نيكول كيدمان
تتحدث نيكول كيدمان، الممثلة الأوسترالية الأشهر حاملة جائزة الأوسكار، بنبرة واثقة وعالية عن حقوق المرأة المعنّفة. وتدعو للمشاركة في حملة: قل لا للعنف ضد المرأة! تقرأ الأرقام التي تؤكد ان واحدة من ثلاث نساء تتعرض للعنف في حياتها، وتروي قصصاً واقعية ومشاهدات من جولاتها الميدانية على ملاجئ تؤوي نساء معنّفات يبحثن عن حياة طبيعية آمنة... إنه الوجه المناضل للممثلة الفنانة، الخجولة، الرقيقة، الأنيقة قلباً وقالباً. نيكول كيدمان كما لم نعرفها من قبل، تحثّ النساء المعنّفات أينما وجدن على رفض واقعهنّ الموجع والنضال من أجل حياة كريمة لا عُنف فيها، ولا قهر، وتناشد قادة العالم الى تغيير القوانين اللازمة وتوفير الحماية للمظلومات وتدعو الرجل الى شراكة أساسية في استراتيجية مناهضة العنف ضد المرأة والقضاء على مظاهره.
- لماذا اخترتِ أن تكوني سفيرة النوايا الحسنة في منظمة «يونيفيم»؟
فى الحقيقة، والدتي هي التى أخبرتني عن صندوق الأمم المتحدة الإنمائى للمرأة، «يونيفيم». وصدُف ان استمعتُ فى الإذاعة الى تحقيق حول مشروع تقوم به «يونيفيم» فى قرى كمبوديا من أجل إحياء صناعة غزل الحرير التقليدية، لتمكين النساء الكمبوديات، فلا يعتمدن على أعضاء شبكات التجارة عديمي الضمائر، الذين يعِدون النساء بإيجاد عمل لهنّ ثم يجبرونهنّ على ممارسة الدعارة. وقد أُعجبت كثيراً بأسلوب «يونيفيم» فى محاربة هذا الشكل من العنف ضد المرأة. فهذا المشروع يساعد في تحسين حياة مئات النساء الكمبوديات وعائلاتهن، ويضخّ في المجتمع الكمبودي الحيوية الاقتصادية. لماذا اخترتُ يونيفيم»؟ ببساطة لأنني معجبة بهذه المنظمة الداعمة للنساء وأجد ان العمل مع «يونيفيم» مناسب لي تماماً، لأن مبادءها تتّفق ومبادئي الإنسانية، وبرامجها تساعد المرأة فى أكثر من مئة دولة تسعى الى تطبيق حقوق الإنسان؛ تلك الحقوق التى باتت بالنسبة إلينا أمراً مسلّماً به. ومشاركتى مع «يونيفيم»، تساهم في لفت الإنتباه إلى جهود المرأة الساعية إلى تحقيق المساواة وإرساء أسس التغيير في مجتمعها.
- قضية العنف ضد المرأة تتصدّر قائمة أولوياتك، لماذا هذه القضية دون غيرها؟
عندما نكتشف أن العنف ضد المرأة هو أكثر حقوق الإنسان المنتهكة، ونقرأ الأرقام التي تؤكد ان إمرأة من ثلاث نساء تتعرض إلى العنف خلال حياتها، ندرك تماماً أن علينا القيام بكل ما نستطيعه كي نضيء على هذه القضية ونحدّ من انتشارها. لقد أصبحتُ سفيرة النوايا الحسنة فى «يونيفيم» من أجل أن أُعطي لصوت المرأة المعنَّفة، نبرة أعلى، وأتمنى أن أُسلّط الضوء أكثر على هذه القضية، وعلى ضرورة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، لأنني أعتقد أن الرجل والمرأة سوف يستفيدان معاً من ذلك، وستكون عائلاتنا أقوى. وذلك سوف يترجم أيضاً في مجتمعات أكثر متانة وقوّة.
