أنغام
إلتقيناها خلال زيارتها الأخيرة لبيروت ودار حوارنا في الجناح المخصص لها في أحد الفنادق الفخمة المطلّة على أجمل شواطئ الساحل اللبناني. حوار مرّ كالنسيم الملطّف لحرارة الصيف كما هي صاحبته، ودافئاً كما هو إحساسها، ورقيقاً كما هي أنغام أغانيها. تحدثت أنغام عن أمور كثيرة بين الفنّ والوسط الفني وزميلاتها الفنانات، وأيضاً حياتها الخاصة وما يؤلمها وأكثر ما جرحها في حياتها. جلسنا، وكان جهاز التلفاز مداراً، فمرّ كليب «ما بتفرحش» للفنانة شيرين. فبادرت سريعاً إلى حمل جهاز التحكّم لرفع مستوى الصوت، فسألتها...
- إلى هذه الدرجة تحبّين شيرين؟
(تضحك) طبعاً أحبها وأحبّ صوتها، لكن هذه الأغنية بالذات تعجبني كثيراً وأعتبرها من أجمل ما غنّت شيرين.
- علاقتكما صارت جيدة جداً في الفترة الأخيرة؟
نعم والحمدلله، وزال سوء التفاهم نهائياً. أخيراً أمضينا معاً أجازة قصيرة، أنا وهي والأولاد.
- (مازحة سألتها) لديك صبيان ولدى شيرين فتاة، هل يمكن أن تصبحي حماة مريم؟
(تضحك) بالتأكيد، لأن شيرين حجزت أحدهما لابنتها.
- يحقق ألبومك الأخير نجاحاً مميزاً في سوق المبيعات. لكن صدوره ترافق مع حملة من معجبي أنغام يهاجمون شركة روتانا معتبرين أنها قصّرت في حقّك. أين كان التقصير تحديداً؟
حصلت ظروف معينة أدّت بدايةً إلى تأخير صدوره، ثم صدر في التوقيت ذاته تقريباً مع ألبومي عمرو دياب وهشام عباس وغيرهما، مما أدّى إلى عدم تنسيق الحملات الإعلانية. لكني متأكدة أن ما حصل لم يكن مقصوداً من جانب روتانا ونتيجة الإهمال. أما المعجبون فقد شنّوا حملتهم من منطلق محبتهم لي تماماً كما يحصل في نوادي المعجبين الأخرى إذ يحزنون إن شعروا بالتقصير تجاه الفنان الذي يحبّونه، لأنهم يعتبرون أن هناك عملاً جميلاً يجب أن يأخذ حقّه من الدعم والدعاية وكل شيء. أنا طبعاً أحترم هذا الحرص لديهم واهتمامهم بأعمالي، لكني أؤكّد لهم وللكلّ أن ما حصل لم يكن مقصوداً، والشركة سعت إلى تدارك الأمر.
- قرأنا لك تصريحاً في إحدى الصحف الخليجية عتبت فيه على روتانا واتهتمها شخصياً بالتقصير؟
قرأت هذا التصريح بالفعل، لكنه لم يكن صادراً على لساني أبداً بل هو ملفّق ولا أساس له لأن أحداً من هذه الصحيفة لم يتصل بي للسؤال أو إجراء حوار. عندما نشر التصريح إتصل بي مسؤولون من الشركة ليسألوني عن الموضوع، فأخبرتهم أن التصريح ملفّق لأني أساساً لم أكن قد أجريت أي حوارات بعد. ربما قرأوا ما كتب في نوادي المعجبين فنسبوه إليّ، لا أعرف.
- عندما تقررين أن تشتكي مثلاً، هل تقومين بذلك عبر وسائل الإعلام؟
كلا أنا لا أحب هذا الأسلوب، بل أتحدّث مع المعنيين مباشرة دون لفّ أو دوران ودون اللجوء إلى وسائل الإعلام لشتم الشركة. ولماذا أشتكي أساساً أو أهاجمهم وأنا أعرف أن التقصير إن حصل ليس مقصوداً؟ في النهاية روتانا هي الشركة التي تنتج أعمالي وهذا الأمر يكلّفها أموالاً كبيرة، فلماذا ستقوم هذه الشركة بتكبّد الخسائر وتتقصّد عدم تسليط الضوء على ألبومي أو أي ألبوم آخر يحقق لها ربحاً إن نجح. دون شك يهمّ روتانا أن تحقق ألبوماتنا مبيعات كي تعيد المبالغ التي دفعتها، فأي منطق يدفعنا إلى تصديق أنها تتقصّد الإهمال!
