تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

المخرج يسري نصر الله

فيلمه الأخير «احكي يا شهرزاد» أثار حالة من الجدل، البعض اعتبره إنصافاً للمرأة والبعض اعتبره تخلّياً عن خطه كمخرج يهتمّ بالأفلام الصعبة حتى وإن لم تحقق نجاحاً جماهيرياً. فهذه المرة هناك نجاح تجاري ومشاهد اعتبرها البعض ساخنة، فكانت سبباً في الهجوم على بطلة العمل منى زكي. إلتقينا المخرج المصري يسري نصر الله، وكان هذا الحوار.


- فيلم «إحكي يا شهرزاد» يحقق إيرادات قياسية وقد تصل إيراداته الى أكثر من إجمالي إيرادات كل أفلامك، فكيف تتذوق طعم النجاح الجماهيري؟
صدقني لو قلت لك إنني سعيد، ولكن ليس لنفسي وإنما سعيد لأنني لم أخذل كل من ساندني وخصوصاً المنتج كامل أبو علي الذي وفر لي الكثير وآمن بأنني الأفضل لإخراج هذا الفيلم، ولأنني لم أخذل الممثلين الذين حلموا بأن يصلوا الى الناس من خلال الفيلم.

- كيف بدأت علاقتك بفيلم «احكي يا شهرزاد»؟
علاقتي بهذا الفيلم بدأت بعد مكالمة هاتفية مع الكاتب وحيد حامد الذي أخبرني أن لديه سيناريو يريد أن يعرف رأيي فيه. وبالفعل أخذته وأبديت إعجابي الشديد بفكرته وبدأنا بعدها ترشيح أبطال الفيلم.

- هل كانت منى زكي المرشحة الأولى لدور هبة يونس؟
بالفعل منى زكي هي الاختيارالأول بالنسبة إلي وإلى وحيد حامد، بل  يمكن أن أقول إننا اقتسمنا نطق اسمها في وقت واحد عندما جلسنا لوضع الترشيحات.

- ولكن أشيع أن ليلى علوي كانت المرشحة لهذا الفيلم؟
بالفعل ليلى علوي كانت مرشحة للمشاركة في بطولة الفيلم ولكن ليس في دور منى زكي بل في دور أماني الذي جسدته سوسن بدر، وبعدها رشحت له غادة عبد الرازق ويسرا. وأتذكر أنني رشحت ليلى علوي كذلك لدور ناهد الذي جسدته سناء عكرود ولكنها اعتذرت كما اعتذرت يسرا وغادة عبد الرازق، وجميعهن بررن اعتذارهن بأنهن غير متوافقات مع الشخصيات، مع التأكيد أن منى زكي رشحت لدورها منذ البداية ولم تكن بديلة لأحد.

- لماذا كانت منى زكي الاختيار الأول؟
لأن دور المذيعة هبة يونس يجمع ما بين مواصفات سيدة قوية جداً ولكن مع هذه القوة لا تستطيع أن تصفها بأنها« مسترجلة» أو أنها غير مكتملة الأنوثة ولا تخضع للتصور الذكوري السائد. وحتى تصبح المرأة قوية لابد أن تأخذ من صفات الرجل فهي قوية ولكنها كاملة الأنوثة.

- لماذا كانت الترشيحات للأبطال الرجال مفاجأة للجميع؟
لأننا فكرنا فيها بشكل غير تقليدي، فمثلاً دور كريم زوج المذيعة هبة كان تصوّري له منذ البداية أنه شخص في الخمسينات حتى يكون في مرحلة المنافسة على رئاسة التحرير. ولكن بعد أن جلست مع المخرج مروان حامد قال لي إن هناك جيلاً الآن في نهاية الثلاثينات يغزو البنوك والشركات الكبرى والصحف، ولديه تطلعات للقيادة. فقررت أن يكون حسن الرداد. أما في سعيد الخفيف الذي جسده الممثل الموهوب محمد رمضان فكان ترشيحي الأول له باسم سمرة ولكن بعد أن أعدت قراءة الشخصية اكتشفت أنني في حاجة إلى ممثل عكس باسم سمرة، ممثل يكون هو اللعبة التي تتلاعب بها ثلاث فتيات أقوى منه جسدياً وأقوى من حيث التأثير عليه وأن يصبح هو مصدر الفتنة. فبدلاً من المدير الذي يتلاعب بالسكرتيرة تجد صاحبة المكان تتلاعب بالعامل عندها.

