الدكتورة رويدة نهاد إدريس: تصنيف السعوديين ثاني أكثر شعوب العالم إصابةً بالسُّمنة
كرّست حياتها بكل ما تملك من إرادة لخدمة المجتمع السعودي، وصمّمت على تغيير الثقافة الغذائية في المملكة تحت شعار "العقل السليم في الجسم السليم"، وسعت إلى تخليص السعوديين من آفة السُّمنة التي تشكّل مصدر قلق للحكومة السعودية نظراً لتزايد معدلات السُّمنة في المملكة والتي وصلت إلى 70%، وفقاً لتقرير صادر عن منظّمة الصحة العالمية، وخاصة بين الأطفال والشباب الذين يشكّلون نصف المجتمع السعودي. وبما أن السُّمنة أصبحت مرض العصر، أحبّت "لها" تسليط الضوء على هذا المرض، والكشف عن أسبابه وكيفية علاجه وسبل الحدّ من تطوّره، ولذلك التقت بالدكتورة رويدة إدريس، الحاصلة على دكتوراه في الفلسفة الغذائية، وشهادة في التغذية العلاجية والرياضية والمكمّلات الغذائية والتحليل الغذائي من الولايات المتحدة الأميركية، وكان هذا الحوار.
- كيف ترى الدكتورة رويدة الأرقام الكبيرة للمصابين بالسُّمنة؟
الأرقام مرعبة والموضوع برمّته خرج عن السيطرة، فهناك بعض الشباب سرقتهم وسائل التواصل الاجتماعي وشدّتهم المطاعم بقوة بإعلاناتها الترويجية لأصناف الطعام التي تقدّمها، ولم تعد غالبية الجيل الحالي تطمح الى دراسة الطب أو الهندسة، فباتت الفتيات مُغرمات بـ"الفاشينيستا" والشبان هائمين بـ"البلوغرز"، وكأن هناك توجّهاً لغسل أدمغة الشباب بهذا الشغف بوسائل التواصل الاجتماعي بلا توجيه أو دراسة.
- تلك الأرقام مُخيفة، لكن هي صحيحة؟
ما دامت هذه الأرقام صادرة عن منظّمة الصحة العالمية فهي صحيحة مئة في المئة، وثمة عادات وأنظمة صحية متّبعة في المجتمع السعودي تؤدّي إلى الإصابة بالسُّمنة، والتي تبدأ بالظهور في سنّ الطفولة، ولذلك يعاني بعض أطفال المملكة اليوم أمراضاً خطيرة، مثل الضغط والسكري من النوع الثاني، ومشاكل في القلب، والعصبية الزائدة، والاكتئاب.
- حين يصل الطفل البدين إلى مرحلة الاكتئاب، ألا يتراجع مستواه الدراسي؟
بالطبع، فالطفل البدين يتعرّض للتنمّر من أقرانه وقد يمارسون عليه العنف، فتتزعزع ثقته بنفسه ويبقى تابعاً لهؤلاء الأقران ولا يمكن أن يكون قائداً لهم، مما يؤدي الى تدهور صحته، وبالتالي يتراجع أداؤه في المدرسة.
- مع تطور العصر ارتفعت معدلات السُّمنة، فما السبب؟
مع تطور العصر والثورة الصناعية والزراعية، قلَّ الجهد وازداد الخمول، لأن ماكينة الاختراعات تدور عجلتها بسرعة كي تسهّل على الإنسان أمور الحياة. مثلاً يعمل "الروبوت" على تنظيف المنزل فترتاح المرأة ولا تعود تبذل جهداً يساعدها في حرق الدهون فتتكدّس في جسمها. التكنولوجيا الحديثة غيّرت نمط عيشنا كلياً، فخفّت حركتنا وبالتالي كثُرت الأمراض.
