المهندسة آية منير: "المرأة السوبر" ليست في صراع مع الرجل
- كيف وُلدت فكرة المبادرة؟
رغم أنني مهندسة معمارية، أعشق العمل الاجتماعي والدفاع باستماتة عن حرية المرأة، خاصة في الأقاليم، حيث تتعرّض لظلم كبير بسبب طبيعة البيئة التي تهضم حقها من جهة، وجهلها بحقوقها وعدم صقل شخصيتها بالمعرفة للتعامل الصحيح مع الآخرين من جهة أخرى، إذ إن هناك نساء كثيرات يجهلن حقيقة أنفسهن وطبيعتهن الجسدية والنفسية. وكمنظِّمة، سبق لي أن عملت في أكثر من مبادرة توعوية، وشاركت في مبادرة "قصة كل يوم" لدعم ضحايا العنف المنزلي، ولهذا فكّرت في علاج جوانب القصور في كل ما يتعلق بالمرأة وكيفية النهوض بها وتنمية قدراتها واكتشافها لنفسها، وتعليمها مواجهة الصعاب، والخروج أقوى من أي مشكلة مهما كانت، لأن النجاح إرادة والفشل إرادة، خاصة في ما يتعلق بآثار الطلاق وكيفية الخروج من هذه التجربة القاسية أقوى، لتبدأ المطلّقة حياة جديدة ناجحة، لأن فشل أي تجربة ليس نهاية الحياة.
- هل هناك علاقة بين تبنّي المبادرة وتجربة شخصية؟
نعم، قدّر الله أن تزوجت منذ سنوات، إلا أن هذا الزواج لم يُكتب له النجاح، وكان الطلاق هو الحل والمخرج منه، وكنت أتمتع بإرادة حديدية لعدم الانكسار، وكأن الطلاق نهاية العالم، وتغلّبت على أحزاني وبدأت أعرض تجربتي بدون خوف أو خجل في العديد من المحافل العامة، حتى تستفيد منها الأخريات ولا يقعن في الأخطاء نفسها، وإذا كان الطلاق قدَرَهن كيف يقهرن آثاره السلبية ليخرجن منه أكثر قوة وقدرة على مواجهة الحياة، لأن أنجح الناس هو الذي يتعلم من أخطائه ولا يكررها. وقد وفّقني الله وبدأت تجربة زواج جديدة ومستقرة، وقررت منذ ثلاث سنوات إطلاق مبادرة "super woman" وبدأت بـ"الحكي النسائي" عن مختلف التجارب الناجحة، والتغلّب على الصعاب لتحقيق النجاح، ولاقت التجربة إقبالاً شديداً، سواء من الراغبات في عرض تجاربهن، أو الحاضرات للاستفادة من تجارب الأخريات، وشيئاً فشيئاً توسّعت المبادرة لتشمل كل ما يتصل بتوعية البنات في مختلف أمور الحياة النسائية، بما في ذلك الصحة الجنسية والنفسية والأوضاع والمتغيرات الاجتماعية، من خلال المتخصصات والمتخصصين في مختلف المجالات، وبدأت المبادرة تنتشر من مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية إلى مختلف أنحاء الجمهورية، ولدينا خطة للوصول بها إلى القرى والنجوع، حيث تكون المرأة أكثر احتياجاً إلى المعرفة والتوعية بمفهومها الشامل.
- هل تقتصر المبادرة على مرحلة عمرية معينة؟
نهتم بالمرأة في كل المراحل العمرية، خاصة مرحلة ما قبل الزواج ومرحلة ما بعد سنّ الأربعين، وكذلك المرأة التي تتعرض لتجربة قاسية، فنمدّ لها يد العون للخروج بسرعة من مشكلتها أكثر قوةً وإقبالاً على الحياة، ونحن ضد الظلم الذي تتعرض له النساء بكل أشكاله، سواء من الناحية الجسدية أو المعنوية. ولا شك في أن الظلم الاجتماعي هو من أقسى أنواع الظلم الذي تتعرض له المرأة في أي مرحلة من مراحل عمرها، لأن المجتمع للأسف يقرّ به ويسكت عليه، بل ويدعمه ويرفض تغييره، خاصة في مجتمعاتنا الشرقية التي يصل بها الأمر أحياناً إلى إلباس الظلم عباءة الدين وهو منه براء، وهذا الظلم باسم الدين هو أسوأ أنواع الظلم، لأن من يقوم به يظن أنه يطيع الله بظلمه، ولهذا تلفتني مقولة مارتن لوثر كينغ، والتي جاء فيها: "الظلم في مكان ما، هو تهديد حقيقي للعدالة في كل مكان"، ولذلك أنا أحلم بالمدينة والقرية الراقية التي تعيش فيها المرأة بكرامة وتتمتع بحقوق كاملة لا تتنازل عنها مقابل أي شيء آخر.
