تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

لقاء عادل إمام ويسرا

لقاء زعيم الكوميديا عادل إمام والمتألقة دوماً الممثلة المصرية يسرا الرقم 14 خالف أداء الثنائي الناجح الذي عهدناه منذ منتصف الثمانينات خصوصاً في الأفلام التي جمعتهما وتناول بعضها أوجاعاً إجتماعية مصرية لطّفتها الكوميديا المنصهرة مع الموقف الواقعي (كراكون في الشارع، رسالة على الوالي، جزيرة الشيطان، المولد، المنسي، طيور الظلام، الإرهاب والكباب..).

أنضمّ إلى الحملة النقدية السلبية التي لم يسْلم منها فيلم «بوبوس» المثقل بالسيناريو الرتيب والتكرار والأحداث غير المبرّرة درامياً ولا كوميدياً، كما أن عنوانه جاء ضعيفاً وإن إنسجم مع أهواء عشّاق سينما الصيف. وكان من الأنجع تسمية الفيلم ب«نظرية بوبوس» إبن «نظام» الشخصية الرمزية التي يحاول عادل إمام كسب مودّتها لتسوية جدولة سداد قروضه الطائلة. حاول الفيلم بفشل مقاربة ومعالجة أزمة فساد ضجّت بها مصر وقضائها في منتصف التسعينات حين تعاظم تعثّر رجال الأعمال في تسديد القروض للبنوك إثر تسهيلات الجهاز المصرفي المصري، فوجد البعض منهم ملاذه في الخارج فيما سجن البعض الآخر.

وهذا ما أخفق في نسجه سيناريو الكاتب يوسف معاطي الذي أغرق المشاهد ب«مواقف مضحكة» غير مضحكة وغير ممزوجة بشجن الواقع الذي وإن ظهر لم يتضافر كما عهدنا في أفلام عادل إمام، باستثناء مشهد خجول جمع الممثل أشرف عبد الباقي وخطيبته (الممثلة مي كسّاب في دور تهاني) التي «قرأ فاتحتها» منذ تسع سنوات. كما أن مشهد الضرب الطريف والمؤاتي في فيلم «عريس من جهة أمنية» حين تبادل عادل إمام والفنانة لبلبة الضرب على شاطىء البحر بدا نافراً في فيلم «بوبوس» حين ضرب يسرا وهي ترتدي فساتينها القصيرة والجريئة وحين حملها على كتفيه وتمدّدت على الأريكة كاشفة عن ساقيها وكانت تظهر في كل مشهد وكأنها تقول: «أنظروا أنا لا أشيخ».

لم تنافس يسرا نفسها كما تُردّد على الدوام بل خسرت الرهان بعدما لم يرتقِ دورها -لا أداؤها المتمّيز- إلى إطلالاتها السينمائية التي لم تستأنفها بألق التأثير بل الإثارة. من جهة أخرى، ما حكاية الأبواب التي تفتح وتغلق في أفلام عادل إمام والتي تبعث على الملل وتُنْبِىء المُشاهد بمجريات الأحداث؟ لقد روّج «بوبوس» بتعثّر لملف دقيق بدأ بمدخل تمهيدي رائع مواكَباً بموسيقى مثالية لمن يبحث في جدولة ديونه في لندن ثم يعود إلى مصر، عادل إمام بدور «محسن الهنداوي» المثقل بمئة مليون جنيه ناسفاً مقولة التذوّق السينمائي: «الدقائق الأولى من الفيلم تحدّد خيار المشاهد» بعد ندرة توظيف المشاهد الدرامية كمّاً ووقتاً ونسيان المخرج تسليط الضوء على عوالم الشخصيات، حتى البطل عادل إمام ظهر مقطوعاً من شجرة.


فيض من العري لم يضمن سطوع الفيلم ولم يعزّز من جماهيرته بل وسم الفيلم بالترقيط الذي زيّن أزياء يسرا والذي تحوّل إلى فجوات شوّهت رسالة الشريط المُعلنة.

من جهة أخرى، جاور عادل إمام الموجة المصرية التي تحاول زج كل ما هو لبناني في العمل الفني وبارك خطوة مصرف لبناني بسطحية وتهكّم لإطلاق الأخير قرضاً موجّهاً لذوي الدخل المحدود - دون ضمانات- يغطي مصاريف عمليات التجميل الجراحية وتقويم الأسنان ويدعم من يعاني خللاً في تناسق ملامحه أو مشكلة جمالية تهدّد صحّته.. كذلك تشغيل أسطوانة النجمة نانسي عجرم في المناسبة السنوية لرحيل زوج مُهجة (يسرا) والذي بدا دخيلاً على الأجواء وغير منطقي.

عادل إمام «محسن الهنداوي» الذي يقرر إسترجاع أمواله من رجال الأعمال، فيزور قصور الدائنين كريم ثروت الذي ينتحر بالرصاص بعد إعلان مصرف في مانهاتن حيث يودِع ثروته إفلاسه، وهاشم الصلحدار الذي يفقد رشده ويتحوّل إلى «راقصة» بعد خسارته للملايين، فيما الزيارة الأخيرة لعطية أبو السريع المتوفى منذ سنة ترسم أحداث الفيلم.

تستقبله زوجته «مُهجة النجّار» التي تشتعل غضباً حين يفاجئها الهنداوي بأنه يمتلك قصرها مناصفة معها وتعده بأن تريه «وجهها الثاني»، أحداث حافلة بالضرب وال«حب» ورافلة بالأزياء الجريئة تنتهي بعواطف جياشة تولد لحظة إنكسار تصيب أحد موظفي القصر (أشرف عبد الباقي) الذي يعمل أيضاً كرجل أمن في أحد المنتجعات وسائق «تُكتك» «غير شرعي» يحاول الفرار من حاجز شرطة لكنه يفشل.

أداء رائع ومؤثر ل«رأفت» أشرف عبد الباقي لعلّه الألمع سينمائياً خصوصاً حين خاطب بحنق الريّس «الكِبير»، حسب تعبير عادل إمام. لحظات واقع مطليّة بالحقيقة لم تمكث كاميرا المخرج وائل إحسان عند حيوية المأساة الكامنة فيها، خصوصاً حين يستقل عادل إمام وسيلة نقل شعبية تنطوي على هموم هزلت أمام الطرح غير الشاجب للفساد، الذي فتك في الإقتصاد المصري في الشق غير المرئي، والذي وضع نهاية تترك في الأذهان جمال أزياء يسرا ولو كنت مواطناً غير مصري وأجهل أزمة القروض المتعثرة وفضيحة رجال الأعمال كنت لأتعاطف مع مصير هؤلاء وما كنت لألامس فسادهم البعيد عن دائرة المرأة.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077