آثار الحكيم
من يقرأ أو يسمع بحديث الفنانة آثار الحكيم في السطور التالية - ولا يعرفها - قد يعتقد أنها في طريقها الى وضع الحجاب وربما للاعتزال، ولكن من يعرفها أكثر يدرك أنها تعشق عملها وتؤمن برسالته وأهميته وتفرح كطفلة حين تعثر على العمل الذي يحقق رسالة ويحمل فكراً. ومن يعرفها سيلاحظ أيضاً أن تغييراً كبيراً طرأ على حياتها. فقد أصبحت أكثر قرباً من الله وأكثر ثقة وثباتاً. آثار الحكيم تطل على المشاهدين في شهر رمضان في شخصية الدكتورة أميرة أستاذة الاقتصاد ورئيسة أحد البنوك التي تتصدى بقوة لمحاولات الاستيلاء على المال العام، وذلك في مسلسل «على وتر مشدود» الذي يعيدها الى التمثيل بعد غياب ثلاث سنوات. التقيناها فتحدثت عن سبب عودتها وأحوال الفنانين وهل تغار من زميلاتها وحكاياتها مع ارتداء الحجاب ولماذا تمنع «الدش» و«المحمول» عن أبنائها، ورسائلها إلى عبد الحليم حافظ وسعاد حسني ونجيب محفوظ وأولادها.
- عودة بعد غياب. لماذا كان الغياب وهل وجدت ضالتك في «وتر مشدود»؟
الغياب اختياري لأنني لم أجد العمل الذي أنشده ورفضت أن أعمل لمجرد أن أقول أنا موجودة. لم أفعلها في بداياتي فهل أفعلها الآن؟ وطوال السنوات الثلاث الماضية كنت أقرأ أعمالاً وأجد فيها شيئاً يجذبني ثم تحدث ظروف ولا يتم المشروع. فمثلاً «وتر مشدود» قرأته قبل خمس سنوات وتحمست له بشدة عندماعرضه عليّ المؤلف عماد نافع المصري المقيم في كندا. ثم حدثت ظروف إنتاجية تسببت بتأخر تنفيذه. وقد وجدت فيه فعلاً ما أنشده فهو يحمل ملامح رومانسية وكوميدية وتشويقية، وجذبني إليه أنه يتعرض لقضايانا العصرية وأيضاً حواره الجريء، كما أنه يجمعني بمجموعة عمل رائعة وفي مقدمتهم صديقتي معالي زايد التي أشعر بمتعة عندما أعمل معها.
- هل أنت مستمتعة بعودتك إلى الكاميرا؟
في البداية كنت متخوفة لأنني أتعامل مع غالبية فريق العمل للمرة الأولى، ومع الوقت بدأنا نعرف بعضنا وحدث بيننا نوع من التواصل الإنساني والفكري حتى أصبحنا جميعاً كأسرة واحدة.
- ما الذي يفسد عليك استمتاعك بالعمل الفني؟
عدم التحضير الجيد للتصوير وعدم الالتزام من البعض بمواعيد التصوير لارتباط الزملاء بتصوير أكثر من عمل. وبصراحة فالمناخ العام في الفن وفي كل شيء أصبح عشوائياً. حين صورت «زيزينيا» عملنا ١١ شهراً وصورت «نحن لا نزرع الشوك» في عشرة أشهر، الآن إذا استغرق تصوير المسلسل خمسة أشهر يعتبره المنتج «خراب بيوت» مع أنه رابح في جميع الأحوال، لكن لماذا يكسب عشرة ملايين! وفي إمكانه أن يكسب خمسة عشرمليوناً. وهناك منتجون يحاسبون الممثل بالمشهد وليس بعدد الحلقات والممثلون مضطرون لقبول ذلك لأنهم غلابة.
- الممثلون «غلابة» كيف؟
لو أن عدد الممثلين خمسة آلاف فمنهم خمسون فناناً هم «كبار النجوم» الذين يتقاضون الملايين لكن النسبة الباقية تعاني مثل باقي المجتمع، فإذا حصل ممثل على ثلاثين ألف جنيه في عمل سيصوره لعدة أشهر كم سيدفع لمظهره ولمجرد أنه ممثل ثم من يضمن أن يجد عملاً آخر فوراً، ومن يضمن ألا يجلس في بيته شهوراً أو سنوات في انتظار العمل. فالفنانون مثل عمال التراحيل الذين يجلسون في الميادين انتظاراً لمقاول أنفار يطلبهم، فإذا لم يجدوه عادوا بوفاض خالٍ إلى بيوتهم وإلى أجل غير مسمى.
