إليه، وآخرون يؤكدون لحليم أن فريد غير معجب بإمكاناته الصوتية. ثم هدأت الحرب بينهما بعدما تصالحا واتفقا على أن يقدم كل منهما حفلة شم النسيم مرة، وهذه الصورة يثبتان فيها حسن نواياهما بعدما أكد عبد الحليم أنه بكونه أصغر سناً من فريد ولذلك لا يضع نفسه في مقارنة معه، وصرح في ذلك الوقت أنه يتمنى أن يلحن له فريد إحدى أغانيه بعدما أشاد بألحانه قائلاً إنها تعد إضافة لأي مطرب.

- ما مناسبة تصويرك للفنانة أمينة رزق وهي تلعب كرة القدم؟
في الواقع والدي هو الذي التقط هذه الصورة. كانت أمينة رزق تلعب الكرة في ملعب ملحق بالاستديو، وهي من الصور النادرة جداً في أرشيف السينما المصرية الذي ورثته عن والدي. وكان من المتعارف عليه في ذلك الوقت أن الفنانة القديرة أمينة رزق تتميز بالجدية والالتزام في فنها وحياتها، ولم يكن أحد يعلم أنها تهوى لعب كرة القدم التي كانت تمارسها أثناء فترة الراحة ما بين مشهر وآخر.

- هل كانت هند رستم تدخن «البايب» كما يظهر في الصورة؟
لا، فهذه الصورة من كواليس أحد الأفلام التي جمعت بين هند رستم وأحمد مظهر فكانت هند تداعب مظهر، بطريقتها الخاصة حيث كان من المعروف عنها أنها شقية وتضفي جواً من البهجة والسعادة على كواليس أي عمل تشارك فيه. وقد تعمدت هند أن تخطف الغليون الخاص بأحمد مظهر في وقت الراحة من التصوير وتقلده وهو يدخنه، ورغم جدية مظهر المعروفة عنه أثناء التصوير فإنه راح يضحك بشدة من أسلوب هند.

- وما مناسبة التفاف الجمهور حول محسن سرحان أثناء تصويرك له؟
هذه الصورة التقطتها له أثناء تسجيله مع أحد البرامج الإذاعية الشهيرة، ووقتها التف الجمهور حوله ليوجه اليه الأسئلة فأخذ يجيب عليهم.

- ما حكاية الصورة الخاصة بصباح بصحبة ابنتها هويدا وهي توقع أوراقاً لضابط شرطة؟
هذه الصورة التقطها والدي قديماً أثناء تسلمها محضر طلاقها من زوجها أنور منسي وعلامات الفرح والسعادة بادية على وجهها بعدما استردت ابنتها هويدا التي كانت تعشقها بجنون ومتعلقة بها للغاية.

- ماذا عن الصورة التي يقبّل فيها الفنان الكبير يوسف وهبي يد الملك فاروق؟
هذه الصورة أيضاً لوالدي ومناسبتها حصول يوسف وهبي على البكوية من الملك فاروق عقب عرض فيلم «غرام وانتقام» في سينما «ريفولي» في القاهرة. وفي هذه الصورة نرى يوسف بك وهبي بشموخه وكبريائه ينحني للملك ويقبل يده بكل احترام وتقدير، وهي من الصور النادرة في أرشيف السينما.

- إلى أي مدى استفدت من خبرة والدك في مجال التصوير وما أهم ما ورثته عنه؟
لا شك أنني أدين له بتعلمي قواعد التصوير الفوتوغرافي والسينمائي وأصوله، اذ كنت أتابعه لقطة بلقطة وأتعلم منه الدقة في العمل والالتزام وعشق الكاميرا ومعرفة كل أسرارها ومهارة اللعب بالإضاءة، بالإضافة إلى أنني ورثت منه أرشيف صور لتاريخ السينما المصرية ولقطات الأفلام التي تتعدى الـ ٢٠٠٠ فيلم وصوراً لكثير من الشخصيات الفنية والتاريخية والسياسية مثل مصطفى كامل وطلعت حرب. وتوجد صور رسمية للرئيس عبد الناصر ومحمد نجيب، وقد استكملت مسيرته ونفذت صوراً رسمية كهذه.