- هل تتذكرين أولى فعاليات المبادرة وردود الفعل عليها؟
أولى فاعليات المبادرة كانت عبارة عن "حكي نسائي" قدّمت خلاله عشر قصص لسيدات وفتيات ملهمات، وقد حقق الحدث نجاحاً باهراً ولاقى صدى واسعاً، وطالب الجميع بتكراره، ومن هنا بدأت المبادرة مشوارها الناجح لتتحول الى مصباح توعوي ينير أكثر وأكثر، من طريق تنظيم ورش مختلفة وفعاليات متنوعة تشهد إقبالاً كبيراً ومشجعاً، حيث نناقش كل الموضوعات بلا استثناء، ومهما بلغت حساسيتها، لأن الخجل الاجتماعي تجاه تفاصيل قضايا المرأة يجعلها تدفع ثمن جهلها بتفاصيل تركيبتها الجسدية والنفسية.
- لماذا اخترتم اسم super woman لهذه المبادرة؟ وما هي تطلعاتك من خلالها؟
قد يظن البعض أن جميع العاملين في المبادرة من النساء فقط، وهذا خطأ لأن المبادرة حققت أهدافها النبيلة من خلال مجموعة طموحة من الفتيات والفتيان المتطوعين المؤمنين بالفكرة، وضرورة العمل على خلق مجتمع يوازن بين الجنسين، وقد اتفق الجميع على هذه التسمية، لأن الـ"super woman" مفيدة أيضاً للرجال، أياً كانت علاقتها بهم، سواء الإخوة في الأسرة أو الزملاء في الدراسة والعمل أو الخطيب أو الزوج. حتى الرجال الذين يسيرون مع المرأة في الشارع يمكن أن يستفيدوا من وجودها معهم، خصوصاً المرأة الواعية بحقوقها وواجباتها، ذلك أن المبادرة تتطلع إلى تأسيس مجتمع آمن، خالٍ من الأحكام المسبقة على الآخرين، وينادي بضرورة تقبّل الآخر والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات.
- كيف تُنفّذ الأهداف الكبرى للمبادرة؟
يتولّى تنفيذ أهداف المبادرة أفراد إيجابيون في المجتمع من الجنسين، للعمل على زيادة الوعي بين مختلف الطبقات المجتمعية حول كل ما يخص علاقة المرأة والرجل، من خلال إطلاق مجموعة من الورش وفعاليات الحكي والحملات المختلفة، سواء من طريق وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي أو اللقاء المباشر، وكل المشاركات والمشاركين في المبادرة متطوعون يعملون بحماسة واندفاع، بحيث يتنافس الجميع لتنفيذ أهداف المبادرة ورؤيتها في خلق حلقة وصل وتفاهم وتعاون بين أفراد المجتمع من الجنسين، وسد الفجوة بينهما، وفتح أبواب مختلفة وطرق متعددة لتوعية كل فئات المجتمع.