- هل تتحدثين عن فنانين موهوبين أم مغمورين وكومبارس؟
في هذا الأمر الكل يكاد يتساوى، فهل الممثل موظف تضمن له جهة معينة أن يعمل مسلسلين في السنة؟ لا بالطبع فلا ضمان، ولا ثبات للدخل. وأكثر الفنانين لا يستطيعون دفع ثمن شقة في إسكان الشباب الذي تدعمه الدولة.
- لماذا تتجاهلين «نجوم الملايين» الذين تلتهم أجورهم أغلب ميزانية العمل ولا يتركون سوى «الفتات» للآخرين؟
المنتج هو المسؤول عن ذلك وهو الذي يظلم الفنانين الكبار والصغار، فهو لا يعطي فناناً أجراً إلا إذا كان سيحصل من ورائه على ثلاثة أضعافه.
- لكن المنتجين أنفسهم يشكون من المغالاة في أجور النجوم؟
يحاولون فقط إخفاء مكاسبهم بهذه الحجة لأن الفنان الكبير هو الذي يؤمن أن الله هو السبب في رزق جيش من الفنانين والفنيين. ثم إن هناك أمراً كثيراً ما ننساه وهو أن الله هو الذي يرزق كل الناس «وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها»، فحين نقول لماذا حصل فلان على الملايين فهذا تدخل في حكم الله سبحانه وتعالى.
- ومن يعمل بهذه القناعة؟
لأن الدنيا تأخذ معظمنا فيحقد أو يحسد هذه نظريات دنيوية، لكن المال والسلطة والنفوذ مقلب كبير.
- ألم تقارني أبداً بين أجرك وأجور الممثلات الأخريات؟
هناك آليات تفرض عليك قيمة أجرك مثل مدى نجاح عملك الأخير، وحجم توزيع عملك واسمك في السوق، لكن هل تصدقين أنه منذ لحظة تحديد أجري لا أعرف كم دخل جيبي وهذا يحدث معي طوال عمري فلا أعرف كم أنفقت وكم بقي معي لأنني لو ركزت في قيمة ما معي سوف أجد نفسي مهتمة بقيمة المادة فقط والفلوس استخدمها في ما يحتاجه بيتي وكل من حولي، بمعنى أن أسأل نفسي الفلوس معي من أجل ماذا؟ وليس كم معي لأنه لو شعرت بأن قيمتك في ما معك من نقود سوف تصبحين عبدة لهذه الفلوس.
- هل وصلت إلى هذا بحكم نضجك كإنسانة وفنانة؟
صدقيني المادة لم تكن أبداً تمثل فارقاً معي، المهم أنني أقدم عملاً مقتنعة به وليست القضية كم سأحصل من ورائه.
- لكنها صارت مقياساً للتقويم؟
هذا قانون البشر والذي يمشي وراء منهج البشر سوف يضع نفسه في دوامة اللا رضا، وقد يتحول إلى حاقد وحاسد للآخرين، فهل نسير وراء منهج البشر وننسى منهج خالقهم.
- من يسمع كلامك يعتقد أنك في طريقك إلى الاعتزال؟
الدين ليس اعتزال الحياة بل عمل، ولا أرى أن ثمة تعارضاً بين الفن والدين. الدين لا يطلب منك اعتزال الحياة لكن سوف يسألنا الله عما أعطانا من موهبة، هل نستعملها في الخير أم الشر؟ إذا قدم فنان عملاً رديئاً لا يقلّ خطأه عن طبيب نسي فوطة في بطن المريض...
- هل سيكون وضع الحجاب خطوتك المقبلة؟
الدين سلوك وليس غطاءً للرأس فقط، فالحجاب نقطة في بحر من الدين. الدين كما قرأت وفهمت ثلاث مراحل، الأولى أن نعرف ديننا وهناك الآلاف الذين يحفظون كتاب الله وفي ذلك ثواب عظيم، لكن في المرحلة الثانية يجب أن نفهم الدين، وفي المرحلة الثالثة أن نطبق ما أمرنا به الدين، وهي مرحلة تبدأ صعبة ثم تتدرج في السهولة حتى تصل الى درجة الاستمتاع بطاعة الخالق وتنفيذ أوامره.
- هل وصلت إليها؟
بفضل الله أجاهد.
