سعيد الماروق في خطواته الأولى نحو العالمية
هو أول مخرج يخرج فيلماً أميركياً في هوليوود. سعيد الماروق، اللبناني الذي احترف إخراج الكليبات منذ حوالي عشر سنوات، يخطو اليوم خطواته الأولى نحو العالمية من خلال فيلم أميركي يصوّر في الولايات المتحدة بموازنة ضخمة وبمشاركة نجوم عالميين. وكان أيضاً لسعيد، محطة في إخراج عدد من المشاهد في الفيلم العالمي «Transformer» بجزئه الثاني مع المخرج مايكل باي، وهو الفيلم الذي حقّق نجاحاً خيالياً بجزئه الأول. أما الجزء الثاني الذي عمل فيه سعيد كمخرج «وحدة ثانية» فمَنْ مِن المقرّر أن يعرض خلال شهر حزيران/يونيو.
سعيد الماروق الذي يرى أن كليباته تتعرّض حالياً للإستنساخ، وأفكاره للسرقة، بشكل علني فاضح، فتح قلبه لـ «لها» وأبدى استياءً كبيراً مما يحصل، على اعتبار أن الإبداع هو نتيجة تعب ومجهود فكري، لا يحقّ لأي كان الإستيلاء عليه. فإليكم التفاصيل...
- هل نستطيع القول إن سعيد الماروق يخطو خطواته الأولى نحو العالمية؟
أتمنى ذلك. هناك خطوات مقبلة مهمّة جداً، وسأسافر نهاية العام الجاري إلى الولايات المتحدة الأميركية لإخراج فيلم سينمائي أميركي.
- سنتحدّث طبعاً عن هذا الموضوع، لكن نريد أن نسأل أولاً عن مشاركتك في تصوير الفيلم العالمي «Transformer». ماذا عنه؟
هو الجزء الثاني من فيلم «Transformer» مع شركة «Dream Wonk» التي يمتلكها المخرج ستيفن سبيلبرغ، والفيلم من إخراج مايكل باي الذي تعتبر أفلامه من أكثر الأفلام التي تحقّق إيرادات عالمياً. حصل الإتصال من حوالي 4 أشهر، وبدأت المفاوضات، إلى حين التوصّل إلى الإتفاق الذي أقول صراحة أني فرضت شروطي فيه. أما عن عملي في هذا الفيلم فهو «Second Unit Director» أي مخرج وحدة ثانية. وهذا لا يعني «مساعد مخرج»، بل هو مخرج مستقلّ مع فريق عمله المستقلّ أيضاً، يتولى تصوير مشاهد معيّنة، وذلك يحصل بسبب ضيق الوقت. أي يقوم المخرج الأساسي بتصوير مشاهده، والمخرج الثاني يصوّر مشاهد أخرى، ولكن طبعاً بناءً على تعليمات المخرج الأول. ومما لا شك فيه أن لكل مخرج رؤيته وإحساسه. هذا إضافة إلى أني كنت مستشاراً فنياً. فالتصوير تمّ في مصر، ولم يحصل أن قام المخرج مايكل باي بزيارة مصر سابقاً. وقد علموا أني نفّذت الكثير من الإعلانات والكليبات في مصر (بعد أن قاموا بأبحاث عني طبعاً)، فلهذا استعانوا بي كمستشار فني.
- قلت إن مخرج الوحدة الثانية يعمل وفق توجيهات المخرج الأساسي لكن تبقى له بصمته وإحساسه. لكن هل يحقّ له أن يقترح أموراً معيّنة؟
طبعاً. وبالفعل تدخّلت في مشاهد عدّة. منها مشهد نصور فيه عدداً من الجمال تسير، فاقترحت أن تسير الجمال عكس الخط الذي كان مرسوماً لها. وهكذا حصل.