- كيف يمكن لنيكول كيدمان أن تدعم المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة؟
لقد علمتُ من خلال عملي مع «يونيفيم»، أن عدد الدول حيث المرأة ترفض أن تكون ضحيّة، في تزايد مستمرّ. وتنظّم النساء المعنّفات صفوفهنّ لمواجهة ما كان يعتبر «نصيباً»، وهنّ يتحدثن أكثر عن مشاكلهنّ، ويطالبن بمحاسبة المعنِّف والتحرك للحدّ من العنف. ورغم ذلك، فإن القضية تحتاج الى دعم إعلامي وميداني وقانوني أكبر، خصوصاً ان في وضعهنّ المأساوي إنتهاك بشع لحقوق الإنسان. ولكن علينا أن نعترف ان الحدّ من العنف ضد النساء ليس أمراً سهلاً ومؤكداً. لذا أشعر بحماسة حقيقية وشرف كبير أن أكون المتحدثة الرسمية لحملة منظمة يونيفيم «قل لا للعنف ضد المرأة» التى تستخدم الإنترنت والقاعدة الميدانية العريضة فى التنظيم لتؤكد أن هناك حركة متنامية من الشعوب التى تقول «لا» للعنف ضد المرأة. وقد استطاعت هذه الحملة ان تجمع خمسة ملايين توقيع لأشخاص يناهضون العنف ضد المرأة وقدّمتها في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضى الى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون فى نيويورك. وكلما استطعنا جمع تواقيع أخرى، أصبحت قضيتنا أقوى للحدّ من العنف ضد المرأة وجعل هذه القضية أولوية لدى الحكومات والمنظمات الدولية. الجهود مستمرة، لذا أدعو الجميع إلى زيارة موقع الانترنت www.saynotoviolence.org ليساهموا بأصواتهم في تغيير الواقع.
- وهل يكفي الدعم المعنوي وحده؟
طبعاً لا. فالى جانب حملة التواقيع، هناك حملة «يونيفيم» الداعية الى دعم «صندوق الائتمان للقضاء على العنف ضد المرأة» التابع للأمم المتحدة. ويدعم هذا الصندوق الفريد من نوعه المبادرات المحلية في الدول النامية لإيجاد حلول عملية ومتاحة تحمي المرأة من العنف الذى يمارس ضدها على أساس الجنس. وإقامة شراكة إيجابية بين الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني المختلفة ستضمن توجيه التمويل إلى حيث تدعو الحاجة أكثر.
- أخبرينا عن أسفارك مع الأمم المتحدة ضمن الحملة المناهضة للعنف ضد المرأة؟ أتساءل: كيف تجدين الوقت للمشاركة في أنشطة «يونيفيم» وتوفّقين بينها وبين حياتك العائلية والمهنية؟
الواقع انني رغم انشغالاتي العديدة تراني حريصة على الإلتزام بأكبر قدر ممكن من الأنشطة الميدانية وأحاول أن أستخدم شهرتي والأضواء المسلّطة عليّ كي أنقل معاناة الأشخاص الذين قابلتهم واستمعت اليهم في جولاتي الميدانية. عندما سافرت الى كوسوفو، لامستُ عن قرب عدداً كبيراً من القضايا الخاصة بالعنف ضد المرأة، من خلال القصص الشخصية للنساء اللواتي قابلتهن. وقد أثارت تلك القصص مشاعري وفريق «يونيفيم»، الى حد أن كل من كان فى الغرفة كان على وشك البكاء. أذكر اننا توقفنا عند منزل صغير يقع في أحد الأحياء المتواضعة. كان ملجأ للنساء المعنّفات. وقد تحدثتُ إلى إحداهنّ وهي شابّة في 18 من عمرها، فشرحت لي كيف هربت من الرجل الذي كان يسيء معاملتها. وكانت تفتقد الى المهارات، كما كانت مُبعدة عن عائلتها لأنها وضعت طفلاً خارج مؤسسة الزواج. هذه المرأة كانت وحيدة تماماً وبلا حماية. قد تتوقع أن تكون هذه المرأة تعاني من الإضطراب النفسي بسبب كلّ ما مرّت به. ولكن في حوارنا معها، قالت لي إنها تشعر بالأمان وتتمتع بدعم القيّمين على الملجأ، وتكتسب مهارات من خلال البرامج التى يقدمها هؤلاء. وهي الآن تتطلع الى بناء مستقبل مختلف لها ولابنها.
- وأين القوانين من حماية المرأة المعنّفة، إذ تفتقر العديد من الدول الى قوانين كهذه؟
إنّ العنف ضد المرأة يُعدُّ انتهاكاً لحقوق الإنسان. انه جريمة لا يمكن السكوت عنها لا بل يجب التعامل معها قانونياً وقضائياً. من هنا أهميّة سنّ القوانين التي تحمي النساء المعنّفات ومعاقبة المذنبين والمجرمين. العنف مشكلة عالمية، لا تعرف الحدود ولا تفرّق بين الأعراق ولا الطبقات. ولها وجوه قبيحة عدّة... منها العنف الأسري، والإعتداء الجنسي الذي يستخدم بشكل منهجي في مناطق الحروب والنزاعات بوصفه سلاحاً ضد الإنسانية. ومعلوم أيضاً أن هناك مئات الآلاف من النساء والفتيات الذين يجبرن على العمل فى شبكات الدعارة ويتم احتجازهنّ كمعتقلات. وهناك أعداد لا تحصى من النساء ضحايا ما يُعرف بجرائم «الشرف» وعمليات القتل من أجل «المهر»... من هنا أهمية تطبيق القانون بالكامل لوقف العنف ضد المرأة تحت أى شكل كان، وأينما وقع. وهذا ما تسمو إليه حملة «اليونيفيم». وقد أثمرت الجهود المختلفة المبذولة في هذا المجال، في رفع عدد الدول التي سنّت قوانين صارمة ضد العنف الأسري من 45 دولة عام 2000، الى 89 دولة عام 2009. وذلك لم يحدث صدفة، بل هو نتيجة طبيعية للجهود التي بذلتها المنظمات النسائية ومؤيدوها حول العالم.
