خالد يوسف
خالد يوسف هو أكثر المخرجين إثارة للجدل في مصر في السنوات الأخيرة، فكلما قدم فيلماً قامت الدنيا ولم تقعد. والاتهامات كثيرة أبرزها المساس بالمسلمات الدينية والتقاليد الاجتماعية وأخيراً الانتقادات الحادة للأداء السياسي... في هذا الحوار، يتحدث خالد يوسف عن أزماته مع الرقابة وكيف يواجه الهجوم المتواصل الذي يتعرض له، ويكشف حقيقة خلافاته مع الفنانة سمية الخشاب والمخرج على بدرخان وسر اختياره لهيفاء وهبي وعمرو سعد وعمرو عبد الجليل، والخطة الفنية التي قدم من خلالها الفنانة القديرة شويكار، ولماذا اتجه الى الكوميديا وهل كان ذلك هرباً من الانتقادات التي واجهها بسبب التناول السياسي في أفلامه الأخيرة.
- دائماً ما تتحدث عن أن السينما تطرح تساؤلات وليست مطالبة بإدراك الإجابات، فماذا طرحت في فيلم «كلمني شكراً»؟
الفيلم يطرح تساؤلات خاصة بوسائل الإعلام والاتصال التي أصبحت تؤثر وتشكل حياتنا اليومية وعلاقاتنا، والسؤال الأهم يتعلق بعلاقة الأجيال الجديدة بهذه الوسائل، فمع جيلنا والأجيال التي جاءت بعده كنا نتعلم كل شيء من خبرة آبائنا وأمهاتنا بداية من اللعب حتى القيم والأخلاقيات وانتهاءً بكل ما هو مهم، أما الأجيال الجديدة فقد أصبح أمامها عالم مفتوح يحمل كل ألوان المعارف والقيم التي يطلعون عليها دون توجيه أو قدرة من الأهل على التحكم في هذه المعارف التي تبدأ من الأفلام إلى المواقع التي تعلمك كيف تصنع قنبلة. أي أن الأجيال الجديدة أمامها فانوس سحري يحقق لها كل ما ترغب في معرفته دون حاجة الى الوالدين، وهذا المتغير يعني أننا أمام جيل علّم نفسه بنفسه وسيشكل بنفسه ملامح عالم جديد، وهذا مانتساءل عنه.
- هل من السهل تناول مثل هذه التساؤلات في فيلم كوميدي؟
الفيلم كوميدي لكنه عميق ولايتعامل مع الأمور بسطحية. ودراما أحداثه تحمل رؤية تعكس الشعور بالخطر الشديد كثورة الاتصالات التي نعيشها من خلال دمج وسائل الإعلام والاتصال في صميم قصة الفيلم وتفاصيل حياة أبطاله.
- نريد أن نعرف أكثر عن أحداث الفيلم؟
الفيلم يتناول حكاية شاب اسمه إبراهيم توشكا يعمل في مهنة كومبارس ضمن الجمهور الذي يظهر ليصفق لضيوف البرامج الفضائية. بعد فترة تجده يعمل في مجال الهواتف المحمولة وفي مهن أخرى... لديه أحلام كبيرة يحاول تحقيقها ويعيش قصة حب وحياته محاطة بأشخاص من البيئة نفسها التي يعيش فيها، وهي حارة بسيطة في حي فقير بمنطقة شعبية.
- لماذا تصر على الأفلام التي تناقش قضايا العشوائيات والأحياء الفقيرة؟
لأنني أصنع أفلامي عن الواقع المصري الذي تمثل الأحياء الشعبية والعشوائية 80 في المئة منه. وللتعبيرعن الواقع الحقيقي لابد أن تدور أحداث أفلامي في هذه الأجواء.
- هل اتجاهك الى الكوميديا يعني الدخول في فترة هدنة مع النظام وتخفيف حدة النقد السياسي في أفلامك؟
أنا لا أعمل وفق التوازنات. واذا كان الفيلم كوميدياً فهذا لا يعني أنه لن يتناول موضوعات سياسية، فضلاً عن أنني أعلنت دخول فيلم «كلمني شكراً» قبل فيلم «دكان شحاتة»،أي أن اتجاهي الى فيلم كوميدي كان قبل «دكان شحاتة» الذي أحدث أزمات كثيرة مع الجهات الرقابية في مصر.
- بعض السينمائيين يرون أنك على علاقة مميزة بالجهات الرقابية ويمررون في أفلامك بما لايسمح به لغيرك في أفلامهم؟
هذا الكلام غير صحيح. كل ما في الأمر أن من يحسدونني أشخاص لا يعرفون حقوقهم في حين أنني أعرف حقي جيداً وأدافع عنه وأؤمن بكل ما أقدمه، وعلاقتي بالرقابة متوترة منذ فيلم «العاصفة» الذي بدأت به مشواري كمخرج ودخلت في معارك استمرت 6 أشهر مع الرقابة. وهذا أصبح أمراً معتاداً معهم. وأتذكر جملة للأستاذ يوسف شاهين تقول: «أنا مستعد لأن أمضي نصف عمري في الإبداع والنصف الآخر في الدفاع عنه».
