تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

هند رستم: قلبي لم يتحمل فراقه!

اعتزلت الفن بإرادتها لكنها لم تتبرأ منه. ابتعدت لكنها ظلت قريبة. غابت فبدت أكثر حضوراً، دق قلبها وأعلن تمرده فأطفأت سيجارتها مضطرّة. رحل رفيق حياتها، فلم يتحمل قلبها أحزانها. تعرّضت لأزمة ودخلت المستشفى... إنها الفنانة الكبيرة هند رستم التي تحدثت إلى «لها» بعد خروجها من المستشفى.

«خمسون عاماً من السعادة». هذا هو العنوان الذي اختارته الفنانة الكبيرة هند رستم لحياتها مع زوجها الدكتور محمد فياض طبيب أمراض النساء الشهير الذي رحل عنها أخيراً، تاركاً وراءه حزناً ملأ قلبها وأثار أوجاعه، حتى تعرّضت قبل أيام لأزمة قلبية دخلت على أثرها المستشفى وخضعت لـ «قسطرة» وتركيب «دعامة» لقلبها المتعب الذي ازداد تعباً وألماً برحيل رفيق حياتها.

-
هل كان رحيل الدكتور فياض صدمة لك؟
نعم صدمة، وأي صدمة... فأنا لا أصدق حتى الآن أنه رحل ولن يعود. نعم أنا مؤمنة بأن الموت هو مصيرنا جميعاً ولم أخش الموت في يوم من الأيام، لكنني أعيش حالة الصدمة وعدم التصديق منذ وفاته. وكنت أتوقع أن أسبقه إلى الموت، وأقول له سوف أموت قبلك، وسوف تمشي في جنازتي وتحملني حتى مثواي الأخير. وكنت أوصيه أن يكون متماسكاً. وقبل عملية القلب المفتوح التي أجريت لي في أميركا، كان معي وقلت له لقد توقعت أن أسبقك إلى الموت وسوف يحقق الله رغبتي. لكنه فجأة اختفى من حياتي ولم أعد أسمع صوته في أرجاء البيت.. إنه شيء صعب جداً.

-
أعلم أنه كان مريضاً لفترة قبل وفاته ألم يكن ذلك نوعاً من التمهيد لك؟
كان الدكتور فياض يعالج على مدى ثلاث سنوات وكنت أرافقه إلى المستشفى ولا أستطيع الإبتعاد عنه يوماً واحداً. وكنت أتوقع أن يتغلّب في كل مرة على المرض لأنه كان محباً للحياة، لكن هذا قدره وقدري.

-
وكيف ترين الراحل كزوج وإنسان؟
كلمة واحدة تلخص شخصيته، لقد كان «برنس» بكل معنى الكلمة. كان إنساناً راقياً في تعاملاته ومخلصاً في عمله. عشت معه خمسين عاماً من السعادة لم نختلف فيها على شيء ولم أسمع منه كلمة جارحة. لقد قام بتربية ابنتي بسنت وحفيدي محمد ولم تشعر ابنتي في أي يوم أنه ليس والدها. أما إنسانيته الشديدة مع كل من يقابلهم فلن يكفيها كتاب. كان يقوم بأعمال خيرية عدة لم أعرفها إلا بعد وفاته. وقد عالج آلاف النساء وحمل آلاف الأطفال الذين خرجوا إلى الدنيا على يديه.

- وهل كانت وفاة الدكتور فياض سبباً للأزمة القلبية التي تعرّضت لها؟
يبدو أن حالة الحزن التي سيطرت عليّ منذ رحيل الدكتور فياض أثّرت على قلبي المتعب أصلاً. ورغم أن أهلي وأقاربي حولي فإن ذلك لم يخفّف وطـأة الحزن الذي أشعر به. وأعتقد أن مرور الوقت لن يخفف أحزاني بل سوف يضاعفها، فقد شعرت بآلام حادة في صدري ونقلني حفيدي محمد إلى المستشفى بسرعة كما طلب ذلك الدكتور جلال السعيد الذي يشرف على قلبي منذ سنوات.

-
أُجريت لك قبل سنوات جراحة القلب المفتوح. ألم تؤدِّ إلى استقرار حالتك؟
الحمد لله أنا الآن أفضل كثيراً وقد وضع لي الأطباء وقتها نظاماً غذائياً أسير عليه، وطلبوا مني التوقف عن التدخين فتوقفت لفترة ثم عدت إليه. وطلبت من الدكتور جلال أن يسمح لي ببعض السجائر فسمح لي بثلاث ثم تجاوزتها إلى عشر. كما طلب مني الأطباء الابتعاد عن الانفعالات، وهذه هي المشكلة فأنا عصبية بطبيعتي وفي حالة انفعال دائم. وعلمت أن هذه الجراحة تجعل صاحبها عصبياً أكثر.

-
هل كنت «مدخّنة شرهة» من قبل؟
كنت أدخّن علبة في اليوم. وفشل كل من حولي في إبعادي عن التدخين. لكن بعد أن بدأ القلب يتوجع ندمت على عنادي، فأنا عنيدة جداً. ولهذا كان المخرج الراحل حسن الإمام يسميني «عند رستم» لا «هند رستم».

