ابراهيم خضرة
منذ إعلان الحرب والحصار على غزة، كان محاصرا مع غيره من الشباب والاطفال والعجز، لكنه كان أكثر حظاً من الكثيرين منهم لأنه كان ينتظر تأشيرة السفر التي ستطير به بعيداً عن دوي انفجارات الصواريخ واصوات المدافع. ترك فلسطين مرة اخرى ليستقر في استديوهات ال«بي. بي. سي» في لندن بعدما تركها سابقا الى موسكو للعمل في قناة «روسيا اليوم» مع بداية بثها.
ابراهيم احب الاقامة في موسكو والعمل فيها ويقول. «تجربتي في موسكو كانت غنية وحققت فيها ظهوري الأول في قناة فضائية دولية بعد ظهوري على شاشة الفضائية الفلسطينية في قطاع غزة. اكتشفت أنني قادر على العطاء وعلى تقديم المزيد مثل سلسلة تقارير إخبارية كنت قدمت فكرتها واعددت حلقاتها الأولى عن حياة العرب والمسلمين في روسيا الاتحادية وأثارت اهتمام الجالية العربية هناك. تلا ذلك لقاءً خاص مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في صنعاء شغل الوسط الإعلامي في اليمن، إضافة إلى تغطيتي لمشكلة القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية، وسلسلة تقارير أخرى تعكس الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في اليمن، كل ذلك بالتوازي مع عملي كمقدم للأخبار».
أما لندن فهي كالـ«ندَاهة» يعلق ابراهيم ويقول انه قرر الخوض في تغريبة جديدة عن بلده فلسطين مجدداً ليبدأ في عاصمة المال والاعمال والضباب صفحة جديدة من كتاب مشواره الاعلامي الذي لا يحده طموح ولا خرائط أو حدود، لكن ذلك لا يلغي اشتياقه لأرضه ولا يمنع انه فخور جداً بفلسطينيته وخصوصاً انه من غزة بالتحديد. ويضيف: «يستغرب الكثيرون اني من غزة وأنا اؤكد اني منها وفخور بذلك جداً. عشت حربها وحصارها. تنفست دخان دمارها وشربت مرارة انقطاعها عن العالم الخارجي، وكنت حينها بانتظار تأشيرة العمل مع ال«بي بي سي» في لندن. وكنت أتحرق للعمل في ذلك الوقت لنقل صورة ما يجري من أحداث من أرض غزة مباشرة، لكن صعوبة الموقف وإطباق الحصار حالا دون ذلك، فعشت الحرب مع أهل غزة لكن عن بعد. اشتاق لغزة كثيراً ولكني هنا في مهمة خاصة: مهمة تغذية تجربتي وارضاء طموحي. ووصولي الى قناة مهمة وناجحة وعريقة باسمها هي ال«بي بي سي» يغني مشواري الاعلامي الفتي ويحفزني اكثر لتطوير مهاراتي وتحديات مهنتي».
-وهل هناك تحديات اهم من العمل في فلسطين؟
«بالطبع لا..» يجيب فورا ويتابع: «فلسطين منطقة احداث لا تتوقف أبداً وحقل تجربة مهم لكل صحافي ومدرسة اعلامية لكل من يحب ان يمارس هذه المهنة. وفي شوارع فلسطين وأزقتها العديد من القصص التي تستثير الأفكار وتحرك الأقلام عند أي صحافي يذهب الى هناك. لكن من الأجدر أيضاً ان أعمق تجربتي الفتية وأن يصل صوتي من خلال محطة تكسر حدود الزمان والمكان وفيها من الحرية مساحات وبئر لا تجف أبداً من التدريبات وحقول المعرفة الاعلامية المتنوعة. فالآن ورغم وصولي الى ال«بي بي سي» منذ بضعة اشهر، أشعر بعمق التجربة وغناها منذ بدايتها وأتلمس معالم تجربة ستكون مفيدة لي وجديدة علي بكل المقاييس».
-بما في ذلك الحياد؟
«أكيد. وسأحاول جهدي. فـال «بي بي سي» لها تجربة عريقة في مجال الإعلام وتتمتع بالحياد في اخبارها وبعيدة عن القيود. وبما أنها تعكس صورة تصل الى المشاهد العربي من خارج قطره العربي فستكون بذلك أقدر على النظر الى ما يجري هناك من أحداث برؤية أشمل وأبعد عن سياسات الضبط ومقص الرقيب العربي وهذا أحد الأسباب التي شجعتني على العمل في هذه المؤسسة».