- ماذا عن اختيارك لمحمود حميدة؟
بصراحة عرضت الدور على محمود حميدة ولم أكن أتوقع أن يقبله نظراً الى مساحة الدور، ولكنه فاجأني بقبول الدور وهو مشكور لأنه وافق على أن يعطي من اسمه وتاريخه للشباب المشاركين في الفيلم.

 

- اعتبر الكثيرون أن لقاءك بوحيد حامد حدث فني يحتاج إلى وقفة ودراسة، فكيف تعاملت معه؟
اعترف بأنني لم أتوقع أن يجمعني أي عمل بوحيد حامد لأن كلاً منا له عالمه السينمائي المختلف عن الآخر. ولكن بعد أن قرأت «شهرزاد» اكتشفت أننا متشابهان والاختلاف بيننا في طريقة السرد وبناء الشخصيات وليس في طريقة التفكير. واحترام كل منا لفكر الآخر كان وراء خروج العمل في صورة مناسبة يرى كل منا نفسه فيها.

- «شهرزاد» هو الفيلم الأول الذي لا تشارك في كتابته فهل كانت لك تدخلات في السيناريو؟
بصراحة لأول مرة لا تكون لي تدخلات، ولكن كانت لي مناقشات أقتنع بها وحيد حامد وغيّر بعض المشاهد، وهناك مشاهد أخرى كنت أرى ضرورة تغييرها ولم يغيّرها واكتشفت أنه كان على حق.

- اعطنا نماذج؟
من الأمور التي طلبتها مثلاً أن يكون واضحاً أن صفاء قتلت سعيدلأنها تحبه وليس انتقاماً منه لشرف أخواتها البنات، وأن الدافع هو العاطفة وليس الثأر.

وفي شخصية أماني التي جسدتها سوسن بدر كان المفروض أن يتم الجزء الخاص بها كله داخل البرنامج فقلت لوحيد حامد مهما كانت براعتي كمخرج لا أستطيع أن أفعل ذلك،  فصوّرنا مشاهد في المستشفى ثم حوارها مع حسين الإمام.

 - ما هي المشاهد التي كان وحيد حامد فيها على حق؟
في قصة سلمى حايك صوّرت مشهداً لها في منزلها ومعها هبة يونس ويحدث شجار مع أخيها المدمن، إلا أنني حذفت هذا الجزء بناء على رأي وحيد حامد واكتشفت أنه كان على حق رغم أنه كان مشهداً فيه تمثيل عالٍ جداً.

- من الواضح أن هناك من كان يعترض على إخراجك للفيلم؟
بالفعل الكاتب وحيد حامد كان ينوي أن ينتج الفيلم بنفسه وذهب إلى إحدى شركات الإنتاج الضخمة ووافقوا على تمويله وأبدوا إعجابهم الشديد بالفيلم ولكنهم طلبوا تغيير المخرج، فرفض وتركهم. وأشكره على موقفه.

- هل النجاح الجماهيري سيدفعك الى صنع أفلام جماهيرية خلال الفترة المقبلة؟
على العكس قد يكون هذا النجاح الجماهيري دافعاً لمزيد من الراديكالية في أعمالي المقبلة حتى أستغل هذه الثقة التي بنيت بيني وبين الجماهير وأقدم ما كنت أقدمه في أفلامي السابقة. ولدي ثقة أن الجمهور سيدخل الصالات لمشاهدة أفلامي.

- أقصد كيف تخطط لما بعد «شهرزاد»؟
شهرزاد في النهاية فيلم مثل باقي أفلامي. واذا قدمت فيلماً حقق نجاحاً جماهيرياً فهذا لا يعني أنني خرجت عن مساري، بل إنني أشعر بحالة من الوفاء مع نفسي وبالرضا تجاه الوقت الذي أنفقته في عمل هذا الفيلم.

- إذن ستعود الى الأفلام التي تسمّى صعبة؟
اعترض على هذا الوصف لأن أفلامي ليست أفلاماً صعبة ولكن كانت أفلاماً توزيعها صعب، وكانت شركات الإنتاج والتوزيع تظلمها لأنها كانت مختلفة عن السائد.أعترف بأن أفلامي لم تكن تصل إلى الناس ولكن لأسباب خارج حدود الأفلام ذاتها.