- لنفرض أن خلافاً حصل بينك وبين روتانا؟
قد أنزعج وأزعل، لكن معروف أن هذا ليس أسلوبي لأني أدرك أن الأمور لا تحلّ بهذه الطريقة.
- كان يفترض أن تزوري بيروت قبل صدور الألبوم لتصوير الكليب. ما الذي حصل خصوصاً أن الكليب لم يصوّر حتى اليوم؟
كنت أبحث عن فكرة جميلة وجديدة لتصوير كليبي، وسأصوّر الأغنية مع المخرج خالد مرعي الذي صوّر لي سابقاً أغنية «بتحبّها ولاّ». وبالمناسبة هو بعيد قليلاً عن الكليبات ويعمل أكثر في السينما والتلفزيون، ومن الأعمال التي صوّرها «تيمور وشفيقة» و«آسف على الإزعاج». كان خالد منشغلاً في الفترة الأخيرة في العمل في أكثر من فيلم لهذا حصل التأخير. أما تصوير الكليب في بيروت فهو كان وارداً بالفعل، وقد تحدثت مع أكثر من مخرج منهم رندى علم التي قدّمت لي فكرة جميلة ورائعة، لكن للأسف تأخّر صدور الألبوم وكانت هي مضطرة للسفر إلى أميركا، فتعذّر تعاوننا. أما يحيى سعادة فقدّم بدوره فكرة جميلة وجديدة لكني لم أشعر بأنها تناسبني. والتصوير مع خالد سيتمّ في موعد قريب إن شاء الله.
- لماذا رغبت أساساً في تصوير كليب مع مخرج لبناني وفي لبنان رغم أن الألبوم لا يضمّ أي أغنية لبنانية؟
لا أجد رابطاً بين الأمرين، أي ليس شرطاً أن أصوّر في لبنان أغنية لبنانية، وقد صوّرت سابقاً في بيروت أغنية مصرية ومع مخرج مصري. أي فنان اليوم يهمّه أن يتعاون مع مخرج ناجح ومميز سواء كان في لبنان أو مصر أو حتى في الصين.
- تراجعت في اللحظة الأخيرة عن إصدار أغنية لبنانية، لماذا؟ وهل لا تزال في حوزتك وقد تصدرينها لاحقاً؟
بصراحة أنا لم أبلغ أصحاب الأغنية بأني لم أعد أريد إصدارها وربما كان هذا خطأ من ناحيتي وهذا ما تسبب بزعل الشاعرة كاترين معوّض مني، لكن هناك علاقة صداقة تربطنا وقد «سامحتني». (تضحك) وإن طارت الأغنية إلى فنان آخر لن أزعل لان هذا من حقّ الشاعرة والملحن سليم عساف. ولا يعقل أن أحجز الأغنية أيضاً وأنا أخطأت بالأساس.
- لماذا ترددت في إصدار الأغنية؟
لم أتردد بل شعرت بالخوف. لا أحبّ تقديم أغنية للناس أنا لست مقتنعة بها أساساً، أو بمعنى آخر «مُش مصدّقة نفسي فيها». عندما سمعت الأغنية بعد التسجيل، شعرت بأني لا ألفظ الكلمات بسلاسة بل أبذل مجهوداً كي أنطقها بالشكل الصحيح، وبالتالي الجمهور لن يصدقّني رغم أن لهجة الأغنية بيضاء وليست لبنانية بحتة، لكن فيها دراما فلم أصدّق نفسي فيها وشعرت بأنه متى أردت الغناء باللهجة اللبنانية يجب أن تكون الأغنية أخفّ وكأني أقدّم تحيّة باللبنانية وليس أغنية لبنانية بكلّ ما للكلمة من معنى أو بشكل جدّي. أو كالزائر الذي يحضر إلى مكان ما للمرة الأولى ويريد أن تكون جلسته خفيفة.