- هذه الحماسة التي تتعاملين فيها مع قضية النساء المعنّفات، يدفعنا الى السؤال: هل عايشتِ تجربة شخصية قريبة مع نساء معنّفات؟
الواقع أنني أتفاعل مع هذا الظلم، وأتعامل معه بشكل شخصي. لقد علّمني والداي التفاعل بمسؤولية مع القضايا الإنسانية، وهذا ما أحاول أن أزرعه في عائلتي الصغيرة. أتساءل كيف يمكن لامرئ أن يقف مكتوف اليدين عندما يعلم أن هناك امرأة من كلّ ثلاث نساء تتعرض للعنف. إنه لشيء مروع حقاً! مذ بدأت عملي مع «يونيفيم»، صرتُ أكثر اهتماماً بالمظلومين والمقموعين، خصوصاً النساء والفتيات منهم. وقد كنتُ مثل العديد من الناس، لا أملك معرفة حقيقية بالعمق الحقيقي لهذا الإنتهاك البشع لحقوق الإنسان، وأقصد العنف ضد المرأة. هل يعقل أن تصبح المرأة مهددة ومعنّفة فقط لأنها امرأة؟! ما يحزنني أكثر هو اعتقاد الكثيرين ان العنف ضد المرأة، أكان عنفاً أسرياً أو إعتداءً جنسياً نتيجة الحروب، أو أشكال تقليدية من العنف مثل الختان وغيره، مسألة لا يمكن الحدّ منها. ان في التفكير على هذا النحو، الكثير من الإستسلام للواقع، وهو ما يجب أن نرفضه جملة وتفصيلاً.
- معروف ان المرأة المعنّفة، تستسلم لمعنِّفها ولا تحاول تغيير واقعها، خصوصاً إنها تلقي اللوم على نفسها معتبرة إنها تستحقّ العنف، وتدخل دوّامة هي أشبه بالسجن النفسي...
صحيح ان العديد من النساء المعنّفات لا يبلّغ عمّن يمارس العنف ضده. والناجيات منهن لا يملكن الموارد الكافية لإكمال حياتهنّ وأولادهنّ بكرامة. كذلك تشعر هؤلاء النساء بالخوف من المستقبل، ولديهنّ كلّ الحقّ في ذلك، من هنا وجوب مساعدتهنّ على كسر دائرة الخوف والخروج من سجونهنّ النفسية والواقعية. شخصياً، أعتبر هذه القضية، قضية شخصية، وسوف أعمل بجدّ من أجل هؤلاء النساء لأنني مؤمنة بأحقّية قضيّتهنّ. نحن نحتاج الى الكثير من الوقت والجهد لتغيير المعتقد السائد الذي يعتبر ان العنف ضد المرأة مسألة لا يمكن تجنبها، ولا يمكن محاسبة المعنِّف. على العكس، نحن نريد معاقبة المذنبين والإستثمار فى إستراتيجيات الوقاية التي تجعل من الرجال أنفسهم شركاء أساسيين وفاعلين في مناهضة العنف ضد المرأة والقضاء على مظاهره.
- بماذا تنصحين المرأة التي ترزح تحت وطأة العنف المنزلي، وترفض تغيير حياتها عن جهل منها ان هناك حياة أخرى بلا عنف؟
الواقع انني لستُ في وضع يسمح لي أن أعطي نصائح للنساء. ولكنني أوجّه نداء الى قادة العالم والمسؤولين كافّة أقول فيه إننا بحاجة إلى توفير الحماية الجسدية والقانونية للنساء المعنّفات، وفق مبدأ عدم التسامح مع المعنِّف، وتوفير الرعاية الصحية الملائمة لهنّ والمأوى والبرامج التعليمية التي تؤهلهنّ الإتكال على أنفسهنّ والتمتّع بحياة طبيعية آمنة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024