- دون شك كانت تجربة رائعة؟
بالتأكيد. بل كانت أكثر من ذلك. المعدّات المستعملة خطيرة، فريق عمل ضخم، بينهم سيدة تُدعى جنيفر وليامز كانت مسؤولة عن الأزياء في الفيلم، وهي عملت في فيلم «تايتانيك» ونالت جائزة أوسكار. تعرّفت إلى كثير من الأشخاص المهمّين بينهم المنتج وهو من شركة «ديزني وارنر»، وقدطلب مني الإتصال به فور وصولي إلى أميركا كي نعمل معاً. ما أريد قوله إن هؤلاء الأشخاص الذين تعرّفت إليهم، ربما كان يلزمني سنوات وسنوات لألتقيهم. إضافة إلى الإحترام الذي عاملوني به. حتى الممثل «شيالو بوف» صُدم عندما علم أني لبناني ورأى طريقة معاملتهم لي. وأيضاً المخرج مايكل باي، كان يعرّف عني بالقول «سعيد الماروق مخرج مهمّ من لبنان». ومن المشاهد التي صوّرتها، مشهد مطاردة سيارات، مشاهد لأبي الهول، ومشاهد أخرى في الأهرام مع الممثل جون تورتورو. أنا سافرت قبل مايكل إلى مصر، وحضّرت كل شيء هناك، ضمن المواقع التي طلبها. والجميل أنه استعان بـ 90٪ مما حضّرته، من المعدات، زوايا الكاميرا وغيرها من التفاصيل، لكني عملت مع أهم فريق عمل في العالم.
- ماذا عن الفيلم الذي ستصوّره في أميركا؟
التحضيرات بدأت بالفعل، سواء بالنسبة إلى مواقع التصوير وأسماء الممثلين، وسوف يفاجَأ الجمهور العربي بأسماء الممثلين المرشّحة للمشاركة في الفيلم. وهذا الفيلم سيكون من إخراجي وحدي، والقصّة أميركية بحتّة لا علاقة لها بالعالم العربي (والقصة والسيناريو رائعان بالمناسبة). وهذا أمرٌ مهمّ جداً بالنسبة إليّ كوني سأقوم بإخراج فيلم أميركي 100٪. هو من أفلام الـ Thriller، فيه غموض وتشويق. وأنا أضع عليه آمالاً كبرى، لأنه إن نجح سيفتح أمامي بالتأكيد مجالات واسعة عالمياً في هوليوود.
- نريد أن نعرف بعض التفاصيل كإسم الفيلم والجهة المنتجة...؟
لا أستطيع إعطاء هذه التفاصيل حالياً، لكن المنتجة هي سايون سونغ الكورية الأصل وهي المسؤولة عن تسويق الفيلم وهي التي رشّحتني.
- ماذا عن الأسماء المرشّحة للفيلم؟
بول ووكر، نيكولاس كايج، كيانو ريفز، فيليب سيمور هوفمان، وسكارليت يوهانسون وغيرهم.
- أي هناك أكثر من نجم؟
القصة ترتكز على 3 أشخاص، أما البطلة فسيكون لها إطلالة خاصة «Special Appearance» أي ليس دوراً كاملاً. وهناك أيضاً شقيق الممثل بن افلك. وسوف أسافر إلى أميركا خلال كانون الأول/ديسمبر، على أن نباشر التصوير في شباط/فبراير ليتمّ عرض الفيلم في تموز/يوليو بإذن الله.
- ومتى سيعرض «Transformer»؟
خلال حزيران/يونيو.
- هل لنا أن نستذكر أسماء بعض أفلام مايكل باي مخرج «Transformer»؟
هي كثيرة وعديدة، وكما ذكرت سابقاً من الأفلام التي حقّقت أعلى الإيرادات عالمياً، كمثل «ارماغيدون» لبروس ويلس، «The Rock» مع نيكولاس كايج وشين كونري، «The Island»، «Bad Boys 1-2»، «بيرل هاربور» وغيرها.
- مع الفيلم الذي ستصوّره في أميركا، تكون أول مخرج عربي يقوم بإخراج فيلم أميركي؟
هذا صحيح، لم يحصل هذا سابقاً في هوليوود.
- لكن البعض يعتقد أن مصطفى العقاد صوّر أفلاماً في هوليوود؟
طبعاً أنا لست بوارد مقارنة نفسي بمصطفى العقاد رحمه الله، فهو مخرج كبير ومبدع حقيقي، لكنه أنتج أفلاماً في هوليوود، مثل «هالووين»، وهو مخرج «عمر المختار» و«الرسالة» الذي كان مدرسة بحدّ ذاتها عندما صوّر بنسختين. لست بوارد مقارنة نفسي به. لكن أريد القول إن هذه أول مرّة يقوم أشخاص من أميركا بالإتصال بمخرج عربي ويبدون رغبة في التعاون معه، إذ لست أنا من عرض نفسي عليهم.
