كارول سماحة بالتأكيد عندي شعطة
«فخورة بنفسي لأني واجهت مافيا الحفلات وحدي». هذا ما قالته الفنانة كارول سماحة في حوارها الأخير لمجلة «لها» الذي تحدثت فيه بمنتهى الصراحة والشفافية، شارحة تفاصيل أعمالها الحالية والمقبلة وأبرزها ألبوم «حدودي السما» الذي تتعاون فيه للمرة الأولى مع الملحن ناصر الصالح في أغنية خليجية بعنوان «ذبحني».
عانت وتعبت واجتهدت حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وتصرّ على أنها مستعدة لتحمّل المزيد وحدها، شرط ألاّ تخسر حريتها في اتخاذ قراراتها متى أصبحت رقماً في أي شركة إنتاج... كارول سماحة في هذا الحوار.
- معظم الأنشطة الفنية التي تقومين بها أخيراً تتركّز خارج لبنان وكأنك غائبة، لماذا؟
لا نستطيع القول إني غائبة لأني أصدر كلّ أربعة أشهر تقريباً أغنية جديدة منفردة، كان آخرها «راجعالك»، إضافة إلى متابعتي تحضيرات الألبوم. ربما غبت قليلاً عن الإعلام، لكني لم أغب عن الجمهور. كل تركيزي كان منصباً على إنهاء ألبوم مفترض أن يصدر خلال تشرين الثاني/ نوفمبر. أما على صعيد الحفلات، فهي تركّزت بالفعل خارج لبنان، لكن الأمر لم يكن مقصوداً.
- شهدت مسيرتك الفنية تغيرات جذرية منذ انطلاقتك، إذ كنت في كلّ مرة تفاجئين الجمهور بنمط غنائي يصعب توقّعه؟
أولاً أودّ القول إن أي فنان يعمل في المسرح الغنائي، يرسخ ضمن ذهنية معينة لدى الجمهور وكأنه لا يستطيع أن يغنّي إلاّ في مسرحية غنائية، أو يتوقعون منه إن احترف الغناء، أن تكون كلّ أعماله كلاسيكية و شبيهة بالنمط المسرحي. لكن هذا غير صحيح على الإطلاق. هذا إضافة إلى أني ظهرت بصورة جريئة قبل هذا الوقت. لهذا أقول إن الذي لم يحضر لي أعمالاً مسرحية، يعتقد أني غيّرت هويتي. كليباتي اليوم شبيهة ببعض الأدوار التي قدمتها في المسرح منها كليب «علي». وأذكر مثلاً دوري في مسرحية «سقراط» الذي كان في غاية الجرأة قبل أن تبدأ موجة الإغراء التي نشهدها اليوم في الكليبات الغنائية.
- نحن لا نقصد الإنتقال من المسرح إلى الغناء المنفرد، بل حتى في أغنياتك الخاصة نراك مرة تقدمين الكلاسيكي ومرة الشعبي الراقص، ومجمل أعمالك تناقض بعضها؟
هذا صحيح. قدمت كلّ الألوان الغنائية تقريباً، وهذا ليس خطأ. طبعاً أنا لست في وارد مقارنة نفسي بالسيدة فيروز، لكن سأعطي مثالاً عنها. فهي غنّت مثلاً «عَ هدير البوسطه» و«تك تك تك يا ام سليمان»، وغنت أيضاً «زهرة الجنوب» و«مدينة السلام». متى امتلك الفنان صوتاً قوياً يجب أن يستغلّه وينوّع أعماله قدر الإمكان لأن هذه ميزة ليست موجودة لدى أي كان. وقد اعتاد الجمهور العربي أن يقدم الفنان لوناً غنائياً واحداً، لهذا يستغرب أحياناً عندما يرى فناناً ينوّع إلى هذا الحدّ، فيقولون إن هويته ضائعة. بينما أنا أرى في ذلك ميزة. في ألبومي المقبل أقدّم أيضاً أنماطاً غنائية مختلفة، منها الكلاسيكي والرومانسي والشعبي والشرقي، إضافة إلى بعض الجنون في أغنية أقول إنها «كتير خَوتة» (بالعامية اللبنانية وتعني مجنونة).