 

- من المسؤول عن هذه الفكرة السائدة عن أفلامك؟
أصحاب الفكر الأصولي المتشدد وبعض أصحاب المصالح في ألا تسود النظرة التي أطرحها في أعمالي ومن يرغبون في محاربة الأفكار التي أناقشها في ظل سيادة المناخ القمعي، فكر الغيبيات. في حين من يتأمل أفلامي سيكتشف أنها أفلام شعبية، ففيلم «المدينة» شعبي وهذا ما اكتشفه الجمهور مع عرض الأفلام على الفضائيات.

- هل الفضائيات أعادت الاعتبار الى أفلامك؟
بل أعادت اكتشاف أفلامي وجعلت الجمهور العادي يكتشف أن أفلامي ليست صعبة، وأن غير العادي فيها أنني أعمل مع ممثلين جدد، وهذه هي مهمة المخرج اكتشاف الدماء الجديدة. فأفلامي التي قدمتها بوجوه جديدة وقتها مثل باسم سمرة في «المدينة» وعبلة كامل ومحمد هنيدي في «سرقات صيفية» تعاد قراءتها في ظل معرفة الجمهور بهؤلاء الممثلين الذين أصبحوا نجوماً وفي ظل استبعاد الأفكار المسبقة عن هذه الأفلام.

- هل تغيّرت استراتيجيتك في «شهرزاد» و«جنينة الأسماك» بالعمل مع النجوم؟
ليس لدي أدنى مشكلة في العمل مع النجوم ولكن بشرط ألا أتعامل معهم على أساس أنهم نجوم شباك ولكن لأنهم موهوبون وأصحاب قدرات تمثيلية صنعت منهم نجوماً قادرين على أداء ما أطلبه منهم.

- لماذا لم يوصف فيلم «شهرزاد» بالصعوبة ولماذا حقق النجاح الجماهيري؟
لا بد أن أكون صريحاً واعترف بأنني لا أملك التفسير، ولكن قد يكون هذا النجاح نتيجة لما قدمته على مدار 20 سنة مما دعم الثقة بيني وبين رجل مثل وحيد حامد ليمنحني هذه الفرصة وكذلك الجمهور.

- هل التمويل الخارجي الذي كنت تحصل عليه في كل أفلامك السابقة أحد أسباب عدم نجاح أفلامك جماهيرياً؟
لا علاقة بين التمويل والنجاح الجماهيري.

- لماذا دائماً كنت تهاجم لأن أفلامك ممولة؟
أنا ألجأ إلى التمويل لأنني أرفض أي رقابة من أي نوع. كنت أبحث عن التمويل حتى أصنع فيلماً بالطريقة التي أريدها دون ضغوط. ودعني أحكي لك قصة طريفة: أكثر الأفلام التي أنفق عليها وحقق لي شهرة كان فيلم «باب الشمس»، ولأسباب غير التي كنت أرغب في ايصالها. فالناس ساندت الفيلم لأنه يتناول القضية الفلسطينية التي يتغنى بها الجميع، ومع ذلك عندما حاولت أن أبحث عن تمويل- وللعلم كلفته بجزءيه لم تتجاوز 2.5 مليوني دولار- لم يوافق أي بلد عربي على تمويله باستثناء المغرب. إذن أنا أبحث عن تمويل لفيلم يخدم قضية إنسانية وكان صعباً أن ينفذ بشكل تجاري.

- هل هناك تشابه بين «شهرزاد» و«جنينة الأسماك»؟
بالفعل البطلتان مذيعتان وكان لدي تخوف أن يقال إنني تخصصت في أفلام المذيعات ولكن أستطيع أن أقول إن فيلم «شهرزاد» عكس فيلم «جنينة الأسماك».

- ماذا تقصد؟
شخصية المذيعة ليلى بكر التي جسدتها هند صبري في «جنينة الأسماك» عكس هبة يونس التي جسدتها منى زكي في «احكي يا شهرزاد»، لأنها متمسكة بالسلطة، كما أنها لا تكشف عن نفسها وحريصة على ألا يعرف أحد صورتها وتتواصل من خلال صوتها، لأنها اذا كشفت صورتها ستفقد سطوتها عكس هبة يونس التي تظهر للناس بصورتها وتكتسب شهرتها. والقاسم المشترك الوحيد بينهما أنهما سيدتان تتمتعان بمقدار عالٍ من الذكاء.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077