- أين شاهدوا أعمالك؟
حصل ذلك العام الماضي عندما سافرت إلى الولايات المتحدة وأريتهم أعمالي على شكل Show Reel، واجتمعت مرّة بسايون المنتجة وتحدّثنا مطوّلاً، والظاهر أنها تأثّرت بأفكاري. لا أعرف.
- تتحدّث من مدّة طويلة عن «سينما ريفولي»، الفيلم اللبناني الذي كنت تنوي إخراجه. فهل عدّلت عن هذا المشروع؟
شعرت بالإحباط لأني لم أتمكّن من تنفيذه. وأعلنت عنه أكثر من مرّة على أساس أننا سنباشر العمل فيه. لكن يحصل شيء ويؤخّر الموضوع. أما اليوم فأنا سعيد بكوني لم أنفّذه بعد. لأني إذا صوّرته بعد الفيلم الأميركي سيأخذ حقّه أكثر بكثير مما كان يمكن أن يحصل.
- هل ستعدّل أموراً فيه؟
طبعاً، وقد باشرت هذه التعديلات، منها كتابة جديدة.
- بدأت بإخراج الكليبات العربية منذ حوالي عشر سنوات تقريباً، ومما لا شكّ فيه أنك تركت بصمة خاصة ومميزة. اليوم، وأنت تقف على أبواب العالمية، هل شعرت بأنك مقدر؟ هل أخذت حقّك كمخرج مبدع؟
في كثير من الأحيان كنت أقول بصراحة كلا، وأسأل لماذا يحصل معي هذا. لكن ولا مرّة أثّر ذلك في عملي وفي إيماني بعملي. أنا أحب بلدي لبنان. وأكبر متعة يعيشها الفنان أو الذي يمتلك موهبة، هي عندما يرى الناس المحيطين به سعداء به وبموهبته، هذه فعلاً أمتع لحظة. أما أصعب لحظة، فهي عندما يرى هذا الشخص المحيطين به يجرّحون به. أنا أعيش مع أهل بلدي كل يوم، لهذا يصعب عليّ الشعور بأن هؤلاء الناس الذين أراهم كل يوم ربما لديهم نظرة خاطئة تجاهي. لكني واثق أنه في يوم من الأيام سيكون التقدير موجوداً.
- لكن للأسف في العالم العربي، غالباً ما نكرّم المبدعين بعد فوات الأوان (بعد عمر طويل يعني)؟
(يضحك) هذا ما أخاف منه.
- ليس هذا فقط، ربما بعد أن تنجح في هوليوود قد لا تعود إلى لبنان، خصوصاً أن المغريات كثيرة هناك؟
لا أعتقد ذلك. ربما لا يعود المرء إذا سافر في سن صغيرة جداً. أما اليوم وأنا على أبواب الأربعين، فلا يمكن أن أستقرّ في أميركا وأُلغي كل ما هو بداخلي ومحفور في ذاكرتي، لا أستطيع ذلك.
- وسط هذا الحديث عن التقدير وعدم التقدير، نرى اليوم كليبات لك تُسْتَنْسخ في كليبات أخرى بشكل علني وواضح وأنت تحدثت أمام أحد الصحافيين عن سرقة فكرة كليب ملحم زين «علواه» الذي صوّره مع المخرج فادي حداد. ماذا حصل تحديداً في هذا الكليب؟
قبل أن أتحدّث عن كليب محلم زين، سأتحدّث بشكل عام. أنا أحب أن نتطوّر جميعنا ونتقدّم، ولا أمانع إن كان أحد المخرجين متأثّراً بأفكاري. لكني أحزن عندما يحصل التعدّي على أفكاري وليس مجرّد تأثّر. قبل أيام قليلة كنت أتحدّث عبر الهاتف مع الفنان عاصي الحلاني الذي قال لي إنه يشاهد كليباً كأنه كليب «سألوا عينيّ».