- هل هناك من أخذ بيدك إلى هذا الطريق؟
منذ فترة طويلة وأنا أحضر دروساً دينية، لكن هناك أفراد أسرة صديقة كانوا جيراناً لنا سيدة وزوجها وأولادهما الثلاثة وكانوا أصدقاء لأولادي، وكنت ألاحظ أنهم يربطون بين كل مواقف الحياة بالدين. وهذا استوقفني وجعلني انتبه وقلت لماذا لا أجتهد مثلهم؟ وعاهدت نفسي على قراءة بعض آيات القرآن الكريم يومياً، فإذا كنت أحرص على قراءة كم كبير من الصحف يومياً فلماذا لا أقرأ صفحة من كتاب الله يومياً. وبدأت أدعو ربي ألا ينقطع هذا الحرص وصرت أتلهف على الوقت الذي أمسك فيه كتاب الله، وأشعر بأن ما أقرأه يومياً يفتح لي آفاق يومي ويشعرني بأمان وسعادة.
- كنت قد مررت بفترة صعبة في حياتك؟
كنت مشغولة وليس عندي وقت للتفكير والتأمل الكافي، وكنت مسؤولة عن ثلاثة أطفال وكان الوقت ضيقاً ولا يتيح لي فرصة للقراءة فكنت أحضر ندوات دينية باستمرار.
- منذ بدايتك اخترت أولادك قبل فنك، ألم تندمي على ذلك في أي وقت؟
أبداً لسبب واحد أنني كنت أؤدي حق الله عليّ مع أولادي، فأي عمل تقصدين به «وجه الله» سواء مع زوجك أو أولادك أو جيرانك، ولو عادت الأيام سأختار الاختيار نفسه دون تردد.
- ألم يشغلك أبداً من سبقنك فنياً؟
إطلاقاً لأن الأولاد رزق آخر، فالرزق ليس أموالاً فقط بل هو أنواع أخرى أيضاً. الصحة رزق والأولاد رزق قد لا يعطيه الله لآخرين والحياة كلها أرزاق يمنحنا إياها الله ثم يحاسبنا عليها ومن قراءتي المكثفة للدين على مدى العامين الماضيين أدركت أننا لابد أن نذكر أنفسنا يومياً بكلام الله، فهل يمر يوم دون أن نأكل ونشرب؟ لماذا لا نعطي الله حقه أيضاً، وقد حرصت على إيقاظ الوازع الديني في أطفالي منذ الصغر فكنت أبحث عن أعمال فنية تناسبهم حتى وجدت قصص الأنبياء بالصلصال التي أبدعتها المخرجة زينب زمزم. كان ذلك قبل أن تقتحمنا الفضائيات.
- هل مازلت ترفضين إدخال الفضائيات إلى بيتك؟
لو كان الأمر بيدي لأصدرت قوانين صارمة وصريحة بمنع الفضائيات و«الموبايل» لمن هم أقل من ٢١ سنة، لأن الفضائيات تحمل ثقافات عديدة ومختلفة والإنسان لا تكتمل شخصيته قبل ٢١ سنة. و«الموبايل» اعتبره كارثة ومن أكبر أسباب التفكك الأسري. الماضي حين كان في البيت هاتف واحد كنا نعرف من يكلم بابا وماما وكان أبي وأمي يعلمان بأصدقائنا ومن يتصلون بنا. الآن هناك صمت فلا تعلم الأم والأب من يحدث ابنهما فلم يعد من حقهما أن يعرفا ذلك، ويجب ألا يلوما سوى نفسيهما فالحكاية تبدأ من الأم التي تريد الاطمئنان على طفلها بـ «الموبايل»، فكيف كانت تطمئن عليه قبل اختراع المحمول الذي أصبح أول خطوة في التفكك الأسري؟!
- أعرف أنك رفضت شراء محمول لابنك الأكبر عمر حتى وهو في المرحلة الثانوية؟
وما زلت أرفض لكن والدهم استجاب لهم وقد جعلته يقتصر في استخدامه على إجازة نهاية الأسبوع وليس في وسط الدراسة لأنه لابد من إعطاء كل عمل حقه، ولو كان الناس يعون ذلك لاختلفت الأمور. لكن حتى الكبير ليس لديه الوقت ليفكر ويتأمل في ما يراه ويسمعه.
- أنت تبحثين إذن عن المدينة الفاضلة؟
هذا منهج خالق البشر لكنني كنت أجهله. السيناريو الذي وضعه لحياتنا يقول إن علينا الاختيار بين أن نعيش في شقاء أو رضا وراحة بال وقد اكتشفت أن لكل شيء مفتاحه البسيط.
- في ظل كل هذا كيف يبدو التمثيل بالنسبة إليك؟
أشعر بسعادة غامرة حين أترجم الكلمات المكتوبة على الورق إلى مشاعر وأحاسيس تمس قلب المتفرج وتؤثر فيه وتغيره. هذا شيء ممتع ورسالة عظيمة، فأنا أحسّ بكل كلمة أقولها. في مشهد حزن أسقط في بحر الدموع ولا أعرف كيف تتحول ملامح وجهي مع كل مشهد أؤديه، فأنا لا أنام قبل أن أتشبع بالشخصية وبالمشاهد التي سأجسدها في اليوم التالي.