- أكثر من «علي»؟
(تضحك) ربما... لكن صراحة أقول إن طعم النجاح الذي نحققه في الأوساط الشعبية يختلف عن النجاح في «الصالونات». وحقيقةً عندما أغني في الحفلات، ألمس مدى تفاعل الناس مع هذا النمط من الأغنيات أكثر من أي أعمال كلاسيكية قدمتها.
- هل تعتقدين أن من يجلس في «الصالونات» يصطنع عدم اهتمامه بالأغنيات الشعبية؟
فعلاً، وينظرون إلينا باستغراب وكأننا أقلّ شأناً منهم... خصوصاً أنا، إذ يقولون مثلاً: «هل يعقل أن كارول التي تأتي من خلفية ثقافية غربية تقدم أغنية مثل «علي»! «ما فهمت شو المشكلة؟». هذه شخصيتي التي فيها مزيج من كلّ شيء وألبومي يجسّد هذه الشخصية ويتضمّن ١٣ أغنية منها الأغنيات المنفردة التي صدرت منذ فترة، أي «علي» و«مزّعلني» و«غالي».
- تحدثت عن أهمية أن يستغلّ الفنان صورته للتنويع إذا كان قادراً على ذلك. لكنّ نجوماً كباراً يملكون قدرات صوتية كبيرة وقدموا لوناً واحداً، وهؤلاء هم من يقول عنهم النقاد إنهم مدارس غنائية، ويصبح معروفاً أن هذا أسلوب فلان؟
صحيح. من السهل أن يقدم الفنان لوناً معيناً ويصبح مصبوغاً به ويمكن تحقيق ذلك بسرعة. لكن مع مرور السنوات يملّ منه الجمهور بسرعة أكبر، وطبعاً لن أذكر أسماء. هذه الأسماء لا تزال موجودة ولها جمهور، لكن تلاحظين أن الصدى الذي تحققه ألبومات هؤلاء اليوم، يختلف عن صدى أعمالهم قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً. وهذا عائد بالدرجة الأولى إلى أنهم يقدمون النمط ذاته كل مرة دون أن يراعوا مسألة نشوء أجيال جديدة لها طريقة تفكير مختلفة واهتمامات أخرى... كل هذا لا يأخذونه بعين الإعتبار، بالتالي هم يحافظون على جمهورهم السابق لكنهم لا يستقطبون جمهوراً جديداً. هنا أسأل، لماذا لا تزال الفنانة مادونا «الرقم ١» عالمياً رغم ظهور نجمات أخريات وينافسنها بقوة... هذا لأنها تجدد في الموسيقى والمواضيع والألحان، فتجدينها كل مرة بإطلالة جديدة، رغم أن لها أسلوبا معينا عُرفت به. الفنان الحقيقي هو الذي يغامر ويخاطر، بينما كثيرون يخافون أو يترددون.
- كيف تفسرين انتشار موضة معينة في الغناء كل فترة إذ راجت قبل سنوات الأغنيات الكلاسيكية، بينما نشهد اليوم عودة إلى التراث والدبكة وصلت إلى حدّ المبالغة؟
هذا اكبر دليل على موضوع التغيرات التي ذكرتها في ثقافة الناس ونمط عيشهم وتفاصيل حياتهم اليومية. قبل ثلاث سنوات مثلاً، كان هناك ميل واضح نحو الأغنيات الرومانسية والدرامية الحزينة. ولا ننسى ما كان يرافقها من أحداث أليمة في العراق وفلسطين ولبنان وفي أكثر من بلد عربي. وكأن الناس كانوا بحاجة إلى الشعور بالحزن لأنهم كانوا محبطين... المزاج العام كان حزيناً، فكانت أي أغنية حزينة تنجح. أما اليوم، فتشعرين بأن الناس ضاقوا ذرعاً ويريدون بأي وسيلة الخروج من دائرة الحزن هذه، فاتجهوا نحو الرقص والدبكة وكأنهم يصرخون: «خلاص، ما بدنا نبكي».... كما قلت، هو مزاج عام يسيطر على الناس، وكأننا في دورة معينة. لهذا نجد اليوم هذا الإهتمام بالأغنيات الراقصة، لأن الناس يريدون أن يفرحوا بعدما تشبّعوا من الحزن والدراما.
