تحميل المجلة الاكترونية عدد 1075

بحث

رئيس مجلس إدارة Arab Fashion Week جاكوب أبريان: أتوقّع إعلان عدد كبير من شركات الموضة إفلاسها واختفاء بعض العلامات التجارية!

الموضة في زمن الكورونا، هو عنوان هذا الحوار الشيّق الذي أجريناه مع رئيس مجلس إدارة Arab Fashion Week جاكوب أبريان، الشاب الشغوف بالموضة وشؤونها في الشرق الأوسط، والذي يجيب فيه عن تساؤلات عدّة يطرحها المصمّمون ودور الأزياء اليوم، وأهمها كيف أثّر COVID-19 في صناعة الأزياء؟ وما الدور الذي يمكن أن تقوم به دور الأزياء العالمية والمحلّية لدعم المجتمعات في هذه الأزمة الصحّية الخانقة؟ وكيف يمكن أن يتغلب قطاع الموضة على هذه الفوضى التي خلّفها فيروس كورونا المستجدّ والتي تؤثر في صناعة الأزياء؟ وكيف يمكن أن تصبح الموضة شعاع أمل في ظلمة هذه الأيام؟


- أخبرنا عن مجلس الأزياء العربي Arab Fashion Week؟ من أنتم وما هي مهمتكم وأهدافكم؟ 

مجلس الأزياء العربي Arab Fashion Week هو هيئة الأزياء غير الربحية التي تمثّل الدول العربية الـ 22، وقد تم تأسيسه ككيان غير حكومي يمارس نشاط سلطة دولية خارج الحدود الإقليمية. تأسّس هذا المجلس في لندن بموجب قوانين إنكلترا، قانون الشركات لعام 2006، في 19 أيلول/ سبتمبر 2014، بغرض تطوير صناعة الأزياء في العالم العربي. ولندن هي المدينة التي تستضيف النظام القانوني لمجلس الأزياء العربي من أجل تمثيل الدول العربية الـ 22 بالتساوي. وهذا المجلس غير مملوك من أفراد، بل هو ملك لجميع العرب؛ لمن يريد منهم المساهمة في بناء المستقبل الإبداعي لدولنا. وتتمثل الرؤية الرئيسة لمجلس الأزياء العربي في بناء اقتصاد قائم على الإبداع والمعرفة والابتكار، من خلال رسالته المتمثلة في بناء نظام أزياء عربي وبنية تحتية تزيد من قيم التصدير وتقلّل من الواردات وتؤسّس اكتفاءً ذاتياً. كما وتتمثل استراتيجية مجلس الأزياء العربي في تقسيم المنطقة العربية إلى ثلاث مجموعات رئيسة تسمح لكل دولة بإنتاج أفضل ما لديها. وتعتبر دول شمال أفريقيا العربية ضمن مجموعة المواد الخام. فمصر مثلاً تشتهر تاريخياً بإنتاج أجود أنواع القطن، بينما تُعدّ تونس الآن واحدة من أهم خمس دول مصدّرة للمنسوجات إلى أوروبا. أما دول المشرق العربي فتعتبر ضمن مجموعة التصنيع من خلال بناء مرافق الإنتاج والمصانع في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين... ومَن أفضل مِن هذه الدول في الحِرف اليدوية، والكروشيه، والمطرّزات والشكّ؟ وبالنسبة إلى دول الخليج العربي، فهي ضمن مجموعة التسويق لأعمال الموضة والتصدير، فكما تُعدّ ميلانو مركز تسويق الموضة الإيطالية مع أن إنتاج الأزياء لا يتم في ميلانو، كذلك هو الخليج العربي. أما هدفنا، فهو تمكين 20 مليون امرأة عربية من العمل في صناعة الأزياء، وتوفير مصدر دخل مستدام وكريم لهنّ، بالإضافة إلى تزويد مواهبنا بمنصة ذات مستوىً عالٍ تضاهي كلاً من نيويورك ولندن وميلانو وباريس. نريد أن تبقى مواهبنا في منطقتنا للحد من ظاهرة تصدير المواهب إلى الخارج. وتتلّخص قيم مجلس الأزياء العربي بهذه المفاهيم السبعة: الاستثمار، التصنيع، السلام، الفن، الثقافة، الاقتصاد القائم على الإبداع، وتطوير المواهب. 

