تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

فضل شاكر: أربعة ديوهات والنجم واحد

قد لا يختلف اثنان على أن أبرز أسرار نجومية فضل شاكر، يكمن في دفء وعمق إحساسه الذي دغدغ قلوب الملايين وتغلغل في عمق المشاعر وجعلها تذوب وتلتحم لتصبح وحدة الحال العنوان العريض الذي جمع حكايات الغرام بفنّ فضل شاكر... هذا الإحساس العميق، وبشهادة كبار النقّاد، بات الطريق الأسهل لوصول أي أغنية حتى ولو كانت عادية لا تحمل أي جديد أو إبهار.
أما الأمثلة على ذلك فهي كثيرة، خصوصاً أن أرشيف فضل شاكر الغنائي المستمر منذ العام 1998، لم يخلُ من أغنيات اعتبرت فعلاً عادية وباعترافه هو (أي فضل) وحققت نجاحات خيالية. لكنها ما كانت لتنجح لو غنّاها أي فنان آخر، لأن الإبهار الوحيد فيها كان صوت شاكر وإحساسه، إلى درجة أن اسمه صار الضمانة وجواز المرور السريع لأي أغنية أو ملحن في بداياته أو شاعر يكافح للوصول وحتى فنان ناشئ. ومن هذا المنطلق يمكن أن نفسّر سبب كونه القاسم المشترك بين نجمات الوطن العربي في أغنيات الديو، ومنهنّ لم يكنّ قبل الغناء معه نجمات.


البداية: «أحاول» مع الكويتية نوال

أول ديو غناه كان مع المطربة نوال الكويتية بعنوان «أحاول» التي كانت أول أغنية خليجية لفضل وأول ديو له ولنوال. حينها كان شاكر في أوج تسلّقه التدريجي للنجومية، وكانت شهرته كبيرة جداً في لبنان والدول المجاورة قبل أن يتمكن من كسر حاجز الجمهور الخليجي، بعد أن راهن كثيرون على أنه لن يصبح نجماً في أي يوم من الأيام. فكانت «أحاول» التي اعتبرت من أروع الأغنيات الرومانسية الخليجية، بوابة عبوره إلى قلوب الخليجيين من خلال صوت نوال، وأيضاً الأغنية التي أوصلت نوال إلى الجمهور اللبناني العاشق أساساً لشاكر. وحقق هذا الديو نجاحاً مدوياً ما زالت أصداؤه تتردد حتى اليوم، وهو ما لم يكن مستغرباً، بل متوقعاً من كلّ من سمع الديو قبل صدوره. فإلى جانب الكلام العميق واللحن الذي أتى في غاية الرومانسية، والإتقان في توزيع الآلات الموسيقية بانسيابية خصوصاً الساكسوفون الذي كان استعماله نادراً في الأغنيات الخليجية، تكلل الإحتراف مع صوتين كانا في غاية الإنسجام إحساساً وأداءً. ولعب الكليب دوراً في مزيد من النجاح إلى جانب تقديم الديو على المسرح من جانب فضل ونوال معاً في حفلاتهما المشتركة وأيضاً بشكل منفرد في حفلات كلّ منهما وحتى اليوم وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على صدوره.

بين شيرين و«العام الجديد»
أما الديو الثاني الذي قدّمه شاكر في مسيرته فكان مع النجمة شيرين عبد الوهاب، التي كانت قد حققت نجاحاً مميزاً في مصر مع تامر حسني وبعده، ليأتي ديو شاكر مكملاً ومساهماً في تعزيز نجومية تلك الشابة التي أجمع الكلّ على أنها ستكون قريباً نجمة مصر الأولى نظراً لموهبتها الخطيرة. وبالفعل، كان ديو «العام الجديد» ليطلق نجوميتها أكثر فأكثر ليس فقط في مصر، بل أيضاً في لبنان والخليج وباقي الدول العربية. هذا الديو كان أول كليب يجمع بين شاكر والمخرج سعيد الماروق، وقد صوّر في بيروت وتضمّن فكرة مميزة نجحت بشكل كبير، خصوصاً أنه يحكي قصة حبيبين يتمنيان لمناسبة العام الجديد البقاء معاً طوال العمر ويسهران معاً في تلك الليلة ويخبر أحدهما الآخر عن تمنياته وأمانيه. أما العنصر الأبرز في نجاح الديو فكان التقارب الكبير والواضح بين شخصيتي فضل وشيرين وصوتيهما وإحساسهما وانسجامهما في الغناء معاً، إلى درجة أن هذا الإنسجام أسس لشائعات قوية عن علاقة حب حقيقية جمعت بينهما. واللافت أن النقاد كتبوا عن شيرين في بداياتها أنها تشبه جورج وسوف في عُربه وأدائه الطربي، وفضل شاكر في إحساسه المرهف ودفء صوته. لهذا لم يكن مستغرباً أبداً أن ينجح العمل في الشكل الذي نجح فيه، إلى درجة أن المقرّبين منهما يطالبانهما بتكرار التجربة.