-
هل كنت تعلمين بحقيقة مرضك قبل إجراء جراحة القلب في أميركا؟
  شعرت فجأة بآلام حادة في صدري، وجاءني دكتور جلال السعيد أستاذ أمراض القلب فقلت له: لا أريد أن أعرف شيئاً، لا تهمني التفاصيل، لا يهمني إذا كانوا سيغيرون خمسة أو ستة شرايين. وقد حاول زوجي وابنتي أن يخفّفا عني طبيعة الجراحة وقالا لي: سنجري فحوصاً فقط. ولكنني إنسانة مؤمنة بربنا وقدرية إلى أقصى حد. وفي المستشفى الأميركي أخبرني الطبيب بالحقيقة كاملة، وعند دخولي حجرة العمليات كنا 17 مريضاً نستعد للخضوع لتلك العملية، وحينما شاهدت ولداً عمره عشر سنوات من ضمنهم ألقيت له «قبلة» في الهواء وأنا على باب غرفة العمليات.

-
هل أنت من أنصار المصارحة أم تفضلين «الوهم الجميل»؟
  أنا أفضل عدم مصارحة المريض لأن الأمل شيء جميل ومعجزات ربنا أقوى من أي علم، فهناك حالات عدة يفقد فيها الأطباء الأمل تماماً ثم يكتب الله للمريض الشفاء. لكن في أوروبا وأميركا والغرب عموماً يفضلون مصارحة  المريض ويبرّرون ذلك بأن المريض يجب أن يعلم بحقيقة مرضه حتى يستعدّ للموت، وهو شيء قاسٍ فعلاً.

-
لا شك أن تجربة المرض كانت قاسية بالنسبة إليك؟
أنا أعرف أن ما سببّ لي متاعب قلبي من البداية هو أنني حساسة أكثر من اللازم.

-
لكل تجربة قاسية في حياة الإنسان جانبها المضيء. بماذا خرجت من تجربة المرض؟
أكبر وأجمل شيء حدث لي هو هذا الالتفاف الكبير من الناس في كل مكان وسؤالهم عني. هذا شيء لم أتوقّعه بالشكل الذي حدث لي. كنت أعرف قبل ذلك أن عائلتي هي زوجي وابنتي وحفيدي، فاكتشفت أن لي عائلة كبيرة جداً لا أعرف عدد أفرادها. وقد سأل الكثيرون عني وتلقّيت مكالمات لا حصر لها من كل دول العالم... هزّني هذا الحب وجعل دموعي تسقط بغزارة، وساعدني هذا على الشفاء.

- وهل جعلك هذا الحب تشعرين بحنين إلى الفن؟
لا بالطبع لأنه لم يعد هناك ما يجعلني أقول «خسارة» أو أشعر بحنين إليه. أنا من جيل حمل الطوب ليبني السينما، أنا وفاتن حمامة ومديحة يسري وماجدة. لكن الحنين إلى السينما الآن غير موجود عندي.

-
لكنك لم تتبرأين من فنك رغم اعتزالك...
كيف أتبرأ من أجمل شيء أعطاني الفن إياه - حب الناس- فأنا لم أحقق ثروات من أفلامي. أنا وفنانو جيلي كنا ندفع من جيوبنا. فقد أنفقت مثلاً ثمانية آلاف جنيه من جيبي على ملابس فيلم «الراهبة» وكنا لا نحصل من المنتج عادة على الدفعة الأخيرة من أجورنا وهو الجزء الأكبر، ونعود لنعمل معه من جديد وأنا لم أدخر شيئاً من الفن، فقد كنت مسرفة، لكن أجمل شيء كسبته هو حب الناس.



-
لكنك ما زلت تحتفظين بجاذبيتك وأناقتك؟
أنا بطبيعتي أحب «الشياكة» وأشعر بمتعة حين يعتبرني الجمهور من  النجمات «الشيك». وكانت الملابس التي أرتديها في أفلامي تتحوّل إلى موضة بين النساء. ففي أحد مشاهد فيلم «رد قلبي» ارتديت «روباً من الدانتيل» وفوجئت بأنه تحول إلى موضة. فقد كانت كل عروس تصر على وجود «روب دانتيل» في جهازها مثل «روب هند رستم». ورغم اعتزالي فإنني ما زلت حريصة على صورتي لأن  الناس حين يرونني سوف يتفحصونني وسوف يبحثون عن «هند بتاعة زمان». طبعاً آثار الزمن موجودة لكن أناقتي باقية.

-
ومتى اتّخذت قرار اعتزالك؟
  اعتزلت وعمري 42 سنة. كنت أريد أن أقول كفاية لقد أعطيت الفن ما يكفي وأريد أن أعيش حياتي في شكل صحيح. كنت أريد أن آكل، فقد كنت تقريباً محرومة من الأكل، وخاصة الحلويات والشوكولاتة حفاظاً على وزني وكنت أضع الميزان في غرفة نومي وأتابع وزني قبل النوم وعند الاستيقاظ. كنت أريد أن أسافر فلا أستطيع... منعني حبي للفن من أن أعيش حياتي.