وقد كان الحضور الأول لمجلس الأزياء العربي في العالم العربي في دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 2014، وحقق نجاحاً من خلال وضع دولة الإمارات في المركز الخامس الأكثر أهميةً في العالم عبر استضافة أسبوع الموضة العربية على تسع نسخ متتالية. كما استضاف مجلس الأزياء العربي أسبوع الموضة الأول في تاريخ السعودية في العام 2018 بهدف دعم خطط الإصلاح والرؤية التي وضعتها الدولة لعام 2030. واليوم، أصبح أسبوع الموضة العربية فخراً عربياً، ليكون من بين أهم خمسة أحداث عالمية للأزياء، إلى جانب نيويورك ولندن وميلانو وباريس.

ويعمل مجلس الأزياء العربي خلال العملية الكاملة على تنفيذ رؤيته بما يتماشى مع التزام الأمم المتحدة بتنفيذ أهدافها العالمية المستدامة. كما يتعاون بشكل وثيق مع حكومة الولايات المتحدة لتسهيل إنشاء أطر للمصمّمين من أجل حماية حقوق الملكية الخاصة بهم في المنطقة.

- كيف أثّر COVID-19 في صناعة الأزياء؟

بينما كانت صناعة الأزياء تمر بلحظات صعبة قبل انتشار COVID-19، جاء الوضع الحالي مثل كارثة غير متوقعة يجب التعامل معها. الضربة الأولى لصناعة الأزياء تمثّلت في شلّ عمل المتاجر مع تنامي الوعي عند الناس حول كيفية إنفاق أموالهم بالتركيز على الضروريات فقط، وكانت الضربة القاضية في اضطرار كل المتاجر إلى تعليق نشاطها التجاري وسط الجهود المبذولة للحدّ من انتشار فيروس كورونا. وهذا يعني انعدام المبيعات، وتقليص عدد الموظفين، وقد يؤول حتى إلى فصل الموظفين من دون إشعار مسبق. هذا بالإضافة إلى تأجيل أسابيع الموضة الكبرى إلى إشعار آخر، أو حتى إلغاء أحداثها المجدولة لتجنّب تجمع الحشود. فخلال الأسابيع الأولى من انتشار وباء كورونا في العالم، زادت مبيعات أعمال التجارة عبر الإنترنت. لكن مع ازدياد المخاوف من أن تطول فترة الحجر الصحي المنزلي، وعدم التأكد من تحصيل المكاسب أو الرواتب، والقلق بشأن النظافة واحتمال انتقال الفيروس من خلال تسليم المنتجات، اضطر بعض منصّات التجارة الإلكترونية الرئيسة إلى تعليق عملياته. وكل هذا يؤكد أنها أزمة لم يسبق لها مثيل ولم يشهدها العالم من قبل. ويتركّز السؤال هنا على المدة التي يمكن أن تتحمّلها هذه الشركات من دون القيام بأنشطة تجارية، وإلى متى يمكن الشركات الصغيرة والمتوسطة تحمّل تكاليف الاحتفاظ بموظفيها والاستمرار بالتزامها تجاه المورّدين من دون الإخلال في اتفاقياتها. من المحتّم أننا سنشهد في الأسابيع والأشهر المقبلة إعلان عددٍ كبيرٍ من الشركات إفلاسها واختفاء بعض العلامات التجارية.

وفي المقابل، سيدعم الكثير من المصمّمين الصناعة من خلال فتح مصانعهم لإنتاج الأقنعة الواقية والمستلزمات الطبية... فالموضة تحارب الوباء على طريقتها الخاصة، وبعض المصمّمين أمثال جورجيو أرماني ودوناتيلا فيرساتشي، يقدّمون مساعدات مالية لدعم الأطباء والمستشفيات.


