اضطرابات الأكل... مرض العصر الأخطر على صحة المراهقين المتأثرين بنجوم السوشيال ميديا
منذ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف منصاتها واستخدامها من جانب المشاهير حول العالم، وبروز شخصيات جديدة في عالم الموضة والجمال عرّفت عن نفسها بأنها "فاشينيستا" أو "ناشطين اجتماعيين"، بدأ تأثير جميع هؤلاء يزداد بشكل كبير على متابعيهم.
بات جزء كبير من الطريقة التي ينظر بها أغلب المراهقين إلى أنفسهم وتقييمهم لنوعية طعامهم وشكل أجسامهم وملابسهم وحتى تسريحة شعرهم مرتبطاً مباشرةً وبدرجة كبيرة بحسابات بعض المشاهير على تلك المواقع، وانعكس ذلك إيجاباً على سلوكياتهم أحياناً، وسلباً في أحيان أخرى.
ومن المؤكد أن استخدام مواقع التواصل أصبح يشجّع صغار السنّ سريعي التأثر على مقارنة أنفسهم بالآخرين، خاصة في ما يتعلّق بالمظهر والرشاقة، مما أدى إلى بروز مشاكل خطرة بشأن نظرة الأشخاص الى أنفسهم واحتقارها في بعض الأحيان، واللجوء إلى الحِميات الغذائية القاسية وغير الصحية لخسارة الوزن بسرعة، الأمر الذي أفضى إلى انتشار حالات اضطرابات التغذية لدى عدد كبير من المراهقين الباحثين عن هدفهم في الوصول إلى رشاقة نجمهم المفضل.
سبل الوقاية من مرض اضطرابات الأكل
في الآونة الاخيرة، ازداد عدد المصابين بما يُعرف طبياً بـEating disorders، أي "اضطرابات الأكل" حول العالم، ولم يعد التعامل مع هذه الاضطرابات باعتبارها مرضاً يصيب النساء أو الفتيات الصغيرات فقط، إنما باتت من أصعب الأمراض النفسية والجسدية التي تحتاج إلى علاج.
وعمدت دول كثيرة، في مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية وكندا والسويد والنروج ، إلى إطلاق حملات دعائية ضخمة لتوعية الأهل حول السلوكيات التي تؤدي الى هذا المرض الخطر، ولشرح مخاطر "اضطرابات الأكل" على الصحة النفسية والجسدية للمراهقين. ولجأت تلك الدول أيضاً إلى إنشاء مراكز ومستشفيات لعلاج المصابين ومساعدتهم على التخلص من الأفكار التي تدخل في إطار الوسواس القهري والسلوكيات الخاطئة التي توصل الى تلك الاضطرابات.
وتُعرّف "اضطرابات الأكل" بأنها سلوك قهري تجاه الطعام، ويتجلّى هذا السلوك بالتوجّه الوسواسي نحو كل ما يتعلق بالأكل، حتى لو كان الثمن تدمير الجسم، بما يترافق مع ذلك من توتر عاطفي ونفسي وجسدي يرخي بظلّه على المريض والمحيطين به.
وتؤكد راشيل، خبيرة تغذية في مركز Keniodiet الفرنسي انتشار هذه المشكلة الصحية بقوة في السنوات الخمس الأخيرة بين المراهقات والمراهقين في معظم دول العالم، من مختلف الفئات الاجتماعية والأعراق، مشيرةً إلى أن "الوقاية الأولية من اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية أو الشره المرضي على الأكل تبدأ بالعائلة وبتعاون البيئة المحيطة بالمريض ليصبح قوياً ويسترجع صحته لتخفيف الآثار التي تسببها هذه الاضطرابات".
دور البيئة المحيطة في إنقاذ المصابين
يلعب تفهّم عائلة المصاب بـ"اضطرابات الأكل" دوراً مهماً في علاجه، فيجب على الأسرة تأمين بيئة إيجابية داعمة ومحفّزة داخل المنزل من أجل تقوية شخصية المصاب وتعزيز احترامه لذاته أمام مغريات الصور والفيديوهات التي يتابعها.
