تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

رويدا عطية

خامة صوتها شكّلت على مدى السنوات الماضية العلامة الفارقة لدى الجيل الجديد في مجال الأغنية الشعبية منذ انطلاقتها مع «سوبر ستار». ورغم ذلك لم تحصر نفسها في هذه الدائرة وسعت بكلّ جهد للخروج من عباءة اللواتي شُبّهت بهنّ وقيل إنها تقلّدهن، مع أنها لم تدخل تلك العباءة أصلاً. استطاعت أن تبرهن للناس أن هويتها الفنية خاصة ومحددة الملامح، وأن موهبتها تستحق التوقّف عندها خصوصاً بعد دخولها خطّ التنويع الغنائي دون أن تتخلّى عن التراث. تستعد لخوض تجربة جديدة مع الأغنية الخليجية، وباشرت كتابة روايتها الأولى. «لها» التقت رويدا عطيّة وكان هذا الحوار...

- صوّرت أخيراً الكليب الخاص بأغنية الديو مع عاصي الحلاني «سحر الشرق» الذي صدر قبل عام تقريباً. ما هي الأسباب التي أدّت إلى التأخير في تصوير الكليب كلّ هذه المدّة؟
صدر الديو  في شهر رمضان الماضي وحقق نجاحاً مميزاً، لأن الناس لم يسمعوا ربما هذا النوع من أغاني الديو منذ فترة طويلة، أي الأغاني البدوية التراثية. لا أستطيع القول إننا تأخّرنا في تصويره، لأني أنا شخصياً كنت في مرحلة تسجيل وتصوير أغنياتي الخاصة، كما أن ألبوم الفنان عاصي الحلاني كان قد صدر حينها ويفترض ان يصوّر أغنياته المنفردة أولاً، هذا امر طبيعي. الأهم في الموضوع هو أن العمل صوّر والحمدلله، وكنت سعيدة جداً خصوصاً أن المخرج عادل سرحان تمكّن ببراعة من المحافظة على الروح البدوية للأغنية وأخرجها بشكلها الصحيح ومضمونها الواضح. التصوير تمّ على مدى أربعة أيام في سورية وتحديداً في قلعة الحصن في حمص وفي تدمر. الأجواء كانت رائعة، والكليب يتضمّن قصةّ جميلة إضافة إلى أن المواقع الأثرية التي صوّرنا فيها أضفت رونقاً خاصاً على العمل. دون شك أنا ما أزال في البدايات وأعتبر نفسي محظوظة جداً كوني غنيت مع عاصي الحلاني، هذا الفنان الذي أحترمه وأقدّره بشكل كبير.

- ألا تعتبرين أن الأغنية كانت لتحقق نجاحاً مضاعفاً لو ترافقت مع كليب عندما صدرت؟ إذ بدا وكأن الديو ظُلم ولم يُخدم كما يجب؟
هذه وجهة نظر، لكن الديو نجح رغم أنه لم يترافق مع كليب بدايةً. وأنا حقيقة ألمس هذا الأمر من الناس ومدى إقبالهم على الأغنية، وهذا هو المهم بالنسبة إليّ. وكما ذكرت سابقاً، لم يكن منطقياً أن نصوّر الديو في الوقت الذي صدر فيه ألبوم عاصي، إذ يجب أن يدعم أغنياته الخاصة قبل الديو. وأنا أيضاً كنت في مرحلة تحضير أغنيات ألبومي إضافة إلى الأغنيات التي صدرت منفردة. وفي كلّ الأحوال، أنا أؤمن «أن كلّ تأخيرة فيها خيرة» و«لا تكرهوا شيئاً لعلّه خير».