- أنت تقصد كليب ميسم نحاس الأخير الذي صوّرته مع فادي حداد؟
بالضبط، في الجزء المصوّر في الصحراء. وليس فقط في هذا الكليب، بل حقيقة هناك عشرات الكليبات المقلّدة في الفكرة وكادرات الصورة، حتى هناك تقنيات أنا ابتكرتها وهي تقنيات بدائية أنا استعملتها، أراها تقلّد. بعض التقليد مسموح، لكن الإستنساخ طبعاً مرفوض، تماماً كما الموسيقى، إذ يُسمح بأخذ 4 موازير من جملة لحنية، لكن أكثر من ذلك تعتبر سرقة.
- حتى حكاية الموازير الأربعة منعت عالمياً ولم يعد مسموحاً استعمالها؟
(باستغراب) فعلاً؟! لم أكن أعلم بذلك... في النهاية هذا حق وأنا مع هذه القرارات. لأن الإبداع هو عبارة عن تعب ومجهود فكري كبير، فيأتي شخص ليأخذ عصارة هذا التعب دون أي وجه حق. وهناك كليب جديد يُعرض هو نسخة طبق الأصل عن كليب «ليه مشتقالك» الذي صوّرته لنوال الزغبي. لكن النسخة المقلّدة هي دائماً مشوّهة.
- أنت تقصد كليب الفنانة هدى سعد لأغنية «ما صدّق» الذي أخرجه فادي حداد؟
صحيح، هو مستنسخ في كثير من الأمور، مشهد الفستان الأزرق، والبحر والفلاشات وألوان الصورة وغيرها. وكما قلت النسخة المقلّدة تضرّ بالفنان لأن هذه صورته، وهذا يضيّع هويّته خصوصاً إن كان لايزال في البدايات ولا يملك هوية أساساً، فحرام وضعه في هذه الخانة. هناك فوضى مستشرية. ولاحظي معي، النسخة المقلّدة تكون دائماً خالية من العمق في المضمون، لهذا تبدو تافهة. من هنا أنا أنصح الفنانين بدرس ما يقومون به قبل تنفيذه كي لا يندموا لاحقاً. أنا أذكر جيداً أنني في بدايات عملي كمخرج، كانت الصحافة تنتقدني على أي خطأ صغير وإن كرّرت نفسي في مشهد ما، ولم تكن ترحمني. لهذا أسأل، أين هي الصحافة ممّا يحصل اليوم؟! هناك آخر يكرّر كل مشاهدي ويكرّرني أنا بالكامل. كنت أتضايق عندما ينتقدني أحد، لكني تعلّمت الكثير جرّاء هذه الانتقادات وصرت أنتبه أكثر، وأقول إن الصحافة ربّتني كي أبتكر دائماً كل جديد وهذا هو دور الإعلام. لكن لماذا يتغاضون اليوم عن التكرار، لا بل الاستنساخ! ربما لأن هناك زحمة وكليبات كثيرة فلم يعد هناك وقت لمتابعة كل شيء. لكني لا أعذر الفنانين.
- غريب أن كل نماذج التقليد التي ذكرناها تخصّ المخرج فادي حداد؟
صحيح، لكنه ليس الوحيد وهناك كثر غيره. هناك مثلاً كليب جديد لأحد الفنانين مستنسخ من كليب «قلبي مال» الذي صوّرته لرامي عيّاش في تركيا... ربما لأن فادي عمل معي لسنوات طويلة كمدير تصوير، فأصبح لديه مخزون كبير من سعيد الماروق، لكني أحب أن أرى فادي يبتكر شيئاً. أحب أن نكون حقيقيين وليس كذبة أو مجرّد لقب. أما في ما يخصّ ما حصل مع كليب ملحم زين فأنا لا أضع اللوم على فادي حداد بل على ملحم زين نفسه. لهذا أنا لن أسمح بعد اليوم لأي فنان بأن يقصدني ويسمع مني فكرة، ثم ينقلها إلى مخرج آخر وينفّذ منها أي شيء ولو حتى بنسبة 20٪. كما أحترم الأغنيات التي يسلمونني إياها قبل أن تصدر كي أسمعها وأضع لها سيناريو كليب، عليهم هم أيضاً أن يحترموا الأفكار التي قد نذكرها أمامهم. أنا أحافظ على سريّة أعمالهم ولا أُسمع أغنية لم تصدر بعد لفنان آخر. هذا عيب! و«ما بقا يتشاطروا علينا»، وعليهم أن يحترموا جهدي وتعبي وتفكيري في السيناريو. قالوا إن هناك توارد أفكار حصل، لكن لا يمكن أن أصدّق ذلك، إذ لا يعقل أن يحصل توارد الأفكار بنسبة 90٪ وحتى في اختيار مواقع التصوير، والدليل أن الكليب الذي نفّذ هو عبارة عن صور تمرّ دون أي رابط وأي عمق، لهذا أنا متأكّد مما أقوله، وقد يكون ملحم نسب الفكرة إلى نفسه وطلب من فادي حداد تنفيذها.