- كيف يمكن أن تصبح الموضة شعاع أمل في هذه الأيام المظلمة؟

بحكم ثقافتها الإبداعية، كانت الموضة دائماً ترجمة للوضع الاجتماعي والثقافي الذي نعيشه. وإن رؤية كيف يتوق المصمّمون والعلامات التجارية للمساهمة في تطوير المجتمع لهي لفتة مُلهمة من دون شك. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالعلامات التجارية العالمية الشهيرة، أعتقد أن مساهمتها يجب ألا تقتصر على دعم بلدان المنشأ الخاصة بها، بل يجب توزيعها على المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية، خصوصاً أن ثروة هذه العلامات التجارية تأتي من أسواق مختلفة حول العالم. وهذا سيعزز بالتأكيد رسالة "المسؤولية الاجتماعية للشركات" الخاصة بها والولاء للعلامة التجارية. أما عندما يتعلق الأمر بالشركات الناشئة والمصمّمين الصاعدين، فيكفي أن يساهموا في دعم مدنهم فقط. والأزياء مثل أي صناعة أخرى، هي وسيط قوي في إعطاء الأمل للمجتمع ومساعدة المنظمات على تحقيق أهدافها. دعونا نتذكر مبادرة ستيف جوبز "Red" التي تمثلت في ابتكار هاتف "آي-فون" باللون الأحمر، واللون الأحمر يرمز الى نشر الوعي حول مرض الإيدز، إذ تذهب نسبة 100٪ من مبيعات هذا "الآي-فون" الأحمر مباشرةً إلى الصندوق العالمي لمكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" لتوفر برامج الاختبار والاستشارة والعلاج والوقاية، مع التركيز بشكل خاص على وقف انتقال الفيروس من الأمهات إلى أطفالهن. وقد جمعت "Red" حتى الآن أكثر من 500 مليون دولار، وأثّرت في حياة 90 مليون شخص. ويمكن أن تُصدر العلامات التجارية الشهيرة في عالم الأزياء، وبالتعاون مع الأمم المتحدة قراراً يقضي بتخصيص نسبة مئوية معينة من مبيعات عام 2020 لتمويل الكواشف الطبية (Test Kit) والمعدّات الطبية التي تعاني المستشفيات نقصاً في عددها، بالإضافة إلى تطوير اللقاحات ضد فيروس COVID-19. وفي النهاية، أي مساهمة هي محل تقدير، وتعزّز الأمل في نفوس الناس.

- كيف يتغلّب قطاع الموضة على الفوضى التي خلّفها فيروس كورونا والتي تؤثر في صناعة الأزياء؟

بكلمات بسيطة، تحتاج صناعة الأزياء إلى إعادة ابتكار نفسها، والعالم الذي نعيش فيه اليوم مختلف تماماً عن القرنَين العشرين والتاسع عشر. فحن نعيش في عصر التكنولوجيا الحديثة والوسائل الرقمية والاجتماعية المبتكرة باستمرار، مما يتطلب خريطة طريق مختلفة. وعندما يُطرح هذا السؤال، أحب دائماً أن أذكّر الناس بالأحداث التاريخية التي حوّلت الإنتاج الضخم لصناعة الملابس الجاهزة إلى إنتاج بدلات عسكرية للجيش خلال الحرب العالمية الأولى، وكيف توقفت الملابس النسائية عن كونها انعكاساً للوضع الاجتماعي للمرأة. ففي القرن السابق، أي قبل الحرب العالمية الأولى، كان لباس المرأة يعكس هويتها ووضعها الاجتماعي وعمرها. فكانت نساء الطبقة الأرستقراطية يغيّرن ملابسهن أربع مرات في اليوم، من ملابس النهار إلى ملابس السهرة. وكان تبديل ملابسهن يستغرق الكثير من الوقت والعمل بسبب طبقات القماش المتعددة، وضرورة ارتداء مشدّ الصدر الذي كان يتطلب شخصاً إضافياً للمساعدة في شدّه وإحكامه. وكانت الشابات فوق سنّ الثامنة عشرة، يُسرّحن شعرهن على شكل كعكة دائرية مزيّنة. وكانت التنانير طويلة وتلامس الأرض فلا تُظهر الأحذية ولا الأرجل. وكانت الخيّاطات يصنعن الأزياء للنساء الأرستقراطيات وفقاً لتصاميم مخصّصة لتناسب شخصياتهن الفردية. وقد قلّدت أنماط ملابس النساء دور الأزياء في باريس، وغالباً ما استُخدمت الأقمشة المستوردة. والفوضى في الواقع لم تبدأ مع انتشار فيروس COVID-19 بل هي منتشرة منذ العقود القليلة الماضية، من خلال الصناعة السريعة للأزياء والإنتاج الضخم غير المسؤول والتشويه غير الأخلاقي واللاإنساني للمخزون القديم الفاخر، مما يعكس عدم المسؤولية تجاه المجتمع والبيئة. وكل هذه السيناريوهات مهّدت الطريق أمام حملة توعية جديدة تحت مظلة الاستدامة التي حدّدتها الأمم المتحدة ضمن أهداف التنمية المستدامة الـ 18 والتي أُسيء استخدامها في وقت ما من جانب العديد من العلامات التجارية، ممّا دفع بمجلس الأزياء العربي إلى إطلاق مشروع "العلامة الخضراء" Green Label لتأييد العلامات التجارية التي تُنتج أزياء تراعي الشروط البيئية المناسبة وتحارب العلامات التجارية التي تقوم بعمليات الغسيل الأخضر، أو ما يعرف بالـ Green Laundering (مما يعني تنظيف صورتها من طريق إساءة استخدام شروط الاستدامة). ومن السهل إنهاء هذه الفوضى إذا وحّدت كل العلامات التجارية في عالم الموضة قواها الإبداعية للتركيز على إعادة التدوير، والجودة بدلاً من الكمية. فعندما تلتزم العلامات التجارية باتباع هذه الخطوات الإرشادية، لن يكون أمام المستهلك خيار سوى دعمها.