- ظهرت في لقطة واحدة في كليب أغنية «حالة قلبي» لعاصي الحلاني وتلقيّت عليها انتقادات. إذ تساءل البعض عن سبب موافقتك على الظهور ككومبارس في كليب لن يقدّم لك شيئاً؟
هذه اللقطة لم تكن عبثية ولم تنفّذ كي أحلّ مكان الموديل أو الكومبارس، بل هي صلة الوصل بين كليب عاصي والكليب المشترك بيننا الذي يأتي تكملة لقصة الكليب الأول. في كليب عاصي الحلاني نراه وحيداً بعد أن ابتعد عن عائلته وحبيبته ويلتقي بي في نهاية الكليب. ثم تكتمل القصة في كليب ديو «سحر الشرق» حيث أكون المنقذة لتنشأ بيننا لاحقاً قصة حب. (تضحك) لكنه يعود ويتركني ولا أدري إلى إين سيذهب لاحقاً. وفي الختام هناك مشاهد ظريفة ومضحكة جداً إلتقطت لنا في الكواليس أو في الأعادات. وبالمناسبة، إكتشفت أن لعاصي شخصية ظريفة جداً وهو يحب الضحك والمزاح وأيضاً تنفيذ المقالب. ومن المقالب التي قمنا بها أننا ادّعينا أمام المخرج عادل سرحان أن خلافاً نشب بيننا وألغينا التصوير. (تضحك) لا يمكن أن أنسى وجه عادل وهو يتحدث إلى عاصي محاولاً حلّ الخلاف المزعوم بيننا...

- قلت إنك محظوظة بالغناء مع عاصي الحلاني كونه فناناً مهماً ونجماً شهيراً. هل لمست لديه ولو بنسبة ضئيلة غروراً ما أو تصرفات معينة للإيحاء دائماً بأنه هو الأول وأنت تأتين في المرتبة الثانية؟
على الإطلاق، ولست أقول هذا الكلام من باب المسايرة بل هي حقيقة. وأعتقد أن أيّ شخص يعرف عاصي عن قرب، يُدرك كم أنه طيب ومتواضع وذو أخلاق عالية. سبق أن ذكرت في حوار سابق مع «لها» أنه ظلم نفسه في الديو لجهة طبقات الصوت. فقد خفّض طبقة صوته كي أتمكّن من الغناء معه بشكل صحيح، والكلّ يعرف أن طبقة الرجل الصوتية أعلى بكثير من طبقة المرأة. حتى في الكليب شعرت بأنه لم يميّز نفسه، كما لم يتقصّد أن يظهر في مشاهد أكثر مني، لا بل كان حريصاً على إقامة التوازن بيننا وهذا ما قاله لعادل سرحان، وهو ليس مضطراً في أي شكل من الأشكال لمسايرتي أو التزلّف إليّ.هذه التصرّفات لا تعني فقط أنه متواضع، بل أيضاً هذا دليل على ثقة كبيرة بالنفس وثقة بي أيضاً، لأنه لو لم يكن مقتنعاً بموهبتي لما غنّى معي في الأساس. هو قادر على اختيار أي فنانة أخرى تغني الشعبي، وأنا متاكدة أني محسودة على ذلك،  والحمدلله نجحنا معاً وكنا متقاربين في كلّ شيء. أتمنى أن ينال العمل حظّه من النجاح وان يتكرر مع عاصي، حتى لو يكن ذلك في ديو جديد بل يمكن أن نجدّد مثلاً أغنيات تراثية.

- ماذا عن الأغنيات الخاصة التي أصدرتها أخيراً؟
أصدرت ثلاث أغنيات هي «بلا حب» و«شو سهل الحكي» و«كون جديد» التي تحكي موضوعاً إنسانياً وتحمل رسالة تخصّ جيل الشباب. هذا الجيل القادر رغم كل الدمار المحيط به، على أن يؤسس لكون جديد ويفرض التغيير الذي يريده من خلال طموحاته وآماله تجاه مستقبله. وأصدرت أيضاً أغنية «أنا عندي لذّة تنطرني» لوسام الأمير، وصوّرت «شو سهل الحكي» و«بلا حب» التي ستصدر قريباً إن شاء الله. بصراحة لم أتوقّع كلّ هذه الأصداء على أغنية «شو سهل الحكي» لسليم عساف ومدى النجاح الذي حققته. حتى إنها كانت المرة الأولى التي أتلقّى فيها هذه الكمية من الإتصالات، ليس فقط من المعجبين أو الصحافيين، بل أيضاً من ملحنين وشعراء لم أتعاون معهم سابقاً، قالوا لي إني لفتّ نظرهم من خلال الأغنية وكميّة الإحساس الموجودة فيها، وأخبروني عن رغبتهم في التلحين لي. وهذا أمرٌ يسعدني ويحمّلني مسؤولية مضاعفة. هذه الأغنية تركت إنطباعاً مميزا لدى الناس وزادت رصيدي وجمهوري خصوصاً أنها رومانسية «مودرن»، أي مختلفة تماماً عن كلّ الألوان التي غنيتها سابقاً وأبرزها التراثية. - من هم الملحنون الذين اتصلوا بك وأثنوا على أغنية «شو سهل الحكي»؟
مروان خوري ورواد رعد، وهناك أشخاص اتصلوا بعانود معاليقي مديرة أعمالي وآخرون اتصلوا بسليم عساف، منهم راغب علامة. 