- هل تشعرين بالرضا والسعادة؟
جداً، ولا أتمنى من الله سوى أن يثبتني على ما أنا فيه وأن يكفيني شر نفسي وشر الشيطان. فأنا أضع في الاعتبار الأول حساب ربنا من الدنيا والآخرة سواء في عملي أو سلوكي الشخصي.
- أليس لديك تطلعات تعذبك؟
أنا وصلت بكل رضا إلى أن احتسبت أولادي عند ربي وأراعي حق الله في طريقة تقويمهم.
- ماذا تتمنين في هذه المرحلة من حياتك؟
باستمرار نعمة الله والصحة والستر لي ولأولادي ورضا ربي عليّ، وفي كل مشهد أمثله أتمنى أن أحقق الصالح للناس.
- أعرف أن لك محاولات في الكتابة فماذا عنها؟
أكتب حالات تقتحمني أو مواقف أو نقداً لفيلم، فكتبت لابني الأكبر عمر رسالة عند مولده أتمنى فيها أن يصبح مثل نجيب محفوظ. وكتبت رسالة لعبد الحليم حافظ في ذكراه فقد كنت أتمنى أن أعيش زمنه. وكتبت لسعاد حسني بعد موتها. وآخر رسالة كتبتها كانت للمخرج خالد يوسف أهنئه فيها على فيلمه الرائع «حين ميسرة».
- رغم الاختلاف الكبير بين توجهاتكما الفنية؟
نعم، لكن الفيلم صادق جداً ولم يجنح إلى الشكل التجاري، أو يحاول تجميل الصورة وهو من أفضل أفلام خالد يوسف من وجهة نظري. دائماً السؤال هو كيف نقدم الفن؟ فهو مرادف للجمال والصدق والسمو والارتقاء ولا يجوز أن يكون إسفافاً وابتذالاً، ففي فيلم «النمر والأنثى» قدمت شخصية فتاة ليل، لكن المهم كيف قدمتها دون إسفاف أو ابتذال.
- من يقرأ ما تكتبين؟
احتفظ بما أكتبه لنفسي لكن زوجي الإعلامي ياسر كمال يقرأ ما أكتبه في أحيان كثيرة.
- من أصدقاؤك؟
أصدقائي قليلون وهم منى عبد الغني ومعالي زايد ونبيلة عبيد ورغدة وسماح أنور، وكان الراحل أحمد زكي صديقي الرائع.
بعيداً عن الحوار
الدكتورة: هذا هو اللقب الذي يطلقونه على آثار الحكيم في الوسط الفني ووصفوها بأنها مثل الطبيبة التي تأتي للكشف على المريض ثم ترحل مسرعة فقد كانت تصور مشاهدها وتجري خارج البلاتوه لكي تلحق بأطفالها.
أول مرة
لأول مرة ترتدي آثار الحكيم النقاب في مشاهد ضمن أحداث مسلسلها الجديد «على وتر مشدود» حيث تضطر للتخفي لمعرفة حقيقة أحد رجال الأعمال الذي يحاول الحصول على قروض لا يستحقها من البنك الذي ترأسه.
إمبراطورية «عين»
عمر وعلي وعبد الرحمن أولادها الثلاثة الذين كما تقول تربيهم بالطريقة نفسها التي تربت عليها من والديها، فقد عاشت كل مرحلة من حياتها بما يتناسب مع سنها وتعرف أن لكل مرحلة «لحظة تمرد» لابد أن نقبلها ونتعامل معها بحكمة.
لوحة الكلاكيت
لوحة الكلاكيت التي يحملها عامل الكلاكيت معلناً بدء تصوير المشهد تتصدر باب شقة آثار الحكيم في المهندسين لتعلن أن حياتها تدور في اتجاهين: فنها وأولادها. تفاصيل اللوحة كالتالي، شركة «أهلاً وسهلاً» تقدم «حباً للأبد» بطولة عمر وعلي وعبد الرحمن وشركاهم، التاريخ: كل وقت، المشهد: لا نهائي، سيناريو وإخراج: ربنا الجميل.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024
مقابلات
بسنت شوقي تتحدّث عن الفن وعلاقتها بزوجها محمد فراج وأسرار رشاقتها
مقابلات
بسنت أبو باشا: أنا محظوظة وأقتدي بالكثير من النجوم
مقابلات