«آخدني معك» وامتحان النجومية ليارا
«آخذني معك» كانت الديو الثالث لفضل شاكر، وهذه المرة مع يارا التي كانت حينها قد أصدرت ألبوماً واحداً والجمهور لا يعرف لها سوى أغنية أو اثنتين. إلاّ أن شاكر المعروف برفضه العيش في برج عاجي، إلتفت إلى صوت وموهبة يارا الكبيرة والخطيرة. وقال عندما سمعها للمرة الأولى: «هيدي البنت بتغنّي»، أي هي فنانة حقيقية. فبادر وعلى عكس تصرفات غالبية النجوم، إلى الإتصال بيارا وتهنئها. وهكذا كان اللقاء في استوديو الموزع ناصر الأسعد حيث جرى الإتفاق على تنفيذ الديو، الذي صُوّر كليباً مع سعيد الماروق في شكل رائع، برع فيه المخرج في إظهار بساطة النجمين وتواضعما دون بهرجة ولا ديكورات مترفة، بل فقط طبيعة جميلة تظهر سهولاً رائعة الجمال في إحدى بقاع لبنان. وكانت «آخدني معك» أول تعاون لشاكر مع الشاعر الياس ناصر والملحن طارق أبو جودة. النجاح كان إستثنائياً أيضاً، والأغنية لا تزال تجمع بين شاكر ويارا في حفلاتهما المشتركة، ويغنيها كلّ منهما بشكل منفرد في حفلاته. وبعد الديو، إلتفت كثيرون إلى موهبة يارا وانضموا إلى جمهورها، كما تردد كثيراً أن صوت يارا يتميّز ببحة قريبة من بحة صوت شيرين، إلى جانب الشبه في الإحساس والأداء. وكما نجحت شيرين مع فضل، نجحت أيضاً يارا وشقّت طريقها بثقة نحو سلّم النجومية الذي يبدو أنه صار ملازماً لإسم فضل شاكر.

لماذا لم تلمع اليسا مع فضل كما لمعت أخريات؟
بعد الديو مع يارا، كان دور زميلتها وابنة بلدتها الواحدة «دير الأحمر» النجمة إليسا لتقدّم معه ديو جديداً، حمل عنوان «جوّا الروح» وصدر في ألبوم شاكر الأخير «بعدا عالبال»، بعد سنتين من إعلان خبر نيتهما تقديم ديو. وطبعاً لا مجال للحديث هنا عن فضلِ أحد النجمين على نجومية الآخر، لأن المعروف أنهما من أهم النجوم. ألبوماتهما تحقق أرقاماً قياسية في المبيعات، وحفلاتهما تسجل النسب الأعلى في الحضور. لكننا لا نستطيع أن نتحدث عن نجاح مدوٍّ لهذا الديو، لأنه ببساطة لم ينجح. وبحسب النقاد والإحصاءات أن الأغنية على الأقلّ لم تلمع كما حصل مع الديوهات السابقة لفضل شاكر، رغم أن المتوقّع كان وفي أقل تقدير «أن تكسّر الأرض». ترى ما الذي حصل؟ هل هي الأغنية نفسها؟ أو عدم تصويرها كليباً؟ ضعف الإنتاج أو ضعف أحد الطرفين؟ البروباغندا الإعلامية أو عدم انسجام المغنيين معاً؟  أو كل هذه الأسباب مجتمعة؟!
إن تحدثنا عن عنصر الأغنية نفسها نستطيع القول إن موضوعها كان عادياً والكلام مركّب ومجرد ترداد وتكرار لعبارات عن الحب سبق أن سمعناها كثيراً، صيغت ضعيفة ودون أي حبكة تجعلها مؤثرة. مثل جملة «بقلّك شو بقلّك... كلمة حبيبي يا حبيبي صغير عليك... بعشق صوتك كلامك وعينيك». أما اللحن فبدوره لم يحمل جديداً وبدا مثل زيّ خيط بغير مقاسات صاحبه. فلم تشهد الأغنية أي لمعة باستثناء توزيعها الموسيقي مع ناصر الأسعد، وجملة فضل «إنتي بقلبي وجوّا الروح، حاسس بغرامك وين ما بروح، ضمّيني وقوليلي حبيبي بحبك أنا».  لهذا يُخيّل لمن سمعها أن أكثر من شخص كتبها كونها لا تحمل روحاً واحدة بسبب الفرق الشاسع بين هذه الجملة والمقاطع الأخرى.