- هذا التنقّل بين التراث والشعبي والمودرن، ألا يشير إلى تخبّط معين لجهة تحديد هويتك الغنائية؟
أعتقد أن هويتي الغنائية حُددت منذ أن غنيت للمرة الأولى أمام الناس لأنها مرسومة في خامة صوتي. مع بداياتي عانيت من مسألة التشبيه أو الإتهام بالتقليد. وهنا لا بدّ أن أوضح مسألة مهمة وهي أن الملحن هو المسؤول عن فكرة اللحن وهويته واللون الغنائي للفنان، وليس المطرب. وأوضحت سابقاً أن التشبيه أو التشابه حصل، بسبب التعامل مع الملحن ذاته وليس لأني أنا أريد تقليد فنانة معينة.

- تقصدين نجوى كرم والملحن عماد شمس الدين؟
ليس فقط نجوى بل أيضاً صباح ووردة الجزائرية رغم أني بعيدة عن خطّها الغنائي. وإن حصل تشابه ما فهو طبيعي في البدايات، لأن كل هاوٍ لا بدّ أن يتأثر بفنان كبير موجود على الساحة. وجيد أني لم أتأثر بأي كان بل بعمالقة وبأسماء ذات قيمة فنية كبيرة. لكن في مرحلة لاحقة تميّزت وصار الجمهور يميّز صوتي عندما أغنّي. مع أغنية «شو سهل الحكي» إنتقلت إلى خطّ مختلف يجمع بين الرومانسي والمودرن، لكن هذا لا يعني أني أتخبّط بحثاً عن هويتي الفنية لأني لن أبتعد أساساً عن التراث والأسلوب الذي عُرفت من خلاله، مع أني في «سوبر ستار» لم أغنّ فقط اللون الجبلي بل قدمت أغنيات لأم كلثوم أيضاً. لهذا أقول إن الملحن عندما يتعامل مع فنان جديد عليه أن يفصل بينه وبين أي نجم تعامل معه مسبقاً، كي يقدّم له جديداً. الصوت كالمرآة، أي في كلّ مرة نراه من زاوية مختلفة. تعاملت بداية مع ماد شمس الدين ورأى من وجهة نظره أني سأبرع في هذا النمط، كما أنه خاض معي أول تجربة له في أغنية مصرية إضافة إلى ألوان معينة لم يقدّمها مع فنان قبلي. ثم تعاونت مع وسام الأمير ونزار عبدالله ووليد سعد وجورج مرديروسيان ومازن أيوبي وسليم عساف وغيرهم، لهذا من الطبيعي أن أقدّم جديداً كل مرة. مع مرديورسيان قدمت الطرب الشعبي، ومع سليم عساف دخلت أكثر في مجال الإحساس. وبالمناسبة لسليم الحصة الكبرى في ألبومي المقبل، وأقدّم معه الخليجي والمصري واللبناني وهذا دليل على أنه مبدع. مع مازن أيوبي أيضاً أقدّم أغنية شعبية راقصة تختلف تماماً عن «بلا حب» إلى درجة أنه من الصعب أن يصدٌق الناس أن الأغنيتين لملحن واحد. يجب على الملحن أن يكتشف شيئاً مختلفاً في صوت الفنان.

- حُكي عن ديو يجمع بينك وبين الملحن سليم عساف؟
صحيح لكننا لم نسجّل الأغنية بعد لأني انشغلت بتسجيل أغنيات الألبوم إذ يفترض أن يصدر خلال الصيف. وأتمنى تنفيذ الديو لأنه مميز بالفعل.

- سمعنا أنك أبرمت عقداً مع شركة «بلاتينيوم ريكوردز» لإنتاج ألبومك؟
الألبوم من إنتاج شركة «عانود برودكشن»،  لكن عانود مديرة أعمالي تتفاوض مع شركات أخرى لتوزيعه في الأسواق، ومنها «بلاتينيوم ريكوردز» و«يلا فن». ما يهمّنا هو خدمة الألبوم بشكل جيد يؤمن له الرواج والإنتشار إن شاء الله. أحترم «بلاتينيوم ريكوردز» كثيراً وهي شركة راقية، وأيضاً «يلا فن». عملنا على الألبوم لفترة طويلة لهذا هناك تأنّ قبل إبرام أي عقد.