- ما هو دور "مجلس الأزياء العربي" في هذه الفترة العصيبة؟ وكيف يمكنه دعم مصمّمينا العرب؟

خلال هذه الفترة، يركز "مجلس الأزياء العربي" على مشروعين رئيسين: الأول هو العمل جنباً إلى جنب مع السلطات الصحية المحلية والإقليمية لاستمرارية التحديث حول وضع انتشار فيروس COVID-19، والثاني هو إنشاء منصة للعلامات التجارية العربية والمصمّمين والمورّدين الموهوبين للمشاركة في دعم المجتمع من خلال إنتاج ما تحتاج إليه المستشفيات لسدّ النقص. ويمكن المصمّمين المساهمة من طريق صنع منتجات مهمة في مشاغلهم الخاصة، مثل الأقنعة الجراحية، وبدلات العزل، والمطهّرات. ويعمل "مجلس الأزياء العربي" على تجهيز المنصة، وسيزود المصمّمين والشركات الراغبة في المساهمة بالمواصفات المعتمدة من السلطات الصحية.

من ناحية أخرى، نتفهم الأوقات العصيبة التي يمر بها الجميع، وخاصة العلامات التجارية والشركات الناشئة، لذا تعاونّا مع شركات متعددة الجنسية في مجال التكنولوجيا والتسويق الرقمي لتأمين منصّة جاهزة قوية في غضون شهر للعلامات التجارية وتجّار التجزئة والمتاجر الكبرى لبيع مجموعاتهم على مستوى العالم بما يتجاوز الحد الجغرافي للمتاجر الفعلية. وسيتم تمكين العلامات التجارية والشركات العربية للانضمام إلى المنصة بدون تكلفة، وهو مشروع سيدعم بالتأكيد الاقتصاد العربي الإبداعي.

- ما الذي يجب على المصمّمين القيام به، أو عدم القيام به في هذا الوقت العصيب؟

دعينا نبدأ في سرد ما لا يجب القيام به، فمن الطبيعي أن يشعر المصمّمون بالقلق، ولكن يجب أن يتجنّبوا الشعور بالذعر أو التوتر، فهناك دائماً بصيص نور في نهاية أي نفق مظلم. ثانياً، حتى لا ينفقوا مدّخراتهم ورؤوس أموالهم على أمور تتحمل الانتظار، يجب عليهم الإنفاق أولاً على الأمور التي تضمن استمرارية أعمالهم في الأشهر المقبلة. وبالنسبة الى ما يجب القيام به، فعلى المصمّمين أولاً تنظيم ميزانيتهم المالية، وذلك عبر تحضير قوائم الدائنين والمدينين، ثم أن يناقشوا مع مورّديهم شروط  دفع مريحة من دون الشعور بالضغط أو القلق، فنحن جميعنا نواجه هذه الكارثة معاً ولا أحد محصّن منها. كما على المصمّمين مراجعة نموذج أعمالهم إذ إن الوقت الحالي هو الأفضل لإعادة النظر في ما يناسبهم، كما يجب ألاّ يحزنوا للتخلي عمّا لم ينجحوا فيه. في الوقت نفسه، ننصح المصمّمين بالاستمرار في التركيز على تطوير مجموعاتهم، لأن العالم والحياة سيستمران في حضّهم على التركيز على الجودة بدلاً من الكمية، وهذا هو الوقت المناسب لتطوير ما نقوم به.