- هل لدى خالد يوسف رقابة ذاتية؟
بالطبع وحدود هذه الرقابة ألا أخاصم وجدان الناس إلا في ما يتعلق بالخرافة.
- هذه الجملة غير مفهومة؟
أقصد أنني لا أخاصم وجدان الناس إلا في الأشياء التي ليس لها أساس من الصحة، وأن أواجههم في رفض الموروثات الخاطئة والظالمة مثل مفهوم الشرف الذى تعرضت له في فيلم «ويجا». فأنا أقدم للناس ما أرضاه لنفسي وما أحب أن يشاهده ولداي مايا ويوسف.
- ولكن هناك بعض فئات المجتمع تهاجمك وتخاصم أفلامك؟
اعترف أن لديّ خصومة مع بعض تقاليد المجتمع، وهو موقف تعرض له قاسم أمين وزملاؤه، فما طرحوه قبل مئة سنة كان مخاصماً لآداب المجتمع. وسأظل أحارب التخلف حتى ولو لم يعجب ذلك الناس.
- فيلمك الأخير «دكان شحاتة» تعرض لهجوم من فئات اجتماعية كثيرة ومنظمات دينية، ما ردك؟
من هاجم الفيلم يعاني من ضيق أفق، وهم أصحاب تيارات متربصة في العموم وبأفلامي في الخصوص، وهم يعرفون أنني مناهض لهذه التيارات وللجماعات الظلامية وبالتالي يناهضون أفكاري.
- الفيلم تعرض للهجوم بالتزامن مع تسريبه على الإنترنت. هل تعتقد أن هناك مؤامرة على الفيلم؟
لا أؤمن بالتفكير التآمري، وفي رأيي أن الفيلم سُرّب مثل الأفلام التي تسرب في ظل شيوع القرصنة، وهذه أهم الأخطار التي تهدد مستقبل السينما.
- كيف ترى مستقبل السينما في ظل هذه القرصنة؟
أعتقد أنه في خطر مثل وضع أي صناعة تترك دون حماية، ولا بد من وجود تشريعات رادعة تنفذ بدقة لأن التشريع الحالي يحكم على من يسرب الفيلم بغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه والحبس لمدة شهر، وهو أمر هين مقارنة بالملايين التي يحققها القراصنة. ولا بد أن نحذو حذو الدول المتقدمة ونفعّل حقوق الملكية الفكرية.
- حرصت في «دكان شحاتة» على الدفع بعمرو سعد كبطل أول والآن تقدم عمرو عبد الجليل، لماذا؟
صناعة نجوم جدد واجب على كل سينمائي تتاح له الفرصة لذلك على مستوى التمثيل أو الإخراج أو التأليف أو الفنيين، لأنه دون ضخ دماء جديدة في عروق السينما ستتوقف الحياة فيها. كذلك مع ازدياد عدد النجوم تتاح فرص أكبر لأفكار أكثر، فإذا بقينا على أربعة أو خمسة نجوم وعرضت عليهم فكرة ورفضوها لن تنفذ ولكن مع كثرة النجوم تجد فرصاً أكبر.
- صناعة النجم هي جزء من دور المخرج؟
بداية أريد أن أوضح أنه لا يوجد شخص يصنع شخصاً آخر ولا يستطيع أي شخص مهما كانت قدراته أن يصدر ممثلاً للناس هم غير راضين عنه. وما يحدث مع عمرو سعد وعمرو عبد الجليل يعود إلى أن الناس أعطوهما فرصاً أكبر فبعد فيلم «خيانة مشروعة» كان الجمهور يسأل من الممثل الذى أدى دور الأخ الأكبر لهاني سلامة. واجتهد عمرو سعد وحصل على بطولة «حين ميسرة» وبعدها «دكان شحاتة».
- هل هذا ما حدث مع عمرو عبد الجليل؟
الأمر لا يختلف كثيراً، فالجمهور هو الذي أعجب به ودفعه الى الفرصة بعد الأخرى في «حين ميسرة» و«دكان شحاتة» ومنحه البطولة في «كلمني شكراً». وقد تكون خصوصية عمرو عبد الجليل في أنه بدأ حياته كبطل مطلق في فيلم «إسكندرية كمان وكمان»، إلى جانب أن علاقتي بعمرو عبد الجليل تصل إلى 19 سنة تقريباً، فقبل أن يكون ممثلاً هو واحد من أصدقائي على المستوى الشخصي، وأعرف عنه خفة الدم وسرعة البديهة وقدرته على اصطياد «الإفيه». ولاحظت أن هذه الصفات في شخصيته لم يتم استغلالها سينمائياً فقدمته كما عرفته، والجمهور تجاوب معه وأعطاني الصك لتقديمه في بطولة مطلقة.