- في ألبومك الجديد كمّ كبير من الإحساس والرومانسية كما عوّدتنا، إضافة إلى أغنيات إيقاعية معاصرة. لو طلبنا منك تلخيص هذا الألبوم ماذا تقولين؟
هو يضمّ 12 أغنية تحكي حالات وتجارب إنسانية عديدة، لهذا أعتبر نفسي محظوظة كوني تمكّنت من تقديم عمل مماثل منوّع إلى هذا الحدّ. فتجدين فيه العشق والكرامة والصدق والتفاؤل والرغبة في الحياة بكلّ ما فيها من صعاب. إضافة إلى التنفيذ الموسيقي الجميل بحيث يستمتع الجمهور بالموسيقى أيضاً التي تأتي ضمن قوالب خاصة وجديدة. أعتبر الألبوم تجربة حب خصوصاً أن كلّ من عملوا فيه نفّذوه بحب واهتمام وكأنهم هواة ومحترفون في وقت واحد.
- ماذا عن الأصداء؟
الحمدلله كانت أكثر بكثير مما كنت أتوقّعه والنجاح كان سريعاً أي مع الأيام الأولى لصدوره، بينما اعتقدت أنه سيأخذ وقتاً كي يحبّه الناس ويلتفت إليه الجمهور ويفهمه لأنه ألبوم دسم. لكن ها هو الجمهور يثبت مرة جديدة أنه قادر على الخروج من المنحدر ويريد بشدّة عملاً «يصحّيلو دماغو تاني» بعدما أصيب بصداع بسبب الضجيج الموسيقي السائد، وكأن الألبوم أتى في الوقت المناسب.
- هل تشعرين بأن نجاحه أكبر من نجاح ألبومك السابق؟
نجحت أغنيات عديدة من ألبومي السابق خصوصاً «بتمنّالو الخير» و»كلّ ما نقرّب» و«ما بتعلّمش» و«ما بحبّش حدّ يشوف» و«بلاش نتعوّد» وغيرها... لهذا أقول إنه كان ألبوماً ناجحاً وأضاف إليّ الكثير على الصعيدين الفنّي والموسيقي، وحمل مواضيع جديدة لم تُعالج سابقاً في أي أغنيات. أما الألبوم الجديد فهو أيضاً خطوة إلى الأمام، وأجد نعمةً من الله أن يتمكّن الفنان من تنفيذ ألبوم ناجح وبمستوى راق، ويتخطّاه بتقديم ألبوم أكثر نجاحاً، لهذا أنا اليوم أكثر خوفاً من أي وقت مضى.
- نحن نسأل عن نجاحه جماهيرياً وليس عن قيمته الفنية؟
هناك عوامل كثيرة تلعب دوراً منها ما ذكرته قبل قليل عن وعي الجمهور، إذ هو ربما بحاجة اليوم إلى هذا النوع من الأغنيات أكثر من السابق، بينما كانت لتمرّ مرور الكرام لو قدّمت قبل سنتين أو ثلاث، لا أعرف.
- أنت أوّل فنانة تركت «عالم الفنّ» وانضمّت إلى روتانا، ثم كرّت السبحة مع عمرو دياب وعشرات من الفنانين، وصدر ألبومك أخيراً مترافقاً مع ألبومات لكبار المطربين المنافسين. ماذا تقولين عن هذه السياسة؟
أعتقد أن روتانا ميّزت نفسها منذ البداية برغبتها في ضمّ كلّ أو أبرز نجوم الوطن العربي في شركة واحدة. لكن من الواضح أن هذا صعب جداً من حيث تنسيق مواعيد الطرح كي لا يحصل تضارب. فكلّ فنان مرتبط بظروف خاصة به وبألبومه ولا يمكن ربطها بمواعيد الفنانين الآخرين. فالفنان يمرّ بعدّة مراحل تبدأ باختيار الأغنيات ثم توزيعها وتسجيلها وتنفيذها، إلى جانب سفره وارتباطاته الأخرى وغيرها الكثير من المحطات والإنشغالات. ويفترض أنه بمجرّد جهوز الألبوم يسلّمه إلى الشركة كي تصدره. فتخيّلي لو أن الشركة مثلاً أرادت تأخير ألبوم معين كي لا يتضارب مع آخر، فقد يتسبب ذلك بتأخير ثلاث سنوات ربما.... وأنا شخصياً لا أملك حلاً لهذه المسألة كما أنها ليست مسؤوليتي، لكني في كلّ الأحوال لا أعرف كيف يمكن حلّ هذه المعضلة. وأريد القول أنه مهما بذلت الشركة من مجهود، الفنان لن يحقق أي نتيجة إن لم يجتهد هو أيضاً ويتابع عمله كي تواكبه الشركة. وهم لن يرفضوا أي طلب يشعرون بأنه مفيد لهم وللفنان خصوصاً إذا كان فناناً ناجحاً... عندها لن يستطيعوا أن يرفضوا.