وفي الوقت نفسه، تؤدي البيئة المحيطة بالمصاب بأحد "اضطرابات الأكل" كالمدرسة والأقارب والجيران دوراً لا يقل أهميةً عن دور الأهل لناحية تشجيعه على تناول الطعام بشكل سليم، وتحفيزه على اكتساب عادات صحية متوازنة في تناول الوجبات خلال النهار مع تحديد أوقاتها وكيفية تناولها بشكل منتظم وبكميات تتناسب مع كل عمر.
وتنصح خبيرة التغذية الأهل في مختلف المجتمعات، بتناول وجبة واحدة على الأقل يومياً مع كامل أفراد العائلة والاستماع خلال ذلك إلى المشاكل التي تضايق الفتيات أو الفتيان، بعيداً عن التلفاز والهاتف الخليوي والألعاب الالكترونية إلخ... لأن التواصل الأسري في هذه الحالات ضروري ومفيد إذ يشعر الأولاد بالأمان ويطلبون المساعدة من ذويهم إذا كانوا يعانون من أحد تلك الاضطرابات.
ويركز خبراء التغذية في علاج تلك الحالات على الأهل وحالتهم النفسية في الدرجة الأولى ليكونوا على أتمّ الاستعداد لدعم أطفالهم، وذلك من خلال توعيتهم بنوعية الطعام والكمية التي تناسب كل حالة، إضافة إلى تشجيعهم على ممارسة التمارين الرياضية مع المصابين نظراً لأهميتها على صحة المراهقين وما تحمله من طاقة إيجابية تساعدهم في تشتيت تركيزهم على كل ما يرونه على مواقع التواصل الاجتماعي وشاشة التلفزيون.
ويهتم الخبراء أيضاً بعدد ساعات النوم اليومية للمراهقين، وعدد ساعات استخدامهم للوسائل الالكترونية في محاولة للحدّ من شغفهم في مراقبة ما يفعله نجوم السوشيال ميديا.
التأثيرات الخارجية تزيد من اضطرابات الأكل
يواجه الشبان والشابات حالياً صعوبة في تقليد ما يقوم به بعض المشاهير في الإعلانات وعلى السوشيال ميديا، إن لناحية أجسامهم المتناسقة أو الوجبات الغذائية الصحية التي يتناولونها بشكل يومي ويحرصون على نشر صورها عبر صفحاتهم. إضافة إلى استعانة أغلبهم بمدرّبين رياضيين محترفين يساعدونهم في نحت أجسامهم لتصبح مثالية. وكل هذه الرعاية والرفاهية لا يمكن أغلب المراهقين الحصول عليها، ما يسهّل وقوع بعضهم في واحد من "اضطرابات الأكل".
ويوصى عموما بمراعاة هؤلاء الأطفال بشكل دقيق وعدم التقليل من شأن مشاعرهم أو من أهمية ما يعانونه. ومن المهم أيضاً مساعدتهم على تقوية ثقتهم بنفسهم كي يتوقفوا عن إجراء المقارنات بينهم وبين الآخرين. ولا بدٌ أيضاً من مساعدة الأطفال على قبول حدودهم الخاصة وتعزيز صفاتهم وعدم المبالغة في تقدير المظهر الخارجي للأشخاص، والتركيز على صفاتهم الشخصية وقوّتهم الداخلية، حتى يتمكنوا من مواجهة كل ما يحيط بهم في ظل العولمة السريعة ومواقع التواصل.
ما هو مرض العصر الأكثر خطورة
"اضطرابات الأكل" (Eating disorders) هي خلل في عملية الأكل أو السّلوك الغذائي للشخص، ويصنّف على أنه مرض العصر الأكثر خطورة. وينطوي على تغييرات في نوعية أو كمية الطعام المتناول، إضافة إلى بعض السلوكيَّات الغريبة التي يلجأ إليها المصاب كأن يمنع امتصاص الطعام من خلال التقيّؤ المتعمَّد بعد تناول الطعام أو استخدام المسهّلات. وهناك اضطراب النّهم أو الشراهة عند تناول الطعام، حيث يشعر المصاب بفقدان السيطرة على نفسه ويعبّر عن غضبه بتناول كميات كبيرة من الطعام خلال النهار، ما يؤدي الى انتشار البدانة المرضية.
ويصنّف أي سلوك غذائي غير اعتيادي بأنه اضطراب غذائي عندما يستمرّ هذا السّلوك لفترة طويلة من الوقت ويسبّب معه ضرراً جسيماً على صحة الشخص الجسدية وعلى نشاطه وقدراته الفكرية.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024