- الديو مع عاصي الحلاني سيصدر حصرياً على قنوات روتانا بما أن عاصي متعاقد مع روتانا؟
سيكون حصرياً في الفترة الأولى على أمل ان يوزّع لاحقاً على باقي المحطات.

- يُقال إنه عندما توافق روتانا على إنتاج ديو لأحد نجومها مع فنان من خارج الشركة، تكون في مرحلة التمهيد للتعاقد معه. هل لدى روتانا هذه النية تجاهك؟
علاقتي جيدة جداً مع روتانا إذ تجدينني في مختلف برامجهم وأخباري لم تغب مرة عن «نشرة أخبار روتانا»، لهذا أقول إنهم يحبونني سواء كنت معهم أو لم أكن، وأنا بدوري أكنّ لهم كلّ الإحترام والتقدير. مما لا شكّ فيه أن روتانا شركة محترمة ومهمة جداً، لكن لن أقول إن حلمي هو روتانا أو أن لا مستقبل لي خارج روتانا، لأني سعيدة بالتعاون مع عانود وكلّ الدعم الذي تقدّمه لي، وهو ما لا أراه في أي شركة أخرى. كما ان عانود شخصياً إنسانة عزيزة على قلبي ومتذوّقة جيدة للفن تعرف أين تضعني وفي إي إطار تقدّمني. 

- لم توضّحي إن كانت روتانا تنوي التعاقد إليك أو تحدث أحد مسؤوليها معك في هذا الخصوص؟
الحديث تمّ مع عانود لأنها هي من يقرر وقد فوّضتها التحدّث نيابة عني، لكن  لا جديد في الموضوع.

- تشهد ساحة الغناء حالياً عودة إلى التراث واللون الجبلي اللبناني بعد غياب شبه كامل إستمرّ لسنوات. بما أنك من اللواتي برزن في هذا اللون، ماذا تقولين عن هذه العودة وهل تشعرين بإنها موضة ستعود لتخفّ تدريجياً؟
أنا لست مع أن تكون موضة لفترة ثم يخفّ وهجها، لأنه يجب علينا جميعاً أن نحرص على تراثنا وعلى بقائه موجوداً في كل الأوقات. وهذا يعود إلى اجتهاد الفنان الشخصي في ان يقدّم شيئاً من التراث في أي بلد يقصده ليغني فيه، حتى ولو لم يكن في أرشيفه أغنيات خاصة جبلية أو بلدية. تراثنا زاخر بالأغنيات الرائعة وهي برأيي أجمل وأفضل من أي أعمال جديدة تقدّم اليوم سواء كانت تراثية أو لا، لذا من المميز أن نجددها ونحافظ عليها. مواضيع الأغنيات سابقاً كانت سهلة وبسيطة، أما اليوم فأغلب ما يُكتب تعبير عن حالات معينة. لا أعرف كيف أوصل ما أقصده بشكل دقيق، لكن لا أشعر بأن كلام الأغنيات الشعبية اليوم يعبّر حقيقة عن قرية ما أو أسلوب الحياة في الجبل مثلا بل يمثّل حالة.  وهذا هو أكثر ما أحببته في موضوع ديو «سحر الشرق» مع عاصي الحلاني، الذي نقدم فيه غزلاً محبباً بطريقة بسيطة كما في السابق. أما ما نسمعه اليوم فهو إما غزل لابنة الجيران أو «العيون اللي مدري كيف» أو «التنورة اللي مدري شو»... أنا لا أنتقد أحداً لكن أقول إن أسلوب الكلام صار غريباً. التجديد مطلوب لكن القديم يجب ألاّ يندثر، على الأقلّ لنغنّ الشعبي ولو بطريقة «مودرن».