- هل فكرت مرة بأن الحال كان أفضل أيام تعاقدك مع «عالم الفن» بما أن عدد الفنانين أقلّ؟
كلا، ولا مرة فكرت بهذه الطريقة. حصلت خلافات كبيرة بيني وبين «عالم الفن»، مادية بغالبيتها، إضافة إلى أني لم أكن مقدّرة، وكان يستحيل الإستمرار في ذلك الوضع. كان محسن جابر يصوّر لي أغنية واحدة من كل ألبوم وهذا كان يزعجني كثيراً. حتى أن «عالم الفن» حينها كانت تضمّ كلّ النجوم من عمرو دياب إلى سميرة سعيد وكثر غيرهما، لكن برأيي إن كل شركة كانت لها سياسة مختلفة.
- هل أنت مقدّرة في روتانا أكثر مما كنت عليه في «عالم الفن»؟ وما هو الفرق الذي لمسته في تعاملك مع الشركتين؟
لدى روتانا نوافذ كثيرة ومكاتب منتشرة في كل الدول العربية. بالتالي هي قادرة على مواكبة الفنان في أي بلد، فيما يختص بعرض أعماله وحفلاته وكليباته والخ... وهذه ميزة مهمة جداً في أن يشعر الفنان أن الشركة التي ينتمي إليها موجودة معه في كلّ مكان، حتى لو اقتصر الأمر على مذياع تحمله مراسلة معينة. هذا جيد ويساعد الفنان نفسياً. ومن الواضح أن روتانا تسعى كل فترة وأخرى إلى توسيع دائرة انتشارها وهذا ما لاحظته في مصر أخيراً. وسياستها الحالية في حاجة إلى وقت كي تتضح معالمها ونحكم عليها بشكل دقيق.
- ما هي الأغنية التي ستصورينها؟
«ساعات كتير».
- لماذا تصورينها وهي ليست عنوان الألبوم؟
ولا مرة اعتمدت سياسة تصوير الأغنية عنوان الكليب. في السابق صوّرت مثلاً «سيدي وصالك» بينما كان عنوان الألبوم «ليه سبتها». الألبوم بالنسبة إليّ كتاب له عنوان وغلاف، ويفترض أن يفهم القارئ ملخّصه من العنوان، فيجذبه كي يتصفّح كل ما في داخله. أما في ما يخصّ تصوير الكليب، فأختار الأغنية التي أشعر بأنه يمكن استخراج صور جميلة منها لأهداف تسويقية.
- نجوى كرم قالت كلاماً مشابهاً وهذا هو رأيها بالمناسبة!
(تضحك) «واللهِ؟»، «طيب دي جميلة وبتفهم».
- ما هو الجديد التي تسعين إليه تقديمه في الكليب؟
التركيز الأكبر سيكون على تقديم شيء جديد في الصورة وتقنيات المونتاج وأيضاً القصة والشكل «اللوك». (تضحك) لكني لن أكشف عن تفاصيل الفكرة طبعاً.
- أنت أول فنانة من جيلك اعتمدت تغييراً جذرياً في اللوك، ونقصد طبعاً كليب «سيدي وصالك» الذي اعتبر نقلة نوعية في كلّ شيء. حالياً أصبح الإهتمام باللوك أكبر منه في أي وقت مضى حتى بالنسبة إلى فنانات كبيرات في السنّ. كيف تنظرين إلى تجربتهنّ؟
أنا أنظر إلى الفنان من وجهة نظر إنسانية بحتة، لأنه إنسان قبل أي شيء. أنا كشخص، لا يمكن أن أحكم على أي فنانة من خلال التغييرات التي تعتمدها، لأنني لا أعرف الظروف التي تمرّ بها ولا المرحلة التي تعيشها أو حالتها النفسية. ليس من حقّي ولا من حقّ أي إنسان أن يحكم عليها وينتقدها. قد نقول مثلاً «كانت أحلى» أو «يا ريتها ما لبستش الفستان داه» أو «عملت الحركة دي». لكن لا يجوز أن نجاهر بهذه الآراء كي ننتقدها، سواء في حوار أو مقال ونحكم على تجربتها لأننا أساساً لا نعلم عنها شيئاً. وأنا من أكثر الذين عانوا من حكم الآخرين عليّ دون أن يعرفوا بماذا أفكر أو ما هي الحالة التي أمرّ بها. فصاروا يرسمون سيناريوهات هي أقرب إلى الخيال والإفتراض، وتمادوا في التحدث عن مشاكلي وأموري وحللوا نفسيتي وشخصيتي وهم لا يعرفونني. تخيّلي أنهم قالوا إني جاحدة وحاقدة ومغرورة «ومُش عارفة إيه». ومن ناحية أخرى، هذه الفنانة التي قد تكون كبرت في السن هي مثل أي سيدة أخرى تتقدّم في العمر، كوالدتي أو أختي أو صديقتي... فأين الغرابة في كلّ هذا، وما هو الحدث العجيب الذي يفترض منا تخيّل ما نتخيّله عندما نرى أنها تهتم بشكلها. ربما صحت من نومها يوماً ورأت التجاعيد على وجهها فانزعجت وقررت أن تعدّل. وليس شرطاً أن تكون قد فعلت ذلك لنا أو للناس، بل لنفسها ولراحتها ولمزاجها. علينا أن نأخذ من الفنان ما يخصّنا، أي الفن الذي يقدّمه وليس أي شيء آخر. لكن ليس من حقّنا أن نعتدي على خصوصيات أي شخص ونطلق عليه الأحكام. من حقّ أي سيدة أن تفعل ما يريحها في ظلّ التطورات الهائلة التي يشهدها عالم الطب والتجميل. أما إن كان الإنسان غير مرتاح لشكله، فسيعجز عن تقديم أي شيء وسيكون غير متزّن ربما. ليس عيباً أن نجمّل أنفسنا متى كنّا في حاجة إلى ذلك، هذا ليس عيباً. أنا مثلاً جمّلت شكل أسناني لأني كنت أعاني، خصوصاً خلال التصوير. وأي شيء آخر أشعر بأنه يزعجني أو يسبب لي عدم ثقة بالنفس في إطلالتي سأغيّره وأعدّله، أين المشكلة في ذلك؟!
- لمست في كلامك نوعاً من الحدّة؟
صحيح، لأني أُستفَزّ عندما أرى «شوية ناس فاضيين» يتحدّثون عن فنانة وكأنها اقترفت جرماً وهم لا يعرفونها. لا بل وكأنهم هم من يصرف عليها «وبيأكّلوها ويشرّبوها»، «إنتوا مين وتعرفوها منين؟»... أشعر بالإستفزاز لأني عانيت من ذلك وقد أعاني أكثر في المستقبل، من يدري. أما أكثر ما يزعجني فهو أن من يتناولني هو في أغلب الأحيان أسوأ مني بعشرات المرات. ولا ننسى أن الأديان لا تسمح لأحد بأن يدين أحداً.
- أنت محقّة في ما تقولين بخصوص الجانب الإنساني. لكن من جهة أخرى، البعض يرى في ذلك أن المطربات الحقيقيات واللواتي اشتهرن بأصواتهن وبفنّهن الجيد والمميز، صرن يقلّدن فنانات الإثارة وكأنهنّ يؤكّدن أن هذه الظاهرة هي التي انتصرت في النهاية؟
بصراحة لم أر واحدة من الفنانات الكبيرات يسعين إلى تقليد فنانات الإثارة.
- ربما اقتربن منهنّ؟
لا يمكن أن ننكر أن في الفن جنوناً معيناً، أحياناً يكون جميلاً وأحياناً لا. ليس خطأ أن يخطئ الفنان ولا عيباً، لكن الفنان الواعي سيعمد سريعاً إلى تصحيح الخطأ والعودة عنه. وإن كان يمتلك جمهوراً عريضاً والناس يحبونه، سينسون ويتخطّون الخطأ. أساساً لا يمكن أن يرسخ الفنان في أذهان الناس إن لم يكن متميّزاً، وهذا ما أقوله لكل موهوب جديد يسألني. فلو كان مثل كلّ الموجودين لن يميّزه أحد، هذا مؤكّد.
- كنت صغيرة السن عندما احترفت الفن، وعدد الفنانات كان أقلّ بكثير. لنفرض أنك تنطلقين اليوم كمطربة، هل كنت ستحققين النجاح ذاته وبالقوّة ذاتها؟
لا أعرف، لكن لا أعتقد ذلك. كنت محظوظة جداً في كوني انطلقت في تلك الفترة. ربما لم أكن محظوظة على المستوى الإنساني، لكنّي وفّقت فنياً ورصيدي الغنائي يقارب رصيد أي فنان يغني من ثلاثين سنة ربما وتمّ احتسابي مع جيل أكبر مني سناً. لو انطلقت في هذه المرحلة (أي في أيامنا هذه) لكان الموضوع اختلف بالتأكيد، وربما كانت اختياراتي غير موفّقة أو متخبّطة. أما استمراريتي اليوم فهي بسبب الركيزة الفنية التي انطلقت منها.
- ذكرت أن ألبومك يحمل حالات إنسانية متعددة، فهناك المرأة المتعبة والمتفائلة والمحبّة للحياة والمتمرّدة على الظلم وترفض الإستسلام بسبب الحب، والمرأة العاشقة المستعدة لتقديم أكثر من طاقتها للحبيب...
صحيح، وأكثر ما يعجبني في ألبومي أنه يبدو كقصة متكاملة عن امرأة عانت الكثير لكنها لا تزال مصرّة على الإستمرار وتحب وتتمنى أن تحب.
- أردت أن أسألك، أي واحدة من هؤلاء النسوة أنت اليوم؟
أنا أمرّ في الحالة التي تحكي عنها أغنية «دلوقت أحسن»، أعتقد أنها أكثر أغنية تعبّر عنيّ اليوم.
- هل تتمنين أن تقعي في الغرام بشكل عام؟
أبحث عن الرضا طوال الوقت، أي أن أكون سعيدة وأستمتع بما أنا عليه إلى أن يأتي ما هو أفضل ويغيّرني إلى الأحسن دون أن أكون متململة من واقعي. أي إن لم يأتِ الأفضل لن أكون تعيسة. عندما كنت متمرّدة ومنزعجة طوال الوقت، كنت متضايقة بالفعل. لكن عندما يكون المرء راضياً ومستوعباً ومدركاً للأمور، سيبدأ بالتفكير بالأفضل، أي يكون مستعداً نفسياً لاستقبال الآتي بشكل إيجابي دون أن يصدّ كل الأبواب من باب اقتناعه مسبقاً أن ما هو خلفها سيئ. تعلّمت أن أي مشكلة أو معاناة تمرّ في حياتنا، لا بدّ أن ننظر إلى إيجابياتها وإلاّ لن نتطوّر، وقد تعلمت ذلك من معاناتي الخاصة. لهذا أقول أنا اليوم أحسن.
- مررت بتجارب كثيرة آلمتك وأثّرت عليك. هل تفكّرين في الإرتباط مجدداً أو تخافين أن يؤثّر ذلك سلباً على ولديكِ؟
وضعت لنفسي أولويات لا يمكن التنازل عنها، وولداي يأتيان في المرتبة الأولى على تلك اللائحة. ممنوع أن أقوم بأي شيء قد يأخذ من اهتمامي بهما لأنهما كلّ حياتي. لا أقول إني أقفلت على نفسي كلّ الأبواب وسأعيش راهبة طوال عمري، لكن الرجل الذي قد يدخل حياتي عليه أن يعلم ويتأكّد أنه سيكون دائماً في المرتبة الثانية. ولداي على سلم الأولويات وبعدهما فنّي ومن بعد ذلك حياتي أنا. إن أتى رجل يتحمّلني ومستعدّ لتفهّم سلّم أولوياتي، «أحطّه على راسي»، لكن هل يوجد أشخاص مماثلون...؟؟
- عادة، هل سيصعب على الناس تحمّل أنغام؟
كلا هذا ليس صعباً، تستطيعين أن تسألي عني أصدقائي أو المقرّبين مني. لست متطلّبة، لكني أمرّ بحالات مزاجية فقط في مرحلة تنفيذ ألبومي. أصبح كالمجنونة من كثرة التفكير ولا أتحمّل أي شيء وتستثار أعصابي لأي سبب، وأكون شاردة طوال الوقت كأني غير موجودة. لكني لا أسبب إزعاجاً لمن هم من حولي، بل هي فقط حالة التوتر والقلق بسبب كثرة التفكير من باب حرصي على عملي. لكن في الأيام العادية أنا مسالمة جداً إلى درجة أن أحداً لا يشعر بي وكل ما يهمني أن أُسعد من هم حولي فأدلّعهم دون أن أطلب منهم أن يدلّعوني.
- ما هو أهم درس تعلّمته من خلال تجاربك والظروف الصعبة التي مررت بها؟
أن الله لا يُبلي المرء إلاّ بما هو قادر على تحمّله. الحمدلله على كل شيء، وأنا أشكر الله كلّ يوم أنه منحني أيضاً نعمة الإدراك بمعنى أني لم أفقد وعيي رغم كل ما مررت به ومشاكلي لم تسبب لي الضياع. ربما مررت بلحظات صعبة شعرت فيها بأني تائهة في دوامة، لكن ليس كل الوقت وكل دائماً أقول لنفسي «مُش حينفع كده لازم أقاوم». وفي الوقت ذاته عشت كلّ تجارب الحياة. «جربت وتألّمت وتوجَعت وحبّيت وخسرت وكسبت»، أي كنت حيّة وعشت الحياة بكل تناقضاتها. وبالتأكيد لو لم أمرّ بكلّ هذه التجارب لما كنت اليوم ما أنا عليه أو الشخص الذي صار يعرف ماذا يريد.
- أي الخبرة التي تؤدي إلى النضج؟
هذا هو تحديداً ما أعنيه. هناك أشخاص كثيرون يعيشون بشكل عادي يملكون كلّ شيء «والحياة عندهم رايقة» ولا يشعرون بشيء، لكنهم لا يعرفون ماذا يريدون لأنهم لم يختبروا الحياة.
- ما هو أكثر ما ابتليت به؟
الناس التي لا تقدّر ومن السهل أن تخون، بينما أكون أنا قدّرتهم كثيراً لكنهم «استرخصوني» وتعاملوا معي بأقلّ مما أستحقّ، هذا أكثر ما يؤلمني. أي تخيلي أن تعاملي الناس بنية سليمة وبحب، لكن الشخص المقابل متضايق لمجرّد أنك تمتلكين هذا الهدوء وتعرفين كيف تكونين إنسانة طبيعية، وفي الوقت ذاته تسعين طوال الوقت إلى استدراجه نحو هذه الزاوية الجميلة كي يكون بدوره مرتاحاً ويعيش حياة طبيعية، فيعمد إلى محاربتك.
- بسبب الغيرة؟
طبعاً.
- الغيرة الفنية؟
«الله أعلم»، لكن من الصعب أن تعيشي مع شخص لا يريدك مرتاحة ولا واثقة من نفسك ولا «رايقة». يريد أن يجذبك نحوه لكن بأساليب مريضة، وهذا قاتل للفنان.
- ما تقولينه هل يثبّت مقولة أن الرجل لا يحب أن تكون امرأته ناجحة مهنياً؟
كلا هذه ليست قاعدة، هناك رجال لا يتلفتون إلاّ إلى المرأة الناجحة وقد يحبونها لهذا السبب، لكن الرجل لا يحبها إن كانت ناجحة أكثر منه، هذا ما لا يتحمّله. كما لا يحب السيدة التي ليست بحاجة إليه بل يفضّلها مستندة إلى كتفه طوال الوقت وبحاجة إليه، هكذا يحسّ برجولته. وكي يبقى موجوداً في حياتها «لازم ينغّصها»، وهذا تحمّله صعب ويقتل الإحساس بالحب لدى أي سيدة وليس الفنانة فحسب، لأنها ستبقى في حالة صراع مستمر.
- عندما تنفصل أي فنانة عن زوجها، يقول الناس إن ذلك سببه عجزها عن التوفيق بين الفن والعائلة. هل كان طلاقك لأسباب فنية؟
إطلاقاً، وهذا ما أستغربه لأن أحداً لم يتوقع ذلك، خصوصاً أن زوجي السابق فنان ويفترض أن يكون متفهماً، لكن حصل ما هو العكس تماماً. أي رجل لا يحتمل فكرة أن تكون زوجته مستقلّة عنه مادياً.
- عدد كبير من الفنانات انفصلن عن أزواجهن أخيراً، وفي المقابل تزوجت أكثر من فنانة من الجيل الجديد. ماذا تقولين للمتزوجات حديثاً؟
أنصحهنّ بألاّ يخفن من شيء، وأن يعشن الحياة بكلّ ما فيها مهما حصل على أساس أنها تجربة يجب أن يخضنها بالكامل وليستمتعن بها. لأن هناك فنانات لم يخضن التجربة ثم ندمن لاحقاً، إذ كبرن وحيدات مثلاً ولا أحد إلى جانبهنّ خصوصاً أنهنّ لم ينجبن. هؤلاء بالتأكيد ندمن عندما مرت الأيام ولم يشعرن بها. أنا شخصياً أفضّل أن أعيش تجربة مرة على أن أخسر مرحلة لا يمكن تعويضها، أو ألاّ أشعر بالأمومة فأندم عندما يصبح الندم غير نافع. أكبر خطأ هو أن تتخلى الفتاة عن عائلتها لأجل الفن. إذا شعرت بنها مقصّرة فلتأخذ لنفسها إجازة مدة سنة تسعى خلالها إلى الإهتمام بزوجها وأولادها، هذا ليس عيباً.
- هل سيتذكرها الجمهور إن غابت عنه؟
طبعاً سيتذكرها إن كانت فنانة حقيقية وسيرحب بها في أي وقت تقرر فيه العودة. ثم من قال إن الجمهور سيصفّق للفنانة إن هدمت منزلها لأجل الفن! ليس صحيحاً أن الجمهور لا يقبل الحبيب أو الزوج في حياة الفنان، والأهم من كلّ هذا أن الفنان عندما يمر عمره ويكبر وحيداً لن يأتي أحد من ذلك الجمهور الذي كان يصفق كي يواسيه في وحدته، بل سيكون منشغلاً بأموره ومشاكله.
- رافقتك المشاكل منذ احترافك الفن في سنّ صغيرة. مم حُرمت برأيك؟
الأمان. من المتعب أن يشعر المرء باستمرار بأنه ريشة في مهبّ الريح. كنت دائماً أقع ثم أقف كي أبحث عن الأمان، لكن الله عوّضني والحمدلله ووجدت الأمان مع ولديّ.
- اختلفت مع أشخاص كثيرين والبعض يعتبرك «صاحبة مشاكل»، لماذا؟ هل ربما لا تعرفين كيف تعبرين عن نفسك أو تعرّضت للظلم من كل هؤلاء؟
أنا لا أحب المشاكل وليس ذنبي إن كانت المشاكل تلاحقني. السبب في ذلك أني أسكت وأصبر كثيراً إلى أن أصل مرحلة عدم القدرة على التحمّل، فأدافع عن نفسي وكرامتي بشراسة. لكن كل ما هو دون قيمة لا أكترث له ولا أعيره اهتماماً بل أتجاهله تماماً.
- نسأل أخيراً مع حلول شهر رمضان المبارك، ما رأيك في ظاهرة مسلسلات سير الفنانين؟ وإذا عرض عليك دور فنانة ما توافقين؟
بصراحة كلا. لأني لا أحب هذا النوع من المسلسلات لأنها تُظهر الفنان إنساناً شبه كامل وأقرب إلى الملائكة، لا يخطئ، مثالي... بينما أنا أحب المسلسلات التي تظهر الواقع وتصوّر الفنان إنساناً مثل باقي البشر. لهذا أعجبت كثيراً بمسلسل «أسمهان».
- وكأنك تلمّحين إلى مسلسل أم كلثوم؟
كلا، لا أريد أن يفهمني أحد بشكل خاطئ لأني أتحدث بشكل عام وليس عن عمل معين، رغم أن مسلسل أسمهان برأيي أفضل من مسلسل أم كلثوم، لأنه تحدّث عن قصة أسمهان بينما مسلسل أم كلثوم كان يؤرّخ مرحلة معينة. ولا بدّ من الإشارة إلى الأداء الرائع للفنانة سلاف فواخرجي التي جسّدت دور أسمهان ببراعة، «كانت هايلة».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024