- كيف ينبغي على هؤلاء المصمّمين التعامل مع هذه الفترة في ما يتعلق بتراجع مستوى مبيعاتهم؟

يجب أن يدرك المصمّمون أنهم ليسوا وحدهم في هذه الأزمة، فقد تراجع عمل معظم الشركات، وهي في معظمها تواجه أوقاتاً صعبة مماثلة. لذا يجب أن يناقشوا مع مورّديهم شروط الدفع المرنة، وأن يختاروا الدعم الحكومي عند توافره. كما طرح عدد كبير من المصارف خطط دعم مالية للمساعدة في هذه الفترة، لذا يُعدّ خيار الاستفادة من القروض لمن تتوافر لديه الشروط، خياراً جيداً على المدى القصير. أما لمن لا يستطيع المُضي في هذا الخيار، فإن أفضل ممارسة هي البحث عن التعاون مع شركات أخرى للتسويق المتبادل والترويج مع اتّباع النصائح المقدَّمة سابقاً من حيث توخّي الحذر في إنفاق رأس مالها، ومناقشة الوضع الحالي مع مورّديها وموظفيها. ويشهد الكثير من المصمّمين فترة ركود متعلّقة بعمل فريق ورشات الخياطة بسبب انخفاض عدد الطلبات، مما يؤدي إلى بقاء الموظفين بلا عمل، لذلك نقترح العمل مع جميع الموظفين كفريق واحد وإشراك هؤلاء في اجتماعات مجلس الإدارة لاستكشاف كيفية تحقيق أقصى قدر من الأداء والانتفاع من القدرات في مجال الموارد البشرية خارج دائرة الموظفين المعتادة. فالعصف الذهني الجماعي هو الأفضل، والاستماع إلى رأي فريقنا هو أداة رائعة للتغلب على الصعوبات.

- برأيك، هل من خطط مخصّصة لهذه الصناعة؟

إذا أردنا الحديث انطلاقاً من منظور عام، أرى أن هناك الكثير من الخطط، والاحتياجات لإصلاح العديد من الثغرات في الصناعة. صناعة الأزياء أبعد ما تكون عن الكمال، وتحتاج إلى النظر إلى العالم من منظور مختلف. الخطة الأولى التي أؤمن بها بقوة هي وضع تشريع عالمي يجب على كل العلامات التجارية الالتزام به أيضاً. وفي الوقت الحالي، تم تعليق الكثير من الخطط السابقة وسط الإحباط والشكوك التي نواجهها. كما تم إعلامنا خلال الأسابيع السابقة بخطة نهائية تقضي بإلغاء أسابيع الموضة الرئيسة في لندن وميلانو وباريس لشهر حزيران/يونيو، بالإضافة إلى أسبوع الأزياء الراقية في باريس الذي كان مقرراً في شهر تموز/يوليو. ولكن السؤال الذي يُطرح هنا، ماذا بعد؟ ما مدى استدامة نموذج الأعمال الحالي؟ هل أسبوع الموضة ضروري، وكيف يمكن أن يتطور؟ هل لا تزال سلسلة التوريد التقليدية تعمل؟ هل يجب أن تبدأ العلامات التجارية في اتّباع مخطط الطلب المسبق لضمان حجم دقيق في الإنتاج يحدّ من المخلّفات الفائضة؟ هذه الأسئلة تطرحها كل منظمة وكل مصمّم وكل مجلة موضة. نحن في مجلس الأزياء العربي، نعقد حالياً اجتماعات مع وسطاء القوّة وصنّاع القرار لتحليل ما هو ضروري فعلاً، وكيف يمكن نموذج الأعمال أن يفيد المصمّمين بشكل أفضل، ويؤمّن لهم إنفاقاً أقل وكسباً أكثر. فالمصمّمون يشعرون بالإرهاق ويصلون إلى نقطة التحوّل، إلى علامة تجارية معروفة، كما ويتعرضون للكثير من الضغوط المالية والإفراط في العرض في السوق، مما يضعهم في مواجهة صعوبات عدة يجب عليهم تخطّيها ليحققوا النجاح. وأخيراً، يجب القول إن خريطة الطريق لتنفيذ مهمتنا لا تزال تُعتبر صالحة، ونحن ملتزمون جداً ومركّزون في بناء نظام أزياء عربي لن يفيد العالم العربي فحسب، بل سيضيف أيضاً قيمة مستدامة إلى أسواق أخرى مثل أوروبا.