- من أهم أبرز المخرجين الذين تعلمت منهم فنون التصوير السينمائي؟
هناك العديد من المخرجين الذين أدين لهم بالفضل وهم يقفون خلف الكاميرا ويستحقون كل تقدير، ومنهم حسن الإمام وصلاح أبو سيف وعز الدين ذو الفقار وحسام الدين مصطفى الذي اشتهر بأنه يصور أفلامه بنفسه، ومدير التصوير العبقري عبد العزيز فهمي وشيخ المصورين وحيد فريد الذي كان يوجهني بملاحظاته ولم يبخل عليّ بنصائحه لقد تبناني مهنياً. فهؤلاء العمالقة تركوا بصماتهم في أدائي وأسلوبي في التصوير. وأذكر أنه أحياناً كان يحتد النقاش بيني وبين عبد العزيز فهمي وعبد الحليم نصر اذ كنت أصمم على تنفيذ ما هو أصعب في التصوير، وهذا ما كان يضايقهما مني. ولكن هذا هو سر نجاحي كمصور. وأعتقد أن هؤلاء المصورين والمخرجين الكبار لم ينالوا حقهم على أكمل وجه ومنهم والدي رحمه الله، علماً بأن الدول الأجنبية تعترف بقيمتهم. فقد تلقيت عرضاً مغرياً لبيع أرشيف والدي لباريس ورفضت أن أفرط بهذه الثروة. وأتمنى أن تكون هذه المبادرة من وزارة الثقافة الجهة المسؤولة عن الحفاظ على هذا التاريخ الطويل.

- ما رأيك في الدخلاء على مهنة التصوير ومن هم محترفو التصوير الفوتوغرافي حالياً؟
الدراسة عامل أساسي لاحتراف التصوير خاصة أن هناك قواعد تحكمه كالإضاءة الخاصة بالتصوير السينمائي التي يجب ضبطها تبعاً لوقت التصوير وموقعه،علماً بأن التصوير الفوتوغرافي لا يختلف كثيراً عن التصوير السينمائي، ولكنني أرى الساحة حالياً خالية من المصورين المحترفين بعدما أصبح التصوير عملية تجارية واقتحم الدخلاء المجال بالفهلوة، فعندما أقلب صفحات المجلات وأشاهد صور الفنانين لا أشعر بأية مصداقية، فقد اختفت الصورة المعبرة التي تتكلم عن نفسها رغم تطور إمكانات التصوير من حيث الطبع وظهور الديجيتال وكاميرات التصوير المتحركة لتتبع خطوات الفنان أينما ذهب بعد أن كانت ثابتة. نحن عانينا كثيراً في مهنتنا ولم تقدم لنا شهرتنا على طبق من فضة مثل المصورين الحاليين.

- ما الذي تعتز بتقديمه لعالم التصوير السينمائي وما هو جديدك في عالم التصوير الفوتوغرافي؟
أنا أول من أدخل الكاميرات الصغيرة والسريعة «رولي فليكس» في مجال التصوير السينمائي والتي نحن في حاجة اليها في أفلام «الأكشن» تحديداً. وقد استخدمتها في فيلم «بائعة الجرائد» وفيلم «ابن أسبرتاكوس» وهو إنتاج إيطالي أما بالنسبة الى التصوير الفوتوغرافي فكنت أواكب التطور في كل مراحل التصوير وقد استحدثت فكرة من وحي خيالي وهى لقطات لأفراح النجوم الشباب وعرضها في صورة أفيش لفيلم سينمائي ونفذتها مع الفنان كريم عبد العزيز في زفافه، فعُلقت على مدخل قاعة الفرح ونالت إعجاب الضيوف.

- ما الفرق بين تصوير نجوم الماضي ونجوم الحاضر؟
نجوم  الماضي كانوا متعاونين كثيراً معي كمصور، فعندما كنت أطلب منهم التصوير عقب انتهاء المشهد كانوا يتعايشون معي مثل تعايشهم مع الدور الذي يؤدونه في الفيلم بثبات غير عادي. هكذا أخذت لقطات سحرية لفنانات كثيرات مثل شادية وفاتن حمامة ذات الوجه الملائكي وسعاد حسني التي جذبتني بملامح وجهها فأخذت لها أكثر من ٢٠ صورة بانفعالات وانطباعات مختلفة. ولكنني أندهش الآن عندما أطلب من فنان تصويره بعد المشهد بالانطباع الخاص بالشخصية التي يجسدها في الفيلم فيقول إنه لا يستطيع أن يكرر التعايش بحجة انفصاله عن الشخصية بعد انتهاء المشهد، وهو ما يؤكد أن فناني الماضي كانوا يعشقون التمثيل بالفطرة.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078