- ألا ترين أنه من الطبيعي جداً أن يتغيّر أسلوب الكلام لأن العصر اختلف والتواصل بين الناس صار أسهل بكثير؟ فلم يعد صعباً التعرّف إلى حبيب آخر بعد فراق أو خيانة على سبيل المثال عكس ما كان يحصل في السابق!
طبعاً هذا صحيح والفن وليد بيئته. نعيش عصر الإنترنت والفايس بوك ومن الطبيعي أن تختلف اللغة، لأن الحب نفسه اختلف. فمن كان يعاني مثلاً من فراق حبيبته سابقاً، صار يتعرّف إلى أخرى في دقائق ليعود ويترك الثانية بدورها ويتودّد إلى أخرى. لكن أنا شخصياً متعلّقة بكل ما هو قديم وبكل ما يتصّل بجذورنا. لنفرض أني أنوي تكرار تجربة زواجي ورزقت طفلة، تجدينني أفكّر منذ اليوم كيف سأعامل إبنتي. الأولاد في هذا العصر يعيشون حالة دلع وطلباتهم كلّها مجابة، لكن أنا أرفض مثلاً أن ترافقني إبنتي إلى صالون التزيين لتصفف شعرها وهي في العاشرة من عمرها... لكلّ شخص طريقة تفكير معينة، وأنا شخصياً متعلقة بكل ما هو قديم إن لجهة الغناء أو الحب أو طريقة التربية والعلاقات الإجتماعية. وأشعر بأني بعيدة نسبياً عن حضارة الإنترنت و«ام اس ان» التي اجتاحت عالمنا فجأة، بمعني أني أحصّن نفسي ولا أدعها تجرفني وأتغيّر من الداخل. (تضحك) لا أتخيّل نفسي مثلاً أغني الشعبي وأقول «بايبي لاقيني»... بل في كلّ الأوقات سأقول له «تقبرني أو تقبر قلبي» وإلاّ أي لون شعبي هذا الذي نغنّيه. - تتحدثين عن نفسك، لكن بشكل عام البعض يقول إننا لا نستطيع لوم الشعراء على ما يكتبونه بما أن هناك اعترافاً بأن الفن وليد بيئته؟
(تضحك) بالنسبة إلى الشعراء أعتقد أن الحقيقيين منهم يعدّون على أصابع اليد الواحدة. إما أن خيالهم صار محدوداً إلى درجة كبيرة، أو إنهم أفلسوا ولهذا وصلنا إلى هذا المستوى من الكلام. لا أعرف ما الذي يجري، لكن لا يمكننا أن نبرر هبوط مستوى الكلام بمقولة أن العصر تغيّر. وإن كانت هذه هي الذريعة، أنا أفضّل أن يتوقّفوا عن الكتابة ويعيدوا المواضيع القديمة. هناك أشخاص لا يجوز أن نطلق عليهم تسمية شعراء، وآخرون يهزّون مشاعرنا من الداخل مع كلّ حرف حتى في هذا الزمن. لكن بشكل عام المواضيع كلها متشابهة وكذلك الألحان، ولهذا صار الموزع الموسيقي يلعب الدور الأبرز أحياناً في الأغنية لإخراجها من الرتابة والتكرار. لهذا قلت إن هناك مسؤولية كبيرة على الشعراء والملحنين وإلا كيف يستطيع الفنان الحقيقي أن يتحدّى ويقدّم الفن المحترم في كل مرة وألاّ ينجر إلى متاهة التبرير والقول إن العصر تغيّر. سليم عساف شاعر شاب ويعيش في هذا العصر، لكنه يكتب بدرجة عالية جداً من الإحساس وهو أمر نادر اليوم، تخيّلي ان يقول «شو سهل الحكي مين اللي بيعرف عند التاني شو في». أو مثلاً أغنية جورج وسوف الجديدة «شكراً»، الشاعر يقول للحبيب «شكراً على كلّ جرح جرحتهولي...»، هل من شخص يقول شكرا على الخيانة والجرح! هنا أهمية أن تبقى كلمتنا راقية.