- قد يتّهمكم البعض بأنكم تحولون الحياة الاجتماعية إلى صراع بين الرجل والـ""super woman، فماذا تقولون؟
"المرأة السوبر" التي نقصدها هي التي تعرف جيداً حقوقها وواجباتها، وتتسلح بالوعي، وهذا يخدم علاقة الرجل بالمرأة في كل مناحي الحياة وليس الزواج فقط، فما من دين يدعو إلى جهل المرأة بكل شيء حتى بجسدها ونفسيتها، وهنا نركز أيضاً على نشر الوعي بالأديان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول/ديسمبر من عام 1948، عن لجنة ترأستها السيدة إلينور روزفلت، وقالت فيه: "أين عساها تبدأ حقوق الإنسان العالميّة في نهاية المطاف؟ لنقل في الأماكن الصغيرة، القريبة من المنزل، بل لعلَّها في أماكن قريبة جداً وصغيرة جداً إلى حدِّ أنه لا يمكن رؤيتها في أي خريطة من خرائط العالم، وما لم تحظَ هذه الحقوق بمعنى في تلك الأماكن، فإن معناها سيكون أقلّ شأناً في أي مكان آخر، وما لم تتضافر جهود المواطنين لصونها حتى تكون لصيقة بالوطن، فإن من غير المجدي التطلع إلى تعميمها في العالم أجمع، ويولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الحقوق والكرامة". ويكفي أننا نحتفل باليوم العالمي للرجل في 19 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام لتسليط الضوء على الدور الإيجابي الذي يلعبه الرجل في الحياة، وتعزيز المساواة بين الجنسين.
- ما هو دور المبادرة في محاصرة المشكلات الأسرية، خاصة في ظل ارتفاع نسبة الطلاق وازدياد عدد العانسات؟
نحاول حلّ هذا اللغز من خلال الإجابة الموضوعية على سؤال: كيف تختار كل فتاة شريك حياتها؟ وماذا تفعل حيال تفاصيل حياتها الزوجية؟ وكيف تعيش بسعادة وتحلّ المشكلات في بدايتها وتشجّع مبدأ "الوقاية خير من العلاج"؟ وما دور الأمهات والآباء في توعية بناتهم وأبنائهم بمرحلة ما قبل الزواج، وأن الزواج مسؤولية كبيرة وليس مجرد علاقة جسدية كما يفهم البعض، وكيف تطور المرأة شخصيتها من آنسة إلى متزوجة، وإذا تطلّقت أو توفي زوجها وأصبحت أرملة، كيف تواجه الحياة بقوة وشجاعة وتتحمل مسؤولية تربية أولادها؟ نحن نتعامل مع حالات الاضطرابات الشخصية ونقدّم العلاج الناجع، والدعم النفسي اللازم لحل أي مشكلة.
- في ظل اختلاف الفقهاء حول موقف الدين من الختان، ماذا فعلتم لمحاصرته؟
نشارك بشكل عملي وفعال في مواجهة هذه العادة السيئة، من طريق تنظيم فعاليات جريئة ومختلفة في الكثير من الأماكن، تحت شعار "بنت كاملة"، ونقدم من خلالها محتوى توعوياً قوياً، ونعرض لآراء الفقهاء المستنيرين الذين يؤكدون براءة الإسلام من الختان، وأنه عادة إفريقية لا علاقة لها بالإسلام، بدليل أن الجزيرة العربية التي نزل فيها الإسلام ليس فيها ختان، بل هو منتشر بكثرة في الدول العربية الإفريقية، خاصة في مصر والسودان، كما نعرض فيلم "أمنية" الذي حصل على جوائز كثيرة في مهرجانات الأفلام القصيرة في مصر وخارجها، بهدف الوصول الى الجمهور بكل أطيافه وتوجهاته، كذلك نساهم في تطوير دور المرأة في المجتمع وتمكينها ومشاركتها الرجل في محاربة الجهل والتخلّف، اللذين يُعدّان المنبع الأساس للعادات الظالمة للمرأة، ومنها الختان.
- المرأة الريفية التي تعاني من الأمّية، هل لها مكان في مبادرتكم؟
بالتأكيد، فنشاطنا لا ينحصر في المدن فقط، بل نحاول الوصول إلى كل مكان يحتاج إلينا بوسيلة تتناسب مع طبيعة البيئة، وذلك من خلال التعاون مع المتطوعين فيها، لأنه السبيل الأفضل لتعزيز التعاطف مع الآخرين، بل ونحتفل باليوم العالمي للتطوّع وعرض التجارب التطوعية، ونحتفل أيضاً باليوم العالمي للمرأة الريفية في 15 تشرين الأول/أكتوبر، ونستعين باللقاءات المباشرة أو السوشيال ميديا لتغيير الأفكار الخاطئة أو إضافة قيم جديدة، خاصة أن الإحصاءات تؤكد أن أكثر من نصف النساء في الوطن العربي محرومات من التعامل مع السوشيال ميديا، خصوصاً في المناطق الريفية، إما بسبب الأمية أو الضائقة المادية.