لكن حياد ال«بي بي سي» كان على المحك مع انضمام ابراهيم مباشرة الى العمل فيها، اذ لم يكن مضى على وجوده في لندن بضعة أيام حتى اشتعلت ازمة بث «نداء غزة». وحول ذلك يعلق ابراهيم: «الكل سألني عن غزة ونداء الاستغاثة مما أشعرني بالامل والشعور بالفرح لأننا ما زلنا نستحوذ على تعاطف كل الاطراف من جميع الجنسيات. كان ذلك اثناء تنقلي في لندن ومشاهدتي للناس والإعلانات والتظاهرات ودعوات التبرع لأهالي غزة في مترو الانفاق والباصات والمقاهي والمطاعم. غزة اليوم باتت معلما مهما على الخريطة الدولية، وأنا خرجت من منطقة محاصرة بمساحاتها وطاقاتها ومواهبها وفي نفسي أسى كبير على الجميع هناك. فالفلسطينيون يجب ان يحيوا حياتهم بعزة وكرامة واحترام بعيدا عن اكياس المعونة وشاحنات الاغاثة وصناديق التبرع، لكن هذا ما وصلنا إليه للأسف. وبرأيي إثارة قضية نداء غزة وتناوله في ال«بي بي سي» و بعض القنوات الفضائية أضافا وحققا شهرة أكبر لقضية غزة وحربها الأخيرة لدى المشاهد البريطاني، وأثيرت تساؤلات جعلت المواطن البريطاني يستقي معلومات أعمق وأشمل عما يجري هناك. فالنتيجة جاءت برد فعل إيجابي لصالح الإعلان وليس ضده».
لدى ذكره للشعب الفلسطيني يستطرد ابراهيم في التحدث عن شبابها اصحاب المهارات والطاقات والابداعات المحاصرة ويقول: «الشباب عماد الأوطان. ورسالتي للشباب العربي عامة و(بين مزدوجين) للشباب الفلسطيني: كل رحلة او تجربة تبدأ بخطوة، وخطوتكم الأولى هي الأساس. ابدأوا بأنفسكم اولا وثقوا بقدراتكم ثانيا وكرروا المحاولة وثابروا ولا تهنوا».
تركيز ابراهيم على العناصر الشابة تجلى اثناء دراسته الجامعية في جامعة الأزهر في غزة التي يحمل منها بكالوريوس «علوم كومبيوتر»، حين عمل في محطة تلفزيون فلسطين كمراسل ومقدم فقرات منوعة في برامج اجتماعية كان هدفها الاهتمام بقضايا الشباب الجامعي. لذلك يتحدث بأمل كبير عن حلمه بتقديم برنامج اجتماعي موجه الى كل الشباب العربي وقضاياهم التي تحتاج الى حلول جذرية وليس فقط طرحها وتلقي الشكاوي حولها.
طموح ابراهيم الآخر الذي يسعى الى تحقيقه في لندن هو انجاز دراساته العليا وقد التحق بكلية للعلوم الانسانية لدراسة مقرر في موضوع حل النزاعات. ويسعى أيضا للالتحاق بكلية خاصة للغات لاتقان لغة جديدة إلى جانب اللغة الأم والانكليزية والروسية.
وطموحه الاول والاهم؟ ان يجمع عائلته المشتتة في عدد من الدول العربية. العائلة التي لم تجتمع تحت سقف واحد لأكثر من 13 عاماً وقطع عهداً على نفسه أن يكون ذلك في يوم عرسه الذي لم تتحدد معالمه بعد. والعروس؟ غزاوية على الارجح...«الهوية ليست مهمة. ما يهمني ان تكون عربية لتتفهم عقليتي وانتمائي ولغتي وأن نكون على قدر من الثقة والتفاهم والتوافق العقلي وترضى عنها والدتي قبل كل شيء».
تلك الوالدة التي تترضى دائماً على ابراهيم وتشكل مع الوالد فريق دعم متواصل. فهما يعتبران ابنهما «افضل مذيع أخبار في كل المعمورة». وهو يعتبر والديه صاحبي الفضل الأساسي في وصوله الى ما حققه حتى الآن.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024