- ما رأيك في تجربة جورج وسوف مع أغنية «لا تروح» التراثية في ألبومه الأخير؟
جورج وسوف نشأ على هذا اللون أساساً وانطلاقته كانت من خلال التراث، وقدّم في بداياته «يا مولدنة» و«موال حاصبيا» و«ترغلّة» وغيرها الكثير من الأغاني الشعبية. لهذا ليس مستغرباً أن يغني هذا الأسلوب حالياً. أنا أجد جورج وسوف رائعاً في أي شيء يغنّيه، «كل شي بيلبقلو» وهو الرقم واحد في كلّ شيء لأنه حالة إستثنائية. تخيّلي أن هناك بعض الفنانين الذين انتقدوا ألبومه الجديد، لكن من هم هؤلاء أصلاً لينتقدوا فناناً بحجم الوسوف! هؤلاء ليسوا فنانين بل أشباه فنانين... أُستفزّ كثيراً عندما أسمعهم يتحثون بهذه الطريقة عن فنان تمتدّ مسيرته إلى ثلاثين سنة تقريباً، ومن ينتقده هو مختلّ عقلياً برأيي. ليس جورج وسوف فقط، بل أيضاً فضل شاكر او راغب علامة أو أي فنان لديه هذا التاريخ المشرق وعشرات الأعمال المشرّفة والنجومية التي لا يصعب تكرارها... «عيب يعني» خصوصاً عندما أسمعهم يدلون بآراء لا معنى لها ويحللون نوعية الأغاني والأداء، «يسمحولنا».

- هذا يعني أنك ترفضين أي ملاحظة وكأن الفنان فوق مستوى النقد؟ كل فنان مهما كان عظيماً لا بدّ أن يخطئ في مكان ما؟
كلا لم أقصد هذا، لكني أرفض أن يكون النقد تافهاً مثلاً أو دون قيمة أو من أُناس لا يفقهون شيئاً في النقد والفن والموسيقى، فتجدينهم يثرثرون فقط ويقولون كلمات لا يدركون معانيها... كما أرفض التجريح بالفنانين الكبار والإساءة إليهم. أنا شخصياً لا أرفض النقد، على العكس أرحّب به. لكني ضدّ أن يتحوّل النقد إلى سيناريو مسلسل مستمر للتجريح بهذا الفنان والتقليل من قيمته. في هذه الحالة يستحيل أن يكون النقد موضوعياً أو يهدف إلى تصويب الخطأ، بل سيكون لأغراض رخيصة. وأنا لا أتحدث عن نفسي، بل عن الفنانين الكبار  خصوصاً متى تناولهم بالسوء المبتدئون. إن لم يعجبني مثلاً ألبوم لجورج وسوف، أفضل أن أحتفظ برأيي لنفسي، ولا أصرّح به وباستهزاء مثل «مدام تفاحة».

- ماذا تقصدين «بمدام تفاحة»؟
(تضحك) نوعية من يجلس فخوراً بنفسه ويتفوّه بكلام سخيف معتقداً أنه بطل...

- سمعنا انتقادات طالت نجوى كرم أخيراً وقيل إنها بالغت بجرأة الكلام الذي تغنّيه في «خلليني شوفك بالليل» والكليب الذي صوّرته. هل نستطيع أن نمنع شخصاً من قول رأيه والتعبير عن وجهة نظره فقط لأن نجوى كرم فنانة لها تاريخ؟
أنا شخصياً لم أسمع بعد ألبوم نجوى كرم، ولست أقول هذا الكلام تهرّباً من الجواب لكنها الحقيقة. لكن في مطلق الأحوال أنا لا أستطيع انتقاد نجوى كرم لأنها أيضاً فنانة قديرة، ولا يحقّ لي أن أنسف تاريخها الفني بسبب غلطة ارتكبتها ربما في ألبوم... إن كان البعض لم يُعجب بما تقدّمه، فهناك في المقابل مئات وعشرات أحبّوا هذا الأسلوب، وهذه حقيقة لا نستطيع إنكارها. نستطيع أن ننتقد لكن باحترام وليس باستهزاء.

- ما هي أجمل الألبومات التي تستمعين إليها حالياً؟
ألبومات جورج وسوف وفضل شاكر وإليسا وراشد الماجد، تجدينها معي في السيارة دائماً. ألبوم فضل كتلة من الأحاسيس، وأعتبر ألبوم راشد من أجمل ما صدر هذا العام على الساحة الخليجية. وأيضاً احب إحساس إليسا. (تضحك) أما جورج وسوف فلا تعليق لأني من عشاقه ومن المهووسين بفنّه.