- هلا شرحت لنا بشكل سريع ما قصة كليب «علواه». ماذا حصل؟
ما حصل أن ملحم قصدني وأسمعني أغنية «علواه»، على أساس أن نصوّرها فيديو كليب. فركبت الفكرة وكتبت السيناريو و«الستوري بورد»، واجتمعنا مرّات عدّة وحدّدنا الموازنة المطلوبة التي كانت 90 ألف دولار أميركي. لكن شركة «روتانا» المنتجة للعمل لم توافق على أكثر من 60 ألفاً. فقال لي ملحم أنه سيدفع 20 ألفاً من جيبه الخاص ويحاول مع «روتانا» زيادة العشرة آلاف المتبقية. ثم عاد وقال لي إن الشركة لم توافق وأننا لن نستطيع تنفيذ الكليب. فقلت له «بسيطة» خيرها بغيرها. وفوجئت لاحقاً بالكليب منفّذاً مع مخرج آخر لكن بفكرتي أنا.
- هل تعتبر أن هناك نسخاً يعتمده فادي حداد، في الوقت الذي ينتشر فيه تقليد الأفكار منك ومن سواك من المخرجين؟
أنا فعلاً أتحسّر على الفترة الماضية، عندما كنا حوالي 8 أو 10 مخرجين (وذلك من 3 سنوات تقريباً)، لكن أحداً منا لم يكن يقلّد الآخر أو يشبهه. بل كان لكل واحد منا خطّه الخاص دون الأخذ عن الآخر. كنا نسير بخطوط متوازية، بغضّ النظر عن نوعية بعض الخطوط أو مستواها. أما اليوم، فهناك مخرجون جدد لا يقومون بشيء سوى التقليد. لهذا أسألهم: ماذا تفعلون؟ أين الفكرة؟ ما هو الجديد الذي تقدّمونه؟ أين الربط بين الأفكار؟ أين العمق في المشاهد؟ حتى لو نفّذنا أغنية إستعراضية مبنية على الرقص، أين الربط؟ كل ما يحصل أن هناك تدهوراً كبيراً، وللأسف الفنانون يساهمون فيه وربما الشركات أيضاً، لكن هذا لا يجوز إذا كانت هذه الشركات تعتبر نفسها شركات فنية.
- في الفترة الماضية شهدنا تطوّراً ملحوظاً في الكليب العربي على صعيد التقنيات والإخراج. لماذا يحصل التدهور اليوم؟ ولماذا نسير إلى الوراء؟
هناك عودة فكرية إلى الوراء. التقنيات موجودة، والمعدّات المتطوّرة أيضاً موجودة. لكن الكليب ليس فقط صورة جميلة، أو نقول هذا الكليب جيد إذا كان الفنان يبدو فيه جميلاً! ونحن جيل من المخرجين الذين كافحوا لإقناع الفنانين بأنه ليس بالضرورة الظهور بماكياج كامل، ووصلنا إلى نتيجة، وهذا جزء من الكفاح ولكن ليس كلّه طبعاً. ويبقى السؤال الكبير، هل الكليب مجرّد صورة؟ بالطبع لا، هو فكر... أين الفكر؟ بينما السائد اليوم «قصّ ولزّق» واشترينا كاميرا وأصبحنا عظماء! أنا لم أقم يوماً بشراء كاميرا، لأن ليست الكاميرا هي التي تصنع المخرج، بل هو من يصنعها ويعرف كيف يستعملها ويوظّف التقنيات الموجودة فيها. هناك فوضى في ظل غياب النقابة والرقابة. يأتي شخص ما كان بالأمس يلهو بالماء، ويقول عن نفسه اليوم إنه مخرج ويعتبر نفسه زميلاً. عذراً ولكني لا أقبل هذا، بعد 20 عاماً من العذاب والتعب والدراسات. يستطيع أي كان أن يكتب عبارة «مخرج» على صورة الكليب، لا بل بروفسور في الإخراج، لكن هذا لا يعني أننا سنعترف له بذلك.