- هل الإنترنت هو الحلّ؟ وماذا يمكن أن يقدّم لهذه الصناعة؟

بالتأكيد، يُعدّ الإنترنت حلاً في الوقت الراهن. مثلاً، إذا كنا نعيش في الصين، فهل يمكننا البقاء على قيد الحياة والنجاح من دون تعلّم كيفية التحدّث باللغة الصينية؟ طبعاً لا! والمثال نفسه ينطبق على حياتنا اليوم؛ فنحن نعيش في مستعمرة قائمة على الإنترنت، وستُضاف قريباً الأعمال التجارية غير المتّصلة بالإنترنت إلى القائمة. فالإنترنت تقنية رائعة تتيح فرصة التواجد في كل مكان، وفي الوقت نفسه مهمة لكل نشاط تجاري إذ تربطنا جميعاً ببعضنا البعض وتردم الفجوة الناشئة عن الحواجز الجغرافية والثقافية. ويمكن الإنترنت أن يقدّم لصناعة الأزياء كل ما تحتاج إليه، ولكن من دون الشعور العاطفي الذي يوفره الحضور الشخصي. كما يمكنه أن يؤمّن موارد سريعة للمواد، ويتيح المزيد من خيارات الإنتاج، ويُسهّل حركة المرور للبيع، ويجعل التسويق أفضل. فالإنترنت يقدّم كل شيء للجميع بتكلفة أقل واستثمار أقل. كما يفتح باب المنافسة على مصراعيه، مما يؤدي إلى الاعتماد بشكل أكبر على الإبداع في العمل بدلاً من الحظ. لقد تطرّقنا فعلاً إلى أهمية الإنترنت في خلق الوعي بين المستهلكين، فقبل 10 سنوات، لم يكن العملاء العرب مهتمين بشراء العلامات التجارية المحلية، وكانوا يختارون فقط ارتداء ما تقدّمه العلامات التجارية العملاقة، ولكن اليوم اختلف الأمر، بحيث أصبح العملاء أكثر تعليماً وبدأوا يهتمون بالقصة الكامنة وراء كل منتج، وهذا إيجابي.

- ما الذي يمكن أن تقوله لمساعدة الجيل الشاب أو عمالقة صناعة الأزياء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ 

