الأميرة دعاء بنت محمد: ثمة فجوة بين التعليم الأساسي والتعليم العالي
- قلتِ في المؤتمر "إن تكلفة الجهل أعلى من تكلفة التعلّم"، كيف؟
أنا مقتنعة بهذه المقولة مئة في المئة، لأن التعلّم لا يحتاج إلى مدارس أو جامعات أقساطها مرتفعة، وفي إمكان أي إنسان الحصول عليه، سواء بالتعليم الذاتي أو من طريق أي مؤسسة تعليمية أو مهنية. وصناعة إنسان متعلّم أقل تكلفة من بقائه جاهلاً يؤذي نفسه ومجتمعه، لأن العلم يمنح الإنسان الوعي ويمكّنه من العمل، ويتيح له فرصاً استثمارية كبيرة، ويدفعه إلى توسيع مداركه فيواظب على التعلّم. كما أن العلم يجنّب الإنسان مصاعب الحياة، وقد يفتح له دروباً تقوده إلى الثراء، فالعلم هو الاستثمار الأمثل للفرد.
- شدّدتِ في كلمتك على نظام فاعل لإدارة حوكمة قطاع التعليم، ماذا تقصدين بذلك؟
أي نظام في العالم يقدّم خدمات ويمتلك نظام حوكمة ملائماً لمجتمعه. ولأنني منغمسة في دراسة القانون، أجدني مقتنعة تماماً بأهمية بناء نظام فاعل لإدارة وحوكمة قطاع التعليم، لأنه المنسِّق والمنظِّم لأي كيان أو خدمات.
- ثمة فجوة بين التعليم الأساسي والتعليم العالي، كيف نعمل على ردمها؟
سوء فهمنا للتعليم سببه الاهتمام بالتعليم العالي وإغفال أهمية التعليم الابتدائي أو الأساسي. وهذه من النقاط التي تؤرقني كثيراً. وقد ذكرت في كلمتي في مؤتمر التعليم، أن الجامعات هي مخرجات مرحلة الثانوية العامة، والثانوية العامة من مخرجات المرحلة الإعدادية وهكذا دواليك... لذا يجب الإحاطة بالعملية التعليمية كاملة والاهتمام بها، بدءاً من رياض الأطفال وصولاً الى المراحل التعليمية المتقدّمة، فكلما زاد اهتمامنا بالتعليم الأساسي وعملنا على صقل شخصية التلميذ في الطفولة، تمكّنا من بناء إنسان متوازن وقادر على دخول سوق العمل بقوة وثقة.
- لماذا أُهمِلت مرحلة التعليم الأساسي؟
الإهمال سببه الانطباع المكوّن عن الطفل بأنه لا يفهم حقيقة الأمور وأي شيء يتماشى مع طفولته، علماً أن الطفل يفهم ويدرك كل شيء، ومن السهل بناء شخصيته في سنّ الطفولة، وإن لم نفعل، يستحيل علينا الارتقاء به وإيصاله إلى أعلى المراتب في ما بعد.
- لو كان لكِ القرار، ماذا تفعلين؟
العملية التعليمية ليست تلقين معلومات فحسب، وأتمنى أن يفهم الناس هذه الجزئية، ولا يهمّني الكم الهائل من المعلومات التي يكتسبها الطالب على مدى 12 عاماً، بل أركّز على تنمية الإدراك الحسي لدى الطفل، لأن هذا أهم من المعلومات المحشوّة في الدماغ، ولا يرسخ منها إلا القليل، خصوصاً في عصر التكنولوجيا والثورة الصناعية الرابعة.
- ما هو الحل في ظل الثورة الصناعية الرابعة، وما نفع تلك المؤتمرات؟
نعمل بكل ما أوتينا من قوة ليكون لتلك المؤتمرات نتائج وتوصيات، وكل شخص يحاول إعطاء أفضل ما عنده من أفكار لنساهم في التحسين والتطوير، وهذا يتطلب تضافر الجهود والعمل يداً بيد.
- نحن اليوم في مرحلة زمنية تتشكل فيها الثورة الصناعية، المنطلق الأساسي والركيزة في البحث عن الحلول من أجل مجتمع قادر على أن يُحدث تغييراً، ما هو التغيير التي يفيد المجتمع؟
لقد بدأنا التغيير في أُسس التعليم والنظر بعمق وقوة إلى ما يتلقاه الطالب في المرحلة الأساسية، وهذه بادرة خير بإصدار القرارات والأوامر السامية بتطوير المناهج، وما علينا إلا وضع الاستراتيجيات والخطط المستقبلية لمواجهه هذه الثورة ومتطلباتها حتى يواكب الخرّيجون والخريجات احتياجات سوق العمل.