- لكن النوادي الرياضية أصبحت اليوم تغصُّ بالنساء لممارسة الرياضة؟
مع رؤية 2030 ازداد عدد النوادي الرياضية للنساء، لكن أغلبها تحول إلى "كافيهات" للتعارف وعقد صداقات جديدة، لا تلبث أن تنتقل من النوادي الرياضية إلى المطاعم وهكذا دواليك... إضافة الى الوجبات السريعة التي تصل مجاناً إلى المنازل، مع العصائر الاصطناعية، وهذه بالطبع تؤدي الى الإصابة بالسُّمنة، والبدانة أحياناً.
- 3 ملايين طفل سعودي يعانون السُّمنة، ألا يُقلق هذا الرقم الحكومة السعودية؟
هذا الرقم مخيف ويشكّل مصدرَ قلقٍ للحكومة السعودية، وبدلاً من وضع موازنة للتعليم والبحث العلمي، ستُخصّص الحكومة موازنة للصحة الجسدية والنفسية، لأن مريض السكري من النوع الثاني يُصاب بالاكتئاب، وكل الأمراض والأدوية المتناوَلة تؤدي إلى مشاكل نفسية، وللأسف لم يتم العمل على استيعاب المشكلة إلا بعد أن تفاقمت وأصبح من الصعب إيجاد حلول لها.
- ما هي تأثيرات السُّمنة في الجسم؟
السُّمنة تُسبّب أمراضاً كثيرة إذ تُضعف المناعة في الجسم، والشخص البدين أكثر عُرضةً للإصابة بالأمراض من ذاك النحيف، لأن نسبة الحموضة تكون عالية جداً في جسمه، وهذا يُحيي الأمراض الوراثية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، المرأة التي تملك عاملاً وراثياً بسرطان الثدي، فإذا حافظت على وزنها باتّباع نظام غذائي صحي ومنوّع، لا يهاجمها المرض، لكن إذا اعتمدت أسلوب عيش خاطئاً فستُصاب بالسمنة التي تجعلها عُرضة لمختلف الأمراض الوراثية.
- هذا يعني أن السُّمنة تؤدي قطعاً إلى سرطان الثدي أو سرطان الرحم!
لا نستطيع القول "قطعاً"، لأن حتى الساعة لم يُكتشَف السبب الرئيس لمرض السرطان، وهناك دراسات تقول إنه نتيجة عامل وراثي، لكن لا حقائق تُثبت صحة هذه المقولة، إنما مع تقدّم العلّم والتحاليل المخبرية الحديثة يمكن التأكد من نسبة احتمال إصابة المرأة بمرض السرطان، فحين تكون الأم أو الأخت أو الخالة أو العمّة مُصابة بسرطان الثدي، وجُب على المرأة الخضوع للتحاليل الطبية المناسبة للكشف المبكر عن المرض وتفادي الإصابة به.
- ما الذي يُقلق الدكتورة رويدة؟
الأمراض النفسية، فهي من أسوأ وأخطر الأمراض في العالم، وخصوصاً الاكتئاب فهو القاتل الصامت، وكلّما أُدخلنا سموماً ودهوناً الى أجسامنا، أصبحنا أكثر عُرضة للاكتئاب.
- هل للأم علاقة بسُمنة طفلها؟
بعض الأمهات فقدن السيطرة على أطفالهن، والبعض الآخر شغلتهن وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يعدن يهتممن بأطفالهن ونوعية طعامهم. مثلاً، إذا اصطحبت الأم طفلها الى المطعم، تنغمس في هاتفها الخليوي وتنسى العالم من حولها، فتكون بذلك الحاضرة الغائبة، إذ تترك للخادمة مهمة الاعتناء بطفلها فيأكل ما يحلو له من طعام. لذا يجب اختيار الطعام المفيد للطفل، وتحديد كمية الوجبة، مع الحرص على عدم التشاركية في الطبق المُعدّ له، وبخلاف ذلك فإما يدخل الطعام كله إلى معدة الطفل ويشعر بالتُّخمة، أو تُنثَر بقاياه على المائدة.