- ما هو عدد الأغاني الشعبية التي تصدرينها في ألبومك المقبل؟
هناك ثلاث أغنيات شعبية بأسلوب الدبكة أي اللون الذي عرفني الناس من خلاله. لكن الغريب فيه هو أغنية «أديش في بيني وبينو» للملحن مازن الأيوبي، التي تسمّى فنياً بأسلوب «النَوّاري». وزّعها موسيقياً مارك عبد النور وقد أبدع حقيقة في عمله وقدّمها بأسلوب مميز.

- ماذا عن الأغنيات الخليجية؟
سيضم ألبومي ثلاث أغنيات خليجية، منها اثنتان من كلمات الشيخ صباح ناصر الصباح وألحان الدكتور يعقوب الخبيزي إحداهما شعبية والثانية رومانسية. أما الثالثة فمن كلمات سهام الشعشاع وألحان سليم عساف وتوزيع مارك عبد النور. أنا متحمّسة كثيراً للأغنيات الثلاث، والأغنية التي كتبتها سهام قريبة من اللهجة البيضاء، أما الصعوبة فكانت مع أغنيتي الشيخ صباح لأنهما بالخليجية البحتة، وسجلناهما بعد إعادات كثيرة تجنّباً للوقوع في أي خطأ لفظي. لكن الحمدلله وُفّقنا في النهاية ربما لأني عشقت الكلام والمعاني الرائعة التي يحملها. وقد أثنى على لفظي الدكتور يعقوب الخبيزي وقال إني أجدت اللهجة وهو طبعاً لا يسايرني في ذلك لأنه حريص جداً على أعماله. وبالمناسبة الشعر الخليجي يتفوّق على أي شعر آخر وهو الوحيد الذي لا يزال محافظاً على المستوى الراقي في الكلمة، خصوصاً أنهم يرسمون حالات معينة وكأنها لوحة.

- هل تمهّدين لإصدار ألبوم خليجي كامل؟
نعم، إن شاء الله. وقد باشرت أساساً اختيار الأغنيات، وكل واحدة منها تختلف عن الأخرى.

- هل من كليبات جديدة تصورينها حالياً؟
يفترض أن تصدر قريباً أغنية «بلا حب» التي صورناها سابقاً، وأصوّر قريباً أغنية «اسمعني» الخليجية وهي عنوان الألبوم، «رويدا عطيّة اسمعني».

- ما هي عناوين الأغنيات الأخرى التي سيتضمّنها الألبوم؟
«شو سهل الحكي»، «اسمعني»، «بلا حب»، «حياتي ملكي»، «لا تفكّر باي شي»، «الحص والورد»، «بيني وبينو»، «وأنا كلّ ما اقول» وهي باللهجة المصرية وسأصوّرها مع المخرج سعيد الماروق الذي أتعاون معه للمرة الأولى.

- (سألتها مازحة) ما هو الفرق بين «رويدا اسمعني» و«وردة الجزائرية اسمعوني»؟
(تضحك) «حرف الياء»، إن قلبنا ترتيب الأحرف تصبح رويدا وردة... وحرف الواو في «اسمعوني» أنا أمزح طبعاً لأنه لا مجال لأي مقارنة، لكني أتمنى أن أستمر في خطوات ثابتة على الخطّ الصحيح الذي أسس له الكبار.

- وردة تستعد اليوم لخوض تجارب لحنية مع ملحنين من جيل الشباب مثل بلال الزين ومروان خوري ووليد سعد وغيرهم. هل ترين في خطوتها مخاطرة؟
يُنظر دائماً إلى الكبار بحذر خوفاً من أن يُخطئوا، لكن وردة هي وردة ولا ننسى أن الأسماء التي اختارتها مهمة جداً. أنا شخصياً أرحب بفتح الباب أمام الجيل الجديد في كلّ شيء وعدم اعتبار الأمر مخاطرة فقط لأن وردة مثلاً تعاونت مع عباقرة الموسيقى وعلى رأسهم بليغ حمدي الذي أسس مدرسة عريقة تأثر بها الكلّ. ولا ننسى أن بليغ حمدي كان مغموراً عندما وافقت أم كلثوم على الغناء من ألحانه عندما كان في العشرين من العمر...