- لكن أسلوب التلقين في مرحلة التعليم الأساسي لا يزال متّبعاً؟
أوصيت في المؤتمر بضرورة الاهتمام بالأطفال وتنمية قدراتهم ومهاراتهم من طريق دمج الحصص التعليمية الخاصة مع الأمور الحياتية مثل الادّخار، وكيف يوزّع الطفل مصروفه باعتدال. ولماذا لا أساهم فيها كعملية تعليمية، قابلة للتطبيق، وتساعد الطالب على تكوين صورة مبدئية لحياته العملية في المستقبل، فيفكر بمشروعه الصغير وكيف يدعمه بقوة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، شجّعت ابنتي مع صديقتها على تنفيذ مشروعهما الصغير، ووعّيتهما بحجم التكلفة وكمية الربح وكيفية حساب سعر المنتج، وحين عاد المشروع عليهما بالربح الوفير، كانتا في قمة السعادة. وأتمنى أن أعلّم طلاب المدارس كل ما علّمته لابنتي.
- الكاتب مصطفى أمين قال: "من علّم امرأة علّم أمة"، كيف نضمن التعليم الجيد لبناتنا بناءّ على مسيرتك العلمية والعملية والاجتماعية؟
أنا مقتنعة بأهمية توعية الأمهات، فكل أمّ في العالم تحب أبناءها وتريدهم أفضل الناس، لكن ينقصها الوعي والإدراك، لتعرف كيف تتعامل مع أبنائها ليكون بينهم مستقبلاً، القائد أو المبدع أو الطبيب الناجح، وما عليها إلا امتلاك مفاتيح شخصيات الطفولة. وعلى سبيل المثال، حين تضع أمّ "ابنها البالغ من العمر سنتين وهادئ الطباع أمام التلفاز، يبقى ساكتاً"، تريده أن يكون سعيداً! لكنها لا تدرك أنها بذلك تحدّ من إبداعه وقدراته، وهذه الأم تحتاج الى مزيد من التوعية.
وفي المقابل، نجد أماً تشكو من فرط حركة طفلها طوال اليوم، من دون أن تدرك أن سلوكه هذا مرتبط بنظامه الغذائي، فهو يضج بالطاقة من كثرة تناوله الحلويات المصنّعة والملوّنة، والعصائر غير الطبيعية، وهذا النوع من الطعام يحبس في جسده طاقة زائدة مضرّة عليه تفريغها بأي طريقة من الطرق. لذا، يجب العمل على تطوير الأم فكرياً ونفسياً واجتماعياً وثقافياً.
- من خلال رؤية 2030 وجّه الأمير محمد بن سلمان بوقف الاعتماد على النفط في الاقتصاد والتركيز على قطاعَي الصناعة والزراعة، وهذا يحتاج إلى تعليم مهني، فما رأيك؟
هذا ما حرصت عليه في التوصيات الرامية إلى الاهتمام بالتعليم المهني، وشدّدت عليه من أجل تنمية مستدامة، لأن بين الشباب من يصل الى عمر معين ولا يملك القدرة على الالتحاق بالجامعات، وما عليه إلا البحث عن التعلم بمكان آخر ليضيف إلى شخصه وحياته، ويقرأ ما أوصى به حبيب الرحمن "اطلب العلم من المهد إلى اللحد" فالعلم فريضة، ونحن أمّة "اقرأ"، و"اقرأ" تعني التعلم وليس القراءة فقط، فالتعلم كلمة شمولية صغيرة في لفظها كبيرة في معناها، لها أبعاد كثيرة، وآفاق واسعة في كل المجالات التي تمنح الإنسان شخصية قوية ومهمة. وهذا ما أوصى به الأمير محمد في رؤية 2030، بتطوير الفرد وتجويد حياته بالأساسيات وليس بالشكليات حين وجّه بجودة التعليم والسموّ بحياة المواطن والارتقاء به إلى ما يستحق.
- لذلك أكد الأمير محمد على اقتصاد متكامل والاهتمام بالشباب والاستفادة من الخبرات، حتى لا نصل إلى 2030 باقتصاد أعرج؟
بالتأكيد. نحن اليوم في 2020، فيجب أن نركّز على الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 إلى 15 و20 سنة ليتسلموا القيادة في الـ 2030، لذلك من الأهمية بمكان التركيز على تلك الفئة التي تضم الأطفال والمراهقين بالتعاون مع الخبرات الموجودة في السوق السعودية.
- هذا يحتاج إلى مبادرات كبيرة وجهد فكري مخطِّط؟
أطلقت منذ سنتين مبادرة تحت عنوان "نحو طفولة مبدعة آمنة" حوتْ أفكاراً للفئات العمرية الصغيرة، لتنمية الوعي والدفع للتعلم، وبرامج مهمة لشحذ الفكر. ونعمل اليوم على استقطاب هؤلاء الشباب حول مناطق المملكة ونبحث عن الموهوب لنثري موهبته، والمبدع لنشجعه. ومن خلال شراكتي مع إدارة التعليم، قمنا بدراسة الأبحاث العلمية التي قدمها الطلاب والطالبات وسلّمنا النتائج للمراكز المتقدمة منها ودعمناها، بجوائز يستحقونها. ونهتم بالمبدعين لنسرّع من عجلة "نحو طفولة مبدعة آمنة" كي نصل إلى 2030 بقادة مبدعين.