- وكيف يكون التوجيه لتفادي السُّمنة؟
السُّمنة تنجم عن الإسراف في تناول الطعام، والله سبحانه وتعالى أرشدنا في هذا الخصوص وحذّرنا من خطورة الإسراف في الطعام حين قال: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ..."، وقال أيضاً: "وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ". لذا يجب الاعتدال في تناول الطعام لئلا نرمي أنفسنا في التهلكة.
- اعتماد الطفل على الوجبات السريعة يجعله سميناً، وبالتالي يمرض هذا الطفل وينطوي على نفسه، فما هي سُبل العلاج المتبعة في العيادة؟
حين تزورني الأم في العيادة مع طفلها الذي يعاني السُّمنة أو البدانة، أطلب له بعض التحاليل التي قد تبين احتمال إصابته في ما بعد بمرض السكري من النوع الثاني، فتُصاب الأم بالصدمة وتفعل المستحيل لإنقاذ طفلها بأسرع علاج ممكن. وأحيانا تأتيني الأم وهي تشكو من بدانة طفلها، فأطلب منها الخروج وأسأل الطفل: هل أتيت الى العيادة مُرغماً؟ إذا كانت الإجابة نعم، أُعيد الطفل مع أمه، لأن العلاج في هذه الحالة لن ينفع. وأسأل نفسي: أين القدوة؟ لذلك لجأت إلى تثقيف المجتمع من خلال لقاءاتي الإعلامية، ومحاضراتي في المدارس.
- ماذا تقول الدكتورة رويدة حين تسمع بتصنيف المملكة ثاني أكثر شعوب العالم إصابةً بالسُّمنة؟
هذا التقرير أصدرته منظّمة الصحة العالمية، ولا يمكنني أن أتصوّر كيف وصلت المملكة إلى هذا التصنيف الذي يُنذر بالخطر! لذا يجب أخذ الاحتياطات اللازمة في هذا الصدد.
- كيف تؤثّر السُّمنة في حياة الأطفال اليومية؟
الطفل المُصاب بالسُّمنة يُعاني صعوبة في التنفّس أثناء نومه وقد يتعرّض للاختناق الليلي، لأن كبر حجم البطن وزيادة الضغط على الحجاب الحاجز لا يسمحان له بالاستلقاء بوضعية صحيحة، فيشعر بضيق في التنفس وعدم الراحة.
- كيف تتأكد الأم من الوزن المثالي لطفلها؟
إذا كان الطفل في الثامنة من عمره ويرتدي ملابس يناسب قياسها ابن العشر سنوات، لأنه أطول من عمره الحقيقي، فيكون وزنه طبيعياً، أما إذا ارتدى ملابس قياسها لعمر 12 سنة، فهذا الطفل بالتأكيد يعاني مشكلة صحية.
- هناك أطفال يعانون أيضاً حساسية ضد الغلوتين، فما السبب؟
السبب يعود إلى الثورة الزراعية، تليها الثورة الصناعية، ومع مرور الوقت تزداد الأمور تعقيداً، وستنشأ أجيال جديدة تعاني مشاكل في الهضم، وخللاً في أنزيمات الجسم، فالثورة الزراعية أثّرت سلباً في الأنزيمات التي تفرزها المعدة، وللأسف كل من يشكو زيادةً في الوزن، يلجأ الى تكميم المعدة، ولكن التكميم يفشل أحياناً، ويعود الوزن مضاعفاً بعد خمس سنوات.
- كطبيبة تغذية، من هم أهم مرضاك؟
أتابع حالة طفل يعاني حساسية من كل شيء، وهو من ضحايا الثورة الزراعية.
- ما هو الحل في رأيك؟
ليس لدي حلول جذرية، ويجب أن يكون هناك تعاون من الدولة، بحيث تعمل على تخفيض أسعار المنتجات الخالية من الغلوتين، لأنها باهظة الثمن.
- والمرضى الذين يعانون من حساسية القمح، إلامَ تفتقر أجسامهم؟
هؤلاء المرضى يعانون نقصاً في الفيتامينات والمعادن، وخاصة الحديد الذي يجب أن يتناولوه بإشراف الطبيب.