- ماذا عن تجربتك على مسرح «الأونيسكو» مع الحفلة التي أطلقت عليها تسمية «رجعت ليالي زمان»؟ وماذا الذي أردت قوله من خلالها؟
الحفلة هي الخط الذي أنوي الإستمرار فيه مستقبلاً، ولهذا قدمت أغنيات طربية لعمالقة الفن. من واجبي كصوت جديد أن أقدّم أعمالاً رسخت في ذاكرتنا للتأكيد أن الأهمية أولاً وأخيراً هي للصوت وليس للصورة. وأنوي إن شاء الله السير في هذا المشروع في عدة دول، حيث سنحيي حفلات مماثلة في مصر والأردن وسورية وتونس وغيرها وفي أي دولة مستعدّة للترحيب بهذه التجربة. هناك الكثير من الأغاني الرائعة في أرشيف الموسيقى العربية، لكن القسم الأكبر من الجيل الجديد لا يعرفها، لهذا أرى أنه من المهم جداً أن أسلّط عليها الضوء وأقدمها للناس. غنيت مثلاً لصباح «عدّى عليّ وسلّم» وهي ليست مشهورة مثل أغنيات «يانا يانا» او «يا دلع» أو «زيّ العسل» التي يحفظها الكلّ عن ظهر قلب... غنيت أيضاً لميادة الحناوي «نعمة النسيان»، ولياسمين الخيام «إبعد عني عيونك»، ولجورج وسوف «لو يواعدني الهوى». لا تتخيّلي مدى تفاعل الناس عندما قدمت هذه الأغنيات في الحفلة، كأغنية «عالبساطة» لصباح، وكأن الناس تحنّ حقيقة إلى الحياة البسيطة وإلى صدق المشاعر في ذلك العصر، وتخيّلت المشهد عندما صورته صباح مع فريد شوقي في الفيلم عندما غنتّها. لست أتفلسف وأدّعي أني سأحمل لواء الأغنية الطربية، لكن تجربتي في «رجعت ليالي زمان» هي من باب التميّز كي لا أكون شبيهة أحد وكي أتمكّن من الجمع بين الجيلين.

- كيف كانت الأصداء؟
دون مبالغة كانت رائعة، تفاعل الجمهور كان مميزاً والصحافة أثنت كثيراً على تجربتي.

- لكن البعض كتب أنك حوّلت مسرح «الأونيسكو» إلى «كباريه»؟
شخص واحد كتب هذا الكلام بين عشرات الأقلام التي أثنت، لهذا لن أعلّق خصوصاً أن الكلام حمل تجريحاً لا نقداً فنياً. يحق لأي صحافي أن ينتقد طبعاً لا بل هذا من واجبه، لكن الكتابة بهذه الطريقة المسيئة والجارحة هي دون شك بهدف التدمير وتنمّ عن نفسية مريضة، لهذا لا يفترض أن نكترث لها. الردّ سيكون من خلال عرض الحفلة قريباً على التلفزيون، لهذا سأترك للناس أن يقرروا إن كنت فعلاً حولت مسرح الأونيسكو إلى «كباريه».  عجلة الحياة تستمر ولن تتوقف عند عنوان أو كلام صادر عن عقد نفسية. هذا الكلام لا يجرح سوى من كتبه وليس من يُكتب عنه، وكي يتمكن شخص من كتابة كلام مماثل فهو دون شك يعيش في أجواء مماثلة أي أجواء ما كتب عنه. أنا شخصياً بعيدة عن هذه الأجواء.

- سمعت أنك تكتبين رواية حالياً؟
(تضحك) صحيح. أنا أهوى الكتابة منذ كنت طفلة، لكنها المرة الأولى التي أكتب فيها رواية، بينما في السابق كنت أكتب قصائد، أنوي إصدارها أيضاً في ديوان. تجربة الكتابة مفيدة جداً بالنسبة إليّ لأنها دون شك توسّع آفاقي.

- ما هي القصة التي تكتبينها؟
قصة فتاة تتعرض للخيانة من صديقتها المقربة وهي لا تزال في بداية حياتها. في القصة لحظات درامية قاسية، لكن في الوقت ذاته هناك مساحة كبيرة للسعادة والفرح.

- هل تشبهك شخصية البطلة؟
كلا حقيقة هي ليست قصتي أنا لأني أساساً لا أحب الكتابة عن نفسي. لكن الشخصية الثانية تشبه إحدى صديقاتي، ليس الخائنة بل الأخرى التي تقف بجانب أصدقائها وتدعمهم.

- هل يمكن أن تحوليها إلى فيلم؟
(تضحك) لم لا؟ لا أمانع مطلقاً شرط أن أمثل دور البطلة.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077