في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، المبدعون الشباب الصاعدون أكثر بكثير من العمالقة. بدايةً، أود أن أقول لجيلنا الشاب والمصمّمين الموهوبين أن يفكروا "خارج الصندوق"، ويحاولوا أن يبنوا الحمض النووي الخاص بهم، وأن يكونوا فريدين في التفكير والإنتاج والتسويق، ويقلّلوا من التقليد والنسخ، ويركّزوا أكثر على الأزياء الجاهزة بدلاً من الأزياء الراقية، وأن يفكّروا أكثر بملابس النهار بدلاً من ملابس السهرة والسجادة الحمراء. نهدف الى مساعدة المصمّمين الناشئين ليصبحوا عمالقة، وهذا سوف يعزّز اقتصادنا. تخيّلي لبنان مع خمس علامات تجارية مثل "دولتشي أند غابانا"؟ هذا وحده يمكن أن يساعد الحكومة اللبنانية في إعادة هيكلة اقتصادها ودفع سنداتها المتأخرة. أنا فخور جداً بالجيل الشاب الذي يحفّزني على العطاء في هذا المجال، فهم المستقبل الفعلي للمنطقة العربية، وإبداعهم هو المورد الوحيد المتجدّد لدينا. أما عندما يتعلق الأمر بالعمالقة في منطقتنا، فإن أقل ما يمكنني قوله هو أنني فخور بإنجازاتهم، ولكن حان الوقت الآن لبذل المزيد من الجهد للمساعدة في تطوير المنطقة، لذا أحضّ هؤلاء العمالقة على التفكير في إنشاء المزيد من برامج الدعم للعلامات التجارية الشابة والمجتمع بشكل عام، وهذا لن يؤثر في علاماتهم التجارية بل سيعزّزها. أحب دائماً أن أعطي مثال العملاق الإيطالي جورجيو أرماني الذي يدعم المواهب الإيطالية الشابة باستمرار، حتى أنه يضع في تصرفهم الاستوديو الخاص به لتوفير تكلفة إنتاج عرض الأزياء. وأستذكر أيضاً كيف ساعدت علامة TODS في ترميم الكولوسيوم حين لم تكن الحكومة الإيطالية قادرة على تحمّل تكلفة الترميم.

- ما النصائح التي تسديها إلى المرأة التي تخلّت عن الموضة في الحجر الصحي؟

أعتقد أن المرأة في هذه الفترة لم تعد تتّبع الموضة بشكل كبير، لأنها كانت بحاجة إلى النأي بنفسها عن مجتمع مرهق يحكم على المظهر. أعتقد أن المرأة تستمتع بمهماتها الإنسانية والعائلية، بعيداً من اعتبارها مجرد كائن استهلاكي، فتركّز جهودها على تمضية الوقت مع العائلة. ومع ذلك، أود أن أقول لها: "عليك أن تبقَي جميلة وتحاولي خلق أسلوبك الجديد الخاص بك، فالموضة لا تقتصر على الكعب العالي وفساتين السهرات فقط، بل الغرض منها أن تكوني مرتاحة وجميلة وفريدة وتثيري إعجاب المقرّبين منك وأحبّائك. من الرائع أن نكون أنفسنا مع الأشخاص الذين نحبّهم، لا الأشخاص الذين ينتقدوننا. والآن هو الوقت المناسب لتتّبعي قواعد الموضة الصحيحة أكثر من أي وقت مضى. التقطي المزيد من الصور لنفسك، وابتكري لحظات ذات أسلوب جميل وأنتِ في الحجر المنزلي، واجمعي المزيد من الذكريات. وأخيراً، تأكدي من أن هاتفك مملوء بالصور الجميلة حتى تتمكّني من تجنّب اللحظات المُحرجة عند رؤية صورة لك بإطلالة فظيعة عندما تعودين يوماً ما لرؤية صور الحجر لربيع  2020".

- كيف يمكن الموضة أن تغيّر حياتنا إلى الأفضل؟ 

يمكن الأزياء أن تغيّر حياتنا إلى الأفضل عندما ننظر الى الموضة كصناعة، لا كمجموعات جديدة. هناك العديد من الأمثلة: أولاً من خلال إعطائك صورة لـ 20 مليون امرأة عربية تعمل في صناعة الأزياء وتكسب المال بسهولة وتدعم أسرتها، وثانياً من خلال مساهمة العمالقة في دعم الاقتصاد والمجتمع، وثالثاً من خلال المبادرات كمبادرة Red من Apple التي تبلور فكرة شراء منتج ما مع العلم المسبق أن هذا المنتج ينقذ حياة الآخرين. فالأزياء جميلة وهي عالم واسع من الألغاز التي لا يفهمها إلاّ القليلون. والموضة فن، وهي أفضل وسيلة لنشر السلام ورواية القصص. فقصّة الأزياء تشبه إلى حد كبير قصّة حبّ أبدية: عندما تحبّين الموضة، لا بدّ من أن تبادلك هذه الأخيرة بالمثل. 

- هل من اقتباس مفعم بالأمل يعجبك شخصياً؟

"إذا لم تطرق الفرصة بابكِ، اصنعي باباً… وعندها من المؤكد أنها ستطرقه!".

المجلة الالكترونية

العدد 1075  |  حزيران 2024

المجلة الالكترونية العدد 1075