- سفيرة السلام والطفولة والنشء، ما هي مخططاتك للمرأة لتكون في الصدارة دائماً؟
لا بد من أن نهيّئ المرأة أكاديميا واجتماعيا وفكريا كي تقود وتتبوأ المناصب التي تستحقها، لأن طموحاتي تتمحور حول "ثالوث" التعليم ـــ صقل الطفولة ــــ تمكين المرأة، وصولاً إلى الدفع بالتنمية المستدامة والعمل على تطور المجتمع وتطويره. حالياً ومن خلال هذا المنظور، أعمل على تمكين المرأة بالتعاون مع الجمعيات وإتاحة فرص العمل أمامها ليكون لديها دخل تصبح به مستقلة مادّياً وتهتم بأولادها. والعمل يحتاج إلى علم، وإن لم يكن لديها شهادة، أدفعها نحو التعليم المهني بعدما أصبحت فرص العمل كثيرة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وهكذا تعمل ولو من المنزل، بهذه الطرق وبما نملك من إمكانات، نعمل على تمكين المرأة لتصبح على قدر المسؤولية وتحقق النجاح.
- جميع من في المؤتمر كان يدعو للرقمنة في التعليم، هل أنت من القائلين بالرقمنة المطلقة؟
أنا مقتنعة بأن الرقمنة مهمة لمجاراة التكنولوجيا والثورات الصناعية المتلاحقة، لكن لا بد بالمقابل من المحافظة على مبادئ الحياة الطبيعية. بمعنى آخر، حين أدعو في المجتمعات العربية إلى الرقمنة وأضعها نصب عيني وهدفي الأكبر، أتساءل أين لغتي العربية؟ وأين هويتي؟ وأين أنا كإنسانة عربية في المنظومة، كيف أحافظ عليها، وأضيف لها؟ لذلك ألقيت كلمتي باللغة العربية في مؤتمر التعليم، وتناولتُ فيها أهم الأمور التعليمية وما الذي علينا فعله لنصل إلى 2030 بتنمية مستدامة. لكن النجاح لا يكون إلا مع المحافظة على الهوية واللغة الأم.
- لكن ما نراه اليوم في المؤتمرات هو أن المتحدثين يلقون كلماتهم باللغة الإنكليزية؟
في الحديقة الثقافية وفي معرض الكتاب وضحتُ أهمية اللغة العربية، ودعوتُ إلى إقرار نظام وجوب جعل المحادثات والمراسلات الرسمية باللغة العربية حصراً، على الرغم من أنني أجيد التحدث بأكثر من لغة و"مَن تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم" لكن تبقى هويتي لغتي.
- ما الذي تحقق للمرأة السعودية في ظل التغيير؟
تحقق الكثير في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وتغيرت الصورة النمطية للمرأة السعودية وهذا مدعاة فخر لحكومتنا الرشيدة، وفي كل لقاء أتوجه بالشكر للملك سلمان وولي عهده الأمين لرؤية 2030 العظيمة على القنوات التي فُتحت، والسُّبل التي مُهّدت أمام المرأة السعودية لتغيير الصورة النمطية عنها فباتت قادرة على أن تظهر نفسها بالمظهر الصحيح، لكونها متميزة بدينها وعلمها وثقافتها وهويتها ـ فأبدعتْ، وهي بالأساس مبدعة لكنها كانت تنتظر فتح المجال فأفسح لها.
- كُرمت بدرع الشخصية لعام 2019 من قبل "المجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال" هل هو تكليف أم تشريف؟
كل تكريم أحصل عليه أعتبره تكليفاً لا تشريفاً، لأن التكريم ما هو إلا دلالة على إثبات قدرتي على أن أُحدث أثراً إيجابياً، وأعتبر التكريم اختباراً لما يأتي بعده من نجاح في العمل ومواصلة الطريق.
- ما هو طموح الأميرة دعاء؟
أن أرى المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول بالعالم المتحضّر، لأن قناعتي كبيرة بأن المملكة تتميز بحكومتها الرشيدة وبقيادات عالية الفكر، وبشعب معطاء وطيب وكريم قادر أن يكون في هذا المكان وتلك المكانة.
- مَن الداعم الحقيقي للأميرة دعاء؟
كلما شعرت بوطنيتي أكثر عملت بجهد أكبر، وأبدعت أكثر وأعطيت البلد فوق طاقتي، وهذا ما يدعمني ويحفزني على خدمة وطني ومجتمعي، وسيلتي العلم والعمل معاً، وأنا أعمل بأكثر من ساحة ومحفل والحمد لله، لخدمة وطني.
- ماذا تقولين لكل امرأة؟
ثقي بنفسك، كلما كبرت ثقتك بنفسك عرفت أنك أقدر على العطاء والإبداع، واشتغلي على نفسك وطوريها وأضيفي لها، واعرفي أن الحدود هي السماء! كوني ما تريدين وكما تريدين في ظل احترامك لهويتك ودينك وأخلاقك وعاداتك لتحققي النجاح.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024