- هل صحيح أن سيناريو فيلم «كلمني شكراً» كان مكتوباً لعمرو سعد؟
عمرو سعد كتب فكرة الفيلم وعندما قرأتها وجدت أنها تناسب عمرو عبد الجليل. ولم يطلب مني عمرو سعد أن يكون بطل الفيلم خصوصاً أنه فيلم كوميدي.
- ولكن تقديم عمرو عبد الجليل في اللون الكوميدي كان مغامرة؟
طبيعة اختياراتي تعتمد على اختيار الممثلين في أدوار مغايرة للمألوف والمعروف عنهم لأنني لا أحب الاستسهال أو اختيار ممثل معروف أنه شرير في دور شر أو العكس. وبالتالي اخترت عمرو عبد الجليل في الدور الذي لم يتوقع أحد أن ينجح في تقديمه.
- هل اخترت هيفاء وهبي في «دكان شحاتة» لهذا السبب أيضاً؟
بالضبط وعكس كل التوقعات وضعتها في ثوب فتاة جاءت من الصعيد إلى القاهرة، ورفضت التحدث عن مبررات اختيارها قبل عرض الفيلم لأنني كنت واثقاً من أن أداءها سيرد على كل من يشكك فيها. وبالفعل اقتنع كل من شاهد الفيلم أن في داخلها ممثلة جيدة، والأهم بالنسبة إلي أنها شخصية دؤوبة ولديها صبر وحب للعمل وتدربت بكل جدية حتى وصلت الى مرحلة التمكن من الشخصية. ولم تكل طوال شهرين من التدريب على الدور وصنعت المفاجأة.
- ولهذا السبب اخترت أن تعيد الفنانة شويكار؟
شويكار واحدة من أهم القامات الفنية في تاريخ التمثيل في مصر، ولا يوجد شخص لم يضحك من خفة ظلها وقدرتها الكوميدية العالية. وابتعادها هي وغيرها من القامات الكبيرة جريمة في حق الفن ويسأل عنها صناع السينما، ولهذا قررت أن أعيدها وأبرئ نفسي من هذه الجريمة.
- ولكن هناك عشرات غيرها يعانون الاستبعاد؟
أفكر في تقديم كل النجوم الذين يمتلكون القدرة على العطاء وأحاول إعادتهم الى السينما واستفيد منهم وأفيد الأجيال الجديدة بخبرتهم.
- هل الاستعانة بشويكار ستكون في دور شرفي؟
ستؤدي أحد أدوار البطولة الرئيسية في الفيلم، فهي أم إبراهيم توشكا الذي يجسد دوره عمرو عبد الجليل، ولها تأثير كبير في أحداث الفيلم.
- هل صحيح انك عرضت على عمر الشريف بطولة فيلم «الكفيل»؟
الفنان عمر الشريف له كل الحب والتقدير، ولكن بمنتهى الصراحة لم أرشحه لبطولة الفيلم لسبب بسيط وهو أنني لم أصل في الفيلم إلى مرحلة اختيار الممثلين، والممثل الوحيد الذي تأكدت مشاركته هو عمرو سعد.
- هل رشحت سمية الخشاب لبطولة «كلمني شكراً» واستبعدتها لوجود بعض الخلافات؟
ليس لي خلافات مع أحد وهذا الكلام مجرد شائعة. سمية الخشاب كانت مرشحة لبطولة فيلم «رمضان زنجر» وكان معها عمرو عبد الجليل أيضاً، لكن الفيلم توقف العمل فيه في الوقت الحالي.
- أثير كلام عن وجود أزمة مع الرقابة بسبب فيلم «لحظة ضعف»، ما حقيقة هذه الأزمة؟
ليس لي علاقة من قريب أو من بعيد بهذا الفيلم ولا أعرف من مؤلفه ولم أقرأ في حياتي فيلماً بهذا العنوان، وبالتالي لم أدخل في أزمة مع الرقابة بخصوصه.
- لماذا يزج باسمك في مثل هذه الأزمات؟
لأن هناك بعض المؤلفين يكتبون اسمى على أفلامهم ظناً منهم أن الرقابة ستمررها، في حين ان العكس تماماً يحصل.
- ما حقيقة الخلافات بينك وبين المخرج علي بدرخان؟
لم يحدث خلاف من الأساس، وكل ما في الموضوع أنه أجرى حواراً قال فيه رأيه في أفلامي. واتصلت بي إحدى الصحافيات وقالت لي نحتاج أن ترد على المخرج علي بدرخان لأنه وجه نقداً الى أفلامك، فقلت لها لن أرد لأنه في مقام أستاذي. وناقشتها في ما قاله وطلبت منها عدم نشر نقاشنا، لكنني فوجئت بها تنشر رداً على لساني.
- هاجمتك الفنانة سهير البابلي أيضاً، فما تعليقك؟
هي فنانة قديرة ومن حقها أن تنقد أفلامي ورأيها له احترامه.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024