- كان لافتاً تكريم جاد صوايا في لبنان على أساس أنه مخرج. ما رأيك في ذلك؟
(يضحك) أنا فعلاً ليست لديّ مشكلة مع أحد. لكن أقول «لا». هذه الفوضى لم تعد مسموحة، «والله حرام». هم يسيرون بنا إلى المكان الخطأ. لكن لماذا السكوت؟ هل يعقل أن الكل صار يسكت عندما يرى الدولار. حتى الفنانون، صار أشباه المخرجين يشترون كليباتهم.
- ماذا تعني؟
أعني ما يحصل عند بعض موظّفي شركات الإنتاج، فيأخذ كل واحد منهم ألفاً أو ألفَيْ دولار لتمرير بعض الأمور أو لتسيير بعض المخرجين. هل هذا هو الفن؟! فلماذا أريد التقدير! إن كانوا سيقدرونني وسط هذه الفوضى أو المعمعة، فالأمر لا يعني لي شيئاً على الإطلاق. تُصدمين عندما تسمعين عن أغنيات كانت مرشّحة مثلاً كي يصوّرها مخرج معيّن، فتتحول بقدرة قادر إلى مخرج آخر لأنه دفع رشوة أو تنازل أكثر أو تملّق أكثر... في حياتي لم أكن لأقبل بالقيام بأمور مماثلة كي يُكتب إلى جانب إسمي «مخرج». لأنه في النهاية، يجب أن أقتنع بنفسي أمام المرآة أني مخرج، قبل أن أقنع الآخرين، وكي أصل إلى مكان ما. هم يكذبون على أنفسهم، والإخراج ليس مضاربة ولا حرباً مادية، بل منافسة فنية وليس تجارة خردة لمن يدفع أكثر. في بعض الشركات هناك فعلاً رشاوى تحت الطاولة وفوق الطاولة، وعصابات ومافيات و«مشّيلي هيدا بمشِّيلك هيدا» (أي كما يقول المصريون «شيّلني وأشيّلك»... فليقفلوا، هذا أشرف وأفضل، أو ليقولوا صراحة نحن تُجّار، لكن لا يحقّ لهم القول إنهم فنانون.
- كنت تقول إن فادي حدّاد أهم مدير تصوير؟
لا أريد أن يُفهم من كلامي أني أقصد فادي. هو معذور «لأن السوق كله هيك»، ولا أعرف أصلاً إن كان يعتمد هذه السياسة لكني أتحدث بشكل عام. أما كمدير تصوير فهو لم يعد أهم مدير تصوير، لأنه صار تجارياً، ولم أعد أرى الصورة الجميلة التي كان يقدمها في السابق.
- وإخراجياً؟
سبق أن قلت إن هناك فوضى، وبعض المخرجين يسير في الشارع على أنه سبيلبرغ. أنا شخصياً أعترف بأن بعض كليباتي فشل، والبعض الآخر كان جيداً أو مميزاً أو في مرحلة الوسط. لكني مستمتع لأني أريد أن أنجح كل يوم، وأريد أن أنجح لنفسي أولاً، لكني لا أشتري النجاح بالمال، بل بالتعب والاجتهاد. ومن الصعب أن نعيش في كذبة، وكل المخرجين الجدد اليوم دون استثناء «باعة بطاطا». لهذا السبب هناك مخرجون جدد لديهم الموهبة، لكنهم لا يعملون، لأنهم لم يدخلوا في هذه المتاهات. منهم مثلاً هاني خشفة، هو فنان لكن لا أحد يتعامل معه. مثلاً نادين لبكي تجدينها انسحبت، سليم الترك أيضاً وغيرهم وغيرهم. صوّر سليم أغنية جديدة لكارول سماحة لكنه متفرّغ للإعلانات لأنه يُقدّر هناك أكثر. وبالمناسبة سليم الترك لديه خط خاص في الإخراج، كذلك وليد ناصيف، ندرك سريعاً أن هذا الكليب من تنفيذه لأن فيه أسلوبه. وحتى وليد تجدينه مقلاًّ في الفترة الأخيرة. لأن المسألة لم تعد «أنت ماذا تقدم»، بل «أنت ماذا ستدفع»!