أما القول إن عدم تصوير الأغنية كليباً هو أحد أسباب عدم النجاح، فهو تحليل غير دقيق. لأن نجمي الأغنية هما الأكثر شهرة وجماهيرية. بالتالي، أغنياتهما ليست بحاجة إلى كليبات كي تنجح وأغلبها ينجح بشكل كبير قبل تصويره. لهذا من المرجّح أن عدم تصويرها يعود إلى عدم نجاحها بالأساس. فهي صدرت منذ خمسة أشهر تقريباً، ولو كانت ناجحة لكان تحمّس النجمان أكثر لتصويرها.
أما ضعف الإنتاج فهو أيضاً غير وارد، لأن الشركة هي روتانا المعروف أنها لا تبخل مطلقاً في أعمال هذين النجمين على وجه الخصوص كونهما من الأهم في لائحة نجومها. أما البروباغندا التي سبقت الأغنية ورافقتها، فحدّث ولا حرج لأنها أكثر أغنية ديو حُكي عنها في سوائل الإعلام. الخبر أُعلن قبل سنتين، لكن إليسا نفته في إحدى لقاءاتها. وربما لم يقرأ فضل تصريح إليسا في ذلك الوقت، لأنه أكّد صحّة الخبر في حوار أجراه بعد حوار إليسا. وبعد فترة، عادت إليسا لتؤكد الخبر وقالت إنها تحفظّت بداية كي لا تحرق الفكرة ولأن الديو لم يكن مؤكداً بعد. وإلى جانب هذه التصريحات كانت هناك مقالات وتحاليل تؤكد وتنفي، إلى أن أطلت إليسا في برنامج تلفزيوني وقالت أن الديو ألغي وبأنها لم تعد تريده لأنها انتظرت فضل شاكر كثيراً وهو يماطل... وهكذا إلى أن صدر الديو وتصدرت أخباره العناوين مجدداً.

فلم يعد أمامنا سوى عنصر الإنسجام الذي اعتبره كثيرون مفقوداً بين فضل وإليسا، رغم أن لكلّ منهما إحساساً مميزاً. أما السبب فهو أن وقوفهما معاً من البداية ليس منسجماً، لأن فضل يمثّل صورة الفنان الشعبي والمتواضع والخجول والقريب جداً من الناس والذي لا يقيم للأمور اعتبارات كثيرة. بينما إليسا تمثل صورة النجمة الأنيقة والراقية والدقيقة جداً في كلّ ما تفعله أو ترتديه، والتي جعلت لنجوميتها هالة خاصة تبدو صعبة المنال في كثير من الأحيان. إذاً بدأ التناقض منذ البداية. من جهة أخرى، إن تسجيل المطربين لصوتيهما كلّ على حدة، ساهم أكثر في التباعد بينهما وفي فقدان الإحساس المطلوب لإظهار صدق المشاعر في حوار غنائي يفترض أنه يحكي الحب والعشق بين رجل وامرأة، عكس ما حصل في الديوهات السابقة التي سجلها فضل مع نوال ويارا وشيرين... وكان هذا خطأ فادحاً أقرّ به فضل شاكر خلال إطلالته في «تاراتاتا» عندما قال إن الديو كان لينجح اكثر لو أن التسجيل كان مشتركاً. وكأنه يسجّل اعترافاً ضمنياً بعدم نجاحه مع إليسا، مع الإشارة إلى أن فضل هو من قرر عدم التصوير، رغم الإعلان سابقاً أنه سيتم مع وليد ناصيف، والفكرة كانت تقريباً جاهزة.


المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077