- تقدّمين كل خميس برنامجاً إذاعياً على راديو بانوراما mbc أف أم"، وبرنامجاً تلفزيونياً أسبوعياً بعنوان "صحتي حياتي" على قناة اليوم لمجموعة "أوربت OSN" والسُّمنة تزداد يوماً بعد يوم...
السُّمنة سببها الوجبات السريعة الغنية بالسعرات الحرارية والدهون، وعدم تناول الغذاء الصحي، وتأتي سيدة الى عيادتي تشكو السُّمنة وازدياد الوزن السريع، وهي لا تدرك أن السبب الحقيقي لزيادة الوزن، هو تراكمات متعددة من دون أن تشعر بتغيير في وزنها، فتلجأ إلى الريجيم السريع.
- ألم تلقَ برامجك الإذاعية تجاوباً؟
بلى، هناك نساء كثيرات أرسلن لي كلمات الشكر بعد تغيير نمط حياتهن، لأن التغذية الصحية السليمة تشكّل نصف العلاج. وعلى سبيل المثال، أنا أعاني مرض "الروماتويد" منذ خمسة وثلاثين عاماً، ولو أنني لم أحافظ على وزني الطبيعي وغذائي الصحي، لما بقيت بصحة جيدة الى اليوم.
- علامَ يرتكز النظام الغذائي الذي تتبعه الدكتور رويدة؟
أبتعد قدر الإمكان عن اللحوم الحمراء والأجبان المصنّعة والبقوليات والدهون والزيوت النباتية، وأحرص دائماً على الحفاظ على وزني.
- ما هي أعراض "الروماتويد"؟
"الروماتويد" مرض ناتج من أسباب كثيرة، لعل أبرزها الخلل في الجهاز المناعي، وهو يُعدّ نوعاً من أنواع الالتهابات الروماتيزمية المزمنة، التي تصيب مفاصل الجسم، فتؤدي إلى تضخّمها وتُحدث تشوهات في شكلها، وبالتالي يصعب تحريكها.
- ما هي نصائحك لتغذية صحية؟
يجب تناول ثلاث وجبات في اليوم، وعدم وضع كمية كبيرة من الطعام في الطبق، ومضغ الطعام بهدوء، وتجنّب ترك المعدة فارغة لوقت طويل، لأن الجوع يجعلنا نأكل بشراهة، فلا نعود نشعر بالاكتفاء.
- ألا تنصحين بالتمارين الرياضية؟
أنصح بممارسة الرياضة المعتدلة، لا القاسية التي تمتد الى 4 ساعات يومياً، وتسبّب انزلاقاً في الغضروف يضطر الشخص الى التوقف عن ممارسة الرياضة، ويصبح الجسم قابلاً للبدانة والترهّلات، ولذلك أنصح بـ "القليل المستمر، فهو خير من الكثير المتقطع"، كما لا أنصح بزيارة الطبيب للحصول على وصفة بالحِمية الغذائية، بل بالذهاب الى اختصاصية تغذية ترشدني الى نظام غذاء صحي، وتعلّمني كيف أوزّع السعرات الحرارية.
- ماذا تقولين للمرأة السعودية؟
لا تبحثي عن الرشاقة، ولا تلهثي وراء عمليات التكميم، لأن لها انعكاسات سلبية على الجسم إذ تؤدي الى تساقط الشعر وتسبّب نقصاً في الفيتامينات وتوتراً في الأعصاب ومعاناة من الاكتئاب، بل غيّري أسلوب حياتك بالتدريج، وكوني نشيطة ومقبلة على الحياة.
- كلمة أخيرة توجّهينها إلى المعلمات في المدارس؟
أيتها المعلّمة إذا وجدت طفلة سمينة، بلّغي أهلها مباشرةً وقدّمي لهم النّصح في كيفية التعامل مع المشكلة، واحرصي على أن يتناول طلابك الطعام الصحي المحضّر في المنزل، فهو أفضل بكثير مما يشترونه من دكان المدرسة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024