- نسينا أن نسأل، هل تحدثت مع ملحم زين بخصوص موضوع كليب «علوّاه»؟
نعم اتصلت به، ونفى أن يكون سرّب الفكرة وقال إنه توارد أفكار وراح يبرّر. لكني صراحة لم أقتنع ولم أصدّق ما قاله لي. لكن ليتهم نفذوا الكليب بطريقة صحيحة لما كنت انزعجت. مشكلتي ليست مع فادي حداد لأنه أساساً لا ينافسني.
- هل تشعر بأن هناك موجة استيلاء على الأفكار في العالم العربي، في كل المجالات؟
للأسف هذا صحيح بعدما كانوا يقلدون الأجانب اليوم يقلدونني، وأنا لم أشعر بذلك إلا عندما حصل الأمر معي فتضايقت كثيراً. ليس هناك من يحاسب، وهذا الأمر يحصل مع كثيرين، من صحافيين وكتّاب، وملحّنين وشعراء ومخرجين وغيرهم... لا وجود لأي قانون ينظّم هذا الموضوع.
- رغم كل هذا تصرّ على عدم الاستقرار في أميركا؟
طبعاً أنا مصرّ، كي أثبت الحقّ. تخيّلي أن أكون قد دفعت مثلاً مليون دولار أميركي لأحد الوسطاء كي أحظى بإخراج الفيلم! أو لأني أملك خمسين كاميرا مثلاً. وبالفعل قدّمت أموراً كثيرة في عالم الكليب العربي وابتكرت تقنيات ومشاهد... ربما أخفقت في أماكن معيّنة، لكني في كل مرّة كنت أعتمد على نفسي وليس على سواي.
- هل ستترك مجال الكليبات نهائياً بعد الفيلم في أميركا؟
كلا أبداً، أحب هذا العالم.
- من أحدث الكليبات التي صوّرتها أغنية «يمكن» لعاصي الحلاني، وأنت تتعاون معه منذ حوالي السنتين. هل صحيح أنه خلافاً كان قد وقع بينكما؟
كلا أبداً، ليس في كل مرّة يختار المطرب تصوير أغنية مع مخرج، يكون بالضرورة على خلاف مع المخرج الذي تعاون معه سابقاً. وبالحديث عن كليب «يمكن»، أستطيع القول إنه أكبر دليل على ما قلته بداية عن أن الإخراج عمق وفكر. إن تأمّلنا فيه جيداً، نجد أن أبرز ما فيه هو الإحساس، أما القصة فهي عادية جداً. فنلاحظ أن المشهد الذي ينفّذ هو ملك صاحبه، لذا لا يمكن أن يكون تافهاً أو مستنسخاً. وكل الألوان التي رأيناها في الكليب أو الزوايا التي صوّرناها والكادرات، كانت كلها نابعة من إحساس حقيقي بموضوع الأغنية، لهذا يبدو كل شيء صادقاً.
- وماذا عن نانسي عجرم، صوّرت لها هذا العام أغنيتين، الأولى «بتفكّر في ايه» والثانية «مين داه اللي نسيك»، وقد رأيناها في صورتين مختلفتين تماماً؟
صحيح، أحببت هذا التناقض بين الكليبين. بالنسبة إلى كليب «بتفكّر في ايه» الذي رأينا فيه نانسي مع الغيتار، كان جديداً كلياً على نانسي وعلى الجمهور العربي أيضاً، وربما شكّل صدمة. وأريد القول إن أهميّته ستظهر لاحقاً، خصوصاً أنه سيفتح لنانسي مستقبلاً مجالاً للظهور بأكثر من شكل، بعد أن حفظها الناس بصورة واحدة، هي صورة الفتاة الطيبة أو الطفلة. هذا الكليب هو المفتاح لتدخل في تجارب أخرى. وعلى الجمهور أن يتقبّل هذه الصورة كي لا نحصر نانسي في إطار واحد.