- يزداد العنف ضد النساء رغم ارتفاع نسبة التعليم بين الرجال، فما دوركم في التوعية بخطورته؟
نشارك في حملة "16 يوماً" لمناهضة العنف ضد المرأة، وننظم فعاليات طوال العام لمواجهة العنف الأسري، خاصة أن أكثر من نصف النساء العربيات يتعرضن للعنف بأشكاله المختلفة، وقد اعترضنا على نشر فيديو لأحد شيوخ الأزهر يشجّع فيه على ضرب المرأة، رغم أن الضرب يجرح كرامتها. وتؤكد إحصاءات المركز المصري لحقوق المرأة أن أكثر من ثلث السيدات المصريات المتزوجات يتعرضن للعنف الجسدي أو اللفظي وإن لمرة واحدة. كما تؤكد 80 في المئة من الريفيات المصريات أن العنف الأسري أمر شائع، ويجدن التبرير لتعرّضهن له، رغم أن كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية تعتبر العنف الأسري من أخطر الجرائم، التي يجب توعية المجتمع بخطورتها وتأثيرها السلبي في كيان المرأة والأسرة والمجتمع والاستقرار النفسي للأطفال.
- قالت الفنانة العالمية داليدا قبل انتحارها عام 1987: "سامحوني، الحياة لا تطاق"، أي دور تلعبه مبادرتكم للتخفيف من شعور المرأة بالوحدة والاكتئاب الذي يؤثر سلباً في أسرتها، بل ويدفعها أحياناً إلى الانتحار؟
نهتم بصحة المرأة النفسية والجسدية في كل مراحل حياتها، من خلال استضافة متخصصين في الصحة النفسية والتنمية البشرية، ومتخصصات في الصحة الجنسية لتعريف المرأة بهذا الجانب الحسّاس والمهم في تكوينها الأنثوي، لكن الحياء في السؤال عن هذه الأمور يسبب لها مشكلات زوجية، تخجل من البوح بها، وبالتالي تعاني عقداً نفسية، ولا يخفى على أحد ارتفاع نسبة الاغتصاب الزوجي، وازدياد شعور المرأة بالعزلة والفراغ العاطفي والتعاسة. ولذلك نعقد باستمرار فعاليات تحت عنوان "أسرار البنات"، تتحدث فيها متخصصات وتُسدي النّصح، سواء للبنات قبل الزواج أو المتزوجات، وهي تشهد إقبالاً كبيراً.
- تتعرض غالبية النساء العربيات للتحرش بكل أشكاله، فهل للتصدي له مكان في خارطة مبادرتكم؟
بالتأكيد، بل إن التحرّش من القضايا الكبرى التي نعمل عليها، ونحاول محاصرته من خلال العديد من الوسائل، وأهمها توعية الآباء والأمهات في تربية أولادهم، إعلاء قيم الشهامة لدى الرجال لحماية النساء كأنهن أخوات لهم، الدعوة لتدريس مقرر الأخلاق في المدارس والجامعات، ونشر التوعية القانونية التي تحفظ حق المرأة في حماية نفسها من المتحرشين، خاصة أن القانون رادع ويوفر لها الحماية، وقد صدرت أحكام قضائية ضد كثير من المتحرشين... وننظّم دائماً فعاليات عن محاصرة التحرش، وفعاليات أخرى عنوانها "المرأة والقانون".
- ما هي تطلعاتك للمبادرة؟
أحلم بانتشار المبادرة تحت رعاية الحكومات في كل الدول العربية، وأن تُنفّذ أفكارها في كل القرى والمدن والنجوع، وأن يتبنّى الإعلام نشرها عربياً، لأن حماية حقوق المرأة العربية واحترام إنسانيتها وكرامتها يصبّان في مصلحة كل مجتمعاتنا العربية، لأن لا تقدّم حقيقياً في وطننا العربي إذا بقيت المرأة منقوصة الحقوق بسبب تقاليد بالية ترفضها الأديان والفكر الذكوري النيّر.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024