-
لكن البعض ردد أن اعتزالك جاء بناء على طلب زوجك الدكتور محمد فياض؟
الدكتور فياض كان يقدر فني ويحترمه ولم يطلب مني أن أعتزل أبداً، لكنني أدركت أن عليّ التزامات لا بد أن أوفي بها تجاه زوجي الطبيب الكبير الذي يمضي أغلب أوقاته في المستشفى والعيادة ويعود مرهقاً ويحتاج إلى اهتمام مني.

-
هل كنت تقومين بدور سكرتيرة له؟
  أقصى ما كنت أقوم به أن يخبرني بخط سيره وحين يتصل أحد أخبره بمكان وجوده.

- ألم يحصل بينكما أي نوع من الغيرة لأنك فنانة وهو طبيب نساء شهير؟
  لم يحدث، فأنا لم أشعر بالغيرة عليه من مريضاته لأنه يؤدي عمله. وهو كان يتفهّم أن مشاهد الحب والرومانسية التي كنت أقدمها هي جزء من عملي. وأنا عموماً عندي ثقة بنفسي ولا أحب المرأة الضعيفة.

-
أعلم أنك ربيت حفيدك الوحيد محمد، فما هو الأسلوب الذي اتبعته في تربيته؟
هو الأسلوب نفسه الذي اتبعته مع ابنتي. فأنا أحب التربية الحاسمة وأكره التدليل الزائد وأرى أنه من المهم أن يحترم الصغير الكبير حتى لو كان الكبير على خطأ وألا يرتفع صوته بالكلام. هذه الأشياء بدأت تنقرض. ورغم أن حفيدي درس في مدارس أجنبية ثم الجامعة الأميركية، فقد ربيته بطريقة صعيدية وعلى التديّن. ولا بد أن ينشأ الأولاد على احترام الدين.

- ألم يحمل حفيدك أي مواهب فنية؟

هو درس إدارة الأعمال واشتغل في مجالها ولم أتمن أبداً أن يصبح فناناً لأنه عمل مرهق وشائعاته كثيرة،. الحياة الفنية عموماً فيها قسوة، و99 في المئة من فناني مصر يضعون نظارات لتأثير الإضاءة والعمل الصعب على عيونهم.

- هل هناك فنانة يمكن أن تكون امتداداً لهند رستم؟
  أحب فنانات الجيل الجديد، لكن لا يوجد فنان يستطيع أن يكون امتداداً لآخر، وليس هند رستم فقط. وهناك مثل روسي يقول: «إذا مات رئيس الوزراء سيأتي 100 بدلاً منه ولكن إذا مات فنان فلن يأتي مثله».

-
هل ينطبق الأمر نفسه على إعادة الأفلام مثل «رد قلبي» وغيره؟
هذا يعتبر نوعاً من الإفلاس وهي تجارب محكوم عليها بالفشل لأن الأصل هو الأبقى.

-
قدمت أدواراً متباينة في السينما إلا أن لقب «نجمة الإغراء» ظلّ يطاردك؟
هذا أمر لا يسعدني، فقد كنت أكثر فنانة نوّعت في أدوارها. في كل دور كان هناك شيء مختلف، ولم أقف عند أدوار معينة، فقدمت «شفيقة القبطية» و«الراهبة» و«امرأة على الهامش»... كلها أدوار مختلفة وجريئة.

-
هل تسقطين بعض أفلامك في مشوارك الفني؟
  ما لا يقل عن خمسة أو ستة أفلام سقطت ولم أحبها، ولم يكن ذلك نهاية العالم، فنحن لسنا أفضل من نجوم هوليوود، والفنان لابد أن يخطئ ليتعلم ويقف على قدميه.

-
هل تعتقدين أن الدولة كرمتك بشكل لائق؟
الدولة لم تكرمني بالشكل الذي أتمناه وهذا يرجع إليّ شخصياً، فأنا شخصية غير اجتماعية. أعتز بنفسي جداً ولا أملك أي قدر من الذكاء الاجتماعي الذي يجعل صاحبه يمتلك شبكة علاقات اجتماعية. ورغم أن هذا الأمرمهم للغاية في عملنا فإنني كنت أرفض دائماً التودّد إلى أحد.

-
هل تذهبين إلى السينما؟
لم أذهب إلى السينما منذ سنوات. كنت أحرص على مشاهدة أفلام المخرج الكبير يوسف شاهين والفنان عادل إمام فكل منهما يقدّم سينما أحبها، وأتابع بعض الأفلام والأغاني في التلفزيون.

-
وما رأيك في هيفاء وهبي ونانسي عجرم والمطربات اللواتي يسعين لتقليدك؟
  هيفاء جميلة ونانسي رقيقة وناعمة وأنا أحبهما.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079