- البعض يقول إنه في كليب «مين داه اللي نسيك» رأينا نانسي للمرّة الأولى امرأة ناضجة؟
صحيح مئة في المئة. كان هذا الهدف من الفكرة. والجمهور العربي يحب الرومانسية والبساطة، وهو تكملة لقصة كليب «إحساس جديد». لكن الجديد بالنسبة إليّ هو ما قدّمته لنانسي في كليب «بتفكّر في ايه» الذي لم يأخذ حقّه بعد، لكنه سيأخذ حقّه مستقبلاً.
- نانسي نالت جائزة «الورلد ميوزيك آوورد». ومن اللافت أنه في السنوات الماضية (قبل أن تنالها إليسا للمرّة الأولى)، لم نكن نسمع عن الشائعات بأن الجائزة مدفوعة الثمن، عندما نالها عمرو دياب ولطيفة وسميرة سعيد. لماذا؟
لأننا لا نحبّ لأحد أن ينجح. وكنت أتمنى لو أن أحداً يقدم دليلاً واحداً بدلاً من الإتكال على الأقاويل. ما حصل أضاع نكهة الجائزة وأهميتها. لكن لا يحقّ لأي كان رمي الأقاويل والتخمينات هنا وهناك دون أي دليل.
- أين أصبح عمل «نبض الشوارع» الذي صوّرته لآمال ماهر؟
لن يعرض للأسف. هو عمل رائع جداً أعتزّ به لكن لا أعتقد أنه سيعرض.
- لماذا؟
هناك أسباب كثيرة، لكنه وُلِدْ ولا بدّ أن يرى النور يوماً ما. لن أتحدث عن الأسباب لأني لم أقتنع بها أساساً.
- هل من كليبات جديدة ستصوّرها؟
من المفترض أن أصوّر ستة أو سبعة كليبات، وهي لنجوى كرم، فضل شاكر، وائل كفوري، رامي عياش، وائل جسار ونانسي عجرم. لكن لا أعتقد أني سأتمكن من تصويرها جميعاً بسبب ضيق الوقت كوني سأسافر إلى أميركا. لكن المؤكد أني سأصوّر لنجوى ووائل جسار ورامي عياش.
- نودّ أن نعرف رأيك في تجربة زوجتك جيهان في إخراج كليب للفنانة فلّة، ولماذا لم تصوّر سوى هذا الكليب؟
هي توقّفت بسبب الحمل. لكن الكليب كان جميلاً وأحبّه الناس.
- يقولون إنك أنت من تولى إخراج الكليب خصوصاً أنك كنت موجوداً طوال وقت التصوير؟
«معليش ما أنا كنت معن كلّن». صحيح كنت موجوداً، لكني كنت مشرفاً لا أكثر وإسمي موجود في الجينيريك. الفكرة كانت لها بالكامل ولن أقبل أن تنجح هي في الإخراج لأنها زوجة سعيد الماروق، وإلا أكون كمن يضحك عليها وعلى نفسه.
وفي أول تجربة لها، من الطبيعي جداً أن أكون موجوداً معها. وبالمناسبة أحببت كثيراً إحساس المرأة المخرجة في الكليب. وأنا يلفتني الإحساس الأنثوي لدى المرأة المخرجة، فهو مختلف عن إحساس المخرج الرجل.
- من تتفوّق على الأخرى في الإحساس، رندى علم أم ليلى كنعان؟
أعتقد أن رندى تتفوّق في بعض الأعمال، وليلى في أعمال أخرى. لكن رندى لديها إدارة ممثل جيدة جداً، وأعتب على ليلى كثيراً. وأطلب منها ألاّ تتأثّر بأفلام كورية وتنقل منها مشاهد كاملة حتى في الألوان والملابس. ربما الجمهور لا يعرف، لكن نحن نعرف الأفلام التي تنقل منها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024