- لكن الجيل الجديد أقبل بقوة على الأغنيات التراثية والدبكة تحديداً. هل في هذا عودة إلى الوراء؟
كلا، بل من الجميل أن نتعلّق بتراثنا وهذا أكبر دليل على أن التراث لا يموت. لكن بعد فترة، أعتقد أننا سنعود لنشهد انحساراً لهذه الموجة التي تسود حالياً، لأن الجمهور بدأ يتشبّع منها أيضاً. أنا شخصياً قد أسمع أغنية أو اثنتين دبكة، لكن ليس على مدى ساعة ونصف الساعة. وأنا لا أقلل من شأن أي فنان يقدم هذا اللون حصراً، بل أقول رأيي الشخصي.
- هل حاولت الإقتراب من هذا اللون بصوتك؟
نعم، وذلك في بعض الأعمال المسرحية التي قدمتها. لكن في ألبومي الجديد لا يوجد هذا اللون، وربما أقوم بهذه الخطوة في الألبوم الذي سيلي، إضافة إلى نيّتي الإتجاه نحو الشرقي أكثر. أما الذي سيصدر قريباً بعنوان «حدودي السما»، فهو منوّع إلى حدّ كبير وأنا سعيدة جداً به، خصوصاً أن كل أغنية فيه تعبّر عن موقف معين مرّ في حياتي أو في حياة شخص قريب مني. أغنية «ما بخاف» مثلاً (كلمات وألحان سليم عساف)، تحكي عن حالة إجتماعية عشتها ونعيشها جميعنا ويقول مطلعها: «يحكوا عني اللي بدن يحكوا، يشكوا مني اللي بدن يشكوا، ما بخاف، بعمل أنا اللي بحسّو واللي بقلبي ع لساني ما بخاف». أما أغنية «حدودي السما» التي كتبها ولحّنها مروان خوري فيقول مطلعها: «لا بتفهم بالكلام ولا بتفهم بِالوَما، إنت حدودك هالأرض وأنا حدودي السما». بشكل عام كل أغنية تحكي قصة معينة، وجميعها كتبت خصيصاً لي.
- نلاحظ أنك ترتاحين للعمل مع بعض الملحنين أكثر من سواهم، كسليم عساف على سبيل المثال؟
طبعاً، وأيضاً مروان خوري. وقد تعاونت معهما أكثر من مرة وعلاقتي بهما أقرب إلى الصداقة. كما أني انسجمت كثيراً في العمل مع الملحن ناصر الصالح الذي أتعاون معه للمرة الأولى في أغنية «ذبحني» الخليجية. وأرتاح كثيراً للعمل مع الموزع ميشال فاضل وهو أيضاً صديق. كما تعاونت في الألبوم مع عمرو مصطفى في «راجعالك» ومحمد يحيى وهشام بولس ومنير بو عساف.
- تتعاونين مع سليم عساف منذ أن كان في بداياته وحين لم يكن معروفاً، والبعض يرى أن التعامل مع المواهب الجديدة مخاطرة؟
أحرص دائماً على التعاون مع أناس جدد لأنهم يقدّمون روحاً مختلفة عن كلّ ما قد يكون سائداً، وهذا لأني أحب الجديد والتجديد. تصوّري أن أغنية «ما بخاف» لسليم عساف أخذت منا عاماً كاملاً من العمل، وأعدناها وعدّلنا فيها أكثر من مرة لأني كنت أريد فكرة معينة. أنا مُزعجة في هذه الأمور لأني متطلبة.
- حسب علمي هناك أغنية أخرى تطلّبت منك عاماً من الجهد؟
(تضحك) صحيح، هي أغنية مروان خوري «خلّيك بحالك». بالفعل تطلّبت مني عاماً من الجهد، ليس خلال العمل عليها، بل كي أتمكن من الحصول عليها.
- لماذا؟ ما الذي حصل؟
كان مروان قد كتبها ولحّنها لمطرب رجل، بمعنى أن لغة المخاطبة هي لرجل. وبحكم صداقتنا، أسمعني إيّاها قبل أن يعرضها على أيّ كان. أذهلتني الأغنية لشدة روعتها، وطلبت منه أن يغيّر صيغة الكلام ليصبح من امرأة إلى رجل كي أتمكّن من غنائها. رفض بدايةً واعتبر أن التغيير سيؤثر في المعنى. في كل مرة كنت أحدّثه عن الأغنية، كان يقول لي إنه غير مقتنع بالتغيير، وبأنه معجب بالكلام كما صيغ وإنه ليس مستعداً لتغيير أي شيء فيه. لكن الأغنية لم تغب عن بالي قط، رغم أني كنت في ورشة العمل على الألبوم وأسمع أغنيات من هنا وهناك، وحددت كل اختياراتي... ورغم كل هذا، أعود وأتذكر الأغنية بحسرة. فصار عندي هاجس كي أقنع مروان، وبعد أشهر عديدة قال «هلكتيني، خلاص أوكي»، طبعاً بعد أن ملّ من إصراري. وهكذا غيّر الكلام وأخذت الأغنية بعد عام من الجري وراء مروان.
- حدثينا عن تعاونك مع ناصر الصالح، ولماذا تأخر صدور الأغنية رغم أنك أعلنت عنها قبل أشهر عدّة؟
بالفعل، كان يفترض أن تصدر الأغنية في شهر أيار/ مايو الماضي، لكني تأخرت ولم يكن وارداً إصدارها في الصيف. أنا قدمت في السابق أغنيات خليجية، لكني بصراحة لم أوفّق فيها ولم أكن راضية عنها، إلى درجة أن البعض قال إني لا أصلح للغناء الخليجي. بينما أنا كما تعلمين فنانة مغامرة وأحب خوض تجارب مختلفة من باب حبّي للفن. الأغنيات الخليجية التي قدمتها سابقاً لم تكن من اختياري، بل فُرضتها عليّ الشركة المنتجة. لكني للأسف لم أوفّق مع أن الأغنيات كانت جميلة وذات مستوى مميز، لكن ربما لم تكن لتعبّر عن شخصيتي، لا أعرف. أما أغنية «ذبحني» فهي تعبّر عني بشكل كبير، وأعتبرها «أنا» بنسبة مئة في المئة.
- هل عقدت جلسات عمل مع الشاعر عبدالله بو راس أو الملحن ناصر الصالح للتدرّب على اللهجة كونها خليجية بحتة؟
ألّف ناصر الصالح هذه الأغنية في اليوم ذاته الذي قصدته فيه، وسألني عن اللون الغنائي الذي أحبّ تقديمه، فقلت له إني أحب النمط الشرقي الخليجي. وهكذا جلسنا وراح يدندن على العود ولحّن الأغنية... وكنت في الوقت ذاته أدوّن الكلام الذي يقوله على الورق وكيف يُلْفظ. ثم سجلت الأغنية بعد أسبوع وخلال نصف ساعة فقط، وهذا ما جعل الصالح يستغرب. وقد قال لي: «غنيتِ الأغنية وكأنك تقمّصتها»، ونصحني بضرورة التركيز على الشرقي لأني أجدت اداءالأغنية ببراعة. وطبعاً هذه شهادة كبيرة أعتزّ بها من ملحن بقيمة ناصر الصالح. هو إنسان رائع ولا أنسى كيف استقبلني وكم رحّب بالتعاون معي، وهذا دليل كم أنه متواضع.
- دخل ناصر الصالح أخيراً مجال التلحين لأصوات عربية من خارج الخليج بعد أن تعاون مع نوال الكويتية وأحلام ومحمد عبده... ألا تخافين من المقارنة مع يارا على سبيل المثال بعد تعاونها هي أيضاً معه؟
على العكس، بل أرحّب بأي مقارنة وأي منافسة. ولست أرى أي مشكلة في أن تتنافس الأصوات الجميلة على الغناء باللهجة الخليجية متى كنّا قادرين على ذلك. هذا أمر يسعدني، لأننا بهذه الطريقة نستفزّ بعضنا لتقديم الأفضل كلّ مرة. هذا رأيي بشكل عام وليس فقط على صعيد الأغنيات الخليجية وتعاوني مع ناصر الصالح.
- أحياناً تكون المقارنة ظالمة؟
«ما عندي مشكلة». لأن لكل فنان روحه. كارول تبقى كارول، ويارا تبقى يارا... في النهاية ستبرز شخصية كلّ واحدة منا في الأغنية التي تقدمها، والناس تختار ما الذي تفضّله أكثر، كما يمكنهم أن يحبوا أكثر من فنان، أين المشكلة!
- واضح جداً أنك تثقين بنفسك كثيراً، ولهذا لا تخشين المقارنة ولا المخاطرة. هل تعتقدين أنه يمكن أن يأتي ملحن ويكتشف في صوتك أموراً جديدة؟
هذا مؤكّد، لأني أشعر بأنه لديّ الكثير بعد لأقدمه، وأمور عديدة في شخصيتي أريد إبرازها. لهذا تجدين فيّ هذا الفضول الدائم للبحث عن ألوان غنائية مختلفة، وكأني في بحث مستمر عن الذات. البعض يكتفي، أما أنا فلا، خصوصاً في ما يخصّ حدود صوتي وموهبتي وإمكاناتي. حماسي لا يهدأ، كذلك إرادتي وشجاعتي، وهذا لا ينطبق فقط على الفن بل في كلّ شيء في حياتي.
- من تغني «بصباح الألف التالت» ثم «علي»، هي دون شك إنسانة مغامرة؟
(تضحك وتقول) «أكيد في شعطة». الفنان القدير منصور الرحباني رحمه الله كان يقول لي إن الفنان الذي يخاف المغامرة ليس فناناً حقيقياً. أغنية مثل «بصباح الألف التالت» يمكن أن يُنهي بها الفنان مسيرته وليس العكس كما فعلت أنا. وبصراحة لم يتوقع أحد أن تحقق هذا النجاح الكبير، وقد نفّذناها في أقلّ من أسبوع وصوّرناها سريعاً بأقلّ الإمكانات المتاحة... ولكن سبحان الله، نجحت بشكل يفوق الوصف، إلى درجة أني لم أصدر شيئاً بعدها إلاّ بعد ثلاث سنوات. كنت حائرة ودون خبرة ولا مدير أعمال، بل أعمل وحدي، إضافة إلى أن أهلي كانوا بعيدين جداً عن الوسط الفني، بمعنى أني دخلت مجالاً لا أعرف عنه شيئاً... من منطلق تجربتي الشخصية أقول إن النجاح فعلاً يحصل بالصدفة ومن ثم بالتخطيط، وفي الوقت ذاته عانيت وضحّيت وتعبت، لكني نجحت. وهنا أذكر على سبيل المثال تجربة المطربين كاظم الساهر وفضل شاكر، إذ ربما قلائل من يعرفون كم عانيا قبل أن يصلا إلى نجوميتهما اليوم، وأنا أحترم كثيراً سنوات التعب التي مرّا بها، ولهذا فنهما راسخ وحب الجمهور لهما مستمر. بينما البعض الآخر، لمع اسمه لسنوات قليلة جداً والأمثلة كثيرة.
- هل تصفقين لنفسك؟
طبعاً أصفق لنفسي وأقول «شابو با» Chapeau bas (أي ترفع القبعة)، لأن نجاحي ولد من المعاناة. ورغم كل الظروف المحيطة بي، لم أدخل في الطابور الإعلامي، بمعنى أن أساير الصحافيين وأدعوهم إلى حفل عشاء كي يكتبوا عني، أو أتصل بهم لأسايرهم من باب المصلحة. أقول لنفسي «برافو» لأني حاربت وحدي ودون شركة إنتاج، وهذا طبعاً بقرار مني بعد متابعتي للمشاكل الكثيرة التي تحصل مع الفنانين والشركات المنتجة لهم. ورغم كل هذا نجحت، وتجدينني مطلوبة لحفلات كثيرة رغم أن الشركات الكبيرة صارت تحتكر سوق الحفلات. فخورة بنفسي لأني رغم ما يحصل لا أزال قادرة على الوقوف والمواجهة.
- لماذا تتحدثن عن المواجهة؟ هل أنتِ مُحارَبة؟ ومن تواجهين تحديداً؟
كل الفنانين الذين ليسوا منضوين ضمن شركة إنتاج، يواجهون محاربة في الحفلات، هذا مؤكّد وأمر لم نعد قادرين على تجاهله. وكأن هناك «مافيا» معينة تحتكر سوق الحفلات في لبنان. وإذا لم يكن الفنان مندرجاً ضمن هذه المافيا، هو عاجز عن اختراقها وربما يبقى لفترة طويلة دون حفلات، و«بتروح عليه».
- ألهذا السبب لا نراكِ في حفلات كثيرة في لبنان رغم أنك تحيين حفلات كثيرة في الخارج؟
صحيح. تجدينني في حفلات بارزة في أميركا (مع جورج وسوف وكاظم الساهر)، وتونس ومصر والمغرب حيث كنت الفنانة الوحيدة التي أحيت أربع حفلات متتالية خلال شهر في المغرب. أمر مؤسف أن يقدرونا في الخارج أكثر من بلدنا، وأقصد طبعاً «مافيا الحفلات».
- هل ثمة أشخاص محددون يحاربونك؟
لا أريد أن أُسمّي، لكن الناس يعرفون أن هناك شركة إنتاج كبيرة تحتكر الحفلات الكبرى.
- لا يوجد سوى روتانا، هذا معروف؟
صحيح. وأنا أفهم وجهة نظرهم وأنه من حقهم أن يؤمّنوا الحفلات لفناني روتانا، هذا طبيعي. لكن كل من هو خارج روتانا يبدو كأنه غير موجود في حفلات لبنان، لأنهم يفضلون استبعاد أسماء معينة واستبدالها بفنانين من شركتهم.
- لماذا لا تنضمين إلى روتانا طالما هذا هو الوضع؟
لأني أبحث عن حريتي وراحتي وراحة بالي. ومن خلال مراقبتي لزملائي الفنانين، أجد أنهم يعانون. لهذا أفضّل أن أبقى حرّة، إضافة إلى اعتقادي أن عصر الشركات الكبرى سينتهي لأن اتجاهات السوق اختلفت. قد أكون مخطئة لا أعرف.
- لكنك تخسرين طالما أنت خارج روتانا بناء على ما تقولينه؟
على العكس أنا رابحة، لأني ربحت حريتي وفنّي، خصوصاً أني سيدة قراراتي ولي مطلق الحرية لأصوّر كليباتي ساعة أشاء وفي أي مكان أريده. بينما إن أردت طلب الإذن من الشركة، سأنتظر أشهراً. هذه السياسة لا تناسبني، ولكن هذا لا يعني أني لا أحترم روتانا، بل على العكس علاقتي بهم جيدة. إضافة إلى أني أرى أنها ساهمت في نجاح كثير من الفنانين، لكن أنا أفضّل البقاء حرّة وأنا سعيدة جداً بما حققته وحدي.
- بعض الفنانين يقولون إن روتانا تشترط استبعادهم كي توافق على أن يغني فنانوها في حفلات معينة؟
صحيح، وهذا الأمر حصل معي شخصياً، لكن هذا لن يحبطني. هذا يحصل حتى لو لم يقصدوا محاربتنا، لأنهم يريدون دعم فناني الشركة، هذا من حقهم. وأريد التوضيح وتأكيد مسألة أن لا خلاف مع روتانا.
- لماذا اخترتِ تصوير أغنية «ذبحني» في تونس وليس في لبنان؟
لأن التصوير في لبنان صار مكلفاً جداً ولم نعد قادرين بصراحة أن نتحمّل هذه التكاليف التي يبالغ المخرجون في طلبها. وكما يقولون بالعامية اللبنانية «ما بقا يتهدّوا». كثر ينتقدوننا ويقولون: «لماذا لا تصورون مع المخرجين اللبنانيين». لكنهم لا يعرفون ما الذي يحصل. بكل صدق أقول إن الأسعار التي يطلبونها خيالية، «مش معقول». أنا أنتج أعمالي بنفسي، ولست مجنونة لأدفع تسعين أو مئة ألف دولار أميركي ثمناً لكليب بينما الناس يموتون جوعاً... إضافة إلى أن الجمهور سينساه بعد شهرين لأني أكون قد صوّرت غيره، أنا وسواي من الفنانين. على سبيل المثال، صورت كليب الديو مع مغني فرقة «جيبسي كينغ»، تحت إدارة المخرج سايمن براند الذي صور لشاكيرا وبريتني سبيرز وجيسيكا سمبسون وانريكيه اغليزياس. صدقيني أنه ذُهل عندما سمع بالأسعار في لبنان، لأنه كان ينوي التصوير في بيروت... مع احترامي لكلّ المخرجين العرب، لكنه مخرج عالمي وقال لي بالحرف: «ما هذا، كيف تعيشون في هذا البلد، أنا لا أتقاضى مبالغ مماثلة، الأسعار الموجودة هي ضعف ما يأخذونه في المغرب وتونس مثلاً. أيضاً المخرج الفرنسي تيري فرن يقول لي الشيء ذاته، وهو تعامل مع جوني هوليداي ولارا فابيان وإيلين سيغارا. تخيلي أنه مخرج فرنسي ويتقاضى أجره باليورو، ويقول أن أسعارنا ضعف ما هو موجود في الخارج، هذا مع احتساب تكلفة السفر من تذاكر وإقامة، ورغم ذلك تبقى الكلفة أقلّ بكثير. حقيقة أنا أسأل لماذا هذه المبالغة!
- يجب ألا ننسى أن لبنان يعاني أزمة اقتصادية وكل الأسعار مرتفعة؟
الأزمة طالت كل العالم وليس لبنان فقط. لقد اتخذت قراراً بعدم التعاون مع المخرجين اللبنانيين مع احترامي لهم ولمواهبهم، لكنهم حقيقة يبالغون، وهذا يشمل المبتدئين منهم أو الذين دخلوا مجال الإخراج حديثاً. إلى جانب كل هذا، تجدينهم يضيّعون الوقت سدى رغم أنهم يعرفون أن كل ساعة تصوير إضافية تزيد التكلفة، بينما الأجانب أكثر حرفية في هذه المسألة حتى لو غيّرنا مواقع التصوير. وكل هذا دون أن نتحدث عن السرعة في التسليم والدقة في كل شيء من لحظة كتابة السيناريو حتى العرض. الكليب الذي صورته في «المالديف» الذي أذهل الجميع، الكلّ يعتقد أني صورته بكاميرا سينما، لكن أحداً لم يلحظ ذلك. ما أريد قوله كفى ولا يجوز أن يستمروا في الضحك على الفنانين.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024
مقابلات
بسنت شوقي تتحدّث عن الفن وعلاقتها بزوجها محمد فراج وأسرار رشاقتها
مقابلات
بسنت أبو باشا: أنا محظوظة وأقتدي